وعقد والد جولي حاجبيه وسألها وهو يتجه معها ألى باب المنزل:
" من هذا؟".
وردت جولي وهي تكذب بشيء من الحرج :
" أحد الزملاء من المتجر أوصلني ألى المنزل , هل قضيت يوما حسنا يا حبيبي؟".
ولم يشك والدتها فيما قالته.
غير أن جولي كانت تدرك تماما ما أوشك أن يحدث , ألا أنها لم تعرف الآن كيف كان مانويل سيعاقبها , كان كل ما تعرفه أن غضبه فاق غضب أي رجل آخر ألتقت به , ولسبب ما حزنت لذلك حزنا شديدا , ولم يعد يهمها الآن ما ردت على أبيها بالصدق أو بالكذب , كان كل ما يهمها أن مانويل يكرهها وأنه كاد أن يعاقبها لولا حضور أبيها في الوقت المناسب.
وبعد العشاء غسلت شعرها بينما أستعد والدها للخروج مع والدتها لزيارة أصدقائهما , وكان بول سيمر عليها وكانت تعرف بماذا سترد عليه بشأن أقتراحه بزواجهما المبكر , وتمنت من كل قلبها أن تجيبه ألى طلبه , وأعتقدت أنها لو لبست خاتم خطوبتها فأن ذلك سوف يحميها من أنتقام مانويل.
غير أن الحظ لم يحالفها أذ أحضر بول أخته الصغيرة أليسون , وهكذا لم تجد جولي فرصة للحديث مع بول على أنفراد , كانت أليسون في الثامنة عشرة من عمرها غير أنها بدت أصغر من سنها , فهي لا تزال تذهب ألى المدرسة وتتطلع لدخول الجامعة بعد عطلة الصيف , كانت طفلة ذكية تعبد الموسيقى الشعبية وهي متعتها الوحيدة , ولذلك قضوا المساء يستمعون ألى الأسطوانات وقد هال جولي أستمتعهم ألى عدد كبير من مجموعة أبيها من أسطوانات مانويل كورتيز , فمنذ أن تعرفت على مانويل تعمدت عدم الأستماع ألى أسطواناته , أذ أن صوته يفرض وجوده حتى وهو غائب , وكانت الموسيقى تارة من موسيقى الغجر العاصفة , وتارة حزينة ثرية بالنغم , وقد أضفى الغيتار جوا سحريا على الغرفة.
وأحست جولي بالهلع , وفكرت , يا ألهي , لم ألتقيت به ؟ لماذا أنا بالذات , وبعد فترة ذهبت لتعد القهوة وبعض الشطائر هاربة من الغرفة التي بدت أشبه بزنزانة وتبعها بول تاركا أليسون تختار الأسطوانات.
منتديات ليلاس
وأمسك بها في الممر الضيق بين غرفة الجلوس والمطبخ , وأسندها ألى الحائط ثم عانقها بحنان , وتحت تأثير الموسيقى تصورت لبرهة أنه مانويل الذي يعانقها , ةتحرّك فمها بقلق فأثارت حواسه , وصاح بول وهو يزيحها بعيدا عنه ويكاد لا يصدق أستجابتها له.
" جولي!".
وشدّت جولي قامتها وكأن ماء باردا قد ألقي عليها ...لم يكن هذا ما يتوقعه بول منها , وقد هاله ما أقدمت عليه.
أخذت جولي تخاطب نفسها قائلة :
" يا ألهي هل أظل دائما تحت تأثير مانويل حتى عندما أكون مع بول؟".
أما بول فرمقها بنظرة غريبة وسألها بصوت بارد:
" من الذي علّمك أن تعانقي رجلا بهذه الطريقة؟".
وأحمر وجه جولي وردّت بأرتباك :
" يا لك من أحمق يا بول , كنت نصف نائمة , ثم أنني تأثرت بالموسيقى , أتركني لأذهب وأعد القهوة".
وتركها بول , غير أنها أدركت أنه لم يقتنع بتفسيرها , أن هذا الحدث أذا أقترن بالملاحظات التي أبدتها منذ بضعة أسابيع لا بد سيجعل بول يدرك أن ثمة شيئا خطيرا يقلق جولي , وتنهدت بعمق بينما هزّ بول كتفيه وأتجه ألى غرفة الجلوس لينضم ألى أليسون.
أمسكت جولي بالأأبريق وملأته بطريقة آلية , ثم أخرجت من الخزانة فناجين وفتحت وعاء القهوة ووضعت ملعقة منها في كل فنجان ثم مرت بيدها على عينيها , شاعرة بأعياء شديد ,كانت تشعر بثقل وراء عينيها بسبب الليالي المضطربة التي تقضيها وقالت لنفسها بصوت خافت : كم يتعذب القلب حين يحب.
كان اليوم التالي يوم السبت وظلت ترجف طوال الصباح خوفا من مجيء مانويل ألى المتجر ليؤنبها , غير أنه لم يفعل ذلك , وأغلق المتجر أبوابه عند الظهر , فأسترخت حينئذ ولم تقاوم دونا ومارلين الرغبة في سؤالها عن مقابلتها لمانويل في الليلة السابقة , ألا أنها كذبت عليهما وقالت أن لقاءهما كان مجرد صدفة , وبدا عليهما عدم الأقتناع بما قالته ولكنهما لم تستطيعا أرغامها على أن تقول أي شيء آخر وقالت دونا :
" على فكرة ,هل قرأت في الصحف أنه قد أحضر أبنته معه في هذه المرة , لم أكن أعرف أن له أبنة ! ثم أنها في السابعة عشرة من عمرها".
وسألت جولي بصوت خافت:
" أين قرأت ذلك؟".
" في الصحف كما قلت , في كل حال , شاهدنا بالتلفزيون فتاة رائعة الجمال ترتدي معطفا من الفراء وتبدو وكأنها في الخامسة والعشرين , رائع أن يصطحبها مانويل كورتيز أينما ذهب".
وقالت مارلين وهي تضحك:
" أنني لا أتمنى أن أكون أبنته !".
وقهقهت دونا أيضا فأتجهت الأنظار بعيدا عن جولي التي شجب وجهها وحدّثت نفسها قائلة ( أبنته ), لا عجب أنه غضب منها لأنها قفزت ألى النتائج!
وعادت جولي ألى منزلها ظهرا , وقد أحست بأعياء شديدا جسديا وذهنيا على السواء , كما أحست بالكآبة , وفزعت أمها لوجهها الشاحب وعينيها المتعبتين , فصاحت بها:
" جولي! ما بك! هل أنت مريضة؟".
وأخرجت جولي ذراعيها من المعطف بعناء وقالت وهي تصعد السلم المؤدي ألى الطابق العلوي :
" أعتقد أنني أصبت بالبرد , هل يضايقك أن أذهب ألى السرير , فلا أرغب في تناول الغداء".
" بالطبع لا يا حبيبتي ,سوف أصعد أليك بعد قليل وأحضر لك زجاجة ماء ساخن لتضعيها ألى جانبك , أديري البطانية الكهربائية قبل أن تختفي ملابسك".
كانت جولي مريضة فعلا وأتضح أثناء النهار التالي أنها تعاني من الأنفلونزا , ولم يكن تعبها مجرد فعل لملاحظات دونا عن مانويل كورتيز مع أنه لا علاقة له بالأمر.