كاتب الموضوع :
my faith
المنتدى :
الارشيف
(5)
من أجلك ..
مرت الأيام ورأفت وهيثم يزدادان ارتباطا بحركة حماس .. وبدؤوا بتنفيذ بعض مهام الحركة من توزيع منشورات .. وأعمال خفيفة طول فترة التدريب .. وأعطي كل واحد منهما سلاحا .. ومع هذه التغيرات عاشت الأسرتان قلقا على الولدين ولكنهما راضيان عن أفعالهما .. إلى أن جاءت الامتحانات النهائية للعام الدراسي 2007-2008 فانشغل الشباب في التحضير لها ..
وفي فجر اليوم الأخير للامتحانات .. استيقظت آية بنشاط ثم ذهبت إلى غرفة ولدا خالها تسير على أطراف أصابعها حتى لا تزعج يوسف .
هزت آية كتف رأفت وراحت تيقظه بصوت منخفض :
- رأفت .. رأفت .. هيا استيقظ لكي تعيد استذكار دروسك .
أجابها رأفت بضيق .. وهو يتململ فوق سريره :
- حسنا يا آية .. سوف ألحقك بعد قليل .
ألحت عليه آية وهي تكرر هز كتفه :
- رأفت .. أنا لن أتركك حتى تنهض .
أخرج رأفت زفرة من أنفه ونهض متذمرا :
- وأنا أعرف مدى عنادك .
ردت آية بصوتها المنخفض وهي تضع سبابتها على فمها :
- هسس .. أخفض صوتك حتى لا تزعج يوسف .
أردف رأفت وهو ينظر إلى يوسف بحسرة :
- يا له من محظوظ .. لقد أنهى امتحاناته وهو الآن ينعم بالنوم .
أجابت آية مبتسمة :
- لم الحسد ؟.. ساعات وسوف ننهي نحن أيضا امتحاناتنا .
ثم أردفت قائلة وهي تجره من يده :
- هيا قم أيها الكسول .. سوف أحضر لك فنجان شاي حتى تفيق .
وفي الصباح خرجت آية بصحبة شذى .. وقبل أن تفترقا كل واحدة إلى كليتها .. نبهتها شذى :
- لا تنسي يا آية أن تأتي إليّ عندما تنهي امتحانك .. حتى نعود إلى البيت سريعا وننهي المفاجأة التي حضرناها لنور وآلاء .
أجابتها آية مطمئنه :
- حسنا .. لا تقلقي .
وبعد انتهاء الامتحان انشغلت آية بالحديث مع زميلاتها عن الامتحان وتوديعهن .. ثم تذكرت فجأة وعدها لشذى فذهبت مسرعة إلى كلية الهندسة .. وعند دخولها الكلية اصطدمت بشاب فأوقع ما بيده من كتب .. نزلت آية لتساعد الشاب في التقاط أشياءه وهي تقول بارتباك دون أن تنظر إلية :
- اعذرني .. فلقد كنت مستعجلة .
أمسكت آية بأحد كتبة ووقفت مع الشاب لتناوله إياه ثم أدركت أنه نفس الشاب الذي أنقذها .. ظلت تنظر إليه بدهشة مشوبة بفرح عقد لسانها .. لكنها نطقت أخيرا :
- كيف حالك .. هل أنت بخير ؟.
أجابها أدهم وهو ينظر إليها بملء عينيه غير مصدقا نفسه أنه يحدثها .. وكأنه يعيش إحدى أحلام يقظته :
- نعم .. أنا بخير .. ولكني كنت قلقا عليك .
عقدت آية حاجبيها باستغراب متسائلة :
- عليّ أنا ؟.
أجابها أدهم موضحا :
- لقد خفت أن يؤثر فيك ما حدث .
ابتسمت آية وهي تخبره بخجل :
- لا تخف .. فلقد كنت سأتأثر لولا أن الله بعث لي من يحميني .
أنتقل خجلها إليه .. فأردفت آية قائلة باهتمام :
- لقد شغلت بالي .. وكنت أود أن أطمئن عليك .
