لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-09-10, 09:11 AM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

ونظرت الى وجهه وهو يلقي بابتسامه مجامله لنكته القاها والده مالذي كان سيحدث لو ان تينا كانت قد اعترفت بالدافع الملتوي وراء معاملتها تلك لزوجها ؟كيف كان سيتقبل هذا؟
وزجرت جاني نفسها بغضب لاسترسالها في التفكير بهذا الشكل وهي ترى والده كين تكر على مسامعها شيئا قالته لتلفت انتباهها وحدثت نفسها بان لاشان لها هي بكل هذا فلتكف اذن عن التفكير به اذ لاشئ من هذا يهمها ولكن هو يهمها فعلا فهي لاتريد له الضرر
واتسعت عيناها البنيتان اذ وصات في تفكيرها الى هذا الحد اه لابد لها من ان ترحل عن هذا المكان وفي اسرع وقت ممكن
وقال لها كين ببساطه وهما يسيران خلف الاخرين عائدين الى غرفه الجلوس
-اتحبين الاستمتاع بعض الهواء الطلق؟فقد يعيد الاحمرار الى وجنتيك
فنظرت اليه بذهول قائله
-الان؟ ان الظلام شديد
فابتسم ساخرا وهو يقول
-نعم انه كذلكولكن بامكانك ان تدثري جسمك جيدا منعا للبرد كما ان الحديقه مناره جيد
فقالت موافقه بشئ من التردد
- لاباس
لم تكن تريد ان تسير معه في الظلام ولكنها ايضا لم تكن تريد ان تمضي ساعه او ساعتين في حديث مؤدب تسوده معارضه تينا الجارحه وتابعت تقول
-ولكن..
وسكتت فجاه
منتدى ليلاس
فقاطعها وفي عينيه نظره عتاب
-ولكن ماذا؟ تعنين ان سلوكي يجب ان يكون غايه في الاستقامه اليس كذلك؟
فرفعت نظرها اليه تقول بلهجه دفاعيه
-انه شئ كهذا وانا لا اطلب الكثير اليس كذلك؟
فاجاب بصوته العميق بلهجه تحوي الحسره مما ارسل رعشه في اوصالها
-انك لن تعرفي ابدا ولكن...
وسكت ساخرا ثم اضاف
-انني متاكد من ان هذا امر حسن بالنسبه الى والان اذهبي واحضري معطفك
وعندما عادت اليه في القاعه بعد عده دقائق كان واقفا ينتظرها وكان جسمه كبيرا قاتما يوحي بالسيطره في معطفه الاسود وشعره الكث الذي كان يلمع في النور الذي فوق راسه وناولها وشاحا من الكشمير الرمادي قائلا
- ضعي هذا ايضا فالصقيع شديد
وعندما لفت الشال حول عنقها اشتمت رائحته المميزه فسالته
-أهو يخصك؟
فاجاب وهو ينظر اليها بدهشه
-نعم هل لذلك ايه اهميه ؟
فخفضت نظرها مرتبكه وهي تجيب
-كلا؟


ان ذلك سيقودها الى الجنون ..الى الجنون
وعندما اصبحا خارج المنزل شهقت قليلا لبروده الهواء فوقفا لحظه على قمه السلم يتنفسان الهواء البارد هذا بعد الدفء في الداخل ووقع بصرها على الاشجار والمزروعات وقد غطاها الثلج لتبدو تحت الانوار الحديقه خارقه الجمال وكان الجو رائا والسماء سوداء تمثلت لها غطاء هائل من القطيفه السوداء المرصعه بالنجوم المتلالئه ما اسبغ على الكون سكونا مشحونا بالاسرار
وسالها كين برقه وهو يمسك بذراعها
-اليس هذا افضل من البقاء في الداخل؟
فاجابت وهما يشرعان بالسير
-نعم
وكانت انفاسها تكون غيوما بيضاء في ذلك الهواء البارد وكان وجوده بقربها بقامته المرتفعه ورجولته المتدفقه المسيطره في ذلك السكون الجذاب كان كل ذلك ياخذ بانفاسها ويسارع في خفقان قلبها
كانت الارض امامها مكسوه بالعشب المقصوص تخترقها الممرات الضيقه وتحيط بها الاشجار مما جعلها تبدو رائعه الجمال وبعد دقائق وصلا الى الحديقه التي كانت تقوم فيها شرفه تتسلق عليها الطحالب وتحيط بها شجيرات قصيره مشذبه وقال كين بهدوء وهو يشير الى منزل صيفي فينهايه الحديقه
-ذلك مكان رائع في الصيف
وكان المنزل صغيرا مختفيا بين اشجار الليلك المتدليه وتابع يقول
-اكثر هذه الشجيرات تعبق منها روائح عطريه تجذب اليها النحل والفراشات من اماكن بعيده الى مجموعه طيورنا المعتاده
فسالته بدهشه اذ لم يخطر ببالها انه يمكن ان يتذوق جمال الطبيعه ولو في ابسط مظاهرها
-وهل تاتي انت الى هذا المكان؟
فاجاب
-انك مصممه على عدم قبول ايه فكره حسنه عني اليس كذلك؟
وجعلتها لهجته الفاتره الجامده تظن انها لم تسمع كلامه جيدا
وقالت
-كين؟
فقاطعها بلطف وهو يديرها لتواجهه
-متى ستلقين ولو بجزء من هذا الستار الذي تقيمينه بيننا؟ ان عليك ان تفعلي ذلك ان عاجل ام اجلا
فحدقت به وقد بدت عيناها واسعتين في ظلال الحديقه تلك بينما الهلال يشرف عليها من بين النجوم ثم اجابت
-ولماذا؟
فقال ببساطه
-لانني لا استسلم ابدا انني اريدك يا جاني ويجب ان تدركي ذلك وانا دائما احصل على ما اريد
ولم تستطيع ان تقرا شيئا في تلك العينين اللتين كانتا تحدقان فيها فقالت
-دائما ؟لايمكن هذا
فاجاب بلهجه لا اثر فيها للفكاهه
-دائما
فقالت
-لاعجب اذن ان تبدو بكل هذه الغطرسه
ووضعت في صوتها لهجه عدائيه واستطردت تقول
-لقد حان الوقت لكي تعف انه لايمكنك فعل ما تريد دائما ياكين ستيل
فسالها بهدوء
-اهذا هو السبب في انك لا تتحلين بها ام ان هذا دليل على التمرد؟
فحدقت به لحظه وقد بدا عليها عدم الفهم ثم مالبثت ان ادركت ما يعني فقالت
-ماذا ؟ اه انك تعني السلسله اليس كذلك؟
فاوما براسه وبدا على شفتيه ابتسامه مرح لم تصل الى عينيه وهو يقول
- نعم اني اعني السلسله
فقالت بسرعه وهي تحاول ان تستوعب ما يكمن وراء مظهره البارد هذا
-يجب ان تدرك انني لا استطيع قبولها اذ بالنسبه الي القصه التي رويتها لي عن جدتك وغي ذلك لم يكن لك الحق ابدا ان تعطيني اياها
فقال بلطف
-لقد ابتدات اتعب من هذه التعليمات عما يجب ان افعل ولا افعل انك حقا انثى صغيره متسلطه اليس كذلك؟
وقال كلماته الاخيره بلهجه ادنى الى الملاطفه منها الى الزجر مما جعل قشعريره خفيفه تسري في اوصالها كما زاد في احتقارها لنفسها لهذا الضعف نحوه الذي يبدو منها هل يتملك كل امراه مثل هذا الشعور امامه؟ ان هذا اذا كان صحيحا لايدهشها لايدهشها ابدا فلا عجب في ان تتكون لديه كل هذه الغطرسه
وقال بصوت خشن عميق
-تعالي فليس ثمه سوى طريقه واحده اعرفها هي كفيله باسكاتك
وعندما مد ذراعيه نحوها تراجعت هي الى الخلف حتى كادت تقع وهي تقول
-كلا ياكين لا اريدك ان تلمسني انني اعني ما اقول
فقال
-هذا ليس صحيحا
ونظر اليها مفكرا وقد بدا وجهه القاتم في الظل مغضنا بشكل واضح تتالق في وسه عيناه الزرقاوان بشكل غريب
فاجابت
-انك متاكد من نفسك اليس كذلك ؟
كانت غطرسته هذا الرجل تخطف منها الانفاس وتابعت تقول
-اظن كل نساءك يرتمين بين ذراعيك لدى غمزه واحده من عينيك حسنا ليس هذه المره انني اكره نمط حياتك اخلاقك وكل شئ يتعلق بك هل تسمعني؟ كانت تعرف انها ترغم نفسها على ابداء هذا التمرد والنطق بالكلمات القاسيه لتتغلب على ذلك الضعف المتزايد فيها الذي كان يدفعها الى الاستجابه لما يريده
فاستند الى جذع شجره تفاح قديمه وهو يراقبها بعينين ضيقتين قائلا بعنف
-كلامك واضح تماما هل تعنين انني اذا امسكت يديك فانني لا استطيع ان احملك على الاستجابه خلال خمس دقائق؟
فاجابت بفتور
-انك تتحدث عن الرغبه وانا لا يخامرني الشك لحظه واحده في انك خبير في هذا المجال
فانحنى لها شاكرا وهو يقول بسخريه
-هل هذا مديح؟
فاجابت بوهن
-لم يكن هذا ما قصدته وانت تعرف هذا ولكن مما سمعته ليس فس ذلك اي خطر ولكنني لست النوع الذي يحب العلاقات العابره
فقال
-مما سمعته؟
واقترب منها الى درجه رات فيها فمه كخيط صارم في وجهه وهو يتابع قائلا
-ما الذي سمعته بالضبط يانحلتي النشيطه؟
فاجابت
-هذا وذاك
واخافتها توتر ملامحه فادارت راسها بسرعه نحو المنزل وهو تتابع قائله
-انني عائده فانا اشعر بالبرد
فقال عابسا وهو يديرها نحوه مره اخر
-اخبريني اولا مالذي سمعته وممن؟
فاجابت
-من المعروف انك تحب النساء الكثير من النساء
وكانت قبضته على ذراعها تؤلمها ولكنها لم تشا ان تفصح عن ذلك وتابعت تقول
-هل تنكر هذا ؟
فقال مكشرا بشكل جعله اشبه بذئب يتاهب للانقضاض
-من المعروف؟هل تسمعين الى الشائعات؟ وهل انت من الغباء بحيث تصدقينها؟
فاجابت بلهجه لاذعه وهي ترفع راسها
-هل تنكر انت هذا؟
ولكن الوهن الذي كان يغزو اعضاءها جعلها تتمنى لو يستنكر قولها هذا تماما
وقال باختصار
-انني لن اتنازل حتى اعتبار مثل هذا الهراء واذا انت حاولت ان تصدقي ما يقوله بعض رجال الصحافه ياجاني فسرعان ما سيوسخك الاحتكاك بهم
فقالت
-ولكن هناك شخص ...
وسكتت فجاه ثم تابعت تقول
كان هذا الكلام من مصدر حسن
فقال
-حسنا لو كنت مكانك لكنت اكثر حذرا في اختيار معارفي في المستقبل
واضاف ساخرا
-انني لم اكن ميت الشعور منذ البلوغ بالنسبه للنساء ولكنني لم اكن من محبي النساء كذلك كما تظنين ولكن هذه شؤوني الخاصه على كل حال وهي لا تعنيك بشئ اليس كذلك؟ وهذا ماسبق واوضحته انت بنفسك
كان يتحدث ببرود قاتل
وحدقت فيه لحظه دون ان تستطيع الجواب فقد كانت فكره انها لن تقابل ابدا رجلا مثله هذه الفكره كانت تحتل ذهنها وتفكيرها لقد اتخذت كلمه (غطرسه) بالنسبه اليه بعدا جديدا فهو بارد قاس لايعرف الشفقه كما يبدو اولئك الذي يصطدمون به ثم..وتعود علامه الاستفهام اقوى مما كانت ثمه اوقات يبدو فيها بصوره مختلفه فيكون خلابا عاطفيا دافئا وغايه في الرقه...
وقالت
-كين...
فقاطعها
-لا اريد شيئا اخر هذه الليله ياجاني انني في الحقيقه لا اريد ان اقوم تجاهك باي تصرف قد يتطور الى ما نندم عليه نحن الاثنين ان فيك ميزه غامضه وهي انك المراه الوحيده التي جعلتني اكاد اخرج عن طوري كما انا الان بالضبط وبرغم حراره الجو هي عده درجات تحت الصفر فان الذي يعترضينني اليه هو اقوى من ان استطيع مقاومته ولكن ذلك سيكون خطأ من نواح عديده اذ اريد البرهان اولا على شئ انت غير مستعده بعد للاعتراف به
فقالت
-ولكن...
فقاطعها
-هيا بنا
وامسك بيدها بقوه بعيده عن الرفق واتجه بها صوب المنزل وقد ساد العبوس والتوتر ملامحه وعندما كانت تهرول خلفه بخطوات مهتزه كانت كل طاقتها مركزه على تجنب الانزلاق على الارض المكسوه بالثلج فتجد نفسها في وضع اسوأ من وضعه الحاضر
ولكن بعد ذلك في تلك الليله وهي في السرير امنه دافئه اخذت تستعيد حديثهما في الحديقه الى ان تشوش ذهنها واوشكت على البكاء وعندما جاءها الهر جونيير ليرقد معها في الفراش بجسمه الضخم الدافئ وخريره يبدو وكانه في جوفه نموذجا مصغرا لقطار الاكسبريس تمثل لها كالقشه التي قصمت ظهر البعير كما يقال واذا بالهر المذهول يرها تحتضنه بعنف وقد تبللت فروته في لحظه من دموع جاني التي كانت تذرفها لتنام بعد ذلك بطريقه لم تعهدها منذ كانت طفله صغيره

