كاتب الموضوع :
سفيرة الاحزان
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وعندما اصبحت فى داخله انتبهت الى الجلبة التى احدثتها اندفاع الرجال الى الممر تتلاشى الاصوات بهبوط المصعد بها الى الطابق الاسفل.
وعندما اصبحت فى الردهه اندفعت خارجة من المبنى دون ان تنظر يمنة ويسرة متجهه بنظراتها الى الامام وقد اختطف لونها الشحوب.
كانت تحث السير وهى تردد بذهن زائغ وراس تملكه الدوار (لقد نال ما يستحق انه كان اقل من ان يعتبر انسانا حتى ولا حيوانا وهى غير نادمه على ما فعلت مطلقا واعادها الى الواقع لسعة الهواء البارد الذى تخلله صقيع الشتاء لتدرك ان عليها ان تخرج من هذا الشارع العاد الذى يقوم فيه الفندق وتدخل احد الشوارع الفرعية ذلك ان المتعقبين سرعان ما يكونون فى انرها بعد دقائق وهى لا تستطيع مواجهة اى انسان الآن .
ذلك انها كانت ترتجف الى حد لم تكد تستطيع فيه الوقوف بثبات.
وانعطفت فى الشارع الضيق مخلفة الشارع العام باضوائه وازدحام حركة السير فيه حيث وقعت عيناها على حانة صغيرة تكاد تكون مهجورة وحالما رات نظرة الدهشة التى رمقها بها المستخدم الشاب انتبهت ان معطفها وحقيبة يدها ما زالا مع جو فى الفندق فى الرقت الذى كان فيه ثوبها الخفيف هذا لايصلح لمثل هذا الجو فى الخارج.
وعندما دخلت استراحة السيدات استندت على الجدار البارد شاعرة بالدوار .منتدى ليلاس
ان عليها ان تلتمس من رجل الحانه ان يسمح لها باستعمال الهاتف .
فقد تستطيع الاتصال بصديقها جو فى الفندق لتطلب منه موافاتها باشيائها تلك.
واغمضت عينيها انه سيثور ولكن ليس بامكانها ان تتصرف بغير ذلك حتى مفتاح شقتها كان فى حقيبة يدها.
وكان اتصالها به أسوأمما توقعت .
فقد بدا صوت جو متوترا غريبا وعدها بان يكون عندها بعد دقائق وهذا كل ما كانت تريده.
وجلست مواجهة للباب ترتجف من اضطراب مشاعرها اكثر منها شعورا بالبرد بعد اذ ابتدا ادراكها لما فعلت يعصف بكيانها لا شك ان اباها كان حتما سيتملكه الذعر للمشهد الذى احدثته ابنته الوحيدة .
وهزت راسها بالم وهى تتصور وجهه الوديع . لقد كان من الرقة والثقة بالاخريب بحيث يشكل فريسة سهلة لامثال كين استيل عديمى الرحمة او كما يقول المثل الحمل والجزار.
(الانسة غوردون) وتجمدت فى مكانها لحظة لا نهاية لها قبل ان تدير راسها لتقابل المصير المرعب من وراء ذلك الصوت الكريه عند الباب الذى كان يقول ( انك لن تفلتى بهذه السهولة يا آنسة غوردون).
لم يسبق قط لجانى ان شاهدت من قبل وجها قد اسودمن الغضب بهذا الشكل الذى تراه الان مما غير ملامحه باجمعها.
وصرخت فيه وهو يمسك بذراعها يرغمها على الوقوف على قدميها (ماذا) وبترت جملتها وهى ترى نفسها تدفع بعنف من خلال الباب الى الخارج حيث كان سائق فى ثيابه الرسمية يجلس بصمت وراء عجلة القيادة فى سيارة بنتلى رائعة بلونها الرمادى الفضى
وكانت بزته الانيقة بنفس لون السيارة .وكانت عيناه جامدتين بينما كان كين ستيل يشير الى السيارة وهو يقول غاضبا (اصعدى)
فاخذت تحاول تخليص نفسها من قبضته الحديدية وهى على اهبه الهرب لدى اول فرصة .
