1-كنوز في البراري
وصل الى حافة الصحراء وأخذ يتأمل مساحاتها القاحلة , كانت رياحها الدوارة قد أعادت تشكيل التلال الرملية فظهرت كأعمدة مرتفعة لمعابد تاريخية ,وسارت أمواجها بشكل متواز الى ما بعد حدود بصره.
كانت الصحراء بلا نهاية .... ستة وخمسون ألف ميلا مربعا من الرمال الحمراء , الداكنة , المحرقة , كان يعرف هذه الصحراء جيدا .... يعرفها ويحترمها بقلبه وعقله , هنا , بين كثبانها لم يكن شبح الموت يطارده , لأن الصحراء جزء من حياته ومن وطنه.
كانت الحرارة شديدة , وبعد يوم شاق شعر بأنه على وشك الأنهيار , لكن الصحراء برمالها الذهبية بقيت تشده اليها بشكل مغناطيسي , لقد سافر في أنحاء العالم سائحا لكن لم يجذبه مكان مثل مالبارا , أرضه التي ملأته مع كل أفراد عائلة ميريديث بالكبرياء وحب التملك.
كان أجداده قد أتوا من كوخ بعيد في البراري , حيث الوحدة مأساة والمرض أنياب تفتك بالحيوان والأنسان , وحين أستقروا في مالبارا وجدوا بأنتظارهم سنوات طويلة من القحط وسماء حمراء الغبار , لكنهم عملوا بجد حتى تغلبوا على العوامل الطبيعية وحصدوا في النهاية ما زرعته أيديهم .
كانت ملبارا أسطورة خارقة القوة , وعندما تكلمه بلغتها , لغة الأرض , لم يكن يظهر على وجهه الداكن أي أثر للعواطف , لكنها بقيت في مخيلته بعيدة المنال جليلة.منتديات ليلاس
على مقربة منه أمتطت فتاة حصانها , وكان الحصان وراكبته متطابقين : ألوان زاهية , دم أصيل, وحساسية مفرطة , كانت ساري فتاة تشتعل بروح العداء والتنافر وكانت تحاول جاهدة السيطرة على هذه الروح , لكن عجرفة بليك هي التي جعلتها فريسة لهذه الحمى التي لا يمكن أن تخمد.
أشرف بليك على مسيرة حياتها منذ كانت في الثانية عشرة من عمرها , بعد أن هربت أمها تاركة أياها وحيدة , أما والدها راؤول الذي كان قريبا لبليك بالنسب فقد قتل منذ سنوات قليلة , كان أحد أفراد عائلة ميريديث , ولكن أبعد قليلا عن جذورها القوية الأصيلة.
كان بليك دقيقا ذا تأثير بعيد المدى , تبنى ساري بقوة القانون رغم معارضتها المريرة لذلك منذ اليوم الأول الذي طار فيه ألف ميل للمطالبة بها , أستطاع بليك بعد ذلك كسب ولائها بشكل محدود , رغم كونه ملكا من ملوك دنيا الماشية , أما مالبارا , أرض بليك , فقد أحبتها لأنها تتأجج بالسحر والحياة , لكنها فضلت أخفاء حبها هذا عن بليك ناسية أن وجهها ما هو ألا مرآة تعكس مشاعرها.
على كل حال كان بليك قد نسي ساري تماما وجعل يتأمل الصحراء المحيطة به , كان مظهره ينم عما هو عليه في الحقيقة:
" الرجل الذي لا يقهر , رمز البطولة في تلك المساحات الشاسعة القاسية , ولكن ذلك يتناسب مع وساومته ورجولته التي لا تقبل الجدل , كان صبورا رغم أن مظهره لا يوحي بذلك , كما أنه ذو طبيعة قيادية جعلت أغلب الناس يمتثلون لأوامره , ألا ساري التي قاومت سلطته بضراوة رغم أنه كان يحاول جاهدا أسرها في دنيا من الأنضباط والنظام , كل هذا أشعل بينهما حربا لا هوادة فيها , أما اليوم فقد كانت ساري تحاول التعاون معه وأظهار جانب اللباقة فيها , لأنها كانت تتوق الى رحلة أدليد لما فيها من متعة وخبرة ,وبقي تأثير بليك قويا على ساري حتى عندما كان مشيحا برأسه عنها وبشكل جعلها تتساءل:
ما الخطأ في تمضية أسبوع مع عائلة شلتون؟ أنها عائلة معروفة أجتماعيا , ليا أعز صديقاتها وشقيقها بيتر شخصية لامعة , أثيرت المشكلة عندما علم بليك من مجهول أن بيتر مغرم بها , وهذا طبعا غير صحيح , لكن مهما كانت الحقيقة فأنها شخصيا مفتونة ببيتر , ولن تدع بليك يودي أول علاقة عاطفية لها الى مهاوي الفشل.
أثارت هذه الأفكار أضطراب ساري وتطلعت نحو بليك بنظرة ملؤها الغضب , لم يبد على بليك أي أهتمام فزاد أمتعاضها .( أنه يستحق أن أهرب مع بيتر ونتزوج) لكن فكرة الزواج بحد ذاتها أخافتها وأعادت ذكرى النقاشات الحادة بين أمها وأبيها حية تملأ مخيلتها أذا كان هذا هو الزواج فهي ستصرف النظر عن الفكرة نهائيا , لكن الحب يختلف حتما , أن للحب قوة تفتح كل أبواب الحياة المغلقة على مصراعيها ,لكن لماذا لا تكون جستين شقيقة بليك الكبرى هي التي كلمته؟ كانت جستين تعيش في أدوليد وهي متزوجة من رجل أعمال مشهور تحول مع مرور الزمن الى سياسي كبير , كانت شقيقته هذه تراقبها بدقة في عطلة نهاية الأسبوع ,حين كانت تترك المدرسة الداخلية التي أختارها لها بليك , وخلال الأجازات الطويلة التي كانت تقضيها في مالبارا.