*****

نهايه الفصل السادس

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 13-09-10, 09:15 AM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل السابع


كان الغداء ، في اليوم التالي للعيد ، بطريقة البوفيه ، وعندما كنت جاني تملأ صحنها من المائدة الحافلة إذا بها تجد تينا بجانبها ، و كانت المراه الشقراء ترمق جاني بعينيها الحادتين ، و هي تقول : ( يبدو أنك تحسنت تماماً . )

و كانت لهجتها بعيدة عن الرضي و هى تستطرد قائلة :
( إننا لم نتعود علي مثل هذه التمثليات المحزنة في العيد ، لقد أخبرتنى الخادمة جين أن منظر كين حين اصطحبك عشية العيد ، كان كأنه مشهد من فيلم قديم ... أشبه ما يكون بمنظر شريدة ضالة أنقذها بطل أحلامها . )

فاستدارات جاني تواجه تينا و تحدق في وجهها الجميل القاسي . وهى تقول : ( هذا ليس صحيحاً . فأنا لست شريدة كما أن كين لم يكن بطلاً في أي من أحلامي ، ونعم إنني اشعر بالتحسن التام في صحتي الان . ) و كان هذا كذباً ، فقد كانت ساقاها تشعران بالضعف بشكل غريب ، وما زالت تشعر برأسها ، أحياناً ، وكأنه يغادر جسدها ، و لكن ، ليس ثمة ما يجعلها تشكو ضعفها لامرأة لها مثل هاتين العينين الوقحتين اللتين لا تفتأن تراقبانها .
و قالت تينا تحدثها وهي تتبعها إلي الأريكة الضخمة بجانب النافذة في الطرف الأقصي من الغرفة ، وصحنها في يدها : ( مثل هذه الأساليب المكررة لاجتذاب الرجل ، هي شيء غاية في الذكاء ، إذ مؤكد أنها تجتذب اهتمام الرجال ... فالرجال ، عادة ، ساذجون يخدعون بسهولة . )
فقالت جاني بصراحة و قد شعرت بالتعب من لعبة الهر و الفأر التى تمارسها هذه المرأة : ( هل أنت دوماً كريهة بهذا الشكل ؟ إن هذا ممل حقاً . )

فقالت تينا بلهجة تشابه برودة الثلج ، رغم الاحمرار الذي علا وجنتيها ، ما أدركت جاني بأن قولها هذا قد أصاب المرأة في الصميم ، قالت : ( أحقا ؟ حسنا ، إنني أعتذر لكوني مملة ، يا عزيزتى ، و لكن ربما أنت غير معتادة علي دقائق الحديث الاجتماعية . لقد فهمت أنك سكرتيرة صغيرة في مكان ما .) ورفعت تينا حاجبها المخطط بعناية مستهزئة .
منتدى ليلاس
فقالت جاني بهدوء : ( إنني أعمل لأعيش ، إذا كان هذا ما تقصدنيه ، وأنا استمتع بكل لحظة من عملي . فهل تمنحك حياتك أي سرور أو إشباع ؟ ) كانت هذه أيضا ضربة في الصميم ، ولكنها كانت تشعر بأن هذه المرأة تستحقها . وعندما تراجعت تينا وقد توترت عيناها الزرقاوان ، رأت جاني يديها تنقبضان في حضنها بشدة .

و فكرت جاني في أن تينا ، لا شك ، تتمني أن يكون عنقها هى ما تقبض عليه هذه المرأة بيديها , و انتابتها رجفة من التهكم و هي ترى المرأة الأخري تميل إلي الأمام بصوت أقرب إلي الهمس : ( لا بد أنك تظنين نفسك في منتهى المهارة إذ تجذبين نظره ليدعوك إلي قضاء العيد معه ، أليس كذلك ؟ حسنا ، لا تدعي الامال تضلك ، أيتها الانسة الذكية . فقد يتصدق عليك انياً ، ولكنك ، في النهاية ، تسلية أخري ، بالنسبة إليه ، سيكون مصيرها نفس مصير الأخريات . فأنت لا تملكين شيئا تتمكنين معه من الاحتفاظ به . )

فردت عليها جاني قائلة : ( و لماذا كل هذا الاهتمام منك ، علي كل حال ؟ ) و كانت جاني تريد أن يكون صوتها بارداً واضحاً ، و لكن حقد تلك المرأة السافر قد أثار غثيانها ، فاستطردت قائلة : ( إن حياة كين الخاصة ليست من شأنك أبداً .)
فأجابت تينا : ( هذا ما تظنينه أنت . ) و كان في اللهجة المتوعدة في صوتها ، والنظرة المتسلطة في عينيها ، ما زاد من القشعريرة في جسد جاني .

وفي تلك اللحظة ، بدا الشخص ، موضوع الحديث عند عتبة الباب . و ضاقت عيناه و هو يلقي بنظرة إلي المرأتين ليري منظر وجه جاني . لقد كان منفرداً في مكتبه منذ الصباح الباكر ، مما أثار اشمئزاز والدته . و قد أوضح والده سيد ستيل رأيه ذاك بصراحة ، في ذلك الصباح ، فقالت له : ( في الحقيقة يا كين إن هذه فترة إجازة . ) و ذلك عندما اعتذر عن مرافقة الأخرين إلي النزهة التى كانوا قد صمموا عليها بعد انتهاء قهوة الصباح . و استطردت تقول : ( هل أنت مرغم علي العمل ؟ )
فأجاب : ( ( أخشي ان يكون الامر كذلك . ) ثم ألقي نظرة جافة حذرة علي جاني ثم سألها : ( هل عندك مانع ؟ )
و أجابت علي الفور : ( أنا ؟ كلا بالطبع . ) و كانت النتيجة نظرة ساخرة طويلة منه جعلت قلبها يخفق بضيق .

و قال بجفاء : ( كلا ، هذا ما ظننته . ) و كان المعني واضحاً لها وحدها ، واستطرد يقول : ( أخشي أن عندي عملا لا يحتمل التأجيل . )

و قال أبوه بصوت متفهم : ( أهي قضية كولينز ؟ )
فأومأ كين برأسه بهدوء ، قائلاً : ( نعم ، ولكن لا تدع انشغالي هذا يفسد عليكم بهجة نهاركم . ) و استقرت نظراته علي رأسي الولدين الصفيرين

________________________________________
اللذين جلسا ينهيان فنجاني اللبن الدافئ ، وتابع قائلاً : ( استمتعوا بالوقت مع الطفلين ، فحوض السباحة قد أدفئ حتي أصبح كحوض الحمام . ولكن ربما تفضل أن تأخذهما بعد الظهر . )

فأومأ أبوه برأسه ببطء قائلاً بهدوء : ( لا يمكنك التخلي عن ذلك ، يا بنى ، اعرض عليه مبلغا جيداً و اترك الأمر علي هذا الشكل ، فليس في إمكانك أن تساعد كولينز إذا لم يوافق جون . )

فقال كين : ( سنرى . ) ورقت عيناه و هو ينظر إلي أبيه قائلا : ( استمتعوا بنزهتكم . )

لقد ضايقت جاني ذكري هذا الحديث ، طيلة الصباح ، والأن ، و هى تنظر في عيني كين من فوق رؤوس الحاضرين رأته قادماً رأساً إلي حيث كانت تجلس.
و سأل تينا وق د استقرت عيناه علي وجه المرأة الشقراء الرائع الجمال الذى كان الان قد عاد إلي طبيعته الباردة المسيطرة ، سألها قائلاً : ( هل تعرفتما إلي بعضكما البعض جيداً الان ؟ )

و أجابته زوجة أخيه بمرح : ( نعم ) و كان علي فمها القاسي شبه ابتسامة وهى تنظر إلي وجهه الداكن سرعان ما تلاشت و هي ترى التعبير الذي بدا في عينيه الزرقاوين ، فتابعت تقول : ( إنني سأذهب لأساعد والدتك إيليان مع الطفلين . )

فقال كين عابساً وهو يقبض علي ذراع تينا حين همت هذه بالنهوض : ( لو كنت مكانك لما كلفت نفسي عناء ذلك ، فقد اعتادت هى رعايتهما بمفردها . فتابعا حديثكما الذى انقطع بتدخلي الثقيل . )

فقالت تينا ببرود وهي تلقي نظرة سريعة علي وجهه : ( لم يكن ثمة شئ مهم مجرد حديث فتيات ، إنك تعرف . )
فقال و هو يشدها إلي مقعدها بشكلعرفت معه أنه يعنى ما يقول : ( ليس تماما إنما قد تتفضلين باعلامي . )

فقالت جاني بعد لحظات : ( كنا نتحدث عن محاسن الصدف إذ عثرت علي عشية عيد الميلاد . ) و احمر وجه تينا ببطيء . و لكن مسارعة جاني إلي الجواب لم يكن نتيجة أي شعور رقيق نحو تلك الشقراء . ذلك أنها سبق و لاحظت أن والدة كين تنظر من بعيد إليهما ، في خلوتهما تلك ، عدة مرات في الدقيقة الأخيرة ، وادركت أن السيدة المسنة قد شعرت بشيء ما غير مستحب بين المرأتين و والدة كين كانت ، دوماً ، في منتهى الانزعاج .

فقال كين : ( فهمت . ) و أرخى قبضته عن ذراع تينا عندما ابتدأ أحد اطفلين بالبكاء ، وتابع يقول : ( حسناً ، بإمكانك ان تغيري برنامجك ، يا تينا ، وتذهبي إلي الأطفال . ) و تراجع إلي الخلف ساخراً ، لتتمكن المرأة الشقراء من النهوض ، وهو يستطرد : ( وربما سنجد الوقت لتبادل الحديث فيما بعد . ) و كان ذلك أمراً و ليس تمنياً . وللحظة واحدة . اشتبكت الأعين الزرقاء في معركة تجلي فيها الحقد .

و عندما ذهبت تينا ، وهي تتمتم باستياء ، و قد توترت ملامحها ، ورفعت جاني نظرها إلي كين بحذر و سألته : ( كيف امضيت هذا الصباح ؟ ) و غاص قلبها بين ضلوعها و هى تري هذا الوجه المغضن الجذاب يراقبها بشدة . لقد دبت الحركة في الغرفة لحظة دخوله إليها ، كما بدا لها . وشعرت بألياس و هى تري نفسها عاجزة عن مواجهة كل هذه المشاعر التي كانت تقلب كيانها رأساً علي عقب .
و قال بعنف و هو يجلس إلي جانبها : ( لقد كانت تضايقك ، أليس كذلك ؟ إنها امرأة خطرة . )
فأجابت مازحة دون أن تتمكن من النظر إلي وجهه : ( إنني بنت كبيرة الان ، و باستطاعتي العناية بنفسي . ) و لا بد أن الرجفة التي سببها وجوده قربها قد ظهرت في عينيها .
فأجاب بصوت أجش : ( ربما أنا لا أريدك أن تعتني بنفسك ، و ربما أريد أن أتولي هذه المهمة أنا بنفسي . )
فأغمضت عينيها لحظة وقد تسارعت دقات قلبها و ه تقول : ( لا تقل أشياء كهذه . )
فأمسك بيدها و أخذ يفرد اصابعها الصغيرة و هو يجيب : ( ولم لا ؟ هل يبدو الأمر بهذا السوء ؟ )

فأجابت : ( إنك تعرف شعورى .. )
منتدى ليلاس
فأسكت صوتها المتهدج بقوله ، و هو يشبك أصابعه بأصابعها : ( كلا ، إنني أعرف ما تحاولين أن تشعري به . ولكنك تناضلين ضد شيء اقوي منا نحن الأثنين . ثقي بي قليلا ، يا جاني . أنيري شمعة لتمحو الظلام . حطمي هذا الشرك الذي تتخبطين فيه . )


فأجابت بلهجة حزينة :/ ( لا أستطيع ، لا بد انك تدرك ما أعنيه . )


فقال: ( بل تستطيعين . )

و لم يكن في صوته رنة ظفر أو عنف . كان فيه تأكيد عميق أثار منها الاعماق من كيانها رغم كل شئ . و شعرت فجاة بدافع جنوني ، كانت قد شعرت به مؤخرا أكثر من مرة ، وهو أن تريح رأسها علي صدره الرحب . ان تخضع لإرادة أقوي من إرادتها . و لكن هذا سيكون نوعا من الإنتحار .

واستعاد ذهنها كلمات تينا ( قد يتصدق عليك أنياً ، ولكنك في النهاية ، تسلية أخري بالنسبة اليه ، يكون مصيرها نفس مصير الأخريات ) لقد صدرت هذه عن امرأة حاقدة ، ولكنها وجدت صدي في قلب جاني الحافل بالمخاوف ، فقد كان رجلا عملاقاً بين الرجال من نواح كثيرة . فهو قوي ذو سلطة ، جذاب إلي درجة لا تصدق ، وهو يريدها لفترة عابرة فقط ، متوقعاً منها ، في النهاية أن تختفي من حياته بكل رشاقة و لطف ، شأن نسائه الأخريات .

و لكنها ليست من هذا النوع ، وكادت تئن بصوت عال . كلا ، اعادها هذا التفكير إلي عقلها ، ما الذي جعلها تفكر بهذا الشكل ؟ إن أباها لم يظهر في معاناتها هذه . كيف أمكنها أن تنسي الماضي ؟

ووقف ببطء دون أن ينتبه إلي اضطرابها ، و هو يقول : ( دعينى أحضر لك كوب عصير . )

وما أن مضي مجتازاً أرض الغرفة ، حتى لاحظت مرة أخري ، عدم ثبات خفيف في خطوته سرعان ما أصلحه . و تذكرت فجأة أنها رأت عدة شواهد كهذه أثناء أيام العيد . مرات عديدة بدا فيها هذا الجسم الكبير و كأنه فقد توازنه للحظة خاطفة . و هزت رأسها بعنف . لا بد أنها كانت تتخيل هذه الأشياء .