وعاد يقول بلهجة بالغة التوتر (قلت لك اصعدى يا آنسة غوردون )
فقالت (لقد سمعتك) وكانت تجاهد لتمنع الخوف الذى كان يسرع بخفقات قلبها من ان يظهر فى وجهها او صوتها ولكنها كانت تدرك ببالغ الذل ان باستطاعته ان يشعر بالرجفة التى تسرى فى جسدها من خلال قبضتة القوية على ذراعها .
لم يكن ثمة انسان فى ذلك الشارع الخفيف الاضاءة .
ونظرت حولها فقشعر جسدها وشعرت براحتيها تتتعرقان من الرعب.
اليس ثمة من ينقذها؟اين هو جو واين الاخرين؟ ان بامكانها ان ترى اضواء اشارة السير وتدفق الحركة فى ملتقى الشارعين ولكن هنا فى هذا الشارع الخلفى الهادئ كان كل شئ يبعث على الرهبة.
وادارها اليه لتجد نفسها تحدق فى وجهه القاسى وهو يقول (اذا كنت تتوقعين ان ياتى جو فلاندرز لانقاذك فانت مخطئة انظرى الى داخل السيارة ).
فنظرت خلال باب السيارة البنتلى المفتوح لترى معطفها وحقيبة يدها على المقعد وهتفت قائلة بصوت ينضج مرارة (كيف تمكنت من احضارهما ؟ هل استعملت شيئا من السلطة والنفوذ ما جعلك تتوقع من وراء ذلك التبجيل والاحترام )
لماذا خذلها جو بهذا الشكل ؟ كيف بامكانه ان يفعل هذا؟
فاجاب ببط (تماما لقد سبق وقابلت السيد فلاندرز فى اكثر من مناسبة .
وقد تفضل بالتقدم الى مساعدىعندما راه يطلب من موظفة الاستعلامات ان تذيع اسمك فى الوقت الذى اتصلت انتى فيه هاتفيا . لقد كان يعرفنى......)
فقاطعتة تترتجف (اننى اعرفك ايضا وهذا هو السبب بالضبط فى اننى ارفض الدخول معك الى السيارة )
فقال متوعدا (اعيدى التفكير فى ذلك)
وارتسمت على شفتيه ابتسامه اشبه بتكشيرة الذئب. مبديا اسنانا قوية بيضاء وهو يتابع قوله والا فستتهمين بالقذف والمهاجمة والتسبب فى عراك فى مكان عام .هل اتابع كلامى اكثر من ذلك ؟)
ونطقت عيناه بالقسوة وهو يتابع قائلا (ان سجن النساء ليس مكانا جميلا لقضاء ليلة فيه يا انسه غوردون ولكن هذا ما سيحدث اذا بقيت على اصرارك هذا )
فاتسعت عيناها البنيتان العميقتان برعب وهى تحملق فى ذلك الوجه القاسى بينما كان هو ينظر اليها بعينين ضيقتين تنطقان بالشر وقالت (انك لن .......هل ستفعل ذلك حقا )
فاجاب وهو يترك ذراعها فجاه (طبعا سافعل )
وصعد الى السيارة تاركا اياها واقفة ترتجف على الرصيف . ثم عاد يقول : ( لك ان تختارى يا انسة غوردون وعندك مهلة عشر ثوانى لذلك فاما ان تصعدى بعدها الى السيارة لكى يمكننا ان نناقش على انفراد اسباب تهجمك على ذاك واما ان ندع القضية كلها بين ايدى المسؤلين فاى امر تختارين ظ)
وانهى كلامه بصوت عميق خال من الشفقة.