حدثها أدهم مطمئنا :
- أنا بخير .. فلم يكن جرحي خطيرا حتى يستدعي منك القلق .
تساءلت آية بعد أن تذكرت شيئا مهما :
- آه صحيح .. أنا إلى اليوم لا اعرف اسمك .
رد عليها أدهم وهو يمد يده مصافحا :
- أدهم .
صافحته آية وهي تبتسم :
- وأنا اسمي آية .
وفجأة سمعت آية صوت شذى يصرخ من خلفها :
- آية .
التفتت لتجدها تشير لها ليذهبا .. فعادت تقول لأدهم وهي تناوله كتابه الذي مازال في يدها :
- لقد كانت صدفة جميلة .. عرفت بها اسم منقذي .
أجابها أدهم وهو يمرر يده بين خصلات شعره ليداري خجله :
- لا تعطي الموضوع أكبر من حجمه .. لأنني لم أصنع معجزة .
ثم أردف قائلا وهو يعيد لها كتابه :
- خذي هذا الكتاب فهو كتاب شائق باسم ( اليهود والعالم ) .. سوف يفيدك كثيرا .
أخبرته آية والحيرة ظاهرة عليها :
- ولكنني لا أعرف كيف سأعيده إليك فاليوم آخر يوم دراسي .
رد أدهم وهو يغرقها بنظرات حب :
- ليس مهما .. أعيديه مع بداية السنة الجديدة .. حتى أضمن أنني سأراك .
ثم أردف مبتسما :
- لتكون هذه المرة لقاء مقصود وليس صدفة .
خفضت آية رأسها بحياء وهي تبتسم وقبل أن تجيب .. علا صوت شذى مرة أخرى هاتفه بها بعد أن نفذ صبرها :
- هيا يا آية سوف نتأخر .
عادت آية تقول لأدهم وهي تبتعد عنه مودعه :
- مع السلامة يا أدهم .. انتبه لنفسك .. وشكرا على الكتاب .
- في أمان الله .. واعتني أنت أيضا بنفسك .
أسرعت آية نحو صديقتها ثم خرجتا من الكلية .. وأدهم لا يزال واقفا ينظر إليها إلى أن اختفت .
اتجه إلى بيته وهو يشعر أنه يسير فوق السحاب .. لقد كان يحس بأنه يحلم .. ثم بدأ يقلب كتبه ليكتشف أن كتابا ينقصها فيثبت لنفسه أن ما مر به كان حقيقة .. دخل أدهم البيت وهو يدندن بأغنية لكاظم :
- " أحبيني .. بعيدا عن بلاد القهر والكبت بعيدا عن مدينتنا التي شبعت من الموت " .
انتبه أن أمه وأخته ينظران له باستغراب فسكت عن الغناء وقبل أمه على رأسها .. ثم اتجه إلى غرفته .. تبعته نسمة فوجدته يهم بخلع قميصه .. فوكزت كتفه بكتفها وشاكسته ضاحكه :
- من تكون ؟.
نظر إليها أدهم مستفسرا :
- من تكون ؟!!.
أجابت نسمة ببساطة :
- التي تطلب منها أن تحبك ؟.
صرخ أدهم وهو يتجه إلى الصالة محدثا أمه :
- يا أمي .. متى سنزوج هذه الفتاة ونرتاح منها ؟.
ابتسمت الأم مداعبه :
- عندما نفرح بك أولا يا حبيبي .
ضحكت نسمة عليه :
- لقد أوقعت نفسك بنفسك .
رد أدهم على أخته :
- إذا كان زواجك مشروط بزواجي .. فيبدو أنك ستنتظرين كثيرا .
قاطعته الأم ناهره :
- ولم الانتظار يا بني .. وأنت لا ينقصك شيء ؟.
أجابها أدهم بصوت هادئ وهو يخرج تنهيدة قصيرة من صدره :
- إن حياتنا كلها عبارة عن لحظات انتظار .. ننتظر أن نكبر .. لننجح في حياتنا .. ونعمل .. ثم ننتظر أن نحب ..لنتزوج وننجب أطفالا .. ومع كل تلك المراحل نعيش لننتظر الموت .
