مدّ برانت يده راميا الرسالة الى مكتب فانيسا , وقال :
" هل هذه فكرتك؟".
نظرت اليه من دون أن تفهم وتناولت الرسالة وراحت تقرأ حتى النهاية بأمضاء : المعلمة جانيت بيرسون.
وشعرت بأنهيار نفسي , الرسالة كانت مختصرة ولكن دقيقة جدا وواضحة , أعربت عن قرف وخيبة أمل لضياع الوقت الكامل في تنظيم الزيارة لتلميذاتها الى رالينغز و تقول أنها سألت التلميذات أن يكتبن ما شاهدن , وها هي نسخة مرفقة عما كتبته أحداهن , ولما قرأت فانيسا ما كتبته الفتاة , وجدت نكات جيرارد عن التحف في كل سطر , سأل برانت:
" ما هذا؟".
نظرت اليه بشجاعة وقالت:
" الوقائع صحيحة , جيرارد كان يتصرف بفكاهة ,ولا أظن أن ثمة ضررا لأحد".
أنتفخت عضلات وجهه وعنقه وقال:
" وماذا كان يعمل جيرارد في ذلك اليوم؟ هل نظمت البرنامج معه مسبقا؟".
" نعم".
قالت كاذبة بغضب ومن دون أكتراث.
" طبعا نظمنا ذلك مسبقا".
وسعت عيناه للمفاجأة وقال:
" أنا لست في موضع للسخرية , ربما تجدين الأمر كله مسلياولكن أؤكد لك أنني لا أراه أطلاقا , أنا فخور بتراث عائلة مالوري , هل تظنين أنني سأعامل هذه السخافة بخفة؟".
" كلا , لا أظن ذلك , لا أظن أنك تواجه أي شيء يعمله جيرارد بخفة , أنت تبحث عن جرم تلبسه أياه أنتقاما لوالده الذي أساء معاملة عمتك؟".
كانت تتكلم بغضب ومن دون أكتراث لردود فعله ,عاطفتها المكبوتة طيلة الأسبوع أنفجرت في أتجاه آخر , تابعت تقول:
" لم تعط جيرارد فرصة ولا مرة ليثبت حسناته , أنت قررت منذ البداية أنه لا لا ينفع , وأنت لا يمكن أن تكون على خطأ أبدا! أليس كذلك؟ كم أنت قاض واهم , أنك عادل!".
فجأة شعرت ببرانت قربها يأخذها بين ذراعيه ويعانقها في شدة ويتركها كالبلهاء ويغادر الغرفة.منتديات ليلاس
مر بعض الوقت وفانيسا كالمشدوهة , أخيرا تحركت من الغرفة وسارت ببطء في القاعة الكبرى من دون أن تصادف أحدا , وفي غرفة نومها شعرت أنها في أمان , تحاول أن تستفيق من مفاجأة برانت لها , تحركت نحو الخزانة وسحبت حقيبة الثياب وراحت تملأها بالثياب وبأغراضها الخاصة , قررت أنها لن تستطيع أن تواجه برانت بعد اليوم , هي سببت له فقدان أعصابه وهو لن يسامحا مطلقا.
فكرت أن قطارا في الخامسة يغادر المدينة نحو لندن , المهم أن تغادر القرية الى المدينة في أقصى سرعة , لا بد أن نيفيل سيستقبلها الى أن تجد مكانا خاصا بها.
أغلقت الحقيبة , تناولت معطفها في الخزانة وأرتدته , ساعتها تشير الى الرابعة وخمس دقائق , نظرت الى غرفتها للمرة الأخيرة , وسارت عبر الممرات.
باب غرفة المكتبة مقفل والقاعة صامتة ,لم تر أحدا في طريقها الى الطبقة الأرضية , دفعت الباب الكبير ليغلق خلفها وسارت من دون أن تلتفت الى الوراء , مرة واحدة ألتفتت وهي في آخر منحنى , رأت القصر شاهقا والسماء الملبدة فوقه , مثلما رأته ول مرة , ألا أنها لن تراه بعد اليوم.
