يكان جيلبير يقرأ على الشرفة ما كتبه خلال النهار0ولما رأهما وضع اوراقه على الطاولة وسألهما مبتسما:
"هل قمتما بنزهة جميلة؟"
اجابت سارة بحرارة:
"كانت نزهة رائعة وموفقة0ذهبنا الى قرية اكانتو وفي طريق العودة توقفنا في مقهى صغير واحتسينا الشاي"
نظر اليها كارلوس بغرابة فاحمرت خجلا لادراكها الحماسة الزائدة لديها0ليس من الغريب اجتياز اربعين كيلومترا على طول الشاطىء والعودة بالطريقة نفسها0
اعتذرت سارة من الرجلين وصعدت الى غرفتها0ومن نافذتها المفتوحة راحت تتأمل السهل الضيق الذي يهبط حتى البحر0
ضمت يديها المرتجفتين وفكرت:هذا الجنون يجب ان ينتهي00
لايبدو كارلوس يشعر بشيء تجاهها غير العاطفة الاخوية0واليوم عندما شرح لغلافكوس مدى قرابته لها,لم يتردد لحظة واحدة00نعم,
يجب عليها من الان فصاعدا ان تتحلى بالعقل ,والا ذاقت امر العذاب واضاعت فرصة العمر لاجل طويل0
"سارة,كم انا مسرور لرؤيتك!"
توجه لينوس نحو الفتاة بينما كانت تدخل الى قاعة الفندق حيث كانت تجري حفلة الكوكتيل التي اقامها كارلوس0
"كيف تمضين وقتك؟هل تعملين كثيرأ؟"
ابتسمت وهزت رأسها والتقت نظراتها بنظرات كارلوس ولشدة دهشتها لم يكن غير مبال,لكنه كان قاسي اللمحات0
ماذا يعني ذلك؟في المرة الاخيرة لم يكن مكترثا بلينوس وبحظه مع سارة0
ولا لردة فعل الفتاة تجاه مقدمات وانجذاب القبرصي لها0لكنه اليوم يبدي فضولا غريبا0
ازاحت نظرها عن كارلوس لكنها ظلت تشعر به محدقا فيها واجابت اليا:
"ذهبت مع جيلبير الى بافوس"
"اه!جزيرة الحب0هل تأخذ هذه الجزيرة اهمية كبيرة في الكتاب؟"
"كلا,جيلبير لا يميز أي منطقة معينة بل يفضل ايقاظ اهتمام القارىء كي يشعر برغبة في ان يزور كل اجزاء الجزيرة بنفسه"
احتج صارخا:
"لكن فينوس تستحق فصلا وحدها0نعلق اهتماما كبيرا على الحب,وانت ياسارة؟"منتديات ليلاس

ارتجفت رموش عينيها الطويلتين واجابت بحذر:
"لم يتسن لي الوقت ان افكربذلك لانني اعيش حياة متكاملة"
ارجع رأسه الى الوراء وراح يقهقه ضاحكا0فالتفت اليه عدد كبير من الاشخاص وراحوا يبتسمون0
لينوس الوسيم يغازل الفتاة الانكليزية وهذا موضوع شيق للمدعوين القبارصة,الذين كانوا يأملون ان يميل قلبه لاحدى بناتهم اوشقيقاتهم0
صرخ لينوس قائلا:
"ليس عندك وقت للحب!كيف باستطاعة فتاة بجمالك ان تقول هذا الكلام؟"
نظرت اليه نظرة فيه انذار وا ضافت:
"ومديحك يبدو لي سطحيا"
"كلا!"
امسك بذراعها ونظر الى مكان منعزل0فرأى شجرتين نخيل وراءهما كرسيين,فقال لها:
"تعالي معي0اريد ان ابرهن لك عن صدقي"
شعرت بتنفسه يلامس وجهها,فرجعت الى الوراء محاولة التخلص من قبضته, فقطب حاجبيه وهمس في اذنها:
"ارغب في الزواج منك,ياسارة0منذ اللحظة الاولى اردتك ان تصبحي زوجتي0انا رجل غني ولن ارفض لك شيئا 0000"
قاطعته قائلة:
"لينوس,لست انوي الزواج,لامنك ولا من غيرك0واريد ايضا ان افهمك انك لاتعرفني جيدا وهذا خطر عليك ان تتزوج من امرأة مختلفة عما تتصوره"
هز رأسه بثقة:
"لااتصور شيئا واعرف من عينيك ان قلبك حنون وانك فتاة صادقة"
ابتسمت سارة وحولت نظرها برهة نحو كارلوس الذي كان يدير لها ظهره ويثرثر مع موظف شاب في السفارة الاميريكية0
"مادمت تعرف اني صادقة,يجب عليك اذن ان تفهم لماذا ارفض الزواج منك0ليس لك قيمة عندي واضافة الى ذلك,انا لا احبك"