فعضت على شفتها السفلى لحظة وهى تقف مرتجفة فى جو المساء البارد ذاك ثم سألته (الى اين ستاخذنى؟)
فمال نحوها مصوبا اليها نظرة ثاقبة وهو يجيب بقولة هذا شانى انا لقد انتهت المهلة يا انسة غوردون وانتهت محاولاتى الرقيقة لاقناعك).
فجفلت وهى تقول بياس (انك لم تترك لى خيارا آخر ).
وافسح لها مجالا لكى تصعد وهو يضحك بخشونة قائلا(هذا صحيح تماما).
وصعدت الى السيارة وقد بانت عليها التعاسة وما ان استقرت فى مقعدها حتى غمرها الشعور بالرفاهية البالغة وقد افعمت انفها رائحة الجلد الممتاز ممزوجة برائحة كولونيا بعد الحلاقة غالية الثمن .
وفى داخل السيارة تجلى لها فجاه كبر حجمه ولاول مرة تلحظ عرض كتفيه غير العادى وصدرة الفسيح الذى يتناسب مع طوله الفارع وقال ( والان هل ستعطينى عنوانك؟)
وارغمت نفسها على النظر الى وجهه المغضن المظلم وهى تجيبه بقولها ( كلا . لن افعل )
فقال (حسنا جدا ) وادار راسه نحو السائق ثم اعطاه عنوانا لم تسمع به قط من قبل قبل ان ينزل بعنف الزجاج الذى يفصلهما عن السائق وهو يقول ببطء وبلهجة كالصقيع ( لقد سالتك فلا تنسى هذا .)
وما لبث الخوف الذى كانت تحاول كبته طيلة الوقت ان تفجر بعنف لتقول ( صبرا لحظة ليس بامكانك ان تختطفنى.)
(اختطفك يا آنسة غوردون؟) وبان الهزء على شفتيه وهو يتابع قائلا ( ولماذا اختطف فتاة كريهة مهزوزة مثلك ان فى حياتى من مشكلات ما يكفى فلماذا اسعى الى المزيد ؟)
وتجاوزت عن هذه الاهانة مؤقتا اذ كان لديها ما هو اهم من ذلك وسألته ( الى اين نحن ذاهبان ؟) فاتكا الى الخلف فى مقعده الوثير وقال وهو يغمض عينيه: (ستعلمين ذلك قريبا جدا لقد نلت الكفاية هذه الليلة فاقفلى فمك الكريه الصغير الى ان نصل الى هدفنا ولا ادرى لماذا اكلف نفسى عناء البحث عن سبب كل هذا لاشك اننى مجنون)
فقالت (انك تعلم ان........)
فقاطعها دون ان يفتح عينيه بلهجه اسكتتها (اسكتى يا آنسة غوردون.)
لقد كان رجلا هائلا وشعرت بخفقات قلبها تتصاعد لدرجة تاكدت معها من انه لابد سنعها كان قويا خطيرا ودفعها الذعر لدى ادراكها فجاه انها سحبت النمر من ذيله دفعها الى تحويل نظرها الى خارج النافذة بيأس وقد اضطرب تفكيرها هل تراها تتمكن من القفز من السيارة لدى توقفها عند الاشارة الضوئية القادمة؟ انه عن ذاك لن يتمكن باللحاق بها فى شوارع لندن وقفزت لدى سماعها صوته عميقا بالغ الرصانة وهو يقول : (لقد اقفل بينز النوافذ اتوماتيكيا بناء على تعليماتى .)
ونظرت الى وجهه بحدة لترى ان عينيه مازالتا مغمضتين تماما وهو يتابع قائلا : ( استريحى فى مقعدك واستمتعى برحلتك هذه يا انسة غوردون . انك فى قبضتى سواء اعجبك هذا ام لا )
فقالت : ( انه لا يعجبنى .)
فقال وهو يغير من جلسته حسنا لكى ان تعتبرى هذا جزء صغير من عقابك عن فعلتك تلك .)