وبخته الأم على ذلك الحديث اليائس :
- ما هذا الكلام يا أدهم .. كن حسن الظن بالله ليكرمك .
هز أدهم رأسه باستسلام .. فتحدثت نسمة مغيرة للموضوع :
- دعنا من هذا الكلام المتشاءم .. وقل لنا كيف الامتحان ؟.
أجابها أدهم وهو يتجه إلى المطبخ بعد أن تذكر لقائه الأخير بآية :
- كان ممتازا .
تساءلت نسمة وهي تتبعه أينما ذهب :
- ألن تخبرني عن سبب سعادتك إذا ؟.
تساءل أدهم وهو ينظر إليها مستفسرا بعد ما اخرج عصير من الثلاجة واتجه إلى غرفته :
- وهل أنا كئيب في العادة ؟.
حدثته نسمة مبررة :
- لا لست كذلك .. ولكن اليوم بك شيء مختلف .. انظر إلى نفسك لترى هذا البريق الذي يلمع في عينيك .
جلس أدهم على حافة السرير وابتسم قائلا بعينين شاردتين وباحثتين عن آية الساكنة في مخيلته :
- لقد رأيتها اليوم .. وتحدثت معها أيضا .
تساءلت نسمة بفضول أكبر وهي تقف أمامه :
- من هي التي رايتها ؟.
أجابها أدهم باستغراب :
- آية .
حاولت نسمة تذكر الاسم :
- أليست هذه الفتاة التي أنقذتها ؟.
أجابها أدهم مؤكدا :
- نعم إنها هي .
رفعت نسمة حاجباها والدهشة تتملكها :
- كل هذه الفرحة لمجرد أنك رايتها ؟.
خفض أدهم رأسه مبتسما .. وهو يرشف من الكأس الذي في يده ..
فأردفت نسمة بمرح أكبر :
- ألم اقل لك يا أخي أن الحب عرف طريقه إلى قلبك ؟.
أجابها أدهم بخجل وهو يرفع كتفاه :
- ربما .
ضحكت نسمة ثم جلست بجانبه وهي تحثه بلهفة :
- اخبرني بكل شيء .. كيف رأيتها .. وماذا قلتما لبعضكما ؟.
وقبل أن يتكلم أدهم .. نادت الأم على نسمة :
- نسمة .. اتركي أخاك ليرتاح .. وتعالي لتساعديني في شغل المطبخ .
تغضن وجهها معلننا عن ضيقها .. فقال أدهم ضاحكا :
- أسمعت ما قالته أمك .. هيا انهضي ودعيني ارتاح منك .
ردت عليه نسمة وهي تخرج من الغرفة مشيرة بسبابتها :
- سوف أعود إليك .. فلن ترتاح مني أبدا .
ابتسم أدهم .. ووضع الكأس الذي بيده على الطاولة واستلقى على السرير .. وبدأ يفكر بكلام أمه ..
هل يستطيع أن يفكر بالارتباط ..
لم يخطر ببالة قط مثل هذا السؤال ..
فكل همومه تتمحور حول أمه وأخته .. وتوفير احتياجاتهما ..
وفي المقاومة التي يثأر بها لدماء أبيه المهدورة ..
وهو أيضا لم يشعر باحتياجه إلى الارتباط ..
ولكنه الآن دائم التفكير بآية ..
هذه الفتاة الرقيقة .. كيف احتلت قلبه دون استئذان ..
إن كل ما يتمناه الآن .. هو رؤيتها سعيدة ..
وإذا فكر في الارتباط .. فلن يحب أن تشاركه حياته سواها ..
في تلك الأثناء كانت آية وشذى تجلسان في غرفة آية .. وتقومان بصنع بطاقة معايدة كبيرة من الورق المقوى .. قامتا برسم أشكال مختلفة وإلصاقها في البطاقة كرسم سماعة طبيب وكرة قدم وشاشة حاسوب وعمارة طويلة ودفتر بجانبه قلم وورده .. وأشياء أخرى ليشارك الكل في الكتابة بداخل واحدة من تلك الأشكال التي تشير إلى اهتماماته .. وبعد بضع ساعات أصبحت البطاقة غنية بخطوط عائلة شذى وآية وحتى براءة رسما من اجلها دمية صغيرة لتكتب عليها بمساعدة يوسف كلمة ( أحبكما ) ..
