قال ساخرا :
" لا يهمني ذلك , خاصة أنك لست طفلة لا حول لها ولا قوة , هيا يا ساري أعترفي.... أعترفي بأنني صاحب اليد الطولى في حياتك".
" في ذلك أهمية كبيرة بالنسبة اليك , أليس كذلك؟ ".
سألت مستاءة:
" ألا يحق لي أن أملك شيئا؟".
" أي شيء أو أي شخص تريدينه ما عدا شلتون هذا , لأنه ليس شخصية مهمة أبدا".
" قابله , وسترتاح اليه".
" لا أظن ذلك , يا صاحبة الشعر الأحمر".
ألتقط بنظره الحاد عاصفة رملية قادمة , فأمر ساري:
" هيا بنا , أن العاصفة قادمة بأتجاهنا".
كان رد فعل ساري عنيفا , أحمرت وجنتاها , وتهاوت قبعتها كاشفة خصل شعرها الأحمر اللامع.
" أتمنى أن تبتلعك دوامتها!".
" هذا لن يكون يا عزيزتي , هيا بنا , لقد أطلنا المكوث هنا ".
تناثر الغبار الأحمر حين أندفع الجواد الأسود بسرعة الى الأمام ,بينما أنحنى بليك قليلا ليصفع فرس ساري الناعمة وينطلقا بسرعة عبر سهل من الحشائش , بينما حفنة من الأزهار البيضاء تدور فوق رأسيهما...
من الصعب جدا على الأنسان أن يضيع في دنيا الغضب وهو يركب حصانه , وهذا ما حصل لساري التي ساعدتها لذة الركوب وروعة المساحات الممتدة أمامها في التغلب على أمتعاضها , كان بليك فارسا ممتازا , رشيقا ووقحا في نفس الوقت , ولم يكن لديها حتى الأمل بمجاراته.منتديات ليلاس
شعر بليك بأن ساري تنوي أن تسابقه فخفف من شرعة جواده بشكل غير ملحوظ , كان على الأنسان أن يلتزم جانب الحذر مع ساري التي لم يكن من الممكن التكهن بتصرفاتها , لأنها ممتلئة بالحياة و...... عصبية المزاح , عمل جاهدا حتى يتركها تتقدمه , جسم صغير يقفز على ظهر الفرس أمامه عبر الأرض المزروعة بالحشائش , بأتجاه بستان من النباتات الصحراوية المزهرة , أذا كانت من النوع المدلل- وقد كانت بالفعل- فأن السبب في ذلك يعود اليه , لكنه سيضع لهذا الدلال حدا , كان بأستطاعة ساري القيام بأي شيء تريده , كما أنها من النوع الذي يقطر جاذبية , هذا أذا لم تصر على أن تسيء التصرف.
لم يكن بليك يخدع نفسه عندما تصور للحظة أنها نسيت كل ما يتعلق بعائلة شلتون , أحتمى بالظلال الخضراء الذهبية , وراح ينظر اليها وهي تمد ذراعيها في الهواء كراقصة باليه معلنة أنتصارها , وقد أمتلأ وجهها صحة وعافية وظهر على أجمل صورة.
قالت فرحة:
" مستواك في تدهور مستمر!".
" أتعتقدين ذلك حقا؟".
سألته بتعجرف:
" ماذا كنت تفعل بحق السماء؟".
" أنتظر يقظتك !".
شيء ما في نبرات صوته وعبوس وجهه ترك ساري تلهث ( يا للغرابة , بليك الذي أعرفه أختفى ليحل محله أنسان آخر مختلف تمام الأختلاف , أنسان غريب لكن يدانيه قوية).
قالت بشراسة:
" ها أنت قد أفسدت علي فرحتي , ولم تحاول الدخول معي في السباق!".
رد عليها ببطء:
" وهل في ذلك ما يهم؟".
أجابته :
" طبعا".
وعاد من جديد بليك الذي تعرفه جيدا بسخريته وعجرفته , وزال عنها الخوف كانت لحظة غريبة مرت بسرعة ولن أضيع الوقت بالتفكير فيها).
هب الهواء من جديد لينثر البذور والبراعم , لكن عقلها كان يحاول تحليل تلك الظاهرة الجديدة في بليك ,كما يفعل دائما عندما يواجهها خطر تتمنى الخلاص منه.منتديات ليلاس
سألها فجأة :
" أتوافقين على عودتنا الى دنيا الصداقة من جديد؟".
" حسنا".
وافقته لكنها بقيت متقوقعة داخل نفسها.
وشقت الخيول طريقها بين الحشائش المشبعة بالروائح الزكية , وفي البعد أجتمع قطيع من الثيران الصغيرة حول ينبوع ماء , ثم أنساق الى جزء من القناة جاف مع اع صغير أمتطى صهوة جواده المخصص للعمل وجعل يتأمل القطيع وهو يرد النبع ليشرب.
كانت ساري تشعر بألتصاقها بهذا الجزء من العالم رغم كل خلافاتها مع بليك , أنها تعشق هذه البقعة وتعرفها في أسوأ أوقاتها : رأت فيها وجه الخوف والقسوة , عاشت أيام الجفاف والفيضان , لكنها بقيت في نظرها بقعة من الأرض ذات جاذبية قوية خاصة . كانت عالما أقرب الى الخيال حيث امساحات الصحراوية حمراء واسعة تغطيها الأزهار البرية ,والعصافير تتراقص في سمائها فرحة بالرحيق والألوان , أن مالبارا منطقة أسترالية فريدة رغم كونها مخيفة معزولة , وحتى منطقة الأقنية فيها كانت أروع من أجمل حديقة في العالم , في مالبارا تستطيع أن تطوي بناظريك مساحات واسعة من الأرض المغطاة بالأزهار الرائعة التي تتمايل أمام عينيك في عرض رائع لا ينتهي , أما عندما تتقاذف تلك الأزهار رياح الصحراء , فقد يداخلك الخوف بأنك لن ترى براعمها مرة أخرى , لكن البراعم تعود دائما الى الظهور لتغطي قبور الرحالة والمستكشفين الذين فشلوا في الماضي.