8- حوار خاطف على ضوء سيكارة

كان مايك ينتظر لورنا في المكان المحدد , أمام مدخل الفندق , ولما أقتربت من السيارة فتح لها الباب من الداخل وقال:
"أدخلي بسرعة ولنذهب من هنا".
كأنه لا يريد أن يراه أحد , أو ربما خشية أن يلتقي بفيرا مرة ثانية .
فقالت له لورنا في الحال:

" لقد ذهبت الى السهرة".
" من؟ ....... آه , الدمية المطلية ! لمطاردة الرجال؟".
" وجدت فريستها لهذا المساء , على ما أظن".
شعرت افتاة بتأنيب الضمير ثم أضافت:
" عليها أن تتسلى بطريقة أو بأخرى , من بأمكانه أن يلو مها أذا
منتديات ليلاس
كانت تحب الرجال والرجال يستلطفونها؟".
" أنت لا تلومينها ولا أنا أيضا , كل أنسان له حريته , لكنني لا أستطف الناس الطائشين المغفلين".
وتذكرت الفتاة صديقته أنيتا , التي لا يعتبرها من هذا النوع ,وفي الحال طردتها من مخيلتها , فهذه السهرة مخصصة لها , غدا سيذهب مايك الى المزاد العلني , لكنه بقربها الآن , لقد سبق وقال لها أنه يعيش يومه ولا يفكر بالغد وهذا ما ستفعله لورنا هذا المساء , فهي تشعر أتجاهه

بأنجذاب مغناطيسي وذلك منذ اللقاء الأول , لكنها لم تتأكد من حبها له ألا عندما كانت في الأقصر , أما عواطف مايك فما زالت تحيرها , لا شك أنه يكن لها الحب والمودة وألا لما تواجد هنا , قربها , تعرف تماما أنها قادرة أن توقظ فيه الرغبة........ لكنه لم يقل لها بعد بأنه يحبها , بل بالعكس , يبدو أنه يحاول جاهدا مقاومة هذا الصداقة الجددة ,
منتديات ليلاس
نظرت اليه ورأته منكبا على القيادة بكل أنتباه ,أضواء الطريق تنير وجهه وأنفه المستقيم وحاجبيه السميكين وفمه المرسوم وذقنه الدقيق , أنها تعرفه جيدا ولا تمل لحظة النظر اليه والتحديق فيه.
كان يقود بسرعة مارا أمام المقاهي والمسارح المضاءة والمباني الفاخرة والمنازل المهدمة , ولمحت على طرف الطريق الرملية بغالا تجر العربات

,فجأة أنعطف مايك وأخذ الطريق الرئيسية بأتجاه الأسكندرية , وهنا برزت حقول اقطن والذرة وأشجار النخيل والزيتون والأوكاليبتوس , أجتازت السيارة القرى ذات المنازل المبنية من الحجر الترابي ,وسقفها المعطى بأوراق الذرة المسطحة حتى تجف , هنا وهناك كانت تلمع أضاءة شحيحة , فالفلاحون ينامون باكرا....... وأحيانا تظهر خطوط سكك

الحديد على حافة الطريق العام ويسلكها القطار بضجة صاخبة , كانت ليلة صافية ولا ريح في الأفق , القمر هلال رافقهما طوال الطريق حتى قرية( ممنون) , أخيرا حاولت لورنا قطع هذا الصمت القوي وسألته:

" أين تأخذني , يا مايك؟".
" ليس الى مكان محدد".
خفف سرعته وقال:
" ..............لنأخذ هذه الطريق".

أختار ممرا ضيقا بموازاة قناة الري , سلكه وهو يمر قرب مزرعة صغيرة , فجأة عم الصمت والوحدة ... أوقف مايك السيارة وقال:
" هل تريدين سيكارة؟".
" أنت تعرف أنني لا أدخن , لكن بأمكانك أنت أن تدخن أذا كنت ترغب بذلك".

أنارت شعلة الولاعة وجهه ولمحت لورنا ملامحه المشدودة , وخلال فترة قصيرة , ظل يدخن بصمت , ثم أعلن قائلا:
" بعد رحلة الكرنك, قررت ألا أراك أبدا".
" آه , مايك! لماذا؟ ماذا فعلت؟".منتديات ليلاس

" لا شيء , ألا كونك حقيقية مع نفسك , أردت الأبتعاد عنك لمصلحتك ,لكن عندما ألتقيت بك بعد ظهر اليوم ,لم أكن أتمكن من أن........".
ضرب المقود بيده ثم أضاف:
" ........من أن ألغيك من حياتي".