اتجهت الصديقتان إلى بيت نور وآلاء وفاجأتهما بالهدية اللطيفة .. تحدثت نور وهي تنقل عينيها بين السطور :
- إنها أجمل هدية رأيتها في حياتي .
فأردفت آلاء مؤكدة :
- إنها هدية رقيقة جدا .. وتحمل الكثير من المشاعر الطيبة .
قبلت التوأمان صديقتيهما .. وقبل أن تخرج الصديقتان أخبرتهما آية :
- صحيح .. إن خالة منى ستقوم بتحضير الغداء لنا غدا بمساعدة خالة جهاد وكلفتني بدعوتكم .
قالت آلاء مازحة :
- أهذا كله بمناسبة يوم مولدنا ؟.
أجابتها شذى ضاحكة :
- إنه بمناسبة انتهائنا جميعا من الامتحانات .
أردفت نور وهي تطلق تنهيدة راحة :
- لقد كان هما وانزاح .
خرجت شذى وآية من بيت صديقتيهما .. وتساءلت شذى مستفسرة بلؤم في طريق عودتهما :
- آه كدت أنسى أن أسالك .. من ذلك الشاب الذي كنت تتحدثين إلية ؟.
ضحكت آية على صديقتها :
- وهل تذكرتي الآن ؟.
أجابتها شذى مبتسمة بخجل :
- لقد لهيت بصنع البطاقة .
أجابت آية وإحساس غريب يداعب قلبها :
- إنه نفس الشاب الذي أنقذني .. واسمه أدهم .
صمتت شذى قليلا وهي تقلب الاسم في رأسها :
- اسم مناسب له .. فأدهم يعني اسم من أسماء الأسد .
ابتسمت آية لصديقتها :
- لقد أعارني كتابا .. ويبدو أنه كتاب شائق .
مازحتها شذى وهي تودعها عند مدخل البيت :
- مؤكد أنك ستقرئينه اليوم ولن تدعيه حتى تكمليه .. كعادتك في التهام الكتب .
ودعت آية صديقتها ودخلت إلى غرفتها لتختلي بكتاب أدهم .. وبعد العشاء جلست الأسرة في الصالة وبدأ الحديث يدور بينهم .. كل يحكي عن أخبار يومه .. وقبل أن يتوجهوا إلى النوم .
أستوقف رأفت والديه :
- أريد أن أحدثكما بأمر ؟.
تساءل الوالدان والاهتمام ظاهر عليهما :
- خير .
أردف رأفت بصوت هادئ :
- أريد أن استأذنكما .. فغدا لن أبات في البيت .
قاطعته الأم متسائلة :
- لم .. أين ستبات ؟.
أجابها رأفت برفق :
- غدا وبعد صلاة العشاء سنتجه أنا وهيثم إلى مقر المقاومة .. فقد تحددت أول عملية سنقوم بها .
مرت سحابة قلق على وجوه كل من في البيت .. ثم تساءلت الأم بقلب ملتاع :
- هل هي عملية خطيرة ؟.
ابتسم رأفت وتقدم منها مقبلا يدها :
- ليس هنالك عملية خطيرة وعملية سهلة يا أمي .
أردفت الجدة وهي ترفع يديها إلى السماء :
- اللهم احمي ولدي واصرف عنه أبصار العدو .. ليعود سالما إلينا .
ظلت الأم تنظر إلى ولدها صامتة وهي تغالب دموعها .. فتحدث الأب وهو يربت على كتف رأفت :
- ليبارك بك الله يا ولدي .. وموفقون بإذن الله .
كان يوسف وآية ينظران إلى الحوار بدهشة .. وبعد أن انتهى الحديث بين رأفت ووالديه دخل إلى غرفته ليضع أشياءه المهمة بداخل حقيبة رياضية .. فتبعته آية ومعها يوسف .. تحدثت آية أولا وهي تساعده في ترتيب الحقيبة :
- أحقا ستذهب غدا ؟.
