كاتب الموضوع :
اماريج
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" كلا , فكرنا مرة أن نزورها في رحلة ترفيهية أنا وبعض الأصدقاء , لكننا لم نفعل , لماذا تسألين؟".
" خطر لي أن نذهب اليها هذا العصر بالسيارة".
" كي ننقب عن الماس؟".
وضحكت لنكتتها أذ ما قدرت أن تتخيل عمتها , الرسامة المبدعة, تنزل في حفرة وتحفر التراب!
" قد نفعل ذلك , لكنني قصدت أن نرسم نماذج لشخصيات حية , كسائق باص في أجازة مثلا".
" أنني أحبذ أي أقتراح كان".
وأضافت قائلة لنفسها :
" أي شيء كفيل بأبعاد أفكاري عن رورك ماديسون".
منتديات ليلاس
فقالت عمتها بلهجة ملطفة وقد أنتبهت لرنة يأس في صوت تيشا:
" كل واحد منا يواجه يوما سيئا بين حين وآخر , فلا تدعي ذلك يثبط عزيمتك".
ولم تقدر تيشا أن تصحح مفهوم عمتها للسبب الحقيقي لضيقها, فبلانش تحب رورك ولن تتفهم شعورها المشمئز من جراء تفكيرها الدائم فيه
كذلك لا تقدر تيشا أن تعبر عن أمتنانها لعمتها لأمتناعها عن طرح أي سؤال حول سهرة البارحة لأن تيشا لم تكن مستعدة للتحدث عنها.
وقالت لها بلانش بصوت مرتفع وهي تخرج من الأستديو بعدما وضبت أدوات الرسم:
" لا تلبسي ثيابا أنيقة , فقد تقررين القيام ببعض الحفريات".
أستبعدت تيشا هذه الفكرة لكنها أرتدت بنطلون جينز كالحا وقميصا زيتيا وعقدت شعرها الطويل الى الخلف بأيشارب ذي لون أصفر فاتح وتناولت من الخزانة جاكيتا قطنيا قديما حملته على ذراعها
ثم خرجت الى الحديقة تتجول فيها في أنتظار عمتها.
كان العصر قد أنتصف قبل أن تنعطف بلانش بسيارتها الى الطريق المرصوفة بالحصى والتي تحف بها من الجانبين أشجار متراصة من الصنوبر يهب عليها هواء خفيف وكأنه همسات تروح وتجيء بين أوراقها الأبرية
فيها شمس الصيف تظهر من خلال غيمة كبيرة وتنحدر مشعة لتلقي على الأرض أصابع ذهبية , كان السكون حولهما عميقا جدا وحتى خيل لتيشا تقريبا أنهما البشريان الوحيدان على الطريق الممتدة أميالا أمامهما
ولهذا فوجئت لدى وصولهما , بصفوف السيارات المحتشدة في المرآب.
وبعد دفع رسم الدخول الزهيد الى الحديقة العامة , سلكتا الدرب المؤدي الى تلك المساحة المحروثة من الأرض والمخصصة للتنقيب , وبخلاف الزوار الآخرين الحاملين أدوات حفر مختلفة كالمجارف والمغارف الصغيرة والأوعية المعدنية كانت هي وبلانش مسلحتين فقط بأقلام ودفاتر رسم
وعلى أمتداد الحقل القائم على جانبي التل رأت الناس موزعين , أما فرادى وأما أزواجا أو مجموعات عائلية ,وهم ينقبون بأجهاد عن الماس ويغربلون التراب البني الغامق.
فمنذ ملايين السنين حصلت أنفجارات بركانية قرب منطقة مغطاة بالمياه ,وقد أدى تبريد الماء المفاجىء للصخور المصهورة الى ضغط هائل , حمل بدوره الجزئيات الكربونية الى حبيبات ثمينة من الماس والبلور .
وهذا الزخم البركاني لموجودات الماس الطبيعية الوحيدة في القارة الأميركية الشمالية كانت تقف تيشا مباشرة وقد زودها ذلك بشعور نشوة وأعتزاز.
الأكتشاف الأول لوجود الماس في العام 1910 أثار هجمة كادت تعادل في دراستها هجمة كاليفورنيا على الذهب , لكن تيشا تذكرت أيضا الغموض الذي أكتنف ماضيه وحيث واجهت محاولات أستخراج الماس التجارية كثيرا من الخيبة والحرائق الغامضة وحتى جرائم القتل , والى أن أبتاعت ولاية أركنساس فوة بركان ألماس في ضواحي مدينة مرفريزبورو وحولتها الى منتزه عام.
منتديات ليلاس
أفترشت تيشا الأرض مسندة ظهرها الى جذع شجرة وركزت دفتر الرسم على ركبتيها , ألا أنها وجدت الركون مستحيلا في وسط جو جاذب كهذا فنهضت من مكانها وأتجهت الى الحفل حيث رأت رجلا كهلا شائب الشعر يقف حتى ردفيه في جورة حفرها بنفسه
كان يغربل التراب حبة حبة قبل أن يقذفه ويلحقه بكومة التراب المتزايدة بالقرب منه .
وخاطبته تيشا سائلة:
" هل حظيت بأي شيء؟".
فرفع بصره وعيناه الزرقاوان تتألقان فوق خديه المكتنزين الباسمتين , وأجابها وهو يقذف بعيدا كمية من التراب كان جمعها في وعاء , ويتناول من جيبه منديلا ليمسح جبينه المتعرق:
"كلا! ستكون العملية أسهل بالطبع لو أنني أعرف الشيء المنحوس الذي أبحث عنه!".
فضحكت تيشا وأجابت:
" تلك ستكون مشكلتي أيضا!".
|