فقالت بحدة غير مصدقة : ( عقابى ؟ اسمع الان اننى لا افهم ما يجول فى ذهنك ولكن ...)منتدى ليلاس
فقاطعها وقد اتكا فى مقعده دون حراك وكانه هر ضخم خطر : ( لكى ان تفهمى ما تشائين يا آنسة غوردون . ولكن ليكن فى مفهومك ان ليس ثمة من يعترض طريقى ثم يفلت من العقاب .)
وحدقت هى فيه بصمت بينما السيارة تنطلق بسرعة مجتاذة الاشارات الضوئية رغم ان تحديقها ذاك كان لا معنى له وهو مغمض عينيه . كان رجلا ينطق بالرجولة وجالت انظارها بتكاسل بين معالم وجهه الخشنه وشعره الاسود الذى مسه الشيب فوق الاذنين.
وبدا لها قويا مليئا بالحيوية بالغ النشاط والثقة بالنفس.
وتجمدت فى مكانها ذعرا وهى تلمس المدى الذى وصلت اليه افكارها.
وما الذى يهمها حتى ولو كان انشط الرجال على وجه الارض.
انه بالنسبة اليها كين استيل الذى تكرهه وتبغضه فمهما كانت وسامته...ولكن هل هو وسيم حقا ؟ واخذت تتامل مرة اخرى ذلك الوجه المسترخى كلا كلا مطلقا انما هناك فى الحقيقة جاذبية اخاذة تنطق برجولة تفوق اى جمال صبيانى وهزت راسها لخداعها هذا لنفسها اذا ليس ثمه خير فى هذا الرجل مطلقا مهما كان منظره او اى شئ آخر.
كلما طوت السيارة المسافات كان شعورها بالقلق يزداد لقد كان الامر فى منتهى السخرية واذا لم تقف السيارة فستبدا بالصراخ والضرب على الزجاج الفاصل بينه وبين السائق الى ان ينتبه هذا فيقف فهى امراه ناضجه فى الرابعة والعشرين وليست تلميذة لا حول لها ولا قوة .
وقال : (هل اكلت شيئا ؟ )
(ماذا؟) ونظرت اليه بعنف لدا سماعها صوته العميق هذا بحيث لم تستوعب كليا ما قال .
وفتح عينيه الزرقاوين المسييطرتين لتسكتها وهو يقول : (لقد سألتك ان كنتى قد سبق وتناولت طعاما قبل ان تادى ذلك العرض الرائع . )
فقالت : ( اننى لم اكن اؤدى عرضا كان هذا ...) وتلاشى صوتها بعد اذ لم تجد التشبه المناسب وتصلب جسدها وهو يبتسم ببرود وقد كسا وجهه الاحتقار البالغ وهو يقول ساخرا : ( لبا يدهشنى ان ارى عملك ذلك قد الجم لسانك واطمئنك الى ان تاثير ذلك العمل كان له على نفس التاثير .)
فنظرت اليه بحقد وهى تقول : (حسنا...)
فعاد يكرر بلهجه انباتها ان من الافضل لها ان تجيب عن سؤاله حالا : ( لقد قلت هل تناولت طعاما ؟ )
فاجابت بلهجه متوترة وقد نمضحت عيناها بالكراهيه والعداء : ( كلا فى الحقيقة مع اننى لا ادرى مبلغ علاقتك بهذا الامر ...)
فقاطعها باشارة من يده تنبئ عن ضيقه وهو ينظر من النافذة قائلا : ( دعى الحديث عنى ... وها قد وصلنا .)
فقالت بحذر : ( وصلنا ؟ الى اين ؟ )
وما لبثت عيناها ان اتسعتا حين دخلت السيارة الرائعة الجمال خلال بوابة واسعة مفتوحة على مصرعيها قائمة فى جدار من القرميد لتدرج فى ممر فسيح مرصوف بالحصى متجهة الى منزل ضخم
|