جالت بنظرها عليها , وتوقفت عند كاحلها المفوف بضمادة فقلبت شفتيها بتردد:
- التنظيف بحاجة الى مجهود جسدي , واتمنى ان تكوني قوية بما يكفي لتتمكني من تحمله .
قالت لها لاين بلا اهتمام :
- انه مجرد التواء بسيط , وسأصبح بألف خير نهار الاثنين .
تنفست السيدة موس بصوت مسموع :
- اذا اتوقع وصولك عند الـ7.30 صباحا , كما انني اشدد على الدقة في المواعيد .
فكرت لاين وهي تغادر مكتب سيتي كلين ان ماتبقى من النهار سيمتد بشكل الى ما لا نهاية امامها , وان لارغبة لديها في العودة والبقاء وحيدة في الشقة .
لاتريد ان تكون على بعد خطوات من غرفة النوم الفارغة . ولا تريد ان تبدأ بالتفكير بدانيال من جديد , متسائلة اين يمضي ليلة البارحة ومع من .
مع انها تعلم ان ذلك امر محتم, اينما كانت او مهما حاولت ان تتجنب التفكير بذلك . تلك الاسئلة التي تعذبها الآن عذبتها لمدة سنتين , ولطالما شعرت بالبؤس المطلق لأنها لم تتمكن من التخلص منها .
اتراها ستتمكن من النسيان لو ذهبت للسير قليلا في شوارع لندن ؟
لم ترغب يوما في العيش في المدينة , لكن بعد انتهاء زواجها اصبحت خياراتها محدودة , لاسيما بعد ان خسرت عائلتها آيوتسبروك, ولم تعد تستطيع العودة اليها . لقد تغيرت حياتها كلها منذ تلك اللحظة وما زالت .
وهكذا , ما ان قررت عائلة بيومنت ان تتخلى عن شقة مانيون بلايس بدا لها ان الخيار الوحيد الواضح امامها هو ان تنتقل للعيش فيها مع جيمي , لا سيما عندما عرض عليها العمل كمساعدة في معرض حديث للفنوان في وست اند . ب
اما الشخص الذي امن لها هذا العمل فهو والد سيليا , فهو يملك اسهما في المعرض . في ظاهر الامر بات لديها كل ما يمكن ان تطلبه , كما كانت تذكر نفسها بشكل دائم وممل ,منتديات ليلاس
في حين حاولت ان تتظاهر ان ليس هناك ثقب اسود كبير من الوحدة والبؤس في اعماق عالمها الصغير . لكنها لم تعد تستطيع التظاهر بعد الآن.
لا تستطيع ان تقول لنفسها ان دانيال ينتمي الى الماضي في حين انه هنا , تماما في وسط الحاضر , كما انها لا تستطيع ان تهرب من جديد مهما كانت غاضبة وحزينة .
هذه المرة ستبقى لتواجه هذا العذاب وهذا الألم .
عادت الى الشقة في بدايات المساء لتجد ان دانيال سبقها الى هناك . رمى بحقيبة عمله على احد المقاعد , فيما اغلق باب غرفته باحكام .
بعد تردد قصير , سارت عبر الغرفة , وطرقت بابه, لم تسمع اية اجابة لفترة , ثم فتح الباب وواجهها وهو يعقد حزام ردائه الحريري الازرق الداكن حول خصره وقد علا العبوس وجهه . سألها بسخرية :
- هل لديك رادار داخلي يعلمك متى انتهي من الاستحمام ؟
- انا آسفة .
تمنت الا تبدو شديدة الارتباك , شعرت بالغضب لإدراكها انها متوردة الوجه من الاحراج.
- احتاج الى التحدث اليك , لكنني سأفعل ذلك في ما بعد.
قال دانيال بنبرة آمرة :
- قولي ما تريدينه الآن , فأنا سأخرت بعد قليل .
وهل ستبقى غائبا طوال الليل ايضا ؟ تمكنت من الامساك بالسؤال قبل ان تخونها شفتاها وتتفوهان بصوت عال. بدا لها انها ستكون اكثر امانا ان نظرت الى الارض بدلا من النظر اليه .
- في الواقع اريد ان اطلب خدمة منك .
- احقا تريدين ذلك ؟
على الرغم من كل شيء, ادركت انه يتأملها بسخرية , وهو ينظر بازدراء نحو قميصها البيضاء البسيطة وتنورتها السوداء المتحفظة .
