(ولم نعد نلقي القمامة)، دقت الساعة تمام السابعة إنه وقت الاستيقاظ و الاستعداد ليوم جديد أعلنت عن تبرمي من خلال ركلي الغطاء بقوة حتى أطحت به كليتاً من علي جسدي المكدود و كالعادة لم ألتفت إلي المنبه فتركته يصدر رنينه الذي لم يعد يزعجني البتة فأنا أعلم أنه سيصمت في نهاية المطاف شاء أم أبي حتى وإن ظل يواصل رنينه حتى تفرغ البطارية وتوجهن إلي المبرد أبحث عن شيء ما يصلح لأن يكون ما يسمي فطوراً و إن كنت أفعل ذلك من باب العادة وكأنه طقس مقدس و اصطدمت يدي بالعديد من العلب الفارغة فتناولت اثنتان لألقي بهما في سلة المهملات ولكن للأسف لم أجد بالسلة مكاناً فارغاً وهكذا وبعد فحص وتمحيص وعملية حسابية معقدة اتخذت القرار الحاسم سألقي
القمامة اليوم في الصندوق الذي يقبع علي ناصية الطريق كأنه العدو اللدود الذي يخرج لي لسانه فيما معناه أين أنت ذاهب مني ستأتي إلي ولو بعد حين وهكذا اعترفت في قرارة نفسي عن انتصاره المبين بينما أنا هو من مني بالهزيمة النكراء ولكني أجلت تنفيذ القرار حتى وقت المغادرة فأمامي الآن العديد من المهام المستحيلة التي لا يصلح لها إلا من فقد الإحساس بالحياة من إعداد للفطور وغسيل الأسنان وحلاقة ذقني و لا أذكر الباقي فأنا أقوم بهذه المهام بتلقائية فهي مهام لا تنتهي وكأنها قدراً محتوما وبالفعل انغمست في القيام بهذه الترهات دون وعي مني كالآلة المبرمجة مسبقاً يا الله أما لهذا الظلم من آخر و الآن حان موعد التوجه للعمل فتناولت المفاتيح وأسرعت بالخروج وعندما أصبحت في منتصف الطريق تذكرت حاوية
القمامة لقد نسيتها بالمرة آه لا ضير من ذلك وما الجديد غداً ألقيها دائماً و أبدا ما يحدث لي هذا وتكرر نفس السيناريو في الغد يا إلهي ساعدني يجب أن أتخذ فرماناً سريعاً من فوري هذا وهكذا وجدتني أتراجع للخلف بخطي متثاقلة لألتقط حاوية
القمامة وتوجهت إلي عدوي اللدود الذي يقبع واثقا من نفسه أقصد صندوق
القمامة الذي أعلن لي عن سخريته مني بأن وجدته خاوياً ليس به أي قمامة و كأنه يقول لي لست مثل سلة مهملاتك الممتلئة دائماً فألقيت بالقمامة بداخله في غيظ وقمت بتوزيعها في قاعه بالكامل و لم أرضي بأن تحتل قمامتي ركناً صغيراً بداخله الذي بدا كالوحش فاتحاً فاه وكأني أسمع ضحكته وهو يقول إلي بالمزيد هل هذا هو كل ما استطعت القيام به يا لك من ضئيل فالتفت لأغادر هذا العدو الذي لا قبل لي به فإذا بعيني قد وقعتا علي ملاك نعم ملاك من أجمل من رأيت في حياتي أميرة من أميرات الأساطير ولعل الأدباء لم يكتبوا عنها أسطورة لأنهم لم يروها أو ربما لأنه لم يعد هناك أدباء في زماننا هذا من الأساس كانت قادمة نحوي لتلقي بدورها قمامتها في الصندوق فتحسرت علي الأيام الخالية التي لم آت فيها لألقي بالقمامة ها هنا وقد ضاعت سرابا دون رؤية هذا الملاك الذي لا ينقصه غير جناحان ليحلق عاليا نحو السماء حيث ظننت أنه لا ينتمي لعالمنا فما كان مني إلا أن حدقت فيها فتبسمت وكأن لسان حالها يقول لست وحدك من يحدق في الجميع يفعل ذلك ثم أفقت من ذهولي علي صوت خطواتها تعلن لي أنها تغادر وعندما عدت من عملي رحت أجمع كل ما لا أريده وربما ما أريده أيضاً لأضعه في سلة المهملات ما هذا إنه مرطبان مربي ممتلئ حتى المنتصف لا حاجة لي به إن السكريات تضر بالصحة وهكذا ألقيته بالسلة ما هذا إنها عبوة حليب آه الحليب مفيد جداً وهكذا شربتها عن آخرها لأفرغ العبوة وعلي هذه الحال ظللت أنتظر الغد بفارغ الصبر أعد الدقائق والثواني وفي الصباح الباكر في تمام الساعة السابعة وسبع وعشرون دقيقة نفس الوقت الذي رأيتها فيه بالأمس كانت تتهادي في مشيتها كغزال رشيق قادمة نحو الصندوق مع العلم أنني كنت أنتظرها منذ السابعة حيث لم أكن أستطيع الانتظار أكثر من ذلك وما أن ر أيتها حتى وجدتني أطير من علي الأرض من شدة السعادة وأكاد أقابلها في منتصف المسافة و أحسست بقلبي يخفق كعصفور صفير بجناحيه بين ضلوعي ووجدتني أبتسم في وجهها وكأنني أقول لها إنها صدفة غير مقصودة ما باليد حيلة إنه القدر فأنا ألقي بالقمامة يوميا في نفس الميعاد بالطبع لم أكن أفعل و إنما كنت أبرر لها في صمت دون كلام ووجدتها تومئ برأسها كأنها تقول لقد وصلت رسالتك وفهمتها فأنا أيضا ألقي بها في نفس الوقت و هكذا أصبحنا نلتقي كل يوم عند صندوق
القمامة الذي لم يعد عدوي اللدود بل صرنا أصدقاء فهو ذو فضل عليا حيث عرفني علي هذا الملاك فكنت أنا من مد يده بالسلام إلي أن جاء اليوم الذي تحادثنا فيه وتبادلنا أرقام الهواتف علي وعد بمحادثة أحدنا الآخر وقد كان وتحادثنا و اتفقنا علي التلاقي في مكان جميل بعيد عن صندوق
القمامة وإن كنت أعتبر ذلك نوعاً من نكران الجميل لهذا الصديق و توطدت العلاقة بيني وبينها ومع الأيام ما هذا يا إلهي لقد نسيت أن ألقي
القمامة في الصندوق لا يهم غدا ألقيها وهكذا حتى أنني لم أعد أهتم بإلقاء
القمامة في الصندوق فقد أصبحنا نتقابل بعيدا عنه مع العلم أنها لم تسألني لماذا لم أعد أراك عند الصندوق هذا وبكل بساطة لأننا نحن الاثنان( لم نعد نلقي
القمامة ) .