" لكن....هل أنت مضطر الى ذلك؟ لو تعرف كم أشتقت اليك وكم حزنت لغيابك ! صداقتك ثمينة على قلبي , يا مايك".
" صداقة؟".
ضحك بمرارة ثم أضاف:
منتديات ليلاس
" لا تحاولي خداع نفسك بهذه الخرافة , أنت لا ترغبين بصداقة وحسب , وأنا مثلك , آه , صحيح أنك تصرفت بحذر وتحفظ , لكنك لم تقدري على مراقبة نظراتك فعيناك تتكلمان مكانك , يا حبيبتي ,ومن السهل فهم ما تعنيان".
وبحركة عنيفة , أطفأ سيكارته في المنفضة , ثم أستدار نحو الفتاة وأخذ وجهها بين يديه وقال:
منتديات ليلاس
" أنا بحاجة اليك , يا لورنا , بحاجة ماسة اليك".
عانق الفتاة بلطف في بادىء الأمر , ثم بشغف كبير.
وتنهد قائلا:

" آه , لورنا , أنا مجنون بك".
ضحك بأرتجاف , وأجابت وهي ترفع يدها لتداعب شعره الأسمر الناعم :
" جنون عذب ".

" نعم ".
وبلطف أبعدها عنه وبحث عن سيكارة أخرى , وبينما كان يشعلها قال:
" هل تعرفين الى أين سنصل يا لورنا, أذا أستمرينا على هذا المنوال؟".
" الى حيث تريد , يا مايك".
لم تعد تعير أهمية لكلامها طالما كانت السعادة تحتلها , لا تريد ألا شيئا واحدا :عدم تركه يذهب عنها , أجابها:

" أنا لا أريد مجرد مغامرة معك , فأنا لست من هذا الطراز , ستفتتتين قلبك وربما قلبي أيضا , هناك حل واحد , وهو أن نتزوج ".
" أن.... أن نتزوج؟".

حتى في أحلامها المتطرفة لم تفكر بهذا الأحتمال , تذكرت فجأة أنه حدثها عن أرتباطاته , فماذا حل به الآن ؟ سألته:
" ذات يوم , أخبرتني عن أرتباطات أخرى......".

" سأتخلى عنها.... عما قريب , لكن ذلك ليس حاجزا , لا يمكنني التغلب عليه , أقترح أن آخذك لزيارة والدي , فسيستقبلانك بفرح وسيفرحان بكل شخص قادر أن يجعلني أبقى في أنكلترا..... يريدان رؤيتي في وضع مستقر .... ورب عائلة .....".

" هل تنوي أنجاب الأولاد؟".
" فقط أذا كنت أنت والدتهم ".
أحست بمرارة داخل صوت مايك عندما حدثها عن والديه , الظاهر أنه نادم على طريقة حياته الحالية.منتديات ليلاس

" هل والداك لا يوافقان على أن تستمر بالعمل غي الحقل السينمائي ؟ لكنك تخليت عن هذا العمل ,أليس كذلك؟".
" كليا , في كل حال لم أكن أعتبر ذلك جديا".
منتديات ليلاس
" لكن من المفروض أن تأخذ الأمور بجدية , أليس كذلك؟ خاصة.... أذا كنت تريد أن تؤسس عائلة............".
" عندك حس عملي , وهذا خليط رائع بين التعقل ! لا شك أنه بعدما حدثك وب عني بدأت تتخيلين نفسك زوجة ممثل مشهور......لا , لا يمكنني أن أصبح بطلا , حتى من أجلك أنت".
منتديات ليلاس
" ما بك!".
وضعت يديها على كتفيه وهزته بنعومة وقالت:
" عملك آخر ما أهتم به , أنا أحبك , لكن أذا غادرنا مصر.....ماذا بأستطاعتك أن تعمل غير التمثيل؟".

ضحك فقالت:
" كن جديا , يا مايك... أريد أن أعرف أنك أنسان سعيد ".
" أنت تعرفين كيف تجعلينني سعيدا , يا لورنا!".
جذبها اليه وأضاف:

" صحيح أنني تعرفت الى نساء في حياتي , لكن ولا واحدة منهن أثرت في قلبي مثلك , كانت علاقات عابرة , أما أنت , ففيك تموج أبدي .... أنه الحب!".

" الحب؟ هل هذا ممكن........بهذه السرعة؟ الحب كلمة طالما أرتعبت منها , كان والدي يحبان بعضهما كثيرا , لكن زواجهما لم ينجح".
" لكنهما مع ذلك بقيا معا عدة سنوات , أليس كذلك؟".

