كاتب الموضوع :
amedo_dolaviga
المنتدى :
روايات أونلاين و مقالات الكتاب
لم تستطع القهوة أن تمنعني من النوم (رسوم فواز)
قالت لي لمياء ضاغطة على أسنانها:
- "اسمع.. أنا أعرف بالضبط ما سيحدث.. أنت تحاول دفعي دفعاً لأسقط من فوق ذلك الإفريز.. في الصباح سوف يعلّقون ورقة في الكلية تنعي الزميلة الفاضلة "لمياء البهي" التي ماتت أثناء نومها.. أنا لا أنوي ذلك.. يجب أن تتصرف..".
قلت لها في صدق:
- "ما أريد قوله وبقلب سليم، هو أنني لا أريد ذلك مطلقاً.. إن كان هناك كيان قد تحرر مني أثناء الحلم؛ فأنا لا أعرف شيئاً عنه".
- "لن تعزيني هذه التفسيرات.. منذ شهر وأنت كابوس حي ماثل أمامي ولا أعرف كيف أتخلص منه".
ثم ابتعدت غاضبة..
هكذا عدت إلى البيت.. كنت أعرف أنني على الأرجح سأفعلها هذه الليلة.. أنت تعرف ذروة الفيلم عندما تقترب وتدرك أن النهاية قريبة.. "لمياء" ستموت الليلة لو حلمت.
وضع غريب هو أن يعرف طرفان أن أحدهما سيقتل الآخر الليلة، وكلاهما لا يعرف ما يمكن عمله.
جلست في البيت ورحت أشرب جالونات من القهوة.. لن أنام.. لن أنام.. جلبت كتب الكلية وقررت أن أمُرّ على جميع المقررات.. سوف أنام صباحاً عندما لا تكون هي نائمة.. أعتقد أن هذا أفضل الحلول الممكنة.
في الثالثة بعد منتصف الليل لم تستطع القهوة أن تفعل أكثر، وسقط رأسي على الكتاب وشعرت بنشوة عظيمة..
كانت هناك على الإفريز وهي تمشي خطوة جانبية تلو أخرى.. تقول لي وهي تصرخ لأن الريح تبدد صوتها:
- "كُفّ عن هذا!.. قلت لك كف عن هذا..!!"
لكني أواصل التقدم، ومن الغريب أنني أمشي بسلاسة عجيبة، ولا يوجد أي خطر من فقدان التوازن ولا خوف من المرتفعات.
ما هذا؟.. إنني أفك حزامي وأطوح به نحوها.. حزام غريب جداً يستطيل ليبلغها فلا يمكن أن يقل طوله عن خمسة أمتار.. تصرخ ويلسع الحزام وجهها؛ لكنها تتماسك..
هنا صحوت لأجد رأسي على الكتاب وقد بللته باللعاب.. حدث ما كنت أخشاه وحلمت!
هكذا ارتديت ثيابي وتسللت خلسة إلى خارج البيت، وقررت أن أمضي الليل في الشوارع.. حي الحسين لا ينام ولسوف يكون بوسعي أن أنتقل من مقهى لآخر.
عندما بدأ الصباح يتثاءب كنت في طريقي للبيت وقد قدّرت أنها على الأرجح ذهبتْ للكلية الآن.. وعليّ كذلك أن أجيب عن أسئلة أبي المذعور الذي لا يفهم أين ذهبت في ساعة كهذه.. لن تكون هناك كلية لي اليوم ولا في أي يوم آخر غالباً.
ما هو الحل؟.. متى ينتهي هذا الكابوس؟.. هناك حل سهل؛ هو أن أعلّق أنشوطة في الحمام وأتدلى منها؛ لكني لن أفرّ من الكوابيس لألجأ للانتحار.. ليس أنا، ثم من أدراني أن ذلك الكيان لن يتحرر بعد موتي ويدخل عالمها؟
على كل حال سوف أظفر الآن بساعات طويلة من النوم، ولسوف يكون بوسعي قضاء ليلة أخرى متيقظاً..
