كانت سيارته في أنتظارهما وأحست بجسمها ينزلق بأستمتاع على المقعد الوثير , جلست بعيدا عنه وهو يقود السيارة بسرعة حذرة عبر المناطق الصناعية والى القسم الغربي من المدينة في أتجاه أوتوستراد الأمراء , وشرح لها تشيس أن مدينة جييانغ , الواقعة على سواحل بورت فيليب باي
هي معبر لمقاطعة فيكتوريا الغربية , ومعظم المنطقة بينها وبين ملبورن مزدهرة بالعمران , وخلف ألتونا تقع القاعدة الجوية العسكرية في لافرتون , أنطلقا على الأوتوستراد الرئيسي ومنه الى بلدة وبريبي وهي مركز تسويقي لزراعة الخضار وأنتاج الألبان والأجبان .
منتديات ليلاس
لم تكن أليكس قد زارت هذه المناطق من قبل ولذا أصغت الى شرح تشيس بلذة وأهتمام لما أبداه من براعة في الوصف والتعليق , ولا مدينة جيلونغ أو بالأحرى المرفأ المتواصل النشاط الذي ينقل البضائع المحلية ويصدر الى الخارج حوالي خمسة وعشرين بالمئة من القمح الأسترالي , كذلك تقام فيه سوق سنوية لبيع الأصواف
قال تشيس أنه يحضرها عادة لكن معظم الأصواف تخرج من ملبورن , أنتظرته أليكس في السيارة ريثما أنهى زيارته لشركة تجارية ضخمة , لم يغب طويلا ومع ذلك فرحت لرؤيته ثانية وأستغربت شعورها هذا
سألها مبتسما:
"هل أشتقت اليّ؟".
هزت رأسها بنفي كاذب وسألته بدورها:
"اتوقعت مني ذلك؟ أننا بالكاد تعرفنا الى بعضنا بعضا".
بدأ يعبس مشككا ثم أختفى عبوسه وقال:
" أجل , بالكاد... أليس كذلك؟".
أحست للحظة بتردده وبأنزعاجه من شيء ما , أنما لا يعقل أن يكون شعورها صحيحا بالنسبة الى رجل واضح الأرادة ومعتاد على تحقيق رغباته , أرتجفت داخليا ولم تدر السبب .
رمقها بنظرة ثاقبة وقال منطلقا بالسيارة:
" ما رأيك بتناول الغداء؟ ألست جائعة؟".
أستجمعت شجاعتها وقالت:
" نعم , لكنني لا أشعر برغبة في أفتراش الشاطىء".
" هل نفرت فجأة من الرمال أم مني أنا؟".
" بالطبع لا!".
" لا عليك , أن فكرة الذهاب الى الشاطىء لم تكن مناسبة في أي حال , فلا أحسبك جئت معك بثوب سباحة".
شعرت كتلميذة مدرسة وكرهته لهزئه بها
رق قلبه فأزاح بصره الساخر عنها وقال:
" حسنا , ربما في مرة ثانية , لنذهب الآن الى فندق".
جلست الى جانبه ساكنة وهو يشق طريقه بالسيارة بلا تردد أو أضاعة وقت , هل تراه يتقرب الى الناس بالطريقة ذاتها؟ بوسعه أن يكون متحجر القلب حين يشاء ,وهكذا عجزت عن خنق خوفها المتزايد.
أختار فندقا قدم لهما غداء لذيذا وغالي الثمن كما تمنت , ألا أنها لم تشعر بذلك الأنتصار الذي حسبت أنها ستحصده , أمطرها بأسئلة متنوعة حول عائلتها وأصدقائها وبدون أن يكرر أي سؤال طرحه عليها في الليلة السابقة.
" هل لديك صديق مفضل في سيدني؟".
أجابته بالنفي أذ لم تجد حاجة الى الكذب عليه , فبعد أنقضاء نهاية الأسبوع من المستبعد أن تراه ثانية
رفع حاجبيه بأرتياب وقال:
"لا بد أنك تعرفين شبابا عديدين ما دمت على هذا القسط من الجمال".
" أمي تحب الحفلات وحضورها , وبالتالي تعرف عائلات كثيرة لها أبناء وبنات وربما أكبر قليلا , لكن ليس لدي صديق خاص".
فعلق بجفاف:
" لا داعي للأستعجال ما دمت في هذه السن".
ولأول مرة أحست نحوه بالأمتنان والى أن وعت أنه يقصد روبي على الأرجح , لماذا أصراره على تزويج أخته بسرعة وهي ما تزال في السادسة والعشرين؟
أجابته بخفة لظنها بأن جوابها قد يساعد روبي بطريقة غير مباشرة :
" لن أفكر في الزواج لسنوات طويلة ".