" لا , قليلا , أنفسدت علاقتهما منذ ولادتي , وظلا يعيشان معا تحت سقف واحد بسببي لكن الفراق المعنوي كان قد حصل".
" وأنت تخافين.... من أجلنا؟".منتديات ليلاس

" لا يجب أن نستعجل الأمور , على ما أظن , يجب أن نكون متأكدين ............".
" ألست متأكدة من نفسك , يا لورنا؟ أنا, بلى , لا تكوني مذعورة , الحياة لعبة وسأراهن بكل شيء من أجلك , ألا يكفي أن نشعر بحاجة لبعضنا ؟ سأتخلى عن كل شيء من أجلك".

" تتخلى من ماذا؟ تقصد أنيتا؟".
فوجىء وسحب ذراعه فجأة وقال:
" يا ألهي! لقد نسيت أنيتا كليا , ماذا سأقول لها؟".
منتديات ليلاس
أرتعشت لورنا وقالت:
" هل هي مهمة في حياتك, الى هذه الدرجة؟".
" نعم ولا , في بعض الأحيان كانت عونا كبيرا وقدمت لي مساعدة فعالة , أنها أمرأة غريبة.... نصف مصرية ,هل لاحظت ذلك؟".
" كلا".

" في مصر زيجات ممزوجة , في الأيام الأخيرة , أصبحت أنيتا صديقة حميمة ولا تتوقع أن تراني بعيدا عن متناولها".

تعرف لورنا السبب , فأنيتا تعتبر مايك ملكيتها الخاصة ولا تحب أن تتدخل أمرأة أخرى في حياته , تحمست لورنا وسألته:
" هل تعرف أنيتا حقيقة عواطفك أتجاهي؟".

" لا تعرف هذا التطور الأخير للأحداث , كل ما أعرفه بأنها لن تحبذ فكرة أن تراني متزوجا , لأن ذلك سيضع نهاية لتعاوننا".
" لا أفهم , أذا كان عملك مزدهرا فلماذا نحن مضطران الى مغادرة هذا البلد؟ بأمكاني أن أعيش هنا".

" كلا , مصر ليست لك , يا زنبقة الشمال , ستذبلين خلال الفصول الحارة ولن أتحمل أن أراك هكذا عندما نتزوج".
فرحت الفتاة بهذا الكلام , فراح مايك تتأمل وجهها البشوش , ولاحظ أن الشك يوشوش ذهنها , نعم , هذا صحيح , كانت لورنا تشعر بأحساس

غريب يشدها الى عدم التعلق بهذا الرجل غير المستقر وتذكرت هذا القول : ( الحب العنيف يؤدي الى نهاية عنيفة بعد أن ينطفىء في الذروة) لكن لورنا تريد حبا أبديا.منتديات ليلاس

" أذن , تعتقدين أنني جدي مع أنيتا.... لا, ليس هذا هو الأمر.... هل يجب أن نضحي بسعادتنا لمجرد غلطة صغيرة ؟ ألا تحبينني حقا , يا لورنا.".
" آه , بلى! بلى! لكنك لك تفهمني .... عندما عرفتني بأنيتا , قلت لي أنها صديقتك المفضلة".

قهقه ضاحكا , وأغتاظت لورنا لذلك , قال:
" وهذا الأمر يزعجك منذ البداية ؟ آه , يا لورنا المسكينة , كنت خائفة من تدخلها في علاقتنا ؟".
" هل لهذه العلاقة من وجود؟".
منتديات ليلاس
" كلا , لا يوجد هذا النوع من العلاقة بيني وبين أنيتا , أنها زميلة وصديقة صادقة , أرجو أن يكون ضميرك مرتاحا من هذه الناحية ".
" أقسم لي بأنك تقول الحقيقة؟".

" أقسم على حياتي , آه يا لورنا , ألم تنظري اليها ,أنيتا المسكينة ليست بأمرأة جذابة".
" هل تعتبرني أمرأة جذابة؟".
منتديات ليلاس
" نعم جدا , ولو لم نكن جالسين الآن في السيارة , لبرهنت لك عن ذلك.... لكننا سنتزوج قريبا , بعد أن أنتهي من أعمالي القائمة , سنأخذ أول طائرة وتعود الى أنكلترا , بأمكاننا أن نعيش مع أهلي ريثما نجد شقة , فالمنزل واسع وكبير ومدينتنا تدعى ( مارلو ) هل تعرفينها؟".

نعم كانت تعرفها , أنها مدينة جميلة تقع على ضفاف نهر التايمس , أنه مكان هادىء جدا.
" وماذا ستعمل هناك؟".