وسخرت سامنتا من جولي وقالت:
" أن هذا سخف , غادرنا أنكلترا وهو بها , ثم أنك لم تعرفي أنه سيتوجه ألى الولايات المتحدة , كان من المحتمل أن يقوم بجولته في أوروبا قبل العودة ألى هنا , في كل حال أنك تعرفين مكان سكنه أليس كذلك؟".
" ذكر أنه يعيش في كاليفورنيا , غير أنني بكل صدق لم أتوقع أبدا أن أراه هنا".
" أعرف ذلك يا حبيبتي , في أية حال لن يذكر شيئا عنك , فعليك أن تسترخي , وأذا فكرنا في هذا بطريقة منطقية لوجدنا أنها فرصة رائعة لبن".
وأبتسمت جولي وقالت:
" أعرف ذلك يا سام ويؤسفني أن أشغلكما بمشكلاتي الخاصة ".
وهزّت سامنتا رأسها برفق وقالت:
" لا تكوني حمقاء , هيا نفّّي ما أقترحته عليك , أن تذهبي غدا ألى سان فرانسيسكو وأن تنسي كل شيء عن كورتيز".
وفي الصباح أوصل بن جولي ألى المدينة وهو في طريقه ألى الجامعة , ورغب في شراء بعض المواد التي لم يجدها في سانتا مارتا , فتركها وسط المدينة .
منتديات ليلاس
وبعد أنصراف بن شعرت جولي أنها تسير بغير هدف , كانت الموافقة على الأستكشاف وحدها شيئا , وتنفيذ الفكرة شيئا آخر , وأخيرا ركبت الترام ألى فيشرمان دورف , وقضت بعض الوقت في الميناء , ولم تعجبها المتاجر السياحية التي تبيع الهدايا التذكارية , فأخذت تقرأ في الدليل السياحي باحثة عن مكان تذهب أليه بعد ذلك....... وتركت جسر أوكلانده وراءها وسارت في أحد الشوارع الجانبية , كان هناك جزء من سان فرانسيسكو بدا وكأنه لم يتغير منذ سنوات عديدة , فكثرت فيه الحانات والمقاهي التي يتردد عليها البحارة.
وكادت أن تعود ألى الشارع الرئيسي عندما أسترعى أنتباهها سلّما يؤدي ألى مبنى كتب أسمه بأحرف باهتة وهو مستشفى الأرسالية للبحارة , وأبتسمت وتساءلت عن تاريخ المبنى , ترى هل كان موجودا في منتصف القرن الثامن عشر وقت أكتشاف الذهب وتدفق الرجال من جميع أنحاء البلاد على كاليفورنيا بحثا عن الثروة.
وفيما كانت واقفة , ظهرت أحدى الراهبات باباب وأخذت تنظر ألى الشارع وكأنها تبحث عن شخص أو عن شيء , وعندما رأت جولي قطبت جبينها وكأنها تدهش من وجود أي سائح في هذا الجزء من المدينة , ثم نزلت السلم وتقدمت نحوها وقالت وهي تحييها بحرارة:
" صباح الخير".
" صباح الخير , أن الطقس جميل , أليس كذلك؟".
وأومأت الراهبة برأسها وهي شاردة الذهن ثم قالت:
" هل تتكلمين اللغة البولندية ؟".
" آسفة , لا أتحدث بهذه اللغة".
وضغطت الراهبة على شفتيها وقالت :
" بالطبع! فلم يكن معقولا أن أجد ما أبحث عنه , غير أنني عندما رأيتك تقفين أمامي فكرت أنه ربما ....... في كل حال يستحسن أن تعودي ألى الطريق الرئيسي يا عزيزتي , لأن هذه المنطقة خطيرة بالنسبة ألى فتاة تسير بمفردها , هل ضللت الطريق؟".
" كلا , كنت أستكشف المدينة , آسفة , أستطيع مساعدتك , أنني لا أتحدث سوى الفرنسية والألمانية ألى جانب الأنكليزية بالطبع".
وعقدت الراهبة حاجبيها وقالت:
" تتحدثين اللغة الألمانية , الألمانية؟"
" جائز".
وحملقت جولي في وجهها بفضول ,وأبتسمت الراهبة ثم قالت:
" قد تظنين أنني مجنونة , ولكن هناك بجارا بولنديا أحضروه ألى المستشفى أمس , وحدوه يئن في الشارع , وهو لا يتحدث الأنكليزية , وقد أوضح الكشف الطبي عليه أنه يعاني من ألتهاب حاد في المصران الأعور ,ومن الضروري أن يفهم أنه في حاجة ألى عملية جراحية عاجلة وقد ينفجر المصران في أي وقت , ولم نستطع التفاهم معه ولا أدري ماذا أفعل , أن وصولك يعتبر نعمة أذا أستطعت التفاهم معه".
وصاحت جولي على الفور:
" بالطبع , أرجو فقط أن يفهم لهجتي".
وسارت جولي خلف الراهبة التي أجتازت عنبرا طويلا , مزدحما بالأسرة والمرضى المصابين بكسور وجروح , وبرجال ينظرون بجمود أمامهم وكأنهم لا يشعرون بمن حولهم , وقد أسترعى أنتباه الحاضرين دخول جولي العنبر , فحاولت أن تتجاهل العيون التي حملقت فيها.
وبدت حالة البحار البولندي سيئة للغاية , وقد وضعت ستائر عالية حوله لتفصله عن بقية المرضى , وجلست راهبة أخرى ألى جوار السرير , نهضت واقفة عندما رأتهما وخطت ألى الخلف , كان وجه البحار شاحبا محتقنا , ونظر أليهما وهو لا يفهم ما تريدانه بينما بدا الألم في عينيه.
جلست جولي ألى جواره وقالت باللغة الألمانية :
" هل تتحدثين الألمانية ؟".
وبرقت عينا البحار قليلا , وقال بسرعة وبصوت رتجف وقد بدت عليه الراحة لأنه وجد من يفهمه:
" يا , يا ".
وأوضحت له جولي الموقف بسرعة , وظهر من حركاته وصيحاته أنه لم يكن يعرف خطورة حالته , ووقفت جولي وقالت للراهبة:
" ظن أنه يعاني من التسمم , الطعام على السفينة كان سيئا للغاية ,ولكنه يعرف حقيقة الموقف الآن , ويرغب في أجراء العملية الجراحية , وقد أوضحت له سبب وجوده هنا , وهو مرتاح أكثر الآن".
وتنهدت الراهبة وقالت:
" أرأيت زحمة العمل هنا ؟ أننا لا نجد من يقبل العمل في المستشفى , ولن تتحسن الأمور حتى يتم بناء المستشفى الجديد".
وسألتها جولي:
" هل تشيدون مستشفى جديدا؟".
" سيتم قريبا بمشيئة الله , تمت الموافقة على الرسومات الهندسية وسوف توضع الأساسات قريبا ,وسوف تكون الأوضاع أفضل حينئذ".
وأقرّت جولي قول الراهبة وقالت:
" أنني واثقة من ذلك ".
ونظرت جولي ألى العنبر المزدحم وشعرت بالنظرات التي وجّهها المرضى أليها , وقالت الراهبة وهي تتجه ألى الباب:
" أخذنا الكثير من وقتك , أرجو ألا نكون قد أزعجناك أذا طلبنا منك الترجمة".
" بالطبع لا , هل تعتقدين أنها ستكون فكرة طيبة أذا حضرت في الصباح , فقد يحتاج البحار ألى شيء بعد العملية فأتولى الترجمة له".