و في هذه الأثناء ، كانت إيليان ، والدة كين ، قد أقبلت تجلس بقربها ، تسألها :

( أخبرينى قليلاً عن عملك ، يا جاني . )

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 13-09-10, 09:18 AM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

و كانت عينا المرأة المسنة تتألقان بالاهتمام الخالص . و بينما كانت جاني تصف لها عملها ، عاد كين ووقف يستمع إلي الحديث .

و مضت ساعة ، و بينما كانت جاني لا تفتأ تذكر نفسها بأن لا تلتقي عيناها بعينه اللتين كان فيهما من السلطة ما يمكنه جذبها بهما إليه بشكل لا فكاك منه ، و هي بهذا تعطي عن نفسها الانطباع بأنها غاية في ضبط النفس ، كانت تشعر في الأعماق بأنها علي العكس تماماً .

و سألتها إيليان و هما يحتسيان القهوة في غرفة الجلوس بينما الجو حولهما كان أكثر راحة بعد توارى تينا في جناحها الخاص ، سألتها :
( هل ستبقين لحضور الحفلة ، يا جاني ؟ )
منتدى ليلاس
فرد كين بهدوء ووضوح و هو يتناول من المرأتين فنجاني القهوة الفارغين ، ثم يضعهما علي الصينية : ( إنها ستبقي بالطبع و لو إنها لم تعرف عنها شيئاً بعد . و سنذهب في جولة بالسيارة حيث أشرح لك الأمر ، إذا كنت تريدين .

قال ذلك وهو يستدير إلي جاني ، متابعاً قوله : ( ستشعرين بدفء كاف داخل السيارة . )

فقالت بسرعة : ( و لكن ، ليس بإمكانك أن تترك الجميع . )

فقالت إيليان بحرارة : ( هذا هراء . لقد سمعت جورج يخطط لاستعمال حوض السباحة بعد الظهر مع الطفلين ، و أنا أنوى أنا أنال غفوة قصيرة في غرفتى . وجولة شيقة مريحة بالسيارة ستريحك جداً ، يا جاني ، و لاحاجة بكما للرجوع بسرعة . فنحن جميعاً ، نأكل ، عادة ، متي شئنا . )

و ابتسمت جاني بحذر للمرأة و هي تردد قولها : ( جولة شيقة مريحة . )
متعمدة أن لا تلتقي عيناها بعيني كين . ليس ثمة شيء مريح في الحلوس وحدها مع كين في مكان ضيق .

و عندما تركتهما الأم ، و هى تمنحها ابتسامة مشرقة قال لجاني ببطء ساخر : ( هيا ... ليس لك أي عذر الان . )

فقالت جاني بهدوء ، وقد تصلبت قليلاً عندما انحني هو يزيح خصلة من الشعر عن وجنتها : ( إنني في الواقع ، لا أريد الخروج . )

فقال هزلاً : ( بل تريدين . إن قضاء بعد الظهر هذا في صحبة تينا لا يطيقه إنسان ، و لهذا فسأحملك إلي السيارة بنفسي بالقوة إذا احتاجنى الأمر . )

فقالت : ( يمكننا أن نذهب للسباحة مع الأخرين . إنني لم أشاهد بعد حوض السباحة في منزلك ... )

فقاطعها قائلاً : ( إن حوض السباحة لن يهرب منا . )

و جفلت وهو يقبض علي يدها يرفعها إلي شفتيه و هو يراقبها من خلال عينين متألقتين مضظربتين و هو يقول :
( إننا سنخرج في جولة بالسيارة ، يا جاني ، فاذهبي و احضري معطفك . )

و لم تكن أشعة الشمس الباهتة ترسل أي دفء و هما يسيران ، بعد دقائق ، نحو الكراج ، ولكن الهوا البارد كان نقيا منعشا حيث أن المنزل كان يقوم في الضاحية في العاصمة .

و عندما رأت المفاتيح في يده ، سألته بدهشة : ( هل ستقود السيارة بنفسك؟ )

فنظر إليها و هو يقول متهكماً : ( و هل في هذا ما يدهشك ؟ لقد كنت أقود بنفسي قبل أن أتخذ بينز في خدمتي ، حتي أنني كنت أمتلك أكثر من دراجة نارية واحدة قبل أن .. )

و سكت فجأة ، ثم عاد يقول بفتور : ( قبل حوالي سنتين . )

فسألته ببساطة : ( أتعني أنك قررت ، في ذلك الحين ، أن سنوات فورة شبابك قد انتهت ؟ )

فأومأ برأسه ببطء قائلاً و قد استقرت عيناه المضربتين علي وجهها المرفوع إليه : ( شيء بهذا المعني . )

و بينما كان هو يفتح باب الكاراج ، كانت هي تفكر بضعف ، بسهولة انجذابها إليه ، لقد جعلها تشعر بالحيتة لأول مرة في حياتها . أتراها تعتقد حقاً أنه كان يعلم بكل ما حدث لوالدها ؟ و هزت رأسها بيأس و هي تسمع هدير السيارة في الكاراج ، إنها لم تشعر قط في حياتها من قبل بمثل هذه الحيرة و الارتباك .

و لسبب ما كانت تتوقع أن تري السيارة "البنتلي" الفخمة تخرج من الكاراج ببطء ، ولكنها لم تتوقع هذه " الجاكوار " الحمراء الأنيقة التي قفزت فجأة إلي جانبها خارجة من الكاراج بأكبر سرعة ممكنة .

و هتفت و هي تجلس بجانب كين : ( ما أروع هذه سيارة ، لابد أنها كلفتك الكثير . )

فأجاب بابتسامة عريضة وكأنه يعتذر : ( عندما تركت الدراجات النارية ، شعرت بأنني بحاجة إلي شيء سريع علي أربع عجلات هذه المرة . انها أسرع سيارة في العالم .
فابتسمت للزهو الذى لاح على وجهه و هى تقول: ((انها تبدو كذلك ، لقد أعجبتنى كثيرا.))
فقال: ((اذن، فهى تستحق ثمنها.)) وكان فى صوته من العمق ما أحدث رجفة فى جسدها، فنظرت من النافذة بسرعة وقد توترت أعصابها، لو سبق لأحد وأخبرها يوما أن مجرد سماع صوت رجل معين يمكن أن يحدث فى نفسها مثل هذا التوتر، لما صدقته، وكانت هذه الأفكار تساورها بينما السيارة كانت تهدر وهى تستقيم فى طريقها، ولم تستغرب اعجابه بهذه السيارة فقد كانا متشابهين. فهما الأثنين متغطرسان، خطران، يأسران اللب ويطلبان من الآخرين الطاعة التامة.

وعندما أصبحا فى الشارع العام، انعطف كين فجأة الى اليمين يسير فى طريق ضيق بين المزارع. وكانت السيارة تهدر اذ يحدد من سرعتها، وكانت السماء قد ابتدأت تستحيل الى ذهب متألق بعد أن ابتدأت نفثات الشفق تنتشر فى الأفق الواسع، وقال كين وهو ينظر اليها: ((ان الوقت متأخر عما ظننت،فها قد ابتدأ الغروب. هنالك مقهى صغير على بعد عشرين دقيقة من هنا. فهل تجبين الذهاب اليه لتناول شيئا؟))

فأومأت برأسها قائلة دون أن تنظراليه: (( هذا حسن.)) كانت لم تتعود بعد على وجودها فى مثل هذه السيارة الرائعة الغالية الثمن. ونظرت اليه خقية من تحت أهدابها. وابتدأ قلبها فى الخفقان وهى ترى جانب وجهه الأسمر. كان مرتديا جاكتة من الجلد الأسود المبطن بالفرو وقفازين أسودين، ما جعل منظر الأثنين الرجل والسيارة فى منتهى الأنسجام .

وعادت الى ذهنها كلمات تينا الساخرة (شريدة ضالة انقذها بطل أحلامها) ربما لم تكن تلك المرأة مخطئة تماما. وداخلتها السخرية من نفسها وهى تفكر فى أنها لا تصادف أبدا عديدا من الرجال مثله أثناء تطوافها فى السوبر ماركت أو مكان غسيل الثياب فى ليالى السبت. وابتسمت لنفسها لهذا التفكير .

قال مازحا: ((بماذا تفكرين؟)) ولم تكن هى تدرك أنه كان ينظر اليها .

فاحمر وجهها وهى تجيب: (( آه، لاشئ .))

فقال: ((جانى، يمكننى أن أعد على أصابع يد واحدة عدد المرات التى رأيتك فيها تبتسمين فى حضورى. فأخبرينى على الأقل السبب فى ذلك هذه المرة .))

فسألته: ((هل تريد حقا أن تعلم؟ ربما لن يعجبك ذلك ؟))

فأجاب بفتور: ((اننى لا أشك لحظة فى أنه لن يعجبنى هيا ، تكلمى .))

فقالت: ((كنت أتساءل كم من المرات سبق لك أن زرت مكان غسيل الثياب، فى حياتك .)) وشعرت لحظة بسرور خفيف للحيرة التى ظهرت على وجهه، وتابعت تقول: ((هذا هو كل شئ، ربما كنت لا تعلم كيف تبدو تلك الأماكن .)) ولم يغفل هو عن السخرية التى تضمنها كلامها .

وأجاب: ((لقد حدث ذلك عدة مرات.)) واستدار بالسيارة فجأة، الى مكان يشرف على قرية صغيرة، وقد أصبحت الشمس كرة ذهبية فى الأفق، ثم أوقف محرك السيارة ليستدير ناظرا اليها وهو يقول: ((لقد درست فى الجامعة مدة ثلاث سنوات، ثم أخذت فى التجوال فى أنحاء أوروبا لعدة سنوات .))

فقالت: ((ولكنك كنت تملك الكثير من المال.))

فنظر اليها بعنف وهو يقول: ((كلا. اننى لم أشأ أن أكون مختلفا عن مجموعة أصدقائى، ولم يكن أى منهم يملك فلسا واحدا. لقد اعتدنا أن ننام على الشواطئ والأماكن العامة.)) وبان فى عينيه المكر وهو يرى حيرتها، ثم استطرد قائلا وقد تاهت الآن أنظاره مع الذكريات: ((لقد امضينا سنوات رائعة .))

فسألته بفضول: ((هل مازلت ترى أحدا منهم الآن؟)) وكان هو ما يزال يحدق شاردا فى منظر الغروب، وقد استغرقته الذكريات.

وانتبه لسؤالها هذا، ونظر اليها مجيبا: ((لقد أصبح تشارلى وبن طبيبين الآن، والأثنان متزوجان، ومازال مايك يتنقل من عمل الى آخر، أما ناتان فقد صار لديه أسرة وله ستة أطفال تبعا لآخر احصاء.))

فنظرت اليه وهى تهتف ضاحكة: ((ستة.))

فأجاب: ((وهم يعيشون فى منزل صغير فى وسط مدينة(نيوكاسل) حيث يعمل بيطريا.)) ثم أردف بهدوء وقد بان فى وجهه معنى لم تستطع أن تفهمه: ((انه يعيش أسعد حياة فى العالم .))

فقالت: ((أحقا؟)) وتلاشت ابتسامتها وهو يومأ برأسه ببطء وعيناه الجذابتان تخترقان اعماقها ثم يستطرد قائلا: ((انهما يعيشان فى حب دائم. ذلك النوع من الحب الذى يأتى مرة واحدة فى الحياة .))

وساد سكون عميق و ارادت هى أن تجد طريقة تبدد بها ما تخلل ذلك السكون من مشاعر، فقالت تسأله: ((هل هؤلاء هم كل أصدقائك .))

فأجاب وهو يدير وجهه عنها وقد توترت ملامحه: (( كلا. هناك أفضل أصدقائى وهو جون، فى أمريكا يكافح مستميتا، بكل امكانياته لكى ينقذ عمل أبيه من الذئاب ، جون كولينز.)) ونظر اليها بعنف وهو يستطرد قائلا: (( المشكلة هى أنه لا يقبل مساعدة لا يستطيع ردها، وبينما والده يستجدى ، يرفض هو أى مساعدة منى. انه وضع غاية فى الصعوبة، أليس كذلك؟)) وهز رأسه ببطء متابعا: ((انها خسارة دون معنى ، اسمعى، هل بامكاننا أن نترك هذا الموضوع الآن؟)) وكان الغضب يكسو ملامحه وقد توتر فمه وهو يستطرد: ((سأخبرك بكل شئ بالتفصيل ، فى وقت آخر وليس الآن .))

فأجابت بهدوء: (( طبعا. اننى آسفة اذ لم أقصد التطفل .))

فهز كتفيه بخفة يجيبها: ((انك لم تفعلى ذلك.)) ونظر اليها برقة وهو يتابع قائلا: ((اننى فقط عديم المهارة فى كشف ما بأعماقى. فهذا ليس من عادتى. فلنتابع طريقنا نحو ذلك المقهى، أليس ذلك أفضل؟)) ومنحها ابتسامة هزتها من الأعماق.
[align=center](لا أريد هذا . لا أريد هذا ) كانت هذه الكلمات تتجاوب فى رأسها كدقات الطبل وهما يدخلان القرية الصغيرة، والتى كانت عبارة عن مجموعة من البيوت تحيط بمبنى البريد وحانوت صغير، بينما ثمة منحدر فى الجانب الآخر، يمر بمنطقة ذات بيوت أكبر، ليستديرا بعد دقائق، مرة أخرى الى طريق زراعى تحف به الحقول على الجانبين حيث كانت الأبقار الوديعة ترمق السيارة الفارهة دون اهتمام وهى لا تكف عن المضغ، وفحأة شعرت برعب هائل. متى يمكنها الهرب من هذا كله؟ وكأنما قرأ هو أفكارها، قال لها بهدوء مخترقا الصمت الذى ساد بينهما: (( ان الحفلة التى ذكرتها أمى هى فقط حفلة صغيرة تنتهى بها أيام العيد . وأنت طبعا ستبقين؟))

وبجهد كبير استطاعت أن ترد بصوت هادئ بارد ووجه خال من التعبير: (( اشكرك فأنا لا أظن أننى سأبقى. ان علي أن أذهب الى بيتى. لقد كنت غاية فى كرم الأخلاق أن ...))