أجابها رأفت وهو يبتسم لها بحنان :
- نعم يا آية ؟.
تساءل يوسف باهتمام :
- لماذا لم تخبرنا من قبل ؟.
أجابه رأفت بنفس ذلك الهدوء :
- لأنه لم يكن مسموحا لي أن أكلم أحدا قبل أن يتحدد موعد العملية .
نظرت إليه بحزن لم تستطع منعه من التسرب إلى ملامحها الرقيقة :
- سنشتاق إليك كثيرا يا رأفت .
أخبرها رأفت مازحا وهو يداعب خدها بأنامله :
- كلما اشتقت إلى ادعي لي .. فهذا ما أحتاجه منكم .
ثم وجه حديثه ليوسف :
- انتبه على أختك يا يوسف .. ولا تغضب والديك منك .. وأرعى جدتك .. إنهم أمانة عندك الآن .
طمئنه يوسف وهو يحتضنه :
- لا تقلق .. ولتعتني بنفسك من اجلنا يا رأفت .
ضم رأفت أخاه إليه :
- إنشاء الله .
ابتعد يوسف عن أخاه قليلا ليرى عينيه :
- في المرة القادمة لن أدعك تذهب لوحدك .
ضحك رأفت .. واستمر الحديث ينساب بين الثلاثة .. إلى وقت متأخر من الليل .. ثم تركتهم آية لتذهب إلى غرفتها وتكمل كتابها ..
في الصباح جاءت الخالة جهاد وشذى ليساعدا آية وخالتها .. وفي الظهيرة استقبلت أسرة آية عائلة الخال نضال وصديقتيهما نور وآلاء وأمهما .. كان يوما جميلا .. اجتمعت الأسر الأربعة على الغذاء وكان الحوار يدور بين الجميع ولا يفهم منه شيء .. فهو يدور بين أكثر من شخص ويناقش أكثر من موضوع .
بعد انتهاء الأسر من الغذاء بدأ البيت ينقسم إلى ثلاثة مجاميع .. جلس الرجال في الصالة .. والنساء في غرفة آية .. وتسلل الشباب إلى الحديقة وبرفقتهم براءة يحملها يوسف على ظهره ..
تساءلت شذى وهي تساعد آية في فرش حصيرة ليجلسوا عليها :
- هل انتهيت من الكتاب يا آية ؟.
أجابتها آية بحماس :
- لم أنم حتى أكملت جزءا كبيرا منه .. إنه حقا كتاب شائق .. يحمل الكثير مما كنا نجهله عن اليهود .
تساءل هيثم باهتمام :
- أي كتاب هذا يا آية ؟.
أجابت آية ببساطة :
- إنه كتاب باسم ( اليهود والعالم ).
قال رأفت مستفسرا :
- من أين حصلت علية ؟.
أجابته آية بحياء وهي تتذكر أنها لم تخبر أهلها برؤيتها لأدهم :
- لقد نسيت أن أخبركم .. بالأمس لقيت ذلك الشاب الذي انقدني .. وهو الذي أعارني إياه .
تساءل يوسف :
- وأين لقيته ؟.
ردت آية بعفويتها :
- في كلية الهندسة .. يبدو أنه يدرس هناك .
أردفت شذى مؤكدة على كلام آية :
- نعم إنه يدرس هناك .. وأنا أعتقد أنه في قسم الميكانيكا لسنة الثالثة .
تدخلت آلاء وقد نفذ صبرها :
- دعونا من كل هذه الأسئلة .. واحكي لنا يا آية ما قرأته في الكتاب .
أجابتها آية وهي تهز رأسها باستياء :
- إن به أشياء لا يستوعبها عقل .. لو تعلموا كم هم بشعين هؤلاء اليهود .. فهم لا ينتقصون العرب فقط وإنما كل إنسان لا يعتنق اليهودية .
أيدت نور على كلامها :
- لقد ذكر هذا في القران .. فاليهود يعتقدون أنهم أبناء الله .. وأنهم الشعب المختار .
رد عليها يوسف :
- هذا صحيح يا نور .. بالرغم من أنهم أكثر شعب جاحد بالله .. فمثلا النجمة السداسية المرسومة على علمهم .. تدل على ما جاء في الثورات المحرفة بأن الرب خلق السماوات والأرض في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح وتنفس .
أكملت آية حديثهما :
- إن الذي المني حقا .. أنه ذكر في الكتاب أن الكنيس الذي يتعبد بداخله اليهود لا يمكن أن يخلو من دماء الضحايا – غير اليهود طبعا - ففي كل مناسبة يؤخذ دم الضحايا ويجفف على صورة حبوب ويمزج بعجين الفطائر .
قاطعتها آلاء والذعر المشوب بالقرف يرتسم على ملامحها :
- أحقا ما تقولين يا آية ؟.
ردت آية بثقة :
- اجل يا آلاء .. والأبشع أن هنالك أعياد مثل عيد الختان تحضر تلك الفطائر من دماء الأطفال .. وهناك طرق أيضا في استنزاف تلك الدماء .. فأحيانا يتم ذلك عن طريق ما يسمى ( البرميل الإبري ) وهو برميل مثبت على جوانبه من الدخل إبر حادة توضع فيه الضحية حية فتغرز هذه الإبر في جسمها وتسيل الدماء ببطء من مختلف أعضائها وتظل كذلك في عذاب اليم حتى تفيض روها .. بينما يكون اليهود الملتفين حول البرميل في أكبر نشوة بما يبعثه هذا المنظر في نفوسهم من لذة وسرور .. وينحدر الدم إلى قاع البرميل .. ثم يصب في إناء .. وأحيانا تقطع شرايين الضحية في عده مواضع ليتدفق الدم من جروحها .. وأحيانا تذبح الضحية كما تذبح الشاه ويؤخذ دمها .. وبعد أن يجمع الدم بطريقة من الطرق السابقة أو غيرها تسلم إلى الحاخام أو الكاهن أو الساحر الذي يقوم باستخدامها في إعداد الفطائر المقدسة أو عمليات السحر .
حل صمت رهيب بين الشباب غير مصدقين ما سمعوه .. ثم قطعت الصمت براءة وهي تتشبث بقميص يوسف وتسأله بخوف :
- هل سيقوم اليهود بقتلي أنا أيضا يا يوسف ؟.
احتضنها يوسف وراح يربت على رأسها مطمئنا :
- لن يجرؤ أحد على إيذائك طالما أنا معك .
تداركت آية وهي تربت على رأس براءة بعد أن تذكرت أنه لا يجب أن تستمع لمثل هذا الكلام :
- لا تخافي يا براءة .. فهذا لا يحدث في بلادنا .
أردف رأفت متمتما :
- نعم .. لأنه يحدث ما هو أبشع من ذلك .
أيد هيثم على كلامه باستياء :
- إن اليهود قساة القلب وهم مذكورون في القران بأنهم قتلة الأنبياء .. وهذا غير بعيد عن طبيعتهم الشيطانية .
ردت آية على كلامه :
- لقد ذكر الكتاب أيضا بعض قوانين اليهود المذكورة في التلمود .
تساءل يوسف باهتمام بالغ :
- وما هو هذا التلمود .
أجابه هيثم موضحا :
- إنه كتاب يضم بعض قوانين اليهود التي تكشف مدى تفكيرهم الجهنمي المتعالي على دونهم من البشر .
تدخلت شذى مستفسرة :
- مثل ماذا ؟.
وقفت آية فجأة :
- دعيني أحضر لكم الكتاب لأنني لا أتذكر الكثير من قوانينهم .
غابت لفترة قصيرة ثم عادت وهي تحمل الكتاب بيدها .. وبدأت تقلب بين صفحاته إلى أن وصلت إلى الصفحة المعنية .
بدأت آية تقرأ وهي تنقل عينيها بين سطور الكتاب :
- اسمعوا هذا .. 1) اليهودي يعتبر عند الله أكثر من الملائكة .. فإذا ضرب (جوييم) يهوديا فكأنه ضرب العزة الإلهية ويقصد بالجوييم من هم غير يهود .
2) لو لم يخلق اليهود لانعدمت البركة من الأرض ولما خلقت الأمطار والشمس .
3) الأجانب غير اليهود كالكلاب .. والأعياد لبني إسرائيل وليست للكلاب .
4) مصرح لليهودي أن يطعم الكلب ولا يطعم الأجنبي .. فالكلب أفضل .. والشعب المختار يستحق الحياة وحده .
5) بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات .
6) لا يجوز لليهودي أن يشفق على غير اليهودي من الأمم .. ويحق له أن يغش غير اليهود .. وأن ينافق ويجامل الأجنبي عند اللزوم على أن يضمر له الشر والأذى .
7) لليهودي حق امتلاك الدنيا ومن فيها .. فكل البشر بهائم خلقوا لخدمه اليهود .
8) كل من يقتل أجنبيا يقرب قربانا إلى الله .
9) الزنا بغير اليهود سواء كانوا ذكورا أو إناثا مباح ولا عقاب عليه .
10) مصرح لليهودي أن يسلم نفسه للشهوات والرذائل .
11) اليمين التي يؤديه اليهودي للأجنبي لا قيمه له ولا يلزم اليهودي بشيء لأنه لا أيمان بين اليهودي والحيوان .
12) مباح لليهودي أن يؤدي عشرين يمينا كاذبة يوميا .. وتمحى ذنوب هذه الأيمان في اجتماعات الغفران التي يعقدها الحاخامات .
13) التلمود وجد قبل الخليقة .. ولولاه لزال الكون .. ومن يخالف حرفا منه يمت .
14) إن الله يدرس التلمود منتصبا على قدميه .
أغلقت آية الكتاب وهي تنظر إلى تلك الوجوه المتجهمة حولها .. وأردفت :
- وغيرها الكثير من القوانين التي تنافي الفطرة البشرية .
تحدثت شذى بحرقه :
- لقد قاسينا نحن الفلسطينيين الكثير منهم .. ونحن ندرك أنهم سيئون ولكنني لم أكن أتصور أنهم يفكرون بهذه الطريقة .
أردفت آلاء والحيرة تلفها :
- إنها حقا كارثة .. أن يكون هذا الدمار الذي يسببونه عبارة عن أوامر لا يستطيعون مخالفتها .
أضافت نور على كلام توأمها :
- وأيضا يعتقدون أنهم يؤجرون على كل جريمة يقومون بها .
أضاف رأفت بسخرية مريرة :
- ونُسأل بعد ذلك لما لا نتعايش معهم بسلام .. كيف نأمن العيش مع أناس لا يصونون العهد .. ويعيشون على الخداع .
تدخل هيثم مضيفا :
- إن بالرغم مما يسببه اليهود من هلاك لمن حولهم .. إلا أن هنالك يهودا يرفضون مثل هذه الأفكار المتطرفة .. ويعلنون براءتهم من ممارسة مثل تلك الجرائم .
حاولت ألاء كعادتها تغيير الموضوع بعد أن أطلقت تنهيدة حارة من صدرها :
- دعونا الآن من هذا الموضوع الكئيب .
أيدتها شذى بسرعة :
- نعم .. لقد عرفنا ما فيه الكفاية عن اليهود .
أردف رأفت وهو يبتسم ابتسامته الساخرة :
- وسنعرف .. فالتجربة خير برهان .
نهرهم يوسف أخيرا وهو يقف حاملا براءة التي كانت تجلس بهدوء في حضنه وتنصت للكلام بكل حواسها :
- لقد أخفتم الصغيرة بكلامكم هذا .
تساءلت براءة وقد عاد الخوف إليها :
- هل أنت متأكد يا يوسف بأن اليهود لن يقتلوني مثل الأطفال الذين تحدثت عنهم آية .
اجلس يوسف براءة فوق كتفيه وهو يخبرها مداعبا :
- مؤكد لن يستطيعوا ذلك .. فهم إذا رأوك سوف يحبونك فورا .