سأناااام..
كانت لمياء تركض وسط الثلوج وكان هو يركض خلفها (رسوم فواز)
الجزء التالي: من مذكرات "لمياء البهي":
لم أنَمْ ليلة أمس.. قضيت الليل كله أجرع القهوة مصممة على ألا أنام فأقابل هذا الفتى ثانية، وهكذا -في الثامنة صباحاً- تناولت وجبة إفطار دسمة، ثم دخلت إلى الفراش.. كان أول شيء رأيته هو أنه ينتظرني على إفريز النافذة!
كنت أشعر بحقد شديد نحوه.. إذن هو ينام في ذات الوقت وفكّر في ذات الفكرة؟
في اللحظة التالية كنت أركض وسط الثلوج.. متاهة حقيقية تذكّرني بالتي رأيتها في فيلم "تألق" لـ"ستانلي كوبريك".. لا يمكنك الخروج ما لم ترَ المشهد من منظور "عين الطائر".. لا أعرف كيف انتقلت هناك؛ لكنه كان يركض خلفي والبخار يخرج من فمه ولا يكفّ عن اللهاث.. يحمل منشاراً ترددياً مثل أبطال أفلام الرعب الذين أعرفهم.. سوف يشطرني إلى نصفين..
لن يفتك بي هذا المجنون.. لن ألحق بمن هلكوا من قبل..
ركضت كثيراً، ثم تواريت وراء جدار ثلجي.. خطر ببالي أن أضلّله.. انتظرت قليلاً فوجدت أنه لم يلحق بي.. هكذا اتبعت التقنية التي رأيتها في فيلم "تألق".. مشيت على خطوات أقدامي المحفورة في الثلج بالعكس.. ثم وثبت بين جدارين وتواريت..
سمعت أنفاسه اللاهثة وهو يركض.. ثم يغيّر اتجاهه.. لقد التقط الطُّعم.
إن للنساء حاسة اتجاه ممتازة.. هكذا استطعت أن أجد طريقي إلى خارج المتاهة، ووقفت ألهث وأنا أرمق الجدران الثلجية، والبخار المتصاعد من فمي ليتكاثف على أطراف شعري..
يبدو أنه ضلّ طريقه..
نمت حتى المساء ولم أره في أحلامي ثانية..
في اليوم التالي ذهبت للكلية؛ فلم أره..
كانت هناك حركة أكثر من اللازم ووجوه واجمة.. سألت عما حدث؛ فعرفت أن زميلنا "أشرف" ذلك الشاب الخجول المنطوي في حالة غيبوبة.. لم يمُت؛ لكنه في غيبوبة لا يمكن أن يُفيق منها.. إنه في المستشفى والأطباء في حالة حيرة.. ثمة إشاعة عن أن هناك وباء التهاب مخّي في كلّيتنا.. هذا هو التفسير الوحيد لكل هذا الذي يدور مؤخراً.. ثمّة لجنة من وزارة الصحة قادمة.
- "أنت لست قلقة؟"
وكيف أكون قلقة وأنا أعرف التفسير الوحيد لما حدث.. لقد ضاع "أشرف" في أحلامي.. ضاع للأبد، ولن يعود ثانية.. إنه في تلك المتاهة يصرخ ويحاول الخروج بلا جدوى.
لا أعرف إن كنت قد ظلمته أم لا.. لكني لا أُنكر أنني سعيدة بالخلاص منه.. لا أُنكر أنه كان خطراً على الآخرين.. وللمرة الأولى منذ شهر سأنام غير خائفة.. فقط أخشى ذلك الاحتمال الضعيف أن يتحرر.. وعندئذ... لكن لا أعتقد أنه سيفعل ذلك.
تصبحون على خير.
تمت
|