أنتابها شعور مبهم هو مزيج من الحلاوة والمرارة : ما أجمل التمايل بين ذراعيه في رقصة ( الفالس) الشاعرية , وأغمضت عينيها محاولة أن تتخيّل متعة كونها بين ذراعي من تحب , ولكن العبارات التي كانت تنصب في أذنيها لم تكن شاعرية .
قال لها بصوت ينم عن اليأس :
"يجب أن تتعلمي التصرف بتهذيب أكثر وأخاصة أمام الناس , أعلم أنك معتادة على مجتمع يجوز فيه كل شيء , وأظنك تستمتعين بنكتة كبيرة على حسابي ويجب وضع حد لذلك, الأظهار الصاخب للعواطف يحرج أهالي الشمال , ولن أقبل بعد الآن بأن تجعليني هدفا لنكاتك الغريبة , فأرجوك أن تكفي عن ذلك وتصرفي بصفتك...".
قاطعته بلطف:
" بصفتي ليدي ؟ ولكنني حتى هذا المساء كنت أجهل أنني ليدي , لماذا لم تخبرني ؟".
بدا عليه بأنه مأخوذ , لا مذنب , رقّ قلبها له , من الواضح أنه لم يتعمد عدم أخبارها.
وقال معتذرا:
" أنا آسف , كان يجدر بي أن أخبرك , ولكنني بالواقع لا أعتبر هذا الأمر هاما , لا نفع للألقاب بالنسبة للمزارع".
منتديات ليلاس
ضحكته الساخرة المفاجئة جعلت قلبها يخفق , تابع قائلا:
" خرافي لا تفهم بالألقاب وسيّان لديها أن كنت أضع على رأسي تاجا أو قبعة من القماش!".
وراحت تقهقه وتراخت القبضة الفولاذية التي كانت تطوق خصرها , وأزدادت رقة وهما يرقصان ويضحكان معا ويستمتعان بالفكاهة المشتركة ,وبدا أن الخيط السحري الدقيق الذي يربط بينهما يزداد متانة وهما يقومان بالرقصة تلو الأخرى بدون أن يحاول التخلّي عنها , ربما كان يتظاهر أمام الناظرين عندما أدناها منه أكثر ووضع خده برقة على شعرها وأمطرها بالأبتسامات العذبة مما جعل ركبتيها تعجزان عن حملها , ربما كان ينطبق عليها أسلوب الغزاة وهي لعبة ذكية للبقاء مسيطرا عليها وعلى عواطفها , ولكنها لم تبال حتى ولو كان الأمر كذلك , أولاها كل أهتمامه وهذا جلّ ما تريد , كانا يدوران حول حلبة الرقص عندما أعترضت بام سبيلها ,وقالت:
" آدم , أنك تحتكر زوجتك بطريقة معيبة ! ديريك بيتي وصل متأخرا ويتحرق شوقا للتعرف على زوجتك".
أستدار آدم برشاقة ليحيي الشاب الواقف ألى جانب بام:
" أنا آسف".
ومدّ يده:
"مرحبا , ديريك , كيف حالك؟ تامي , أقدم أليك ديريك بيتي , أنه من أقرباء بام , ثمة قواسم مشتركة عديدة تجمع بينكما".
قال ذلك بنبرة جافة وأضاف:
" بالأضافة ألى كونه مثلك ينحدر من أصل سكوتلاندي فان ديرك يمضي معظم أوقات فراغه مستمتعا بالحياة في المجتمع اللندني ".
نظرة تامي الحانقة ألى ديرك , أربكته ولكنه تمالك نفسه بسرعة دلت على سعة دهائه , فأنحنى بشهامة على يدها الممتدة وتركزت عيناه المعجبتان على محياها .
لمست بام كم سترة آدم وقالت:
" الكولونيل جفرسون يبحث عنك ويود محادثتك في أمر هام".
وبينما تركزت نظرة تامي الحزينة على ظهريهما المبتعدين قال ديرك مستفزا :
" كأنك تودين أحياء قبيلة سوارا في بوشي التي تقضي بأن يلتهم زعيم القبيلة الأمرأة التي تدان بتهمة شائنة".
أستدارت أليه وفي نيتها تحطيم عنفوانه بالأحتقار , ولكن وميض عينيه كان سريع الأنتشار مما أرغمها على الضحك .
وقالت مراوغة:
" هل مشاعري نحو الرجل ظاهرة بهذا القدر؟".
فرد بصفاقة:
" فقط لمن هو شديد الملاحظة مثلي , ولكن يدهشني أفتقارك ألى الحيلة , ظننتك تعلمين أن هؤلاء الشماليين المتخلفين يلزمهم حافز للمطاردة قبل تقديرهم لفريستهم".
رمقت هذا الشاب العابث , الضاحك العينين , المرح الحديث فوجدت أنها معجبة به وأعترفت قائلة :
" أعلم ذلك , ولكنني لا أجرؤ على الجري خوفا من عدم لحاقه بي ".
قابل صراحتها بأبتسامة:
" أسمحي لي أذن أن أقدم نفسي طعما لأصطياد الثعلب الماكر , وأؤكد أنه سيلتقط رائحة المنافسة بسرعة".
منتديات ليلاس
عرض الفكرة بطريقة عابرة وحارت في كونه جادا أم هي مجرد بادرة , أدراك تامي لعنفوان آدم جعلها تتردد قليلا , ولكنها شعرت بأنها في مأمن لعلمها أن ديرك سوف يمارس اللعبة بحسب القاعدة التي تريدها هي , وكان بارعا في فن الغزل الخفيف ولا يميل ألى التورط وأبدت موافقتها بطريقة عابثة .
" أتفقنا , ولنر أذا كان فتيل الدعابة سيفجر نار غيرته".
لم يكونا بحاجة ألى وضع خطة , فهما خبيران في هذا المجال , وسريعا ما تسلطت عليهما النظرات الخفية وهما يتنقلان واليد باليد والعين في العين , متقاربين عندما يرقصان , متلاصقين عندما يجلسان , منهمكين في حديث أعتبره ديرك مسليا , بينما صبغت وجنتا تامي بحمرة الخجل.
" أستمري هكذا , أننا نحرز تقدما".
قال ساخرا ولم ينس أن يطلق أبتسامة رقيقة وهو يمرر أصبعه على حاجبها " الرقصة الأخيرة هي التي حركت كل شيء".
وأرتسمت على شفتيها أبتسامة تفيض حياء.