"بامكانك ان تتعلمي كيف تصلين الى حبي0سأكون استاذك 0في الشرق,الحب فن واعتقد ان المواهب لاتنقصني,حتى لو لم اعد اهتم بالنساء منذ عدة سنوات"
ابتسمت سارة مجددا0قررت ان تعامله بلهجة المزاح,املة الا تجرح شعوره وتؤلمه0عليها ان تفكر بسمعة مديرها والاتتشاجر مع أي عضو في البيئة التي يعاشرها جيلبير0
اجابت ضاحكة:
"لا شك ان المواهب لا تنقصك فيما يخص الحب00لكن تنقصك عزة النفس"
رفع كتفيه وضحك بدوره:
"ليس القبارصة برجال متواضعين,خاصة عندما يتكلمون عن انتصاراتهم الغرامية"
ارتجفت رموش عيني سارة وبحثت بنظرها عن كارلوس ورأت بارتياح جيلبير يتقدم نحوهما:
"هل بامكاني الانضمام اليكما؟"
فهمت من نظرته الى لينوس انه جاء لينقذها00واضاف يقول:
"امل الا اكون قد قطعت عليكما الحديث0000السري"
زم القبرصي شفتيه وهز رأسه مبتسما0جلس الثلاثة,وراح جيلبير يحدث لينوس بينما استرخت سارة في مقعدها ونظرت حولها بشرود فرأت الاضواء,والكوؤس والجدران المزينة بالاشياء الفاخرة والسجاد الاحمر والزهور00انه اجتماع حيوي0بعض المجموعات الصغيرة ظلت واقفة 0
وبعض الاشخاص جلسوا على الطاولات الصغيرة بعضهم يضحك ويمزح والبعض الاخريتكلم بجدية عن مواضيع هامة0منتديات ليلاس

تلألأت عينا سارة عندما التفت كارلوس الى الوراء ولاحظها شاردة لا تعير انتباها للحديث الجاري بين لينوس وجيلبير0
فتوجه نحوها ونظر اليها لحظة قبل ان يقرب كرسيا ويجلس بجانبها0
ولمحت في نظراته تعبيرا حزينا0فكلما واجه مشكلة جديدة يبدو متوترا ومضطربا0ابتسم ولاحظت انه يرغب في طرد القلق من عقله0
قال بصوت خفيض:
"اعتقد ان لينوس يهتم بك اكثر من قبل"
اجابت بلطف:
"لقد طلب يدي"
"000و00ماذا كان ردك؟"
نظرت الى وجهه وشاهدت الغصة في حلقه0ياله من رجل غريب00لوكان بامكانها ان تقترب اكثر منه,فما زال لغزا بالنسبة اليها0
اجابت بسخرية:
"لقد رفضت"
تهيأ لها انها سمعت كارلوس يطلق زفرة ارتياح,ام ان مخيلتها قد خانتها0
"كنت متأكدا انه سيطلب يدك"
زمت عينا كارلوس عندما نظر الى لينوس المنسجم بالحديث مع جيلبير:
"قلت لك انه سيطلب يدك باقرب وقت ممكن"
"صحيح واجبتك ان عملي يكفيني"
"وقلت لك ان من الطبيعي على المرأة ان ترغب في ان تصبح اما"
"لاتتزوج المرأة من اجل انجاب الاولاد"
اجابها بلهجة مرة:
"صحيح؟لكن احيانا يكون الانجاب سببا للزواج"

