12- سيتحطم قلبي
لازمت تامي غرفتها لمدة ثلاثة أيام تعالج شفتها الجريحة وكبرياءها المحطمة , ولمّا تجرأت أخيرا على الهبوط لتناول الطعام تحينت غياب آدم.
لحسن حظها أن كثرة أشغال آدم في الأسابيع التالية لم تتح له الشعور بوجود الفتاة الشاحبة التي تتسلل بحذر في أروقة فوكس هول والخوف يسيطر عليها , تجفل أذ لاح ظل في القاعة القديمة , طيف تعيس لفتاة مرحة جريئة تمكنت في مدى شهرين من أحياء ثأر بقي كامنا عصورا طويلة.
والمدهش هو أن العمة فيني أثبتت كونها حليفة جريئة لها , بالرغم من أنها لم تفه بكلمة أستنكار ضد آدم فأنها أعربت عن أستيائها من معاملته لعروسه بزفراتها الحارة وبتقطيبها الدائم , وبذلك افهمت تامي أنها ألى جانبها , ولكن تصرفات آدم الصارمة منعت العمتين من التدخل , كان في صغرة يتحمل توبيخ العمتين , أما الآن فهو اللورد فوكس ولا يتحمّل ذلك.
العمة فيني هي التي حرّضت تامي على الخروج لمشاهدة جز الصوف : كل من في الجوار يتجمعون لمشاهدة الرجال يقومون بجز الخراف ووضع العلامات عليها , أما النساء فينهمكن في تقديم الطعام والمرطبات .
أهملت تامي تطريزها الذي كادت أن تنجزه وسرحت ببصرها عبر النافذة , بدت لها الجبال مختلفة الشكل وبعد قليل أدركت السبب , كانت خراف بيضاء كلثلج تنتشر في مساحات شاسعة تكسوها الأعشاب , بقرب المنزل ثمة نعجة كانت دائما تخيفها ولكنها لم تعد تخيفها بعد أن جز صوفها وتضاءل حجمها ألى النصف , النعاج التي كانت حتى الأمس تبدو جميلة المظهر بدت مختلفة كليا بقوائمها الدقيقة وأكفالها النحيلة , تنهدت تامي وقررت أن تعمل بنصيحة العمة فيني فتخرج وتتنشق الهواء الطلق , لا خوف عليها من لقاء آدم , أذا لم تبتعد كثيرا عن المنزل , خفق قلبها بشدة , كان منهمكا في مراقبة جز صوف الخراف وأذا لم يشذ عن قاعدته فأنه لن يعود ألا في ساعة متأخرة من المساء ليسرق النوم لبضع ساعات ويستيقظ عند الفجر.
منتديات ليلاس
سارت ألى الخارج وأتكأت بذراعيها على البوابة , كانوا يجيئون بالخراف , والطريق تغص بسيل لا ينقطع من حيوانات يملأ ثغاؤها الجو ضجيجا.
في أعالي الجبال كانت كلاب الرعاة تتجول بدون توقف لتدفع بالخراف المتخلفة ألى الهبوط ,وقفت تتفرج وقد أعجبت بذكاء الكلاب وهي تجوب الصخور لتخرج من بينها الخراف وتبعدها عن الأماكن الخطرة ثم تعود لتدفع بخروفين قررا عدم اللحاق بالقطيع الخائف.
دفعها الفضول للهبوط ألى الوادي حيث تم تجميع الخراف في زرائب ألى أن يحين دورها في الجز , كان الرجال يجلسون على مقاعد خشبية وعلى ركبهم أكباس كبيرة يجزون الصوف بسرعة فائقة , وقوائم الحيوانات مقيدة مما أثار ضحك تامي أذ لاحظت عليها السخط في البداية لأنها تتعرض للجز الذي يجعلها تبدو عارية ومضحكة للغاية , ثم تقفز مبتعدة لتنضم ألى باقي القطيع العاري.