فصرخ بها: ((لا تعاودى ذلك مرة أخرى.))

فاحمر وجهها للهجته هذه، وأجابت ساخطة: ((لا أعاود ماذا ؟))

فأجاب: ((ما يسمونه ( الهرب من مريض الذئب ) . ان الحفلة ستقام يوم الأحد. هل يريدونك للعمل صباح الأثنين ؟))

ولم تكن هى تعرف بالضبط ما اذا كان جو يريدها أن تعود للعمل ذلك الصباح، أم لا. ولكنها أجابت: (( نعم .))

فقال ببرود: ((اننى، اذن، سأعيدك الى البيت بعد انتهاء الحفلة . ))

فقالت: (( ولكننى لا أريد أن ...))

فصرخ بها: ((كفى يا جانى.... وأجفلت لهذه الصرخة المفاجئة بينما تابع هو قائلا: (( ما الذى جرى لك يا فتاة؟ اننى أطلب منك البقاء لحضور حفلة وليس لوضعك على خشبة التعذيب. قولى على الأقل ولو من باب الكياسة، أن ما أعرضه عليك لا يثير اشمئزازك.))

فقالت بضعف وهى ترى مقدار توتر يديه القابضتين على عجلة القيادة: (( ان هذا لايثير الاشمئزاز. ولكن المسألة...)) وسكتت ولم تستطع المتابعة.
منتدى ليلاس
فقال يسألها: ((نعم؟)) ولم يظهر من لهجته أية رغبة فى مواصلة الحديث .

فتنفست بعمق وقد طفحت عيناها بالمشاعر، ثم قالت بتعاسة: (( كل ما فى الأمر اننى لا أعرف ما الذى تتوقعه منى. انك تعرف شعورى نحو أبى و كل شئ . اننى فقط أجد من الصعوبة أن...)) و لم تستطع أن تجد الكلمات المناسبة لتقولها .

فقال بهدوء وعيناه تنظران الى الأمام: (( هل تثقين بى ؟))

فأجابت: (( أظن ذلك .)) ولم تجرأ على النظرفى وجهه وهما يسيران فى عتمة الغروب. وقد صبغ الشفق السماء خلف الأشجار المنتصبة على جانبى الطريق، مظهرا اياها سوداء الحواشى .
وقال برقة وهو يدخل الى موقف السيارات أمام المقهى: (( لم يكن لى معرفة بأى شئ حول قضية أبيك، عند حدوثها، يا جانى. ويمكنك أن تصدقينى فأنا لا أكذب عليك .))

وبعد أن أوقف المحرك، استند الى الخلف مادا ذراعه على مسند مقعدها خلفها، وتسمرت عيناه الزرقاوان على وجهها المضطرب. وتابع يقول برقة بعد مرور عدة دقائق: ((ان عليك، عاجلا أم آجلا. أن تتمسكى ببعض الفرص التى تسنح لك فى الحياة، فلماذا لا تبدأين الآن معى؟ اننى لا أطلب منك أن تعلنى اخلاصك و تفانيك حتى الموت فى هذه اللحظة. يا جانى . وانما أن تحاولى أن تفتحى عقلك قليلا وتتقبلى كل يوم كما هو. هل هذا صعب عليك حقا ؟))

وسألته فجأة: (( ما الذي كان فى تلك الأوراق التى كنت أحضرتها الي الى المنزل، عشية العيد؟))

كان ينتابها شعور ما ، بأن ذكر هذه الأوراق هو مهم بالنسبة لهذا الحديث، دون أن تدرك السبب .
وأجاب بصوت هادئ ثابت وعيناه النفاذتان لا تغادران وجهها: (( كان معظمها يحتوى نتيجة تحرياتى.لقد كان ثمة ظلم وقع، ولكننى لم أدرك فى البداية مقدار خطورته. لقد كانت الأوراق مستندات تثبت هذا، وأيضا تفاصيل المبلغ الذى كان ينبغى أن يتلقاه أبوك. وأنا أريدك أن تأخذى المبلغ يا جانى.)) وسكت فجأة حين بدرت منها حركة احتجاج ورفع يده يسكتها بحركة مسيطرة وهو يقول: (( كلا، دعينى أتابع كلامى. عندما يدفع اليك هذا المبلغ، يمكنك أن تتصرفى به كما تشائين... يمكنك أن تتصدقى به للجمعيات الخيرية اذا كنت ما زلت تعتبرينه دية أبيك... ولكننى أريدك أن تقبليه.))

فسألته بهدوء: (( هل هو ضميرك المتعب ؟))

فأومأ برأسه موافقا وهو يقول: (( كما سبق وقلت أنت فى أول مقابلة بيننا، لقد تصاعدت الرائحة النتنة من أمام بابى. فمهما كانت الظروف، فان المعاملات قد أجريت باسم مؤسسة ستيل، وهذا يعنى أننى أنا المسئول. لم يسبق لى قط أن استعنت بالغش لأسلب شخصا حقه، ولا أريد أن أضع سابقة بذلك مع أبيك ولما كان ليس باستطاعتى اصلاح الدمار الذى نتج عن هذه القضية، فليس أمامى الا أن أكرر أنه لم يكن لى يد بما حدث. وعليك الآن أن تقررى ما اذا كنت تصدقيننى، وكذلك ما اذا كان هذا كافيا لانارة المصباح؟))

فقالت: ((المصباح؟)) وحدقت فيه بجمود فى النور الباهت الذى كان يملأ السيارة. وعاودتها تلك الرجفة التى تشعر بها عادة فى وجوده.

وقال هو برقة: ((النور الذى يبدد الظلمة.))

فقالت: (( ولكن، لماذا ؟)) وسكتت فجأة.

فسألها: ((لماذا؟))

وشعرت بالقوة تجتاحها. ان عليها أن تسأله. وقالت: (( لماذا أنت مهتم بى على كل حال؟ فاذا كنت... أعنى أن كل شئ رهن مشيئتك و أية امرأة تختارها...))

فقاطعها: (( حسنا، اذا كنت مخطئا فقومينى. ولكننى متأكد من أنك امرأة أنت أيضا.)) وابتسم بشئ من السخرية وهو يتابع: ((فلماذا ليست أنت ؟))

فتمتمت بهدوء وقد التهبت وجنتاها لشعورها بالحرج: ((اننى لست النموذج الذى يعجبك. أعنى...))
فقاطعها قائلا: (( ومن يقول أنك لست النموذج الذى يعجبنى ؟)) وكان صوته أجش عميقا وهو يقول ذلك .

اعتدل فى جلسته وهو يسألها قائلا: (( هل لك أن تخبرينى بصدق أنك تشعرين أكثر من مجرد مقبولة بالنسبة الى؟)) ولمعت عيناه الزرقاوان وهو يتابع مازحا يعبث باعصابها المهزوزة: (( ومنذ هذه اللحظة. ستنفذين كل ما تؤمرين به، يا جانى غوردون. اننا سنذهب الى المقهى الآن لنشرب شبئا قبل العشاء، وبعد ذلك ستكرسين نفسك بقية المساء لمرافقتى أنا فقط .)) كان يقول هذه الكلمات مرحا، وقد بانت فى لهجته السخرية من نفسه.

ونظرت هى اليه بغضب بدا وكأنه يمزقها، وذلك اذ اعترفت بينها وبين نفسها، بأن هذا بالضبط ما كانت تخاف أن يحدث لها.
نهاية الفصل السابع