كان بعيدا عنها ولم تكن قادرة 000اولم تجرؤ على الاقتراب منه0كانت تسمع اصوات جيلبير ولينوس والحضور,لكنها لم تكن تصغي الى احد,لان سؤالا يهدد ذهنها0000 هل تزوجت اليسون من كارلوس بهدف انجاب الاطفال,فقط لاغير؟نظر كارلوس اليها ليتأكد من صدقها وسألها:
"انت,هل تضعين الحب في البداية؟"
"بالنسبة لي,الحب متعلق بالرغبة"
رد كارلوس بغرابة"
"الرغبة؟"
"هل اصدمت0اقصد ان الحب والرغبة مرتبطان جدا الى درجة انهما اصبحا غير منفصلين"
توقفت ثم اضافت:
"الرجل الذي سأحبه يكون ذلك الذي ارغبه000"
نظرت اليه سارة بعينيها الجميلتين المتوسلتين,وقلبها يفهم ماتعني كلماتها0ثم اضافت:
"سأحبه,اذا كنت بحاجة اليه0وعندما اكون بحاجة اليه ,ذلك يعني اني ارغبه00"
ران صمت طويل ثم قال كارلوس بصوت متقطع:
"اذن الرجل الذي ستتزوجين منه سيشعر دائما000انك ترغبينه00"
كان كأنه يكلم نفسه,غير انه ظل يحدق بها,ثم اطلق زفرة طويلة حزينة00
فاندهشت سارة وظلت تحدق به0تنفس عميقا وازاح نظره عنها كأنه يرفض قبول ما يراه0اخيرا قال بصوت اجش:
"اه!سارة0لماذا؟000"
منتديات ليلاس
قاطعه جيلبير ليسأله سؤال لاقيمة له عن الحرفيين في الجزيرة0
"اخبرني لينوس عنهم وخطر لي ان اخصص لهم فصلين في كتابي"
في ثقة واتزان اجاب كارلوس عن سؤال الكاتب0وبعد قليل بدأ الحديث يتشعب وانضم اليهم عددا من المدعوين0
وفي نهاية السهرة وجدت سارة نفسها وحدها مع كارلوس فتبعا جيلبير حيث اوقف سيارته0 لكن جلبير اعتذر وذهب يقول لكوني كلمة اخيرة0
فبدات سارة الكلام قائلة:
"ماذا كنت تريد ان تقول لي عندما قاطعك جيلبير؟"
كان شارد الذهن ومستندا الى السيارة ويده في جيب سترته0بدأ يفكر ثم اجاب مبتسما:
"لاشيء له اهمية"
فتح لها باب السيارة كي تصعد في المقعد الخلفي0وبدوره جلس امام المقود0ثم ادار وجهه ونظر اليها وقال:
"سارة الشيء الذي كنت انوي قوله لااهمية له"
لم تقل شيء,لكنها شعرت بارهاق وحزن كبيرين ,نظرت الى ملامح وجهه القاسية والى فمه الحازم وذقنه البارز0
كان بعيدا عنها بافكاره واقترب جيلبير من السيارة وصعد قرب كارلوس واعتذر لتأخره0
"لاسبب للاعتذار 0هل تحدثتما بموضوع الكتاب"
"نعم 0كان كوني يحدثني عن مدينة فاماغوستا القديمة0وتذكرت اني نسيت ان اطرح عليه سؤالا معينا0يبدو انه على معرفة واسعة بتأريخ الجزيرة في القرون الوسطى0"
ابتعدت السيارة عن الفندق واخذت طريقا تحيط بالجبال,ثم هبطت على الساحل قبل ان تصعد من جديد نحو لابيتوس0كان القمر بدرا يضيء المناظر والقرى,والبحر غامقا وسريا0على اليمين تمتد جبال كيرينيا الى ما لانهاية,

الضواء تلمع هنا وهناك0قبب الكنائس البيضاء تبرز بوضوح تحت السماء الليلكية المليئة بالنجوم0
عندما وصلوا الى الفيللا0 توجه جيلبير الى الباب0ساعد كارلوس سارة عل النزول وظل ممسكا بيدها0
ثم همس بصوت حنون:
"تصبحين على خير ياسارة"
حدق في عينيها المتوسلتين الشفافتين الصافيتين.فاندهشت من تصرفه واضطربت كثيرا0
وتبين لها انه كان يرغب ان يفشي لها بسر مهم,لكنه قرر ان يصمت في التهاية0
لويقبل ان يكلمها الان.لكنه اكتفى بالقول بأنه سيكون حرا نهار السبت وان بامكانه تمضية النهار برفقتها0
وذهبت لتسأل جيلبير اذا كان سيحتاج لها في هذا النهار.لكن الكاتب كان قد سمع كلام كارلوس,وفي الحال سمح لها ان تاخذ نهار عطلة0
هتف جيلبير لكارلوس قائلا:
"عندي اهم سكرتيرة في العالم0لو اسمع منها لوافقت على العمل سبعة ايام في الاسبوع"
قطب كارلوس حاجبيه0لاشك انه يفكر بأن سارة ليست بحاجة لان تعمل مادامت قد حصلت على ارث محترم0منتديات ليلاس

اجاب كارلوس قبل ان يصعد الى السيارة من جديد:
"سارة هي حقا كنز ثمين"
ثم اضاف قائلا:
"سأتي في التاسعة,يوم السبت ياسارة0كوني جاهزة"
تدخل جيلبير في الحديث قائلا:

"سارة تنهض من نومها في الساعة السادسة صباح كل يوم"
"مثلي انامستحيل ان ابقى في الفراش والشمس مشرقة"

"وانا ايضا استيقظ في مثل هذه الساعة,اذا لم يكن في ساعة مبكرة ايضا"
"تصبح على خير يا جيلبير00تصبحين على خير ياسارة"
ثم اقلع بسيارته وظلت سارة في الخارج تنظر الى اضواء السيارة حتى اختفت0
وتوجهت الى المنزل حيث كان جيلبير ينتظرها على عتبة الباب محدقا فيها بفضول0



انتهى الفصل السادس
قرأة ممتعة

مشكووووووووووورة