كاتب الموضوع :
سنديان
المنتدى :
القصص المكتمله
الفصل 11
سنتين من الصدفة والوعد انقضتا وأواصر الحب تقوى وتكبر بين كاميليا وعماد ، الآن هو يحبها أكثر ومتعلق بها أكثر ويريدها قريبة منه على الدوام . يريد أن يلقاها باستمرار ليبثها حبه وشوقه ، لكنها ترفض وتطلب منه الاكتفاء بوصل الهاتف بعد اللقاءات المعدودة لهما في مطعم المجمع التجاري على فترات متباعدة .
لم يلتقيا منذ ما يزيد على شهرين عندما لمحت كاميليا إحدى زميلاتها تدخل المطعم الذي كانت فيه مع عماد وخافت بأن تكون قد رأتها معه فهي تخشى على حبها أن تشوبه شائبة ،أو تنالها تهمة أو شائعة في شخصها أو سمعتها . تخاف أن تلوكها أفواه القطيفيين المعتادة على مضغ الفتيات وبصق شرفهن ، فالمجتمع بمجمله مهما اختلف تياراته وثقافته مجتمع فضائحي وهذه القصص لها نصيب كبير في أحاديثهم ومناقشاتهم واجتماعاتهم فليس لديهم ما يتحدثون عنه سوى الحديث عن الناس والفتيات خاصة .
طلب منها ملاقاته ليقدم لها هدية بمناسبة عيد ميلادها ، ورفضت فاضطر لوضع الهدية في كيس ورقي أنيق ووضعه أمام باب منزلها عصر ذلك اليوم وتسللت هي وأخذتها دون أن يلحظها أحد . كانت الهدية عبارة عن زجاجة عطر"ألور"وقرطين ماسيين رائعين ، جعلاها تعيد التفكير بلقائه في أي مكان عام من جديد.
عرض عليها اللقاء في القلعة الترفيهية فرفضت ، فلقد سمعت الكثير من القصص التي تحدث هناك ، اتفقا على الذهاب إلى المطعم التجاري . استمتعت بشرب العصير وهو يحدثها عن البيت ، وأخرج لها كتالوج جلبة من محل الأدوات الصحية لتختار السيراميك وأطقم الحمام والمغاسل . اختارت ما أعجبها وقالت له:
- سيصبح البيت تحفة فنية فخمة .
هز رأسه وقال بثقة :
- هذا ما يقوله المهندس أيضا .. لقد عرض عليّ فكرة استقدام رسام إيطالي ليرسم لوحات جميلة في أسقف المنزل بالكامل .. ما رأيكِ بالفكرة ؟
- مدهشة .. ولكنها مكلفة بالتأكيد .
- أنا عماد الغانم .
- بدأت تتفاخر بعائلتك !
ضحك وقال:
- من حقي أن أعيش بسعادة مع قطعة السكر التي أحبها في بيت يليق بها ويرضيها .
ضحكت وهو يخبرها بأنه سيشتري جميع أجهزة المنزل من محلات والدها المنتشرة في المنطقة الشرقية . ثم أخبرها بنيته شراء مزرعة فلطالما أحب الطبيعة والهدوء , والمزرعة ستصبح مكانا جيدا للاستجمام والضيافة . تلفتت لساعتها فقد اتفقت مع أمها أن لا تتأخر فهي استأذنتها بالخروج إلى القرطاسية لنسخ محاضرة هامة للامتحان .
عادت لبيتها وأضاءت الشمعة المعطرة وأدخلت شريط نجوى كرم في المسجل ، وبدأت نجوى تصدح بصوتها ..
" يا عيون قلبي كيف بدي نام
لمحة بصر هالعمر واللي بحب ما بينلام
هالكون صار صغير حملني حبيبي وطير
على عالم تاني يكون كلو غرام "
ظلت تفكر بعماد وهي ممسكة بالمحاضرة وتعرف بأنها ستحصل على علامة منخفضة فهي ساهمة طوال محاضرات الكيمياء الحيوية وخصوصا عندما تلقي المحاضرة الدكتورة منى بهدوئها الغريب فتنام أحيانا ، وإذا ظلت مستيقظة فيكون عقلها وتفكيرها معه.