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 13-09-10, 09:20 AM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الثامن
ومر نهار السبت على جانى وهى فى حالة إنبهار تام يلفها شعور وردى حالم لم تتمكن حتى كلمات تينا الحاقدة المسمومة من أن تفسده . واعترفت لنفسها تلك الليلة ، وهى فى فراشها وجونيير وكوزموس بجانبها ، بأنها تحب كين .
لقد كان ذلك ضد كلمنطق وكل عقلانية . ولم تكن هى تريد ذلك ، ولكن ... واحتضنت وسادتها بشدة . كان ذلك فوق مقدورها ، أيمكنها حقا أن تحب شخصا لا تثق به ؟ أخذت تسأل نفسها هذا السؤال عندما فارق النوم عينيها . هل كانت تثق به ؟ وتقلبت فى فراشها مما أثار ضيق الهرين .
إنها لا تعرف . إنها لم تعد تعرف شيئا . ففى لحظة كانت تتمنى لو لم تعرفه أبدا ، وفى اللحظة التالية ...
وتذكرت تلك النزهة الطويلة سيرا على الأقدام التى قاما بها بعد ظهر ذلك اليوم متنشقين الهواء الطلق المنعش المشبع بعبق الغابة والشتاء ، والابتهاج والمرح اللذين تملكهما ، وضحكاتهما معا ..... وارتجفت فجأة وهى تطلق أنينا خافتا من أعماقها . لابد انها أكبر حمقاء فى العالم . ولكن ـ كيف بإمكانها أن تتأكد ...؟
وأحضرت الخادمة جين لها صينية الفطور صباح الأحد باكرا . وكان يبدو الانشغال على وجهها الفتى ، وهى تقول :
" إن السيدة لانغتون مشغولة بأمور الحفلة منذ الساعة الخامسة ، يا آنسة ، حتى لكأن الملكة ستزورنا "
فسألتها جانى بسرعة : " أيمكننى المساعدة ؟ "
فأجابت جين بذعر : " كلا ، يا آنسة . إن متعهدى الحفلة هنا حاليا يقومون بهذا الشئ وذاك ، ولكن لا شئ يعجب السيدة لانغتون . إن المدعوين هم فقط أربعون شخصا أو نحو ذلك . ولا أدرى لماذا اهتمامها ذاك كله ؟ "
وغاص قلب جانى بين ضلوعها وهى تسالها : " أربعون شخصا أو نحو ذلك ؟ كنت ظننت أنها حفلة صغيرة "
فقالت جين بإرتباك : " حسنا ، إنها كذلك يا آنسة ، فقد سبق وأقام السيد ستيل حفلة كان عدد المدعوين فيها مائتين ، وذلك على شرف بعض الضيوف . وكان ذلك فى الحديقة فى فصل الصيف . إن أربعين شخصا لا شئ "
وما أن أنهت جانى فطورها ، حتى اندفعت إلى خزانة ثيابها تفتحها لتلقى نظرة على ملابسها . لقد سبق وارتدت هنا الثوب الأسود والثوب الحريرى الملون ، فلم يعد لهما فائدة الآن . وأخذت تتمعن فى ملابس المساء القليلة التى كانت السيدة لانغتون أحضرتها إليها من منزلها . ربما هذا الثوب المؤلف من بنطلون حريرى أبيض وقميص والذى اشترته من باريس فى رحلة عمل ليوم واحد ، السنة الماضية ، ربما ينفع . وأخرجته من الخزانة ووضعته على الفراش . كان القميص مؤلفا من اللونين الأبيض والأسود بشكل رائع مثير ، وكان ذلك الثوب يغوى أى شخص لشرائه .
وكانت تفكر بذلك وهى تنظر إلى الثوب بإعجاب. سيكون فى الحفلة هذه الليلة ، دون شك ، عدد من الفتيات النحيلات الرشيقات . وستترك شعرها مسترسلا على كتفيها . وجلست على فراشها تفكر .... هذا جنون . إنها مجنونة حتما .
وقبل موعد الشاى بالضبط ، ابتدأ المدعوون يتوافدون . وكانت جانى قد سلمت نفسها لما تقضى به الأقدار . وانتابها شعور بالعجز وهى ترى أن أول ضيفة تدخل الباب كانت تلك الشقراء التى كانت مع كين أثناء ذلك المؤتمر الصحافى . وفكرت باكتئاب ، فى أن كل شئ سينتهى إلى الأسوأ . لقد كانت مجنونة إذ طنت أنه جاد بالنسبة إليها .
وهتف كين وهو يضع ذراعه حول كتفيها : " ها أنت "
وتابع وهى تنظر إليه بدهشة : " آسف لتأخرى ، فقد جاءتنى مكالمة هاتفية " كان يبدو جذابا إلى حد مدمر فى بنطلونه الرائع التفصيل وقميصه الحريرى المنبسط على صدره العريض وكأنه صورة فى لوحة إعلانية . لم تكن قد رأته معظم بعد الظهر . فقد لازم مكتبه طيلة الوقت ، مرة أخرى ، وعلمت من والده أنه ما زال يكافح فى سبيل اتحاد شركته بشركة كولينز .
وسألته : " هل كانت المكالمة ناجحة ؟ "
فأجاب ببطء : " ربما ، أخيرا . لقد جعلت الأب وابنه يتحدثان معا الآن ، وهكذا ربما يمكننا أن نصل إلى نوع من التسوية والشراكة . إن شعور جون بكرامته فائقة الحد ... "
وابتسم ساخرا وهو يتابع : " إياك ان تنتقدي كبرياء الرجولة "
وأجابت بنعومة وهي ترى المرأة الشقراء تمر من أمامهما دون أي اهتمام منه : " لايمكن أن أفعل حتى فى الحلم "
وقال بعد لحظة : " يبدو عليك الانفعال . إياك " وحدق في وجهها بنظرات دافئة وهو يتابع قائلا : " تبدين رائعة الجمال , يا جاني , ليس ثمة امرأة هنا تنافسك "
منتدى ليلاس
" دع شيئا من اللطف والمودة للباقيات منا , يا كين "
وكان وجه تينا رقيقا باسما وهي تلقى بيدها على ذراعه بخفة , لحظة , وهي تمر بهما , ورفع كين حاجبيه بحركة سافرة بعد إذ انضم اليهما زوجان آخران . ولكن , عندما حدقت جاني في أثر المرأة الشقراء الطويلة القامة , اقشعر جسدها , فقد كانت المرأة تنفث سما ً , بالرغم من ادعائها الرقة والعذوبة .
وبقيت جاني طيلة المساء تشعر بنظرات تينا الحاقدة تتبعها إلى ان وقفت أمام المقصف الحافل بألذ المأكولات تملأ صحنها , فإذا بتينا تتقدم منها لتقف وتهمس في أذنها وعيناها تنفثان بالكراهية , قائلة بلهجة تعمدت أن تكون عفوية : " أظن ان كين لابد قد استولى على قلب كل امرأة فى هذه القاعة , على الأقل من هن تحت الثلاثين , وذلك بمختلف الطرق "
وكانت جاني قد اعدت نفسها لنوع من الهجوم من قبل تينا , ولكن مثل هذا الكلام السوقي تهمسه هذه في أذنها , أذهلها تماما .
وتابعت تينا تقول بنعومة وهي تنظر إلى الطعام الذى كانت تملأ منه طبقها بحذر : " إنه أمر محير حقا , عندما تفكرين فيه , أن يبقى على صداقة معهن بعد أن ينهى علاقته معهن . ومع هذا فهو رجل غير عادي قطعا " وتناولت بشوكتها قطعة من لحم البفتيك وهي تتابع : " ألا تظنين ذلك ؟"
ونظرت الآن الى وجه جاني وقد بانت الضغينة فى عينيها .
وأجابت جاني : " لا أظن أن هذا الحديث .. "
فقاطعتها تينا بصوت أشبه بفولاذ ملفوف بالحرير : " أتعلمين اننى خرجت معه , أنا نفسى عدة مرات قبل أن نتقابل أنا وأخيه كايث ؟ فأنا أتكلم عن خبرة بالطبع " ولاحت على شفتيها ابتسامة ذات معني .
فسألتها جاني ببرود وهي تقابل نظرات تينا اللامعة بمثلها : " أتريدين أن تقولي إنك مررت بأوقات عاطفية معه ؟ "
فأجابت تينا بخبث : " ما أشد صراحتك يا عزيزتي "
فقالت جاني بعنف : " لأنك إذا أنت قلت ذلك , فسأدعوك بالكاذبة . لقد علمت من كين أنكما خرجتما معا ً ثلاث مرات وهذا كل شئ "
وعندما تحولت عينا تينا عنها , تقدمت هي الى الأمام لتقول بهدوء : " هل ستقولين شيئا مختلفا ؟ "
فقالت تينا ببطء بعد فترة صمت : " آه , لقد أصبح كل ذلك قصة قديمة الآن . أليس كذلك يا عزيزتي ؟ " وضاقت عيناها حتى اصبحتا شقين قاسيين وهي تتابع قائلة : " إنك لا تريدين أن تسمعى كل التفاصيل القذرة , أليس كذلك ؟ "
فنظرت إليها جاني بوجه عابس وعينين مليئتين بالكراهية وهي تقول : " إنك ذات نفسية مريضة ملتوية , يا تينا "
" كيف تجرؤين على هذا الكلام ؟ " وكان وجه تينا الجميل مظلما بالحقد والغل وهي تقول لها هذا مما أشعر جاني بالغثيان . وتابعت تينا تقول : " كيف تجرؤين على توجيه هذا الكلام إلي ؟ إننى لا أقبل ذلك .. وأنا أقول لك.. "
فقاطعتها جاني وهي تجاهد لجعل صوتها باردا واضحا : " وأنا لن أستمع إلى أكاذبيك وتعريضاتك المشينة , لا الآن ولا فى المستقبل "
وقالت تينا بصوت يهتز عنفا : " المستقبل ؟ المستقبل ؟ اتظنين حقا انه سيكون لك مستقبل مع كين ؟ إنه لن يبقى معك . إنه لا يبقى مع أية امرأة . ألا ترين هذا ؟ ذلك لأنه رجل . رجل حقيقى ... إنه الرجل الحقيقى الوحيد الذى عرفت . فهو لا يمكنه أن يكون سجين أية امرأة اننى اعرف ذلك وأعرف طريقة تفكيره . كما أعرف ما يحتاجه ..."
وكانت نظرة الذعر التى لاحت في عيني جاني هي التي أسكتت ذلك الصوت المنخفض قبل ثانية واحدة من انطلاق صوت كين العميق البارد يتكلم من خلف تينا قائلا : " اذهبي إلى غرفتك يا تينا "
وعندما استدارت هذه لتواجهه , لم تستطع جاني أن تري النظرة الى ارتسمت في عينيها , ولكن منظر كين كان مخيفا وهو يتابع قائلا : " واحزمي امتعتك لأن بينز سيأخذك الى منزلك "
وهتفت هي : " كين .. "
فقاطعها بهزة عنيفة من رأسه وهو يقول : " الآن . وإلا فلن أكون مسؤولا عما سأفعل "
فقالت تينا : " لايمكنك أن تفعل ذلك بي , يا كين " كان فى صوتها الآن شئ غريب بعث القشعريرة في جسد جاني . كان أشبه ما يكون بتهكم منغم مما جعلها تدرك , لأول مرة , مبلغ فداحة ما تعني الحياة مع مثل هذه المرأة بالنسبة إلى أخيه . فلا عجب إذا كانت حياته تلك قد قتلته . وتابعت تينا تقول : " إننى جزء من أسرتك شئت ذلك أم أبي . فلا يمكنك أن تعاملنى بالطريقة التى تعامل بها الآخرون "
فقال وهو يم***ا من ذراعها : " تعالي معي يا تينا "
وجرها مجتازا بها الغرفة , بوجه جامد , وشعرت جاني بالراحة لذهابها بهدوء , رغم أن آخر نظرة ألقتها تينا عليها كانت تطفح حقدا شرسا , هذا إلى شئ آخر ... شئ هو نوع غريب من الإنحراف العقلي .[/align]

________________________________________
[align=center]ومضى وقت طويل قبل أن يعود كين , وكان واحد أو اثنان من الضيوف قد رحلا . وحال انشغاله بضيوفه وتوديعهم , من أن تكلمه على انفراد .
ولم يتكلم هو إلا بعد أن ودع ووالداه آخر الضيوف عند الباب الخارجي , فقال : " لقد رحلت تينا يا أمي " وكان ذلك وهم راجعون بعد أن اغلقوا الباب الخارجي .
وحدقت أمه فيه بذهول وهي تهتف : " رحلت ؟ هذه الليلة ؟ مع من ؟ وأين الطفلان ؟ "
فأجاب بهدوء : " انهما نائمان فى غرفتهما . لقد حضر والد تينا لأخذها . أظنهم يريدون أن يقوموا برحلة بحرية حول العالم . واقترح هو أنها ربما كانت فكرة حسنة أن تذهب هي معهم لعدة أشهر . إن أباها يشعر أنها بحاجة إلى فرصة للاستجمام بدون الطفلين , وهو يدرك أنهما سيكونان سعيدين آمنين معك . إنه سيتصل بنا هاتفيا غدا ليتحدث عن التفاصيل "
ونظرت أمه إليه وهي تقول : " يا لها من مفاجأة . ولكنني لم أفهم تينا قط . فهي لم تكن أما حنونة . اتظن ان السنة الاخيرة قد أثرت عليها أكثر مما صرحت به ؟ " ووجهت هذا السؤال إلى زوجها وقد ساد وجهها شعور بالذنب .
فأجاب زوجها بجفاء : " لا أظن ذلك . ولكن تينا لا تصارح أحدا بشئ , أليس كذلك ؟ اظن مثل هذه الرحلة يحتاجها كل انسان . فهي تمنحنا فرصة للتفكير وتحليل الأمور " ونطق بجملته الأخيرة بعد نظرة طويلة إلى وجه ابنه العابس .
وعندما ابتعد وزوجته , عاد فنظر من فوق كتفه الى ابنه وفي عينيه نظرة متسائلة , ولكن هذا وضع اصبعه على فمه يطلب منه الصمت وهو يقول : " سأراك غدا يا أبي " وكانت الكلمات تبدو عادية , ولكن الأب اومأ برأسه ببطء . لقد تلقى الرسالة غير المعبرة التى وجهها اليه ابنه وفهمها.
وعندما اختفى والداه متجهين الى غرفتهما , توجه كين نحو جاني وهو يقول وقد تغيرت ملامح وجهه : " جاني ؟ إننى بحاجة إلى الحديث معك . لأن أكون مع إنسان طبيعى . هل تمانعين ؟ "
فأجابت : " كلا بالطبع " لقد مس قلبها الألم السافر البادي في عينيه .
وأمسك بذراعها متجها بها نحو مكتبه . حيث كانت النار تتوهج حمراء في ظلمة المكتب .
وقال : " لا يمكنك ان تتصوري مقدار إعجابي بك يا جاني " واهتزت مشاعرها تجاوبا مع العاطفة المتدفقة في صوته . وأدركت انها قد ضاعت . ضاعت فى دوامة محت من ذهنها كل ما هو عقلاني , ولم يبق سوى كين .
وفجأة , تراجع وهو يقول وقد تألقت عيناه بوهج نيران المدفأة : " إننى أريدك يا جاني ... هل تفهمين ؟ "
وادركت هي , في لحظة واحدة انه يمنحها الفرصة للاختيار . لقد كان رجلا ذا خبرة ومتمكنا من فهم مشاعر المرأة ومقدار تجاوبها . لماذا ؟ لماذا ؟ وفجأة وبدون سبب . شعرت بذعر هائل .
وتهالكت جالسة على الأريكة وهي تقول : "كين .. هذا الكلام ليس الآن وقته "
وتصلب جسده لحظة طويلة سادها التوتر , ليسير بعد ذلك , فيقف أمام النار التى ابتدأت فى الخمود , موليا إياها ظهره . وتنفست بعمق وهي تقول : " إننى أسفة .. فأنا لم أعد ادرك طبيعة مشاعري . وما الذى أريده حقا " وسكتت وهي تطلق آهة خافتة .
فأجاب وهو يستدير إليها ببطء : " لكننى أعلم تماما ما أريد " ولم تستطع أن ترى وجهه في الظلام وانما بدا مخيفا ضخم الحجم وهو يتابع قائلا : " أكثر من اي وقت آخر في حياتي "
ومرت فترة طويلة من الصمت العميق أخذت بعدها تفرك عينيها بعد أن شعرت برغبة قاهرة في البكاء وهمست مرة اخري : " إننى أسفة " وكان صوتها يرتجف رغم كل جهودها فى السيطرة عليه وهي تتابع قائلة : " لم يكن فى نيتى أن أدع الامور تفلت من أيدينا بهذا الشكل "
فقال بصوت خافت رقيق : " ولا أنا . ولكن عندما اكون بقربك , تجري الامور بهذا الشكل . أليس كذلك ؟"
كانت السخرية في صوته يشوبها شئ من الألم . وادركت هي بشئ من الاشمئزاز لشعورها ذاك , انها كانت تريده ان يشعر بنفس ما تشعر هي به في هذه اللحظة , كانت تريده أن يبطل كل اعتراض ومقاومة منها , وأن يؤكد صلتهما بالطريقة المعروفة منذ الأزل . وتوجهت وجنتاها من جراء هذه المشاعر المتناقضة التى كانت تتفاعل في نفسها والتى اشعرتها بالمذلة .
وسألته بصوت خافت : " هل ستأخذني إلي بيتي ؟ "
فأجاب على الفور بصوت دافئ ثابت : "نعم . إنما إذا وعدتني بتناول العشاء معي مساء الغد "
فسألته وقلبها يخفق بعنف : " ألا يمكن تأجيل ذلك إلى مساء الثلاثاء ؟ إن على أن أنظف شقتى وأغسل شعري وما أشبه ذلك "
فأجاب : " فليكن ذلك " وأرسلت الرجولة المتدفقة من صوته العميق الرعدة فى أوصالها .
وكان السائق قد سبق ووضع حقائبها في صندوق السيارة والتى كانت تنتظر بصبر , أمام المنزل فى ضوء البدر المكتمل الذي أحال لونها فضيا خالصا .
وصعد كين إلى مقعد القيادة بعد أن أجلسها فى المقعد الى جانبه . وتمتم ساخرا وهو يشعل المحرك : " إنها ليست مغرية كسيارة الجاكوار , ولكن لا بأس بها لهذه الليلة "
كانت تريد أن تأخذ الأمور بنفس البساطة التى يأخذها هو بها , كما يبدو . ولكن كان فى حلقها غصة خانقة كانت تمنعها من ذلك . لو لم يكن قد توق , لكان الآن شعورها مختلفا . و اغمضت عينيها بشدة لحظة . سواء كان ذلك للأفضل أم للأسوأ , فهو فوق إداركها الآن . فإن قربه منها يمنعها من التفكير بشكل سليم .
وانسابت السيارة الكبيرة فى ضوء القمر الرائع , وقد بدت الشوارع خالية , تقريبا فى هذا الوقت من الليل . وعندما تذكرت مجيئها الى هنا منذ أربعة أيام , لم تكد تصدق السرعة التى استولي هو بها على عواطفها وأفكارها كليا . وكيف بدد كل معارضة وممانعة منها . هذا بينما هي ما زالت بعيدة حتى عن فهم السبب الذى جعله ينجذب إليها , وحتى عن إدارك حقيقته كإنسان . هل تراها وثقت بعقلها أم بقلبها حين تعلقت به . ولم تجد فى تلك الشوارع الخالية جوابا يشفى غليلها .
" ها قد وصلنا " قال ذلك وهو يوقف السيارة خارج المنزل . وحدقت به لحظة فى ذلك الضوء الباهت مستوعبة ملامحه الخشنة , وكل خط فى وجهه وكأنها لن تراه مرة أخرى . لقد قلب هذا الرجل حياتها رأسا على عقب فى خلال أيام قليلة , ولكن اشد الامور فظاعة هو أنها لم تكن تستطيع أن تتصور أنها قد لا تراه مرة أخرى أبدا .
وقال وهو يمد يده يلمس السلسلة المتدلية حول عنقها : " إننى مسرور لكونك تتحلين بها هذه الليلة . يبدو أن قوتها على تغيير الأمور لم تتغير "
منتدى ليلاس
فقالت : " لم أفهم " وحدقت به لحظة قبل أن تومئ برأسها قائلة بسرعة : " آه , أتعني تينا ؟ "
فأجاب بجفاء : " ليس تماما "
وفجأة , شعرت أنه من الأفضل أن تركز اهتمامها على زوجة أخيه , فسألته :" هل هي سترحل بعيدا ؟ وهل ستترك طفليها ؟ "
فتنهد بخشونة وهو ينظر إلى خارج النافذة قائلا : " نعم . لقد كان أبوها أكثر تفهما مما كنت ارجو . ويبدو انه يحبها رغم عيوبها ولكن دون أن يأخذ عنها فكرة حسنة . لقد كان يحب كايث وقد أوضح ذلك . واظن انه كان ليده فكرة صائبة عن كيفية تسيير الأمور . فقد خطط لرحلة تستغرق عاما أو اكثر . واثناء ذلك سنقوم نحن بالإجراءات القانونية فى الوقت المناسب بالنسبة للطفلين . ذلك أن تينا لم يكن لديها قط وقت لأجل طفليها . فهي بالكاد تستطيع احتمالهما بجانبها أحيانا . وأمي هي الأم المناسبة لهما "
فسألته بحيرة : " وهل ستوافق تينا على هذا ؟ إنهما ولديها "
فأجاب بصوت خشن يملؤه الألم : " عندما تلد سمكة القرش أولادها , تكون هذه الأولاد فى اكياس خاصة بها ومعلقة بحبل فى داخلها , تماما كالإنسان , ولكن ما أن تصبح فى الخارج حتى تنطلق فى مياه البحر لتعيش بمفردها . أعنى بمفردها تماما وليس للأم أية علاقة بها بعد ذلك . وفي أحيان نادرة الحدوث تولد سمكة قرش بشكل امرأة , مثل تينا تلك " ونظر إليها متنهدا وهو يتابع قوله : " لا شئ فى هذه المرأة طبيعيا , على كل حال يا جاني . لقد أهملت طفليها . تجاهلتهما منذ ولادتهما . وقد جعل هذا كايث يشعر بالجنون إلى أن اضطر لقبوله . اخيرا ككل شئ آخر . وهكذا أصبح لهما بمثابة الأب والأم . وطبعا كانت أمي تساعده فى ذلك "
فسألته : " وكيف مات ، يا كين ؟ " وما كان لها ان تفكر ، قبل الآن ، فى إلقاء هذا السؤال ، ولكن الوقت الآن قد اختلف .
فأجابها بإختصار : " بحادث سيارة . لقد كانت ظروف الحادث غريبة . فقد اصطدم بجدار من القرميد رأسا دون اى دليل على انحراف فى العجلة او ما أشبه . ولكن الوقت كان منتصف الليل والشارع خاليا ولا شهود هناك " وهز كتفيه وهو يتابع : " وكان الأفضل أن نجعل أمر تعتقد أن الأمر كان مجرد حادث سيارة . "
فسألته بفزع : " أتعنى أن الأمر كان انتحارا ؟ "
فأومأ برأسه ببطء وهويقول : " لقد أحالته تينا إلى رجل من النوع الذى كان يكرهه ، يا جانى . لقد اضطرته إلى القيام بأمور ، وقول أشياء لم تكن من طبيعته ، فآلمت روحه وأثقلت ضميره ، وذلك لكى يرضيها ، ولكنها لم تكن لترضى عنه وكان هوضعيفا ، وكان يدرك فى نفسه ذلك ، وفى النهاية ، دفع الثمن . " والتفت إليها فجأة يسألها : " هل أنت متأكدة أن بامكانك التوقف عن رؤيتى ليومين كاملين ؟ "
وقبلت هى تغيير موضوع الحديث دون تعليق . فقد كان الحديث عن أبيها ، ولو بعد زمن طويل ، كان أحيانا يسبب لها غاية الألم ، وخاصة فى الأيام الأولى التى تلت فقده ، عندما كان شعورها بالمرارة يدفعها ، فعلا ، إلى الغثيان . فلا عجب إذا كان يكره تينا والحديث عنها إلى هذا الحد .
وأجابته بصوت خافت وهى تفتح باب السيارة لتخرج إلى الليل القارس : " سأحاول " كانت تخشى ان هى بقيت دقيقة أخرى ،أن تطلب منه إعادتها معه إلى بيته .
وتمتم وهو يتبعها إلى الباب الخارجى : " يا لك من فتاة حمقاء ... افتحى الباب . "
وعندما تبعها إلى الردهة الصغيرة ، قالت له : " لا حاجة بك إلى الدخول "
فأجاب : " لقد غبت عن البيت أربعة أيام ، وكان المنزل خاليا . فأنا سأطمئن عليك أولا ، ثم أخرج ، إلا إذا طلبت منى البقاء لشرب فنجان قهوة . " وبان المكر فى عينيه وهو يقول ذلك .
وعندما خرج أخيرا ، كانت تشعر بأعصابها متوترة وذهنها مشوشا إلى درجة لم تعرفها فى حياتها . وكان شعورها بالارتياح وهى تسمع خطواته تبتعد وهو يغادر الشقة لا يوازيه سوى شعورها بالأسف لرحيله .
وكانت شقتها كصندوق الثلج . وعندما استلقت فى فراشها ، وهى ترتجف من البرد ، افتقدت وجود الهرين ، كوزموس وجونيبر ، بجسميهما الدافئين ، أكثر مما كانت تظن .
نهاية الفصل الثامن