كانت بدأت تمطر قليلا عندما وصل الأوتوبيس الى الموقف حيث كانت تنتظر , ركبته وجلست في مقعد أمامي.
" هذه تذكرتك يا آنسة".
قال المعاون ببشاشة , ثم أضاف:
" الطقس أصبح سيئا أليس كذلك؟ أظن أن السماء ستمطر من الآن حتى عيد الميلاد".
حدقت فيه فانيسا بكآبة وتساءلت أين تراها تكون في الميلاد؟ ألتفتت الى الجهة الأخرى لترى نظرات أمرأة تحدق فيها بفضول.
" أنت السكرتيرة الجديدة في القصر الكبير".
قالت النرأة من دون تحفظ وسألت :
" هل أنت في أجازة لبضعة أيام؟".
تردّدت فانيسا ثم هزت رأسها بالأيجاب , تمنت أن تكتفي جارتها بهذا القدر من الكلام , ولكن أملها تضاءل عندما قامت المرأة وجلست في المقعد الى جانبها.
" أنا صديقة للسيدة روجرز , هي قالت لي هذا الصباح أنك ملائمة جدا للعمل في القصر , أن أفراد عائلة مالوري أطوارهم غريبة أليس كذلك؟".
ردت فانيسا بقسوة:
"طلا , ليسوا كذلك".
ووسط ذهولها وجدت الدمع ينساب من عينيها , أستدارت نحو النافذة وأغمضت عينيها بشدة.
"حسنا ".
قالت جارتها وأنسحبت من جانب فانيسا لتعود الى مقعدها السابق مع شعور بالأنهزام.
غرفة الأنتظار في محطة المدينة كانت باردة ورطبة , جلست فانيسا على طرف أحد المقاعد البعيد جدا عن الباب الرئيسي , وتمنت أن يكون قاطع التذاكر على خطأ عندما أخبرها أن ثمة ساعة تأخير , لم تكن ترغب في وقت يجعلها تفكر في تصرفها , كانت تريد فقط أن تصبح داخل القطار وتذهب خارج المنطقة , ربما تقبل عرض نيفيل بالعمل معه في الدكان وربما لا , لم تكن تعرف بعد ماذا ترغب أن تفعل.
ومن دون قصد وجدت نفسها تفكر في ما يمكن أن يكون برانت يفعل في هذه اللحظة غيابها لا يمكن أن يكتشف حتى موعد العشاء , هل يكون نادما على غيابها ؟ أم يهز كتفيه ويلغيها من وجوده مع كامل الشهر الذي مر؟
لاحظت حركة على ممر الباب , وأذ بالشخص الذي يستحوذ على تفكيرها يدلف الى قاعة المحطة:
" أعطني حقيبتك وتعالي معي".
قال برانت جازما.
" كلا".
أعترضت بشدة .
تناول الحقيبة وذراعها وشدها لتقف على قدميها .
" لا تحاربيني يا فانيسا , أذا أقتضى الأمر سأحملك خارجا الى السيارة".
كانت تعلم أنه قادر على تنفيذ تهديده , ففضلت أن تمشي مرفوعة الرأس أمام ناس المحطة , على أن تبلغه في وقت لاحق أصرارها على الرحيل.
وضع حقيبتها في المقعد الخلفي في سيارته السوداء الكبيرة وأجلسها في المقعد الأمامي وجلس هو خلف المقود وأنطلق في صمت في أتجاه القرية , في منتصف الطريق أستدار في طريق فرعية وتوقف الى جانب منحنى مهجور وقال:
" هنا لن يزعجنا أحد".
أطفأ المحرك , أدار رأسه نحوها ثم شد وجهها نحوه لتنظر اليه , وقال:
" فانيسا , قبل أي شيء آخر يجب أن أقولك أنني أحبك وأريدك أن تتزوجيني ".
فوجئت فانيسا ووجدت نفسها جامدة لا تقوى على الرد , حدقت فيه ثم تمتمت:
" لا أظن أنك تقصد ما تقول".
