14- عروس من ثلج
غيوم غريبة تتجمع فوق الجبال , ولو كانت تامي من أهالي المنطقة لأدركت أنها أنذار بتبدل الطقس , مجموعة من الغيوم الطويلة المتوازية تشير بكل وضوح ألى أن ريحا عاتية ستهب , ولو كانت العمة فيني هنا لقالت:
" أنها ريح كفيلة بأنتزاع ريش أوزة".
حتى ولو كانت تعلم لما كان لذلك أي تأثير على هربها المريع من أعدائها , أتجهت نحو سفح الجبل والدموع تنهمر على خديها , وأنطلقت نحو الجبال الأكثر أرتفاعا ولم تتمهل ألى أن أخذت قدماها تنزلقان على الأعشاب , أستأنفت الصعود والألم يمزق رئتيها , وكادت أن تبلغ القمة عندما أرغمها ألم أطرافها ورئتيها على الأستراحة , ومن دون أن تبالي بما سيلحق بثوبها من تلف أنزلقت وراء أحدى الصخور الضخمة وفردت ذراعيها على سطحها البارد وألقت برأسها عليها وراحت تنتحب.
منتديات ليلاس
أنقضت ساعة كاملة قبل أن تهدأ تماما لكي تعيد النظر في حالتها , أعمت عينيها وأمت أذنيها عن كل أزعاج , ألتصقت بالصخرة وسمحت لعلقها المعذب أن يردد :
" أنتهى زواجك ,آدم يكرهك ويحتقرك , يجب أن ترحلي , أرحلي...... أرحلي....".
كانت قد وصلت ألى هذا القرار عندما أخذت قطرات المطر الأولى تنهمر على وجنتيها الساخنتين.
أرتجفت وشعرت فجأة بالبرد يخترق ملابسها الرقيقة , ألتفتت ألى الوراء وذهلت , على مقربة منها غمامة كبيرة تتقدم , تهديد بطيء زاحف نحوها , غمرت الغمامة القمم وتستمر الآن في الهبوط .
هبت على قدميها وقد أفزعها قصف الرعد وقطرات المطر الضخمة المتسارعة المتساقطة ألى ساقية قريبة , فات الأوان لتتذكر محاضرات آدم على جنون السير في الجبال من دون المعدات اللازمة :
" قد يكون السير على الجبال ممتعا ولكنه شديد الخطر , لا تخرجي بمفردك قبل أن تصبحي أكثر دراية وحتى بعد ذلك يجب أن تكوني شديدة الحذر وتذكري المصاعب التي تنشأ أذا أصابك أدنى حادث".
أرتعدت ثانية أذ تردد صدى تحذيره في مسامعها ونظرت حولها خشية أن يظهر بقامته المديدة , وعمل عقلها في هذا الأتجاه وراحت تعد الجدل الذي سوف تبديه لذلك المستبد أذا برز أمامها " كان نهارا طويلا حارا , الشمس تسطع في السماء الصافية , والحر يتراقص على الصخور , والسواقي تجري طبيعية , كيف كان لي أن أتنبأ بتقلب الطقس؟".
وما أن أنتهت من الجدل حتى كان المطر قد بللها كليا , قبل ذلك بدقائق معدودات كان كل شيء هادئا تماما ومع ذلك فقد هبت الريح الآن وهي ريح عاتية حارة وتنذر بالسوء , وعندما لمع البرق في السماء المتلبدة , أخذت تامي تهبط الجبل راكضة وقلبها يخفق بعنف وقد جفّ حلقها من شدة الخوف , وعندما أسرعت في الجري تحول الطقس الحار ألى جحيم من الأصوات والهياج , فالرعد يقصف والبرق يشق كبد السماء والمياه تنهمر كالشلال.
توقفت تامي وهي تحاول فتح عينيها المليئتين بالمطر , تحول الممر ألى مستنقع منحدر شديد الأنزلاق والسواقي البطيئة تحولت ألى سيول تجرف كل ما يعترض سبيلها , لم تر تامي بدا من أكمال مسيرتها , قبل أن تهب العاصفة كانت قد ألقت نظرة عابرة على سطوح الخيام المنصوبة في الوادي وقالت في نفسها أذا أكملت طريقها فلا بد أن تبلغ شاطىء الأمان.
ولكن ح ما قاله آدم , فقد علق كعب حذائها بجذر شجرة , فتعثرت وسقطت بعنف على كومة من الأعشاب البرية ظنتها لينة فأذا بها تخفي وراءها صخورا حادة كالحراب , شعرت بألم شديد في أنحاء جسدها عندما أرتطمت ضلوعها وكوعاها وركبتاها بعنف بالصخور المستترة فأطلقا صرخة حادة ضاعت في غمرة الأصوات المحيطة بها , وحاولت النهوض ولكنها عادت فسقطت وهي تئن عندما عجز كاحلها الملتوي عن حملها .
منتديات ليلاس
أنقضى نصف ساعة قبل أن تسمع صوت صفارة , آدم يحمل صفارة دائما.
كان قد أعطاها صفارة وقال لها أن تحملها كلما سارت على الجبال , ودربها على الأشارات الدولية في حالة الخطر , ست صفرات مدى كل منها عشر ثوان لمدة دقيقة ثم دقيقة أستراحة وبعدها ست صفرات أخرى و الصفارة الآن في أحد أدراج غرفتها.
صرخت بيأس :
" أنا هنا ...... النجدة , أنا جريحة , هنا.... هنا!".
وأستمرت في الصراخ ألى أن أصبح صوتها وكأنها في حلم يتردد صداه في جوانب الحفرة السوداء التي أنزلقت أليها , هنا , أطلقت صرخة أخيرة يائسة قبل أن يتلقفها فراغ لا قرار له.