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
قديم 13-09-10, 09:22 AM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2010
العضوية: 156978
المشاركات: 676
الجنس أنثى
معدل التقييم: سفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جداسفيرة الاحزان عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 575

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
سفيرة الاحزان غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : سفيرة الاحزان المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل التاسع


وأثبت العمل فى اليوم التالى أنه كارثة فى أعلى المستويات، فقد أخذت جانى ترتكب الأخطاء فى العمل مرة بعد مرة. وفى آخر النهار أدركت أن ظن جو أنها مازالت تعانى من الأنفلونزا، هو وحده الذى منعه من الخروج عليها بنيران البنادق.

وعندما وضعت عليها معطفها، فى تلك الليلة قال لها جو بهدوء وهو ينظر الى آخر تقرير ملئ بالأخطاء قدمته اليه: ((يمكنك أن تأخذى عطلة يومين، يا جانى، فأنت لم تعودى الى طبيعتك بعد .))

وأومأت هى بالايجاب صامتة، وهى تتناول حقيبتها من على الأرض، مفكرة فى أنها لن تعود أبدا الى طبيعتها مرة أخرى. حتى أنها لم تعود تعرف ماهى طبيعتها أصلا . وأجابته باختصار: (( شكرا يا جو.)) وحيته بيدها باختصار وهى تخرج، قائلة: ((اننى آسفة لما أحدثته من فوضى وأخطاء فى العمل، هذا النهار.))

وعندما أصبحت فى بيتها، أشعلت مدفأة الغاز الصغيرة فى غرفة جلوسها الصغيرة الحجم، وصنعت لنفسها فنجانا من الشاي وخبزا محمصا، ثم جلست تأكل وهى تدفئ قدميها أمام المدفأة، بعدما غسلت شعرها ونظفت شقتها الصغيرة كليا. ولكن قدرتها المهتزة، وارتجاف يديها، والغثيان الذى تشعر به، كل ذلك بقى كما كان، لم يتغير، وهى لن ترى كين قبل الغد.

وبعد أن جلست تقلب فى محطات التلفزيون بضيق، حدثت نفسها بأن عليها أن تجد شيئا تشغل به نفسها، وخطر ببالها أوراق أبيها. وتشبثت بهذه الفكرة. ان اصرار كين بأن يعيد اليها مستحقات أبيها من المال ، جعلها تفكر فى ضرورة اعادة فحصها للناحية المالية فى مسألة أبيها. بعد اذ شعرت بعدم الارتياح لفكرة قبول أي شئ منه. وعلى ضوء تطور الأمور بينهما، بدا لها أن عطاء منه لها قد يبدو تكرما منه عليها ما لم تكن تقبله بأي حال .
منتدى ليلاس
هل تراها تشعر بقوة كافية لاخراج ذلك الصندوق الذى يحوى أوراق أبيها بكل ما تحفل به من ذكريات مؤلمة لأحزان أبيها وكربه، ويأسها هى؟ وجلست على السجادة أمام التلفزيون وهى تفكر فى كل ذلك. والغريب أنها أجابت نفسها أنها تستطيع ذلك. ولأول مرة منذ سنتين تشعر بنوع من السكينة يستقر فى أعماقها ليغطى الألم والأسى بتقبل بطئ لما ليس بامكانها تغييره. عليها ان تنتهى من هذا كله، ان تخرج من هذه القضية، أن تثق بما يوحى به اليها قلبه. لقد اتجهت بها المرارة التى بقيت تعانى منها شهورا طويلة نحو رجل فظ، دكتاتور متسلط قادر على التصرف بقسوة بالغة، ولكن الآن...لقد عرفت حقيقة كين وأحبته.

كم أستمر بها الوقت، فى جلوسها ذاك فى غرفة جلوسها الصغيرة تستوعب المعلومات التى أخذت تحاربه طيلة أيام، هذا لم تدركه، ولكنها عندما وقفت فى النهاية وأحضرت صندوق الأوراق، كان ارتياحها قد أصبح حقيقة واقعة. انها لا تعرف ماذا يخبئ لها المستقبل، فهو لم يذكر لها بعد كلمة واحدة عن الحب، كما أن عالمه هو غير عالمها، ولكنها رغم هذا كله ، تريد ان تبقى معه بقدر ما يريدها ان تبقى.ان الألم الصارخ الذى شعر به لموت أخيه، عطفه وتفهمه لقضية كولينز، صديقه الحميم ولأبيه معا، اهتمامه بأمه، حبه لأولاد أخيه... كل هذا يخبرها أنه ليس بالرجل الذى يسلب بكل قسوة رجل متوسط السن العمل الذى يعيش منه، ثم يبتعد دون أن ينظر الى الخلف. انها تعتقد هذا. ان عليها أن تصدقه.

وأخذت تعود بأفكارها الى الأيام القليلة الأخيرة وهى تدفع بشعرها الى الخلف. ان الرقة والحنان اللذين لمستهما منه، كان كل ما تطلبه فى الرجل. كانت قوته لا تنحصر فى الفظاظة والبرود كما يتوهم أكثر الرجال أنها القوة، ولكنها من النوع الذى يمكنها من اجتياز أي وضع، وأية ظروف معه عالمة بأن فى امكانه أن يحميها ولو على حساب سلامته. كما أنها لم تعد تشك فى نزاهته بعد الآن، ولن تشك أبدا .

وتنفست بعمق فى تلك الغرفة الساكنة. كان يريد قلبها وروحها و كل كيانها. ولقد عرفت هى هذا. ولكن، أين ستصبح عندما ينتهى هذا كله؟ هذا اذا انتهى؟ وكيف ستواجه هى عواقب هذا بقية حياتها؟

وعادت الى ذهنها كلمات سبق وقالها لها، وكأنه معها الآن فى الغرفة: ((سيكون عليك، عاجلا أم آجلا، أن تتمسكى ببعض الفرص التى ستسنح لك فى حياتك، فلماذا لا تبدأين الآن، معى ؟))نعم، لم لا يا كين؟ حدثته بذلك فى صمت وهى تنظر حولها فى الغرفة الخالية. انها لن تخاف المجهول بعد الآن، بل ستواجهه معه برأس مرفوع، وربما...وهزت رأسها ببطء...ربما سينمو شعوره نحوها الى أن يصبح حبا حقيقيا.

وبعد أن نفضت عن الأوراق عنكبوتا ضخمة ميتة، وكثيرا من غزل العنكبوت، أفرغت الأوراق كلها على السجادة، ومن ثم ابتدأت تنظمها حسب تواريخها. وكانت كومة الأوراق تثبط الهمة، ولكن كان عندها المساء كله. ثم جلست وابتدأت تقرأ الأوراق بالتتابع، وهى تكتب ملاحظة عن كل ما تقرأه.
كان أبوها يكافح حقا. لقد أغرقت بعض الأوراق بدموعها عندما وصلت فى قراءتها الى النصف، انه لم يتسول، ولم يهدد بل كان دمثا مؤدبا على الدوام. ولكن الذئب أبرز أنيابه ليغرزها فى ما يملك.

وبعد عدة أكواب من القهوة السوداء، كان مايزال أمامها عدة أوراق. ونظرت الى ورقة الملاحظات، وتنهدت. كان التعويض المالى الذى قدمه كين اليها معتبرا. فهل كان يعلم؟ وهزت رأسها ببطء. ان باستطاعته دفعه طبعا، ولكنها لم تشأ أن تأخذ نقوده. لقد بدا لها فى هذا الرأى شيئا من الانصاف رغم أنه كان بعيدا عن المنطق.