وأضافت :
" ولكن ماذا عن مويا؟".
فقال:
" أذن أنت متوهمة جدا ........يا حبيبتي , أختلطت عليك الأمور , أنا أعرف مويا منذ كانت في الرابعة من عمرها , أشعر نحوها بما يشعر أي أخ نحو شقيقته الصغرى المهضومة ,وليس أكثر من ذلك".
وأذ بفانيسا تتنفس في عمق وتشعر أنها أصبحت في الأطار الصحيح , وقالت:
" لا بد أنني قفزت الى كل الأستنتاجات الخاطئة".
أجابها:
" لا شيء يهم الآن غير معرفتي بأن مويا كانت على صواب عندما أكتشفت رحيلك , فانيسا ,هل صحيح أنك هربت لأنك تحبينني؟".
" نعم".
قالت بصوت خافت وصادق.
مدّ يده نحو وجهها ناظرا البريق في عينيها , معانقا أياها في الشكل الذي طالما حلمت فيه , ثم قال:
" شعرت أنني أحبك منذ ذلك اللقاء الأول في ذلك الفندق عندما قلت لي بغضب أنني عدو للمرأة , أردت طيلة الوقت أن أثبت لك يوما بعد يوم أنك مخطئة لكنك كنت دائما تضعين حدودا بيننا , في تلك الليلة التي حملتك فيها الى الطبقة الثانية كنت مشدودة مثل شريط قوس وأعتقدت في تلك اللحظة أنك لا تطيقين لمسي أياك".
أجابته بنعومة:
" أن توقس الى أن تحملني في الشكل الذب فعلت جعلني أخاف من أن تكتشف حقيقة شعوري نحوك".
" وهل ذلك كان السبب الذي حدا بك أن تجعليني أصدق أنك مغرمة بجيرارد؟".
" آه , بشأن جيرارد , أريد أن أقول لك.......".
" أذا كنت ستهميني في أنني غير عادل , ربما أوافق معك في الوضع الحالي ولكن ليش عندي أي نية في مناقشة أبن عمتي في هذه اللحظة , وأذا كنت مشغولة الفكر على مويا أنسي الأمر , أن مويا تعرف تماما ماذا تريد وماذا تفعل على الرغم من أنني لا أهنئها على أختيارها".
" هل كنت تعلم كل ذلك الوقت ؟".
" قبل قليل من سفرها الى النمسا , لم أقل شيئا لكليهما مخافة ان تكون أية محاولة في التفريق بينهما تزيد من جاذبيته لها".
كانت تبتسم في رقة , أحاط وجهها في يديه وسألها:
ط فانيسا , أنت متأكدة من حبك لي؟ أذ عندما ترتبطين بي لا مجال للعودة عن القرار , لن أدعك ترحلين طالما أنا حي".
ردت في رقة وأصرار:
ط أنا لست متأكدة من شيء في حياتي مثل تأكدي من حبي لك يا برانت ".
عانقها في حنان , ثم قال:
" لنعد الى البيت الآن ".
أدار المحرك وأنطلق بالسيارة من جديد , أمام القصر وقفت فانيسا للحظات تتأمله وتقول:
" كم أحب هذا البيت".
شعرت بذراعيه تحيط كتفيها وأذ به يقول:
" فانيسا , أنني أنا الذي تريدين أليس كذلك ؟ ليس فقط رالينغز؟".
لبرهة شعرت بقوة المحبوبة وتساءلت :
" القصر أم الرجل؟".
ألقت برأسها على كتفه وقالت:
" ولكن الرجل يحيا ويحبني فهل تجوز المقارنة ؟".
حملها بين ذراعيه وقفز بها السلالم , أعترضت ضاحكة وهي تقول :
" برانت لا يمكن أن تحملني هكذا , ماذا سيقول الخدم؟".
توقف قليلا ,نظر اليها وقال:
" سيقولون أن آخر عنقود عائلة مالوري أصطاد أجمل عروس ! أهلا بك في بيتك , فانيسا".
تمت