اخذت لاين نفسا عميقا , وقالت وهي لاتزال تتجنب النظر الى عينيه :
- دان , من فضلك ... الا تستطيع ...؟ اقصد ... انت لا تجعل الأمر سهلا علي.
ضحك دانيال بقسوة وغضب , وسألها :
- أمن المفترض ان آخذ هذا الامر بعين الاعتبار الآن ؟ هل تعتقدين انه كان من السهل علي ان اذهب الى محامي واقول له انني رفضت من قبل عروسي بعد اقل من اربع وعشرين ساعة من زفافنا ؟
قالت وهي تبتلع غصة بصعوبة :
- لا... لااعتقد ذلك . انا ادرك بالطبع انه لايحق لي ان اطلب اية مساعدة منك لذا اعتذر .
ما ان استدارت مبتعدة حتى قال :
- انتظري! ما الذي تريدينه ؟
رفعت ذقنها عاليا , وقالت :
- وجدت عملا اليوم , لكنه يتطلب التواجد في منازل اشخاص متغيبين عن منازلهم , لذلك انا بحاجة الى من يعرف عني او يضمن طريقة تصرفي .
سألها وقد ظهر العبوس على وجهه :
- أي نوع من الاعمال هذا ؟
اجابت وهي تضم ذراعيها الى صدرها :
- انها شركة تدعى سيتي كلين , وهي تؤمن خدمات لتنظيف مبان فيها شقق خاصة .
قال بنعومة:
- يا الهي ! لقد دار الدولاب دورة كاملة .
انها ردة الفعل التي توقعتها لذا تقبلت لاين تعليقه من دون أي اجفال .منتديات ليلاس
اوضحت قائلة :
- هذه المرة سوف أؤمن معيشتي على الاقل , لكنني بحاجة الى توصية ... بل توصيتين , لكن فيونا صاحبة المعرض الذي كنت اعمل فيه ستؤمن التوصية الثانية . اعتقد انها شعرت بالامتنان لأنني لم اذهب الى هناك لاستعادة عملي القديم .
ادركت لاين انها تثرثر فتوقفت على الفور وقالت :
- اذا , هل يمكنك القيام بذلك ؟
سألها دان بنعومة :
- وماذا يفترض بي ان اقول ؟ ان اقسم انك جديرة بالثقة بشكل مطلق , وانك تؤمنين الرضى الكامل بكل الاوقات ؟ الا اكون بذلك كمن يقدم شهادة كاذبة عزيزتي ؟
شعرت لاين بالأم يعتصرها وكانها اصيبت بضربة قاضية , لكنها اجبرت نفسها على البقاء صامدة قوية , والتحدث بصوت ثابت وحازم , مع ان وجهها تورد من الخجل من جديد بسبب سخريته .
- اعتقد ان الاهتمام الرئيسي للشركة هو السرقة , لذا يمكنك القول انني لم اسرق منك شيئا ابدا . ربما يمكنك ببساطة ان تذكر ذلك , وان تعطي افادتك بعض الايجابية ... ربما ؟
- ربما ! للحظة تساءلت ان كنت تتوقعين مني ان اقوم من جديد بدور الفارس النبيل صاحب الدرع الذهبية , واقدم على انقاذك .
توقف عن الكلام للحظة ثم اضاف :
- لكنني مازلت قادرا على التصرف بشهامة , لذا اتركي عنوان شركة التنظيف في مكان استطيع ان اراه فيه , وسأطلب من سكرتيرتي ان تكتب لهم .
عضت على شفتها وقالت :
- انا ممتنه لك .
- شكرا على تأكيدك , لكنني اعرف مسبقا الحدود التي تظهرينها لامتنانك , بما فيها عواطفك الدفينة , لذا لتكن الخدمة الأولى والاخيرة , هل نستطيع ذلك ياعزيزتي ؟
تراجع دانيال الى داخل غرفته واغلق الباب , تاركا اياها واقفة في الخارج تحدق بألواح الزجاج المغلقة . لكن ما ان عادت ببطء الى غرفتها حتى وجدت نفسها تتذكر نبرة الغضب في صوته .
ادركت ان ذلك الغضب ممزوج بشيء اخر من السهل جدا التعرف عليه , شعرت برجفة تسيطر عليها .