وألقت نظرة على ساعتها لتجد أنها الواحدة صباحا. فصممت على المرور بسرعة على الأوراق القليلة الباقية قبل أن تذهب الى فراشها. شعرت أن بامكانها الآن ان تنام. ولكن الورقة قبل الأخيرة هى التى جعلت رأسها يدور فى الظلام. وهى ورقة لم تكن قد لاحظتها من قبل. وتصفحتها فى البداية بسرعة، ثم عادت تقرأها ببطء وامعان وقلبها يخفق بعنف. وشعرت بأنها على شفا الموت، ثم للمرة الثالثة حتى انطبعت الكلمات فى ذهنها بأحرف من نار. كانت الأحرف المطبوعة بها من الأحرف المائلة الأنيقة الرائعة الجمال والتى توحى بالقوة والثراء.

عزيزى السيد غوردون

من المؤلم، على الدوام، أن تضع وقتا محددا لمعاملة حساسة كمعاملتنا، ولكننى أشعر بأن مؤسسة ستيل لم تعد تقبل أى تأخير. ان تأخيرك هذا قد أفقدك حتى الآن ، مبلغا ماليا معتبرا و أنا أشعر بأن المبلغ الذى نقدمه لك هو مبلغ السخاء بالنسبة الى الظروف اليائسة التى تجد نفسك فيها حاليا. فاذا أنت لم تقبل شروطنا وعرضنا هذا لاستلام مصنعك، فى خلال ثمانى وأربعون ساعة، فان مؤسسة ستيل ستنسحب من الموضوع، وان معلوماتنا عن صعوبة وضعك المالى تجعلنا نعتقد أن وضعك سيصبح فى خطر. ولاشك أن الملاحظات أمام القضاء هى تجربة فيها اذلال لاسم الأسرة على الدوام. وأريدك أن تضع هذا فى اعتبارك عندما تصمم على القرار.

وتلا ذلك، النتيحة العادية لمثل هذه الرسالة القانونية، ولكن التوقيع الذى كان فى أسفل الرسالة هو الذي أحدث فى قلبها كل هذا الألم . (ك.ستيل) وتحته (رئيس ومدير ادارى).
__________________


هكذا اذن. ورفعت رأسها تنظر الى الجدار المقابل بعينين لا تريان. انه كان يعلم. كان يعلم! حتى لو لم يكن مشاركا فى ذلك الضغط المريع الذي أنزل الثمن الى ثلث المبلغ المعروض فى الأصل، وذلك فى مدى الأشهر التى مرت، وكان أبوها فى أثناءها صامدا أمام الضغوط. ثم رشوا أو أرغموا البنوك والمؤسسات الأخرى لكى يسحبوا البساط من تحت قدميه المرتجفتينز حتى و لم يكن كين قد حرض على ذلك، فان هذه الرسالة تثبت أنه فى النهاية، قد وافق على تصرف موظفيه. وهو ما كان ليضع توقيعه أسفل رسالة كهذه دون أن يكون على علم بكل تفاصيل القضية. فليس هو، ليس كين ستيل من يفعل ذلك.

ولم تبك جانى. فقد جهزت نفسها للنوم بحركة آلية، ثم استلقت فى سريرها وعيناها مفتوحتان حتى انتشر ضوء الفجر فى غرفتها ليبدأ يوم جديد. وشعرت بجسمها مشلولا...لقد مات شئ فى أعماقها...انتهى...انها لاشئ الآن. كيف أمكنها أن تكون بمثل هذا الغباء؟ كيف؟

ولم تستطع أن تذهب الى العمل. لم تستطع أن تقوم بأى عمل مطلقا...ومر اليوم ساعة بعد ساعة ودقيقة بعد دقيقة. وأغمضت عينيها بشدة اذ، لثانية واحدة، اندفع الألم الحارق يبرد الثلج الذي غمر قلبها. عليها الا تفكر بشئ الآن أبدا. وحملقت فى الظلام الذى ابتدأ يتسلل الى غرفتها ببطء. انه سيكون هنا بعد ساعة، وبعد ذلك...وانتابتها قشعريرة باردة.

وعندما قرع الباب، مشت تفتحه ببطء كامرأة عجوز. وما أن وقعت عيناه على وجهها الشاحب، حتى تلاشت الابتسامة العريضة عن وجهه. وسألها بعد أن ألقى جانبا باقة الورود التى أحضرها معه، وتبعها الى الداخل ، سألها بعجب: ((ما هذا؟ ما الذى جرى؟))

فأجابت: (( لقد وجدت رسالة.)) وبدا صوتها الذى خرج من خلال الغصة التى كادت أن تخنقها، بدا طبيعيا تقريبا، ووجدت هى ذلك غريبا بعد أن شعرت فى اللحظة التى وقعت عيناها عليه بهزة عنيفة. وقد شعرت للحظة واحدة بما يشبه الاغماء. انما الآن ، ولأول مرة منذ وجدت الرسالة أخذ الغضب الوحشى يضطرم فى أعماقها مانحا لأعضائها قوة مفاجئة جعلها لا تستطيع تنظر اليه دون أن تنهار.
منتدى ليلاس
وسألها بوجه جامد: (( رسالة؟ ما نوع هذه الرسالة يا جانى ؟))

وعندما تقدم منها، تراجعت الى الخلف بحدة وهى تقول بعنف: (( هل لك أن تقرأ الرسالة؟ أظن أن من الأفضل أن تفعل ذلك.))

ووقف دون حراك وهى تسير نحو الصندوق الموضوع فى زاوية الغرفة لتخرج منه رسالة تقدمها اليه قائلة: ((ها هى.))

وأخذها منها، حذرا من أن يمس يدها، ثم ألقى نظرة شاملة على الصفحة، وسرعان ما توترت ملامحه.

وقالت بصوت حاد مرتفع: ((حسنا؟)) وتنفست بعنق ثم عادت تقول: (( أهذا هو توقيعك ؟))

فأجاب: ((يمكننى أن أشرح لك هذا الأمر، يا جانى .)) ونظر اليها، فرأت فى عينيه تعاسة انعكست فجأة فى عينيها.

واندفعت تقول بثورة مفاجئة شعرت معها بالرغبة فى القاء نفسها عليه وتمزيق وجهه بأظافرها: (( كيف تكذب علي بهذا الشكل، يا كين؟ كيف أمكنك أن تدعى البراءة بينما طوال الوقت....))

فقاطعها وهو يتقدم نحوها خطوة أخرى: (( لقد كنت ...)) ولكنها تراجعت مبتعدة عنه وقد التهبت وجنتاها وتابع هو قائلا: ((استمعى الي من فضلك.))

فانفجرت قائلة: (( لا تلمسنى يا كين، سأقتلك اذا أنت لمستنى.))

فقال: (( استمعى الي يا جانى. ))

فصرخت قائلة: (( لا أريد أن استمع اليك بعد الآن.)) كان غضبها عنيفا جعلها ترى أمامه كمثل ضباب أحمر وهى تتابع صراخها: (( لا أريد أن اسمع أكاذيب أخرى، هل تسمعنى؟))

فأجاب بغضب وقد أحمرت وجنتاه: (( أظن البناية كلها تسمعك. اننى أقدر مشاعرك نحو كل هذا، ولكن هناك سببا وجيها لهذا، اذا استمعت الي وقتا كافيا...))

فقاطعته: (( اننى أكرهك. اننى أكرهك.)) وعندما هاجمته استعمل كل قوته ليمسك بها على مدى ذراعيه بينما كانت هي تقاتله و ترفسه بذراعيها وساقيها، وقد منحها الغضب المر الذى أكتسح جسدها قوة بشرية مضاعفة. و بعد دقائق طويلة، انهارت على السجادة .

ووقف ينظر اليها وقد أظلمت عيناه واكتسح وجهه العبوس و هو يقول: ((هل ستستمعين الي الآن؟ امنحينى فرصة أوضح لك فيها الأمر.))

فقالت ببطء: (( لقد سبق و استمعت اليك بما فيه الكفاية. ولا عجب أن تعرض علي مالا... لقد فهمت الآن كل شئ. وعندما أفكر كيف ساورنى شعور بالذنب بالنسبة لقبول أى شئ منك... حسنا، اننى لا أريد نقودا منك، يا كين ستيل. لا أريد منك أى شئ.))

وارتفع صوتها بالصراخ مرة أخرى. وهز هو رأسه ببطء و قد اكمد وجهه، ثم قال بهدوء: ((لا يمكننى التحدث اليك و أنت بهذه الحال ، والآن اهداى.))

فانفجرت قائلة: (( أهدأ.)) لقد كان فى هذه الكلمة وقودا جديدا للنار التى فى جوفها، وتابعت صراخها: (( كيف تجرؤعلى أن تقول هذا؟ انك كاذب مخادع و قد فهمت السبب فى اهتزاز عقل تينا ما دام لها صلة بأسرتك منذ وقت طويل.)) كان هذا كلاما خطرا و كانت هى تعرف ذلك، ما جعلها تندم على التفوه بتلك الكلمات القاسية المغيظة حالما نطقت بها، ولكنها حدقت فيه بتمرد، لا تريد أن تطهر أى ضعف.

فقال ببرود وقد استحالت عيناه الى قطعتين من الفولاذ وهو يسير متجها نحو الباب: (( ان ما تقولينه لا يفيد أيا منا. وسأعود عندما تتمكنين من السيطرة على أعصابك.))

فقالت: (( لاتكلف نفسك عناء ذلك.)) وتوقف هو وقد تصلب جسمه وهى تقذفه بهذه الكلمات، ثم عاد يتابع سيره نحو الباب الأمامى.

وقبل أن يغلق الباب وراءه، قال لها بصوت بارد كالثلج: (( ربما لن أفعل ذلك.))

هل تراه ذهب ؟ ورفعت رأسها ثم زحفت نحو الكرسى المريح أمام المدفأة و رأسها يدور. هل ذهب حقا؟ حسنا، انها مسرورة لذلك. مسرورة ! فهى لا تريد أن تراه مرة أخرى فى حياتها.

و فوجئت بانهمار دموعها بغزارة . وعندما ابتدأت بالبكاء ، وجدت أن من الصعب عليها التوقف . و في كل مرة كانت تظن فيها أنها تمكنت من السيطرة علي نفسها ، كانت الدموع تنهمر من عينيها من جديد . وفي النهاية ، تكورت في سريرها مصطحبة معها فنجاناً من الكاكاو و قربة ماء ساخن ، حيث استلقت في الظلام و قد تملكها الارهاق .

لم تكن تتوقع أن تنام . و لكن الليلة السابقة التي لم يغمض لها فيها جفن ، و الإنفعالات الحادة و ثورة المشاعر التي انتابتها في الأربع وعشرين ساعة الماضية ، كل ذلك جعلها ترتمي في سبات عميق لتفتح عينيها وقد غمرت الغرفة أشعة الشمس التي كانت تتسلل من بين الستائر ، و بقيت مستلقية لحظة ، غافية في دفء الأغطية ، متسائلة عن ذلك الظل الأسود الذي غشي ذهنها ، ثم تذكرت كل شئ .

و عكست لها مراة الحمام وجهاً شاحباً ملطخاً ، وعينين منتفختين جعلتاها تشعر و كأنها تنظر إلي العالم من خلال شقين . و بعد " دوش " دافيء طويل ، شعرت بالتحسن قليلاً . ولكن ، لوقت قصير ، إذ أنها ، وهى تعد فطورها ، ابتدأت دموعها تتدفق من جديد .

و قالت بصوت عال تحدث نفسها في تلك الغرفة الخالية ، تمالكى نفسك ، يا جاني ، لا يمكنك أن تستمري علي هذا الشكل .. إن منظرك غاية في الفوضي … و كان هذا النهار أسوأ من النهار السابق . فقد كانت نهار أمس ، علي الأقل ، في انتظار و لكنها تجد دموعها تعاود التدفق كل عدة دقائق دون أن تستطيع السيطرة عليها و هذا ما أفزعها . إنه لم تشعر بمثل هذا قط في حياتها . حتي عند وفاة والدها ، حين ظنت ، في ذلك الحين ، أنها قد وصلت إلي حافة القبر .

و فكرت ، فيما بعد ، وهى تخرج للتمشي في ذلك الجو القارس ، في أنها تكرهه ، تمقته ، وكانت تتفرج ، دون هدف ، علي واجهات الحوانيت و علي الناس التي تسرع الخطي في الشوارع كعادة سكان لندن ، دون أن ينتبهوا إلي ثمة إنسانا في غاية الألم يسير بينهم . فلماذا ، إذا كانت تشعر بذلك قد أحبته إلي هذا الحد ؟ و جعلها هذا الخاطر تتسمر في وسط الشارع ، كلا ، ليس هذا صحيحاً … ليس هذا صحيحاً . و لكنها كانت تعرف جيداً أن هذا صحيح . فهي قد احبته دون أمل ، وتغيير مشاعرها هو شيء ليس بيدها .

و اتجهت في سيرها نحو إحدى حدائق لندن الصغيرة المحاطة " بالدرابزين " حيث جلست علي المقعد الخشبى المبلل و هي تنظر إلي بساط العشب الأخضر بعينين لا تريان . إنها لم تستمع إليه . لم تسمح له حتي بإبداي عذر ما .. هل من الممكن أن يكون ثمة تفسير لكل هذا ؟ وهزت رأسها ببطء . ثمة شيء واحد ، وهي أنها لا تستطيع أن تعيش املة بشيء أخر . ربما قد سبق و ندم بمرارة علي ما فعل . ربما قد دفن ذلك العمل الشائن بحيث لم يعد بمقدوره إخراجه إلي العلن … و مضي وقت طويل و هي علي هذه الحال ، زجرت نفسهاه بعد ذلك بغضب ، لهذا العبث . لقد كان يعلم ما يفعل . ولكنها لم تستمع إليه . و إذا هو عاد ، فهي ستستمع إليه ، و لو لتتخلص من الأوهام . و لكنها خسرته ، و مهما كان السبب ، فقد خسرته … و ادركت فجأة ، أنها ، بخسارتها كين ، قد ذهب كل ما كانت تتوقعه من المستقبل . الزواج ،
__________________
الأطفال ، أسرة خاصة بها يشاركها فيها رجل تحبه . و لكنه هدم كل ذلك منذ أول يوم تقابلا فيه ، ذلك لان الزواج لم يكن أبداً من مقرراته حتي و لو لم تقع هذه القنبلة . وبعد أن عرفته هي ، لم يعد بغمكان رجل سواه أن يحتل مكانته عندها .