*****
أشترى عماد مزرعة في "الجيش" إحدى قرى القطيف الجميلة . كانت مزرعة ببعض أنواع النخيل كالخلاص والخنيزي والغرى ، وعدد من شجر الكنّار واللوز وأشجار الليمون والكثير من أشجار الزينة . بها استراحة مجهزة بغرفتين نوم وحمامين ومطبخ صغير ومجلس كبير به جلسة عربية أنيقة وغرفتين للحارس والعاملين . بها إسطبل صغير للخيول كان صاحب المزرعة الأول يربي فيه ثلاثة خيول عربية أصلية اشتراهم مع المزرعة وقرر الإشراف على تربيتهم والعناية بهم واكتساب هواية جديدة. أصبح يقضي وقت فراغه في المزرعة بهدوء وبعيدا عن الناس والعمل ، وينام هناك نهاية الأسبوع ويتمتع بامتطاء الخيل والعناية بهم رغم كونه لم يفعل ذلك قبلا ، وكثيرا ما يزوره ماجد ويتسلى معه . تغيرت حياته الرتيبة ، أصبح فيها امرأة يفكر بها على الدوام ، يحبها ويرى فيها زوجته وشريكه في مشوار الحياة ، وعمله وهذه المزرعة التي يستريح فيها نهاية الأسبوع .
ذات نهار ربيعي مشمس جلس في استراحة مزرعته يراقب الحقول عبر النافذة والعمال يقومون بري الأشجار والمزروعات في الصباح الباكر من يوم الجمعة ، وتناول فطوره الذي أعده بنفسه ، فاصوليا حمراء مع الفلفل الأسود وعصير الليمون والخبز وعددا من حبات الرطب التي قطفها بنفسه . شعر بالهدوء وقمة التصالح مع نفسه وأصوات الطيور هي وحدها المسموعة في هذا المكان البعيد عن ضوضاء المدينة . خرج يتمشى بين أشجار الليمون وهو يفكر في السنتين اللتين انقضتا سريعا ، سنتين من الإنجازات على الصعيدين العاطفي والعملي .ظل يفكر بكاميليا التي كانت منذ البداية حافزا مهما له في كل جوانب حياته ، جعلته متفائلا وسعيدا ولا يهدأ ليلا ونهارا من العمل والتخطيط والتفكير بالمستقبل ، وكما يقول الجميع بأنه رجع لسابق عهده ولكنهم لا يعرفون السبب.
أحس بشوق كبير لصاحبة الصوت الرقيق . ظل ينتظر الوقت ليتقدم أكثر ويتصل بها ، وعندما أشارت الساعة إلى العاشرة أتصل بها ليقول لها عما يشعر به في تلك اللحظة . رن الهاتف الرنة الأولى والثانية والثالثة والرابعة وبعد الخامسة استيقظت من نومها وأجابته . قال لها بشوق :
- أحبك كثيرا .. ولا أعتقد بوجود رجل على الأرض يحب امرأة كما أحبك أنا .
ضحكت بسعادة وقالت وهي تتثاءب:
- صباح الخير دودي.
- صباح النور يا قطعة السكر ..أنا جالس وحدي في المزرعة وليس لدي ما أفعله غير التفكير بك.
عاتبته بدلال لأنها تعرف بأن عائلته ستذهب لزيارته في المزرعة ولم يدعوها ، وأغلقت السماعة بعد أن طلبت منه أن ينتظر قدوم نسرين فستجلب له رسالة منها . ظل ينتظر والديه وأخته في المزرعة على أحر من الجمر ويحصل على رسالتها . أراد أن يتحايل على الوقت ليمر بسرعة فأشرف على العمال وهم يضعون ثمار الليمون والرطب الناضجة في صناديق فلينية ليأخذها معه مساءا ويوزعها على عائلته ، ثم ذهب لإسطبل الخيول وامتطى أحب هذه الخيول إلى نفسه ، الخيل الأصلية السمراء اللون بشعر وذيل أشقر وراح يتمشى في أرجاء المزرعة .
في الواحدة ظهرا لمح سيارة والده العائلية تدخل من بوابة المزرعة ويقودها السائق فاتجه نحوها . حيا والديه الذين نزلا من السيارة ولمح كاميليا جاءت بصحبة نسرين وأمل ولم يكن مصدقا بأنها فعلا أمام عينيه فهي لم تخبره بقدومها عندما اتصل بها صباحا .
ارتسمت الابتسامة على وجهه وهو يحاول أن يخفي أثر المفاجأة السارة ، وبسرعة نزلت كاميليا وهي تخفي عينيها بنظارتها الشمسية ومرت بجواره دون أن تلتفت إليه . لم يكن مستغربا من قدومها مع عائلته فهي صديقة مقربة لأخته ولابنة عمه ولكنها تعمدت عدم إخباره.اقتربت منه أمل ونسرين تتحدثان معه وتطلبان منه أن يساعدهما على امتطاء الخيل لاحقا ، واقتربت منهم كاميليا وهي مازالت تتحاشى النظر لعينيه دخلن الاستراحة بينما هو يتحدث مع أحد العمال ، وأمه مع الخادمة تستعدان لتجهيز الطعام .