أمضت ما يقارب الساعة على هذه الحال ثم تولاها خوف شديد لدى رؤية رأس أسود فأسرعت عائدة ألى فوكس هول , وعندما أصبحت في مأمن أبطأت لتتأمل مشهد الحملان وهي تعود للأنضمام ألى أمهاتها وأدهشتها سرعة معرفة كل حمل لأمه , ويبدو أن دهشتها كانت واضحة لأن صوتا ألى جانبها قدّم لها المعلومات :
" لا مجال لأن تتعرف الحملان على أمهاتها بواسطة النظر بل بواسطة الشم , قد تكون رائحة جميع الخراف واحدة بالنسبة أليك ولكنها تختلف بالنسبة لكل حمل".
أستدارت تامي والخوف يملأ قلبها أذ عرفت الصوت المتعجرف حتى قبل أن يقع بصرها على بام , أخذت نفسا عميقا لكي تهدىء أعصابها .
" شكرا لأخبارك لي ...... كنت أتساءل ".
لم يكن في سلوك بام ما يوحي بالمودة :
" أنا أيضا أتساءل حتى متى تبقين حيث لا يرغبون فيك , التظاهر بكونك عروسا سعيدة لم يعد يجوز على أحد وأعلم أن آدم متضايق".
أجابتها تامي:
"أمتأكدة أنت أن معلوماتك هذه ليست صادرة عن أمنية تداعب مخيلتك ؟".
دفقة الأحمرار الذي أعترى بام لم يؤثر على مظهرها , الغريب أنها تحاول دائما أن تظهر هادئة.
" بأمكان المرأة تقدير مشاعر الرجل بدقة وخاصة أذا كانت تراه بأنتظام , جميع أهالي الريف يغبطون آدم لتوفيقه بعروس لا تتطلب شيئا من وقته".
قالتها بام بلهجة لاذعة وأضافت:
" لماذا لا تعترفين ........... وتعودين ألى لندن ؟ وجودك هنا يحرج آدم وهو شديد الحساسية بالنسبة لأنتقادات أصدقائه , هذا لا يعني أننا لا نميل أليك".
منتديات ليلاس
وأعترت صوتها رنة عطف زائفة جعلت تامي تصرف بأسنانها .
" لا مكان لعابرة سبيل مثلك في هذا المجتمع العامل , أنت أنثى للزينة تسر العين ولكنك غير منتجة , رجال الجبال يطلبون ميزة معينة في الزوجة وهي القدرة على مشاطرتهم العمل , خذي اليوم مثلا , بينما كنت تتجولين للتسلية كنت أنا أراقب تقديم الطعام والشراب للعمال , طلب ألي آدم المساعدة وسرني القيام بذلك , سن العمتين لا تسمح لهما القيام بهذا العمل الشاق , أما أنت......".
وهزت بام كتفيها تاركة الصمت يعبّر عن ذاته ثم قالت:
" أذا كان أمر آدم يهمك حقا فعودي من حيث أتيت ولا تتواني في أطلاق سبيله".
كادت تامي أن تختنق غضبا غير أن كرامتها أطلقت جوابا من حنجرتها المتكتمة:
" من يسمعك يعتقد أن زوجي ضعيف الشخصية يفتقر ألى التفكير المستقل , ربما عرفته قبلي ولكنني لا أصدق أن زوجي قد بحث أموره الخاصة مع أمرأة غريبة".
وشدت قامتها أذ شعرت بكونها قزمة أمام طول بام الفارع وقالت:
" لو شاء آدم أسترجاع حريته لطلب ذلك مني بنفسه , وحتى الآن لم يبدر منه أي لا مبالاة نحوي".
شعرت بلذة الأنتصار عندما عضت بام على شفتها وبذلك أفصحت عن قلقها , وحفاظا على كرامتها لجأت ألى خدعة ائسة , وبعد أن أضفت على صوتها رنة من الشفقة قالت تامي:
" الرجل يحب تعدد الزوجات , ولا ترضي نزواته العديدة ألا عدة نساء مختلفات المميزات , ولسوء حظه لا يسمح له القانون ألا بزوجة واحدة وهي لا تكفي لأرضاء جميع نزواته وعندما يختار زوجة عليه أن يجد فيها معظم متطلباته , كما سبق أن قلت , أنا لا أتقن الأعمال المنزلية , ولكن ثمة مجال أبزك فيه , سلي نفسك يا بام ما هو الدافع الذي يجعل الرجل يتغاضى عن الغبار في المنزل وعن وجبات الطعام البسيطة ؟".