قررت تامي أصطحاب الكلب المدعو سيلفر وأنطلقت على الطريق والكلب يقفز في أعقابها , أرتفعت معنوياتها أرتفاع الصقر الذي شاهدته يحلّق فوق رأسها وقد ظهر بوضوح في السماء الزرقاء الصافية.
معظم الثلج قد ذاب عن الجبال , وتحولت الريح نحو الشمال , ولسعة البرد دفعت تامي ألى حث الخطى , أبتسمت للشمس فوق الجبل القاحل الكئيب الخالي ألا من بضعة خراف ومن طير عابر , أبتسمت تامي لشعورها بكونها أبنة هذه الأرض.
" سيلفر!".
نادت الكلب الذي تخلّف قليلا وأبتهجت عندما أستجاب لندائها بوثبة.
بعد مسيرة ساعة تراخت خطاها , وسيلفر الذي كان قبل نصف ساعة قد ربض ورفض أن يتحرك , كان يزن قنطارا وهو ينعم بصوت هانىء داخل سترتها , تمنت لو أنها حملت الطعام الذي عرضته عليها العمة هونور , لم تحمله لأقتناعها بأنها ستتناول الطعام في النزل الذي لم يظهر له أثر بعد , وبالأأضافة ألى الجوع فقد أخذ العطش منها كل مأخذ.
منتديات ليلاس
أستأنفت المشي نصف ساعة أخرى وهي لا تجرؤ على التفكير بمسيرة العودة , قالت تحدث نفسها :
" قد أجد من يعيدني بسيارته".
وهزت رأسها , طوال مسيرتها لم تمر بها سيارة واحدة , ولمحت من بعيد بناء جزمت بكونه النزل , وحثت الخطى , وعندما أقتربت أخذت تتبين تدريجيا يافطة تحمل رسوم كلاب وجياد وفرسان وتحتها عبارات الترحيب.
" نزل الرياضيين".
لم يكن النزل سوى بيت أجريت عليه بعض التعديلات , له غرفة أمامية فيها ست موائد صغيرة نظيفة , على كل منها صحون سجائر فارغة , لم يكن في الغرفة أحد , وسمعت تامي أصواتا مصدرها رواق يؤدي ألى خلف البيت , وفيما هي تتجه نحو الصوت برزت أمرأة من باب ألى يمينها ومدت لها يدا أوقفتها.
" الصالون ألى اليسار يا عزيزتي , المقهى للرجال فقط".
" أنني أبحث عن زوجي , أتعلمين أذا كان هنا؟".
جالت المالكة ببصرها في بنطلون تامي وحذائها الثمين وسترتها المزركشة وردت ببشاشة :
" لا أظن ذلك , ولكنني سأعرف أذا قلت لي أسمه".
وعندها سمعت تامي صوت آدم الرنان:
"هذا صوت آدم".
قالتها للمالكة التي فتحت فمها دهشة:
" لا داعي لأزعاجك , سأجد طريقي أليه".
تركت الأمرأة فريسة للدهشة وأندفعت في الرواق ألى أن دخلت غرفة مستطيلة منخفضة السقف كانت في السابق مطبخا تم تحويله ألى مقهى , شغل الموقد أحدى جدرانه بينما أصطفت مقاعد خشبية بمحاذاة الجدران الثلاثة الأخرى ليشغلها ما يقارب العشرة رجال يتبادلون الأحاديث الودية وسحب الدخان تتصاعد من غلايينهم القديمة , وكان برفقة بعضهم كلاب تربض بصبر عند أقدامهم.
أندفعت تامي ألى الداخل وساد صمت غريب وكأن الحديث قطع بسكين , كان آدم يجلس وظهره أليها , ولكنه أستدار متتبعا نظرات الدهشة التي تملكت رفاقه.
علت وجهه ملامح غريبة , أتكأت تامي بدلال على الباب وأدركت أن لحظة أنتقامها قد دنت وبانت على الوجوه المحيطة بها أمارات الأستهجان لأقتحامها مكانا معدا للرجال فقط.
كانت تتحرق شوقا لأن تصب الزيت على نار الرجولة المتزمتة.
" آدم حبيبي".
وأمام عيون الحضور المحملقة دهشة , جرت نحوه وطوقت عنقه بذراعيها وضمته أليها في عناق حار طويل.
شلّت الدهشة حركته , ثم أمتدت يداه الخشنتان ألى خصرها ودفعها بعيدا عنه , وأمام هذا الأحراج زأدراكه لمغزى صمت رفاقه لم ير بدا من أجراء التعارف بصوت أجش:
" أقدم أليكم زوجتي تامي...... تامي , هؤلاء هم بعض جيراننا".
أصغت أليه برهبة فائقة وهو يتلو سلسلة من الأسماء وكأنها معزوفة لجوقة الشرف , في الليلة السابقة تفحصت ( المحاكمات الجنائية ) لبيتكرن , الكتاب الذي سجل بدقة تفوق دقة دبريت عن العائلات الحدودية الرئيسية والمنتمين أليهم , الأسماء التي كان يتلوها آدم هي الأسماء أياها التي قرأتها في الكتاب : لوثر , كروين , سانكليد , ديكر , روتليدج , نوبل , مسبروف , وآخر من قدمه آدم من رفاقه كان طوم هردن , الذي بدا مرتبكا لزواج آدم المفاجىء.
أنحنى برصانة وقال:
" تشرفنا , أرجو ألا تجدي هذه الضاحية نائية جدا , أما أذا شعرت بحاجة ألى رفيقة فتفضلي ألى منزلي وأنا واثق أن أبنتي بام يسعدها التعرف عليك".
منتديات ليلاس
أزداد الجو توترا , تردد أسم الفتاة في جو الغرفة متنقلا من شفة ألى أخرى , يهمسون به ساترين أفواههم بأيديهم , وساورت تامي الريبة : أيا كانت بام هذه فهي على علاقة مميزة بآدم.
قطع حبل الصمت رجل يجلس في أحدى الزوايا أذ قال:
" النساء! أما من مكان نقصده لنتخلص منهم؟".
تجاهل آدم نظرة تامي الساخطة وبدلا من توبيخ العجوز على قحته أمسك بذراعها بعنف وسار بها ألى خارج المقهى , وزاد سخطها عندما توقف باباب وألتفت ليتعتذر:
" أرجوكم أن تعذروا تطفل زوجتي فهي لا تعرف تقاليدنا بعد ,أمهلوها قليلا فتدرك أن مجتمعنا لا يسمح للنساء بأقتحام أماكن تجمع الرجال , ولكنها ستتعلم ذلك بسرعة".
وبينما كان يدفع بها ألى الرواق أعترضت قائلة :
" أنني عطشى ولم أشرب بعد".
تجهم وجهه وفتح بابا ودفع بها ألى الغرفة الأمامية الصغيرة التي طانت قد رأتها .
" أجلسي في الداخل , ماذا تريدين أن تشربي؟".
" أريد كوبا من العصير , من فضلك".
قالتها بكل دعة وتهذيب لو سمعها والدها لأدرك أنها تضمر مكيدة.