جلسوا سويا على الأرض حول السفرة لتناول الطعام كبسة اللحم ، ونسرين توزع صحون السلطة ، وعماد يقطع البطيخ وكاميليا تسترق النظر إليه . لم تأكل كثيرا واكتفت بعدد قليل من ملاعق الأرز ، ومن ثم أكلت السلطة والبطيخ .أعد عماد الشاي وسكب للجميع . شرب وهو يتحدث مع والده الذي أحتسى كوبه ونام مباشرة . أستند عماد على أحد المساند ممدا رجليه على الأرض ، وممسكا بالجريدة وعينيه على كاميليا الجالسة بين أمه وأخته وابنة عمه يتحدثون بصوت منخفض ، فظنهن يتحدثن بأمور نسائية لا يجب أن يسمعها ،أو حشّ (نميمة) من الوزن الثقيل على أحد . نهض وخرج من الاستراحة وعينيّ كاميليا وراءه ، فلحقت به أمل تطلب منه أن يحضر الفرس ويساعدهن في ركوبها
خرجت كاميليا مع نسرين وأمل خارج الاستراحة ينتظرن قدوم عماد، لكنها أحست بالغيرة من أمل لقربها من عماد وهي تمازحه وتحدثه عن الفارسية . ولا تعرف كيف طرأ ببالها لحظة بأن أمل تحمل في قلبها عاطفة ما نحوه ، وربما تحبه أيضا وتتمنى الزواج به . اقترحت على صديقتيها المشي بين أشجار الليمون المتقاربة .أرادت الابتعاد عنه حتى لا يرى وجهها وآثار الغيرة واضحة عليه .غطت عينيها بنظارتها الشمسية عندما أحست بدمعه تتأرجح على رمشيها ، وعندما سمعن صهيل الخيل خرجن من بين الأشجار ووقفن عند نخلة متوسطة الطول وجاء عماد . امتطت نسرين الفرس بمساعدة عماد ، وابتعدا تاركين كاميليا تتحدث مع أمل ، وبعد دقائق عادا لنقطة الانطلاق حيث نزلت نسرين واقتربت أمل من الفرس وركبت وسار عماد معها .
ابتعد تاركا كاميليا تغلي غيرة لا تستطيع الإفصاح عنها ، فهي لا تريد احد أن يقترب منه .أخذت نفسا عميقا وهي تقول في سرها ( هذا الرجل لي ولا أسمح لأحد أن يقترب منه) ، وبعد دقائق عادات أمل وعماد خلفها ممسكا بلجام الفرس . دعتها لركوب الفرس فأجابت بنبرة غاضبة بأنها لا تحب الحيوانات . قالت جملتها واستدارت لنسرين وأمل وطلبت منهما المشي بين الأشجار، وذهبن مبتعدين عن عماد الذي امتطى الفرس واتجه للإسطبل ثم عاد إلى الاستراحة ليجلس بصحبةأمه .وعندما بدأت الشمس تستعد للغروب استأذنها للخروج لرؤية الشمس وهي تذوب بين أحضان السماء ، كان يعشق غروب الشمس ومنظر شروقها ويرى فيهما إعجازا إلهيا كبيرا . خرج يتمشى ببطء ويراقب الشمس الغاربة وتفكيره محصور بكاميليا . أحس بأن حبه لها ليس عاديا وبأن قلبه الصغير يحمل
حبا كبيرا ولهفة يشعر بها للمرة الأولى في حياته . تمنى لو يصرخ باسمها ويسمعه الجميع ويعرفون بحبه، تمنى لو يذهب إليها ويضمها بين ذراعيه لتذوب بين أحضانه كما تذوب الشمس بين أحضان السماء أمام أعين الناس جميعا بدون خجل .
عاد لمنزله بعد يوم ممتع قضاه في مزرعته وما أسعده أكثر هو المفاجأة السارة التي أعدتها له كاميليا عندما جاءت مع عائلته . تناول عشاءه مع والديه وصعد لغرفته وبدأ يستعد للنوم ، وقبل أن ينام أمسك بالهاتف ليحادث كاميليا ، كان يريد إخبارها بأنه غارق في حبها حتى أذنيه ، لكن لهجتها في الحديث بدت متغيرة . لم تكن قادرة على منع نفسها من الشعور بالغيرة رغم اقتناعها بأن عماد وأمل كالأشقاء تماما . أخبرته بذلك وطمأنها وأكد لها بأن أمل مثل نسرين وندى تماما وأستسلم للنوم بعد حديث طويل . أستيقظ خائفا قبل شروق الشمس بلحظات عندما رأى كاميليا في المنام تتمشى على شاطئ البحر والأمواج تفصلها عنه وهي تهرب من رجل بشع المنظر ،كانت تناديه وتطلب مساعدته وهي تبكي بحرقة وهو لا يستطيع مساعدتها وبعدها سقطت الحجارة من فوقه . بلع ريقه وتعوذ من الشيطان ونهض من السرير وشرب كوبا من الماء وعاد إلى سريره مجددا وهو يفكر بهذا الحلم الذي يراه للمرة الثالثة ويتكرر بنفس تفاصيله .
|