فرد وهما يستعدان للخروج:
" أو الى أن تلتقي رجلا يجعلك تغيرين رأيك ؟".
بعد ذلك أصر أن يريها المدينة القديمة وأخذ يبين لها الأماكن والأبنية المثيرة للأهتمام
ثم أبتاع لها باقة جميلة من الورد الذهبي الفاتح وقدمها لها قائلا:
" أنها تناسب لون شعرك تماما".
منتديات ليلاس
تقبلتها بوجه متورد فتعمق سروره وشعرت أنه وجد في أرتباكها دليلا على وقوعه في سحره العظيم وعلى قرب نجاحه في مهمة أقناعها , فأشتد تصميمها السابق على أذلاله فهتفت بفرح وهي تخفي أفكارها الحقيقية خلف أبتسامة عذبة:
" شكرا يا سيد مارشال!".
أومأت بأستحسان وطلب اليها أن تناديه تشيس فلم تستغرب ذلك وعادت تشكره بأبتسامة أخرى ونظرة رزينة جعلتاها تندهش قليلا من محاولاتها كما أشعرتاها بشيء من الخجل , كذلك عجبت من عدم أرتيابه بشيء , أنها لا تجيد التمثيل ووجدت صعوبة مستحيلة في مناداته بأسمه الأول , وفي الأخير قررت ألا تخاطبه بأي أسم وأملت أن لا يلحظ ذلك
عادا الى ملبورن في السادسة مساء , وكانت تحمل , أضافة الى الزهور , علبة من الشوكولا الفخمة , كدسة من المجلات الغالية وزجاجة كبيرة من العطر الثمين , خشيت من التفكير في سعرها وحين أحتجت على غلاتها بعفوية وسرعة أكتفى بالأبتسام وأقترح أن تتشاركها مع روبي.
بعد هذا الوابل من الهدايا القيّمة تملكها شعور بالذنب وأستغربت عدم تطرقه الى موضوع المزرعة , وحتى عندما وصلا الشقة لم يشر الى الموضوع بكلمة , أتراه غيّر فكره؟ لا , لا يعقل هذا , فليس هناك رجل يصرف على فتاة بقدر ما صرف وبدون أن يهدف الى شيء بالمقابل.
بدأت تشك في ذكائها وبمقدرتها ثم سمعته يقول بلهجة أستبدادية:
" لقد خاطبت روبي بالهاتف عندما كنت تصلحين زينتك في غرفة السيدات في المطعم , هذه الليلة سنتعشى معها ومع عدد من أصدقائها".
فاجأها كلامه فلاذت بالصمت , حدقت اليه منذهلة الوجه متوترة الأعصاب وقالت:
" لست متأكدة من أستطاعتي قبول الدعوة".
تقلصت ملامح وجهه بغضب مكتوم وأيقنت أن السبب هو عدم تقبلها الدعوة بلهفة وفرح , كما أنبأها غضبه بوضوح تام أنه ما يزال عازما على أقناعها بزيارة مزرعته النائية وأن صبره بات على وشك النفاد , أن ترددها في مشاركته العشاء هذه الليلة بدا أنه يضيف وقودا الى خيبته المكتومة ولن تدهش أذا أشتعل غضبه كاللهب , ألم تحرقها هي أيضا الرغبة في الأنتقام وتحملها على بذل أقصى جهدها لأشعال هذه النار؟
عادت تقول:
" آسفة".
وراحت تبحث عن عذر مقبول تقدمه , فقال:
" لقد أخبرتني أنه ليس لك صديق تهتمين به بصورة خاصة".
" ليس هذا السبب ".
" ما هو أذن؟".
منتديات ليلاس
وضع يده على ذراعها فشعرت بقشعريرة تسري في جسمها النحيل ,أذعرها هذا الأحساس وجعلها ترتجف , أقترب منها تشيس وكأنه واثق من عجزها عن الأستمرار في مقاومته
شد بصرها الى عينيه الدافئتين وقال برقة:
" لقد أستمتعت بهذا اليوم , أليس كذلك يا أليكس؟".
لم تجد داعيا للأنكار فهي أستطاعت بالرغم من توترها وحيرتها أن تستمتع برفقته بشكل ما
فقالت بصوت متقلص:
"أجل".
أرخى ذراعها وقال بنظرة مفكرة:
" أذن سأراك في ما بعد حوالي الثامنة".
نهاية الفصل الثاني