كانت قد فرغت لتوها ، من إلقاء وجبة الطعام في القمامة ، و التي طبختها دون أن تمسها . عندما سمعت قرعاً علي بابها ، فعلمت أنه هو .

و فتحت الباب ببطء ورفعت أنظارها لتراه واقفاً أمامها ينظر إليها بهدوء : ( هل أستطيع الدخول ؟ ) فوقفت جانباً دون أن تتكلم . ثم عادت تدخل شقتها و هي تسمعه يغلق الباب خلفه و هو يتبعها إلي داخل غرفة الجلوس الصغيرة ، وسألها بلطف و هي تجلس علي الكرسي و عيناها مسمرتان علي وجهه ، سألها قائلاً: ( إذا ابتدأت بالكلام ، بالشرح ، فهل تعدينني بعدم التفوه بكلة حتي أنتهي ؟ )

فأجابت و هي تشير بيدها إلي كرسي أخر : ( لا بأس . )

و لكنه هز رأسه ببطء بينما الخطوط الفضية في صدغيه تلمعان في نور المصباح ، مسببة لها ألماً عنيفاً في صدرها . يجب أن لا تبكي الان . يجب أن لا تبكي . و حدثت نفسها ثائرة ، بأن عليها أن تسيطر علي مشاعرها ، إذ ربما ستكون هذه أخر مرة تراه فيها في حياتها ، و يجب أن تنتهي بشيء من الكرامة ، كان كين متوتراً و هو يذرع أرجاء الغرفة واضعا يديه في جيبي بنطاله و قد انحني جسده الكبير و كأنه يعاني ألما دفيناص ، ثم قال : ( إن التوقيع " ك ، ستيل " الذى في أسفل الرسالة هو صحيح . ) و القي عليها نظرة خاطفة ، و قابلت هي نظرته بثبات مع أن كيانها كله كان يصرخ احتجاجاً علي ما يقول ، و عاد هو يقول : ( و لكنه كان كايث ستيل ، يا جاني ، و ليس كين . ) ووجدت جاني نفسها غير قادرة علي استيعاب ما يقول . فقد كانت تستمع بجهد من خلال النبض الذي يعلو في أذنيها .

و تابع يقول : ( منذ سنتين ، دخل أخي معنا في الشركة لرعاية أعمالي لمدة سنة تقريباً ، وقد سلمته أنا السلطة الكاملة في كل النواحي . كنت أعلم أن باستطاعتى الثقة به ، فقد كان يحبني بقدر ما أحبه ، وكان هو الشخص الوحيد ، في ذلك الوقت ، الذى كنت أثق فيه و الذي كان يعرف كل تفاصيل العمل . و كان في ذلك الحين ، يعيش مع تينا حياة قاسية ، وربما كان ذلك الوقت أسوأ وقت لعمل كهذا . و لكنه كان ضرورياً و قد أصر هو علي ذلك . )
منتدى ليلاس
و توقف عن المسير لينظر إليها مباشرة ، وهو يستطرد قائلاً : ( و في الوقت الذى أنا فيه السلطة مرة أخري ، كانت قضايا أخري في المقدمة ، أما مصنع أبيك فقد كان مجرد إسم في القائمة التي تسلمتها و التي تشير إلي الإنجازات الجديدة . أيمكنك تصديق ذلك ؟ ) فأومأت برأسها و قد أخرسها ما تسمع ، و هي تتنفس بارتياح و قد اجتاحتها موجة من البهجة التي شعرت بها بعد هذا الإيضاح .

و تابع هو : ( عندما قابلتك في تلك الليلة الأولي ، لم إعرف في البداية ، بما أفكر ، و عما إذا كنت إداة في يد أحد المنافسين لي عديمي الأخلاق . و ذلك لتشويه سمعتي ، أم أنك تتصرفين لمصلحتك الخاصة لهدف أسوأ ، وحتي لو كان هناك ذرة من الحقيقة في اتهامك المحير ذاك . و قد ثارت ثائرتي و جن جنونى . لقد فكرت في الانتقام و نويت ذلك . و لكن ، منذ اللحظة التي بكيت فيها ، عرفت أنك ، علي الأقل ، مؤمنة بعدالة قضيتك ، وكان في ذلك ، أول بذرة من الشك تنغرس في نفسي ، و قدحققت تحرياتي أسوأ مخاوفي . لقد أحببت أخي يا جاني . )كان في صوته شيء من الارتباك تقريباً . و عندما شرعت بالنهوض لتتقدم نحوه ، أشار إليها بيده لكي تبقي جالسة ، و قدتوترت ملامحه فجاة ، وهو يقول : ( كلا ، إنني لم أنته من حديثي بعد . إنني لم أشأ لك أن تعلمي أن أخى كايث هو الذي دمر عملك أبيك و حياته .. أولا ًلأنه أخي الذي أحبه ، و ثانياً لأنه ما كان ليفعل مثل هذه الأشياء لو لم تدفعه تانيا إلي حد أصبحت معه كل حياته موقوفة لمحاولة اثبات نفسه ، قاسياً عنيفاً ، مليئاً بالحيوية أو ما شئت سميه ، و ثالثاً لأن ...) و سكت فجأة ثم أستدار من أمامها و سار نحو النافذة الضيقة حيث نظر من خلالها إلي الشارع البارد محدقاص في الظلام و قد أولاها ظهره ، ثن استطرد قائلاً : ( لأنني وقعت في حبك منذ أول ليلة ، فكنت أخشي ، إذا علمت أنت أن أسرتي مسؤؤلة عن تدمير أسرتك ، فلن يكون أمامنا فرصة ،بعد ذلك ، أبداً . و عندما اخبرتك أن كايث قد انتحر ، كانت نيتي أن أكمل لك القصة و أخبرك أن ذلك كان بسبب أخطاء أقترفها مثل تلك التي مع أبيك . و لكنني لم أستطع ، شعرت و كأنني أقتل كل ما بقي لي من أخي الأصغر و أخونه . لا يمكنني أن أفسر ذلك ، ثم أنه كان ذنبي أنا ، جزئيا كذلك . )

فقالت و هى تسير إليه ، ثم تنظر في وجهه : ( ذنبك ؟ ) و رأت العينين الزرقاوين ممتلئتين بدموع لا تسيل .

و همست : ( كين . ) و لكنه أوقفها بسرعة ، مبعدأً إياها برقة ، و لكن بثبات ، ثم مشي إلي الطرف الاخر من الغرفة و كأنه يريد أن يترك مسافة بينهما ، وهو يقول : ( إنني لك أكمل حديثي بعد ، يا جاني . ) فحدقت به بعينين مستعتين من الخوف ، بينما كان يتابع كلامه قائلاً : ( نعم ، لقد كان ذنبي أنا ، جزئياً ، فأنا أولاً قد قدمت كايث إلي تينا . لقد كنت أعلم أنها تزوجته لأنها كانت تعتقد بطريقة مريضة ملتوية ، أنها تحبني ، ولكن ، لم يكن في أمكاني أن أخبره بذلك .)

و طفحت عيناه بالألم و هو يستطرد : ( إنني فقط ، لم أستطع . ظننت أنها ستحبه فيما بعد ، بعد أن تعرف أي نوع من الرجال هو . ولكن ، عند ذلك ، كان الأوان قد فات تماماً . إنني لم أخبره لانني لم أستطع أن أفقد حبه ، وكان ذلك خطأ مني سيعذبني بقية حياتي . )

فسألته برقة : ( ولكن ، كيف كان بإمكانك أن تعلم ؟ كيف لأي أنسان طبيعي أن يتصور عقلاً كعقل تينا ؟ أنها مريضة يا كين . مريضة حقاً . )

فسألها فجأة و قد بان اليأس في عينيه : ( جاتي ، هل أنا مخطئ في تصوراتي ؟ أريد أن أعلم الحقيقة . هل بدأت تهتمين بأمرى ؟ )

فأجابت برقة : ( نعم ، إن أمرك يهمني جداً يا كين ، أكثر مما ... )

فقال : ( ثمة شيء أخر يجب أن تعرفيه . ) وبدت منه إشارة وحشية جعلتها تنكمش في مكانها و قد تسارعت دقات قلبها ، بينما استطرد هو قائلاً : ( إن السبب الذى جعل كايث يستلم مني العمل ، كان مساعدتي . ) وحدق فيها بألم و هو يتابع : ( إنه لم ينجح في عمله لأنه كان بالغ الطيبة والرقة و هذا ما كانت تينا تعيره به علي الدوام . كان يجي علي أنا أن أدرك أنه سيحاول ان يبالغ في التعويض عن ذلك ، ولكنها كانت مراهنة منى جعلتنا جميعاً خاسرين . والعذر الوحيد لي هو أنني كنت من شدة المرض بحيث ما كان يمكنني أن أقيم الأمور بشكل صحيح . )

( المرض ؟ ) و حدقت فيه بحيرة هل يمرض كين ؟ هذا الرجل القوي الكبير الحجم و الذى لا يقهر ؟ غيره يمكن أن يمرض ، أما هو ...

و قال بوجه خال من التعبير عدا عينيه اللتين تعبران عن تلك المحادثة المخيفة : ( لقد أصبت في حادث تزلق علي الثلج تركني مشلولاً . وكان ثمة عملية يمكنني اجراؤها نسبة نجاحها خمسون في المائة . وفي حالة نجاحها علي أن أستمر في العلاج الطبيعي لسنوات و أن أعاني من بعض الألم طيلة حياتي

و هتفت : ( كين ... ) و كانت ساقاها ترتجفان بعنف .. وتهالكت علي الكرسي ، وتذكرت هذه الخطوط العميقة في وجهه ، عدم الاتزان في مشيته الذى سبق و لاحظته بين وقت و أخر ...
منتدى ليلاس
و عاد يقول : ( إن ثمة أثراً مريعاً لجرح العملية في ظهري ، يا جاني . فإذا كنت تنفرين من منظر كهذا ، فهذا هو الوقت الملائم لكي تخبريني . ) وكان يقول هذا و عيناه تحدقان في وجهها الشاحب ، ثم تابع : ( و لكن ، قبل أن تفعلي ذلك ، دعيني أخبرك بشيء . تلك الحياة الصاخبة المجنونة التي كنت أعيشها ... قد همدت عندما كان علي أن أستلقي علي سرير المستشفي أياماً و أسابيع دون حراك . و كان علي أن أواجه حقيقة أنني حتى ذلك الحين ن قد عشت حياتي الخاصة بشكل فوضوي كامل . فقد كنت غنياًَ و ناجحاً أحيل كل شيء ألمسه إلي ذهب ، ولكنني ، في النهاية ، لم أحقق أي شيء يجعل للحياة معني . أتعرفين هذا الشعور ؟ لقد رجعت بأفكار إلي جميع النساء اللاتي عرفتهن ، فلم أجد بينهن واحدة يمكنني أن أنتظر منها قضاء أسبوع واحد معي ، و لا أقول الحياة كلها . وأدركت عند ذاك ، أنني بحاجة إلي امرأة نكون لي بكل ما في ذلك من معني ، و أنني كنت أحتاج مثل تلك المرأة علي الدوام ، دون علم مني ، إلي أن حدث ذات ليلة ، منذ أربعة أسابيع ، أن جاءت فتاة سمراء بعينين بنيتين ملتهبتين لتتهمني بقتل أبيها و تصفعنى أمام نصف العالم . )

( كين .. ) و مازالت لا تستطيع الحراك . كان هذا كثيراً . لقد حصلت علي السعادة كلها ، فكان كثيراً عليها . وتابع هو قائلاً : ( ومن السخرية أن الفتاة التي وقعت في حبها تلك الليلة ، كانت تكره الأرض التي أمشي عليها . وكانت هناك العقبات أكثر مما كنت استطيع معالجتها . لم أعرف نوع شعورك الحقيقي نحوي ، يا جاني ، ولكن إذا كان هنالك أي حظ لي منك ، مهما كان ضئيلاً ، فاخبرينى . )

و كانت كلماته الاخيرة أشبه بالأنين ، فتحركت الأن لتمسك بيده و كأنها تواسيه .

و أبعدها عنه ببطء ليتمكن من النظر في وجهها و رأت أنه مازال عنده بعض الشكوك نحوها ، وهو يقول : ( أريد أن أتزوجك ، لكنني سأكون رجلك الوحيد و ليس أحد أخر .. هل تفهمينني ؟ كما أنه لن يكون بإمكاني أبداً أن أرقص في السهرات مرة أخري . )

فقالت برقة و قد تألق وجهها بالحب : ( يمكنني أن أفكر في أشياء أخري أفضل من تمضية السهرات في الرقص . )

و صدرت منه أهة رضي و هو ينظر إليها بعينين تطفحان بالمشاعر : ( إنني أحبك ، يا جاني . لقد أحببتك منذ أول ليلة . وهذا ما كنت أحاول أن أخبرك به عندما أهديتك سلسلة جدتي ، إنني أحبك ، أحبك . إنك كل ما أتمناه وأكثر . )

فرفعت إليه عينين متألقتين كنجمتين ، وهى تبتسم قائلة : ( أرني أولاً ماذا تعني بقولك هذا ، و بعد ذلك أخبرك عن مدي حبي لك . )

تمت

 
 

 

عرض البوم صور سفيرة الاحزان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
دار النحاس, روايات . روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, شرك الظلام, عبير, هيلين بروكس, قلوب عبير
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:13 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية