1- رائحة الأغنام
أجتاز المدخل بخطى واسعة كأنه نفحة ريح جبلية نقية , تشق طريقا وسط القاعة العابقة بمزيج من رائحة الدخان والعطور .
وفورا تناست تامي الأصوات الدائرة حولها , رنين أقداح المرطبات , وضحكة الرضى الخافتة الصادة عن والدها وهو يقص طرف سيكار فاخر , وتسمرت عيناها على الغريب الأسمر تراقبانه وهو يسير قدما في القاعة , ثاقب النظرات , يدور برأسه الشامخ بأهتمام فائق بين جموع المدعوين.
تلاشت الأصوات أذ أخذ الأفراد يشعرون تدريجل بوجود الشخص الغريب المديد القامة ,وراحوا يرمقونه بأمتعاض لأنه بغطرسته كمن يقول :
" من كان الرجل الأفضل هنا قبل دخولي؟".
لم تكن تامي بحاجة للألتفات حولها , عدد ضئيل من الحاضرين كانوا يفوقونه طولا ببضعة سنتيمترات , وكان منهم من تضاهي مناكبهم منكبيه عرضا أو من يفوقه وسامة , ألا أنه لم يكن بينهم واحد تحيط به هالة الرجولة الصارخة المحيطة بهذا الغريب . وقالت في نفسها أن هذا الرجل هو أبن هذه الأرض الطيبة , ومع أن أنسدال سترته الأنيقة بلياقة على كتفيه وسلوكه المترفع دلا على عدم كونه غريبا عن المجتمع , فقد كان في تصرفه ما ينبىء عن عدم أتساع وقته لمثل هذه المناسبات الأجتماعية , وأنه ربما يأنف الأتاحة لها أيجاد سبيل ألى وقته الثمين.
منتديات ليلاس
وهتفت أحدى الصديقات هامسة:
" يعجبني , يعجبني يا تامي , عرفيني عليه , أرجوك".
" لن يتم لك ذلك , هذا الرجل لن يكون ألا لي".
ترددت هذه العبارات في مخيلتها .
أرتسمت على شفتيها أبتسامة غامضة , وتظاهرت بعدم سماع ما قالته الصديقة وأجابت:
" أستأذنك في الذهاب للأهتمام بهذا الضيف الذي وصل متأخرا ".
وكان همّها أن تقوم ,ولو لمرة واحدة , بواجبها كمضيفة بأسلوب يحوز أعجاب والدها وتقديره , فأنطلقت نحو الضيف الواقف وسط القاعة لا يبدو عليه الأنزعاج من عزلته .
أنطلقت نحوه مدركة أن ثوبها الصوفي الفضفاض ينسجم وقوامها المتناسق الممشوق ,وبصوتها المبحوح الذي قال العديد من المعجبين أنه خلاب , سألت:
" هل أحمل أليك كوبا من المرطبات يا سيد...... آسفة لا أعرف أسمك , أدعى تامي ماكسويل وأنت , أحد أصدقاء والدي على ما أظن؟".
عندما أستدار نحوها بدا عليها شيء من الزهو بأنتظار سماع الأعجاب السريع الذي كان عادة يتبع تقديم نفسها ألى رجل لائق , وما أن أستقرت عيناه عليها حتى شعرت بالأرض تميد تحت قدميها وأكتنفتها عاصفة من الأحاسيس , وشعرت وكأن رأسها في دوامة جارفة.
حاولت أن تمالك نفسها , وتخيلت كيف ستضحك صديقاتها أذا حاولت أن تصف لهن هذه التجربة المثيرة.
ومضة من االبصيرة حملت أليها الحل لمشكلة شغلتها شهورا عديدة , لم تستطع تفسير تلكؤها في مجاراة رفيقاتها اللواتي يعتبرن الأنحلال الخلقي عنصرا ضروريا في الحياة العصرية ,ولكنها لم تتمكن بعد من أقران القول بالفعل , كشابة متحررة , جاهرت بأصرار , بأيمانها بحق المرأة بالحرية في كل شيء.
جار رده كدفقة من الماء البارد , كان يمكن لحيوان قذر أن يسترعي أهتمامه أكثر مما أسترعته الفتاة ذات الشعر المعقوص بشكل قبعة ناعمة , تتهدل على جبهة عريضة ,وذات العينين العسليتين الساحرتين , والأنف الشامخ و والتي هي محط أنظار معظم الرجال , هذا الرجل ليس واحدا منهم.
قال بأقتضاب:
" تشرفنا , آنسة ماكسويل , أدعى آدم فوكس , أذا كان والدك هو جوك ماكسويل فيكون هو من خاطبت هاتفيا في مطلع هذا المساء , ودعاني للحضور في الثامنة والنصف".
منتديات ليلاس
أزاح طرف كم قميصه لينظر ألى ساعته :
" تكرّمي بأرشادي أليه , وقتي ضيق".
" لماذا لا تبقى وتشاطرنا العشاء؟".
وأرتسمت على شفتيها أبتسامة ماكرة ثم تابعت :
" أنصحك بذلك أن شئت محادثة والدي في أمور تتعلق بالعمل , لأنه يكون أكثر لينا بعد وجبة فاخرة , ولا تدع هذا الحشد يمنعك من قبول دعوتي".
قالتها بطريقة أقرب ألى التوسل , وأضافت:
" جاؤوا لتناول المرطبات فقط , وبعد قليل يرحلون , ولن يكون ألى المائدة سواي ووالدي , فأذا قررت مشاركتنا العشاء يمكننا تمضية السهرة في التعارف بعد أن تنجز عملك".
ومرة أخرى أرتفعت اليد وأنحسر الكم ونظر ألى ساعته :
" يجب أن أستقل القطار بعد أقل من ساعة".
" ويحه".
قالت بينها وبين نفسها وهي تسير به ألى حيث كان جوك ماكسويل يسرد مصاعب الحياة التجارية على جماعة من أترابه , وأشرقت أسارير سامعيه عندما أقتربت تامي وفي أعقابها شاب مقطب الجبين.
" حفلة ممتعة يا عزيزتي , تبدين رائعة الجمال هذا المساء ".
صدرت هذه العبارات عن رجل كهل.