وأحست بأصابع تمسك بذراعها , وبأظافر حادة تلمسها , وأنتفضت لأنها كانت مستغرقة في خيالها.
وألتفتت وراءها فرأت دولوريس أريفيرا , وقد لمعت عيناها بالحقد وقالت ساخرة:
" حسنا , حسنا , يا آنسة , من توقعت , مانويل؟".
وهزّت جولي رأسها , ولكنها لم تستطع أن تشيح بوجهها بعيدا عن عيني دولوريس , شعرت أنها أشبه بأرنب خدّرته أفعى.
وأبتسمت دولوريس أبتسامة با هتة وقالت:
" مسكينة أنت يا آنسة كيندي , فلا يمكنك أخفاء شعورط , فأنت كتاب مفتوح بالنسبة لي , هل تعرفين أنني أدرك ما بقلبك وأنك تتشوقين ألى مانويل , أليس كذلك؟".
وأمتقع وجه جولي وقالت بصوت خافت حتى لا تلفت الأنظار أليهما :
" أتركي ذراعي من فضلك".
" لم أتركه ؟ لو فعلت ستسرعين ألى السيد فيليب الرجل الشهم , وتطلبين منه أن يصطحبك ألى المنزل لشعورط بالتعب , أليس هذا صحيحا؟".
منتديات ليلاس
وحاولت جولي التخلص من قبضة دولوريس , غير أن الأصابع التي أمسكت بذراعها كانت صلبة كالفولاذ.
ومرّت دولوريس بطرف لسانها على شفتيها ونظرت حولها حتى تتأكد من أن أحدا لا ينصت وقالت:
" لندخل في الموضوع أذا يا آنسة , دعيني أقدم لك نصيحة لمصلحتك , هل تفهمينني؟".
وأشتد غضب جولي وتمنت أن يعود فيليب لينقذها لأنها أحست أن غضبها شيء عاطفي ,وقد يسيطر عليها , وهي بالطبع لا تستطيع أن ترى أحدا يسخر منها ولن تسمح بذلك , وتوسلت قائلة:
" أرجوك , ليس هناك كلام بيننا , ولا أريد أن أسمع شيئا عن العلاقة بينك وبين مانويل , فأنا أعرف كل شيء ".
وضحكت دولوريس وقالت:
" أعرف أنك تتوقين ألى تحسين علاقتك بمانويل برغم نشأتك البرجوازية الحقيرة ,وهذا واضح لبيلار ولي ولمانويل , تعقبته من لندن أملا في أن يغير رأيه , أخبرني في لندن أن العلاقة بينكما قد أنتهت , ولكنك تواصلين مطاردته , أليس عندك كبرياء يا آنسة؟".
وشحب وجه جولي وأتسعت عيناها ولمعتا بالدموع وقالت:
" هل قال لكذلك؟".
" بالطبع يا عزيزتي , فهو يبوح لي بكل شيء ,كل شيء".
وأستطاعت جولي أخيرا التخلص من دولوريس أريفيرا , ووضعت يدها على عنقها أذ شعرت بالغثيان , وعجبت لحماقتها حين تصورت أن مانويل رجل محترم.
وكانت قد تمالكت أعصابها عندما عاد فيليب , ورفضت أن تؤكد أتهامات دولوريس أريفيرا فيما لو طلبت منه أبعادها عن الحفل , فأخذت الكأس وحاولت أن تبدو طبيعية.
وبدا السرور على وجه فيليب وقالت له جولي:
" لم طال غيابك؟ أين كنت؟".
وأبتسم فيليب أبتسامة عريضة وقال:
" كنت أتحدث مع مانويل".
ولم يلحظ وجه جولي الشاحب وأستطرد قائلا:
" لم أره منذ يومين , وقد أخبرني الآن أن تيريزا ستعود غدا ألى المستشفى ".
ونسيت جولي مشكلاتها وصاحت:
" رائع! شيء رائع!".
" نعم , أليس كذلك؟".
" ولكن كيف حدث ذلك؟ ....... أعني ........هل نشر والد تيريزا القصة في الصحف؟".
وضحك فيليب وقال:
" كلا , لم يفعل شيئا من هذا القبيل , فقد عومل والد تيريزا كما يعامل هو الآخرين".
" ماذا حدث بالضبط؟".
" كلّف مانويل مخبرا خاصا بالتحري عن جويليو رينالدي ,وهذا أسم والد تيريزا , ولم تكن مثل هذه الفكرة لتخطر على بالي , وكشفت المعلومات التي تم الحصول عليها عن علاقة رينالدي بشخص مشبوه أبعد عن البلاد وتراجع رينالدي عند مواجهته بهذه الوقائع , أذ أنه لا يرغب في أبعاده هو أيضا , وهكذا تم التوصل ألى أتفاق عن طريق أبتزاز معنوي صغير".
" هل رأيت تيريزا؟".
" لا, ولكن مانويل قابلها ويقول أنها في صحة جيدة , وأعتقد أننا نستطيع أجراء العملية في غضون أيام".
ولم تنسى جولي كلمات المرأة الأسبانية دولوريس أريفيرا , ولا مضمونها فيبدو أن لمانويل شخصيتين , شخصية الرجل السخي الذي يراعي الآخرين , وشخصية الرجل القاسي الذي أحبّه ودمّر حياتها.
ولم تلمس جولي الأكل , فقط تمنت أن تنتهي السهرة حتى تعود ألى المنزل وتنسى ما حدث , وبعد العشاء طلب المدعوون من مانويل الغناء , فعزف على الغيتار بينما صاحبه على الفلوت والطلبة أثنان من المدعوين , كما عزف قطعة من موسيقى الفلامنكو ,وأخيرا غنى أغنية جديدة بروعة.
وحملقت جولي في وجهه وهو يغني ويقول:
" أبقي معي
فأنني أتوق ألى لمسك.
وأنا أحبك كثيرا.
ولا يوجد شيء لن أعطيه أذا قلت أنك ستعيشين معي.
أبقي معي.
يا حبيبتي ,فأنت وحدك تخلقين كل أمل لي في الحياة , وأذ ا أفترقنا
فلن أكسب أبدا , أعطني الحب وقولي مرة ثانية أنك سوف تبقين معي دائما ".
وألتقت عينا مانويل بعيني جولي عبر الغرفة فوق رؤوس المدعوين الذين أخذوا يصفقوا له بحماس.
وأدارت جولي وجهها , وتعثرت قدماها وهي تتجه عبر المؤدي ألى البحيرة , حيث وجدت طريقا ضيقا للمارة , فسلكته فأنتهى بها ألى كشك لمعت قبته التي كانت على هيئة مئذنة , في نور القمر .ونظرت ألى دال الكشك فرأت الأرائك التي أمتدت بطول الغرفة كما شاهدت أيضا طاولة منخفضة وضعت فوقها مجلدات الموسيقى , وجلست جولي على الأريكة وتصفّحت بعض الأوراق , ثم مالت ألى الخلف أذ أحسّت بالأعياء وساد الغرفة جو هادىء , فأسترخت وغلبها النعاس ثم سمعت وقع أقدام بالخارج , وفوجئت ببيلار تقول:
" أنت هنا أذن , أنني أبحث عنك".
" تبحثين عني ؟ لماذا؟".
" أريد أن أتحدث أليك".
" حسنا ؟ ماذا تريدين ؟".