ضحكت براءة .. ووقفت آية لتعيد الكتاب:
- كان يجب أن نؤجل حديثنا هذا .. فلقد أخفنا براءة .. إضافة إلى أنه كان يجب أن نودع رأفت وهيثم وداعا ألطف من هذا .
تساءلت آلاء بلهفة وهي تنظر إلى هيثم :
- لم .. إلى أين ستذهب يا هيثم ؟.
أجابها هيثم متصنعا البساطة وهو يغالب مشاعره التي تحتد مثلها :
- سوف نتجه أنا ورأفت اليوم إلى معسكرات المقاومة .. لأنه يجب علينا أن نتواجد هناك .
لم تملك آلاء سوى الصمت .. وهي تنظر إلى هيثم وقد تملكها القلق .. فتساءلت نور وهي تحول نظرها بين رأفت وهيثم :
- أحقا .. ما تقولان ؟.
أجابها رأفت :
- نعم يا نور .
بدأ البيت ينفض من زواره .. وقرب موعد رحيل الولدان فبدأ الجو يتوتر .. والمشاعر ترق .. ذهب هيثم ليوصل نور وآلاء وأمهما إلى البيت ليعود ويودع أهله .. وعند باب التوأمان قبل هيثم والدة نور وآلاء على رأسها فودعته داعية :
- ربي يحرسكما يا ولدي أنتم وكل شباب المسلمين .. ولا يوجع قلب أم على ولدها .
سلمت نور عليه متمنية له التوفيق .. وظلت آلاء واقفة أمامه بعد دخول أمها وأختها إلى البيت .. كان هيثم يشعر بالشفقة عليها من ذلك القلق الذي يتملكها :
- لا تحزني يا آلاء .. فأنا لا أحس أنني سأفارقك لأنك معي دائما .
أجابته آلاء وهي خافضة لرأسها :
- أنا لست حزينة .. ولكن خوفي عليك سيميتني يا هيثم .
رفع هيثم رأسها بأصابع يده .. فرأى دموعها تنساب بضعف والتي كانت تحاول أن تخفيها .. مسح هيثم تلك الدموع وراح يحدثها بحب :
- أتبكي من أجلي يا آلاء ؟.
هزت آلاء رأسها والعبرات تخنقها .. فأردف هيثم :
- إن دموعك غالية عليّ .. فلا تبكي .. واعلمي أنني سأعود بإذن الله .
نظرت آلاء إليه غير مصدقة :
- لماذا أحس إذا أنني لن أراك ثانية ؟.
ابتسم هيثم وتساءل مداعبا :
- هل تعتقدين أني سأموت ؟.
نهرته آلاء وهي تشيح بوجهها عنه :
- لا تقل هذا الكلام يا هيثم .
ضحك عليها ثم أمسك بوجهها بين كفيه :
- صدقيني .. لن أموت وسأظل أركض ورائك إلى أن تحبيني مثلما احبك .
ابتسمت آلاء من خلال دموعها وحمرة الخجل تغزي وجنتيها .. ثم خلعت السلسلة التي كانت معلقة حول عنقها وأعطتها لهيثم :
- خذ هذا المصحف .. ليحميك ويذكرك بي دائما .
اخذ هيثم السلسلة التي يتدلى منها مصحف صغير الحجم .. ولبسه ثم أدخله تحت قميصه .. وعاد ليحتضن يديها بين كفيه الدافئتين :
- سوف أعود يا آلاء .. سوف أعود من أجلك أنت .
ثم ودعها وذهب .. ظلت آلاء تنظر إليه بيأس .. وكأنها تريد أن تتزود برؤيته ما يصبرها على فراقه .. بينما قلبها يتلوى بين الضلوع ..
كيف ستتحمل حياتها من دونه ..
إننا نشعر بمحبتنا لمن حولنا عندما نفترق عنهم ..
وآلاء كانت تدرك أن هيثم يحتل مكانة في قلبها لن يحتلها سواه أبدا ..
كم تخاف أن تفقده أو يتعرض للأذى ..
ولكنه قطع لها وعدا بأن يعود ..
فقط من أجلها ..
|