المنتدى :
الارشيف
قطرات.. رواية من المستقبل
بسم الله الرحمن الرحيم ~~ ( 1 ) ~~
اليوم 19/ 7 /2030
بدأت باستعادة وعيها ، كان شيئاً بارداً ما أيقظها.. لم تستوعب حتى الآن ما هو .. أهي أختها تزعجها بقنينة ماء بارد.. أم لعلها صديقتها كعادتها تحب إزعاجها إن هي تركت الشبكة الخاصة المتصلة بينهما مفتوحة "نسيت إغلاقها ثانيةً!" لامت نفسها..
لكن الصوت الذي بدأ يأتيها من بعيد ليس صوت أياً منهما، ولا يشبهه حتى..
ما هذا الصوت..؟!
هذه الفكرة أقلقتها لدرجة أنها بدأت ترغم باقي جسدها على الاستيقاظ ومحاولة استيعاب ما يحدث.. قبل أن تتمكن من فتح عينيها شعرت بشيء غريب.. شعور لم يسبق لها معايشته في حياتها..
هناك شيء يدغدغها بطريقة غريبة..
في ذلك الجزء الضئيل من الثانية كان عقلها يعمل بسرعة محاولاً أن يحلل ويكتشف ما يكون، في اللحظة التي كانت تفتح عينيها..
وقبل أن تستوعب المنظر الذي أمامها ، ازداد اندفاع تلك البرودة ، إنه المطر..
مطر حقيقي!
كان رذاذ متواصل من المطر يهطل عليها ، ازدادت قوة الهطول حتى بدأت تشعر كأنها تضرب بشيء دقيق.. وكان هناك تيار هواء قوي يدفعها ليجبرها للتحرك باتجاه معين..
لازالت الصورة ضبابية..
أين هي الآن؟ وما الذي يحدث؟!!
بدأت الرؤية تتضح لديها بالتدريج..
تحاول أن تستوعب المشاهد التي أمامها..
الصور لا زالت غير مفهومة، وإن اتضحت الرؤية!! "ماذا أرى!!"
عشرات الآلاف من الأجهزة المحطمة، بقايا أجهزة، مبعثرة في كل مكان.. على..!
لم تكن هذه هي الأرض التي ألفتها..!
إنها شيء آخر..
رمال حمراء، منثور عليها سجاد من الرمال البيضاء اللامعة..!
و..
قبل أن تمنطق ما ترى، استوعبت أنها تستمع لصياح وبكاء مختلط، أناس كثر يبكون ويصرخون هنا وهناك..
بعضهم هائم على وجهه، وبعضهم يرفع أجزاء من تلك الأجهزة والحاويات وينادي على اسم ما..
والدماء تغطي بعضهم..
والمطر يزداد غزارة وقوة في هطوله..
والهواء يشتد في دفعها ، وفي دفع الآخرين، وكلٌ يتشبث في ما تصل إليه يده..
و..
فجأة استوعبت ما يحدث وتذكرت كل شيء..
"هيفاء!"
صديقتها كانت تتحدث معها قبل قليل أين هي.
"هيفااااء" أخذت تصيح عليها وهي متمسكة بحد حاوية بارزة من بين أكوام أخرى لم تستطع استيعاب ما تمثل..
"لا فائدة لن تسمعني مع هذا الضجيج" حدثت نفسها..
"عليّ أن أفتش عنها، قد تكون في ورطة تحت بعض الأنقاض"
وصارت تفتش وتنادي على صديقتها، مثل ما يفعل الآخرون..
قبل عشرون دقيقة من الآن، كانت هند تتحدث مع هيفاء وهما تقضيان وقتاً ممتعا في التنزه في (حديقة الكائنات البحرية النادرة) ..
وكانتا تقرءان كل ما ذكر من معلومات عن هذه الكائنات النادرة عبر نافذة الألياف البصرية الافتراضية التي تظهر على الحوض الذي توجهان انتباههما إليه..
لم تعد الكائنات البحرية متوفرة هذه الأيام، ولم يعد البشر بحاجة إليها سوى للتمتع بجمالها.. فهذا هو أنسب مكان لها الآن!
هذه الحديقة ، كسواها من الحدائق، تحتوي على نظام تهوئة مختلف عن ما هو موجود في باقي الأماكن..
فدرجات الحرارة هنا، مع أنها تتشابه مع البقية في الخارج بتكيفها مع درجة حرارة أجساد الناس الموجودين في المكان وكذلك بضبط درجة الرطوبة ، إلا أن الحدائق الحالية تمتاز عن بقية الأماكن بإشعار مرتاديها بأجواء عطرية متنوعة مختلفة، تعبق للشخص حسب ما يجذبه من رائحة، بناء على نظام حساس يرسل نبضات معينة من مركز نظام التكييف نحو مركز الشم في الدماغ، ويستقبل منه الرائحة التي يفضلها من مخزن الروائح لديه، فيطلق هذا النظام الرائحة المحببة لكل شخص تتبعه ليستمتع بها كل على حده..
جاءت هند مع صديقتها هيفاء لقضاء يومان في الساحل الشرقي ، من باب تغيير الجو..
صحيح أنهما كثيراً ما تنزهتا معاً في أماكن رائعة في جزر المحيط الكبير، من خلال الشاشة الافتراضية ، وهما في غرفتيهما، إلا أن النظام الافتراضي لا يشبع أبداً الفضول البشري، خاصة إذا كان كفضول هاتين المشاكستين!
لم تكن والدتها سعيدة برحلتها هذه، ولا ترى لها أي داعي، إلا أن والدها أيدها، فكثيراً ما يشير لرأيه بأن العالم الافتراضي لا يمكن أن يكون هو كل حياتها
"الواقع أن العالم الافتراضي ليس كل شيء، وإن كان!" هذا ما كان يردد.
الآن تذكرت أن شيئاً غريباً حدث ، كأن العالم توقف معه لحظات، ثم غابت عن الوعي..
"هل هي صاعقة؟!"
مع أنها تعلم أن جدران الحاويات التي يعيش فيها المجتمع اليوم على امتداد جميع الأماكن المأهولة، كلها جدران مقاومة لجميع عوامل التخريب الطبيعية والصناعية، حتى القنابل لا تقدر عليها! فهي مصنوعة من مادة تم تكوينها بتركيبة شديدة البساطة لكن شديدة الصلابة أيضاً..
"هذا الرمل الأبيض هو المكون لجدران الحاويات التي نتنقل بداخلها!" الآن استوعبت.
استمرت هند في رفع ما تستطيع أن ترفع..
"أشعر بأني أحفر في الرمل الناعم" عاشت تجربة الرمل الناعم في ملعب الرمال عندما كانت صغيرة..
فلا يوجد في بيئتهم رمال حقيقية للعب بها..
قبل اليوم طبعا..!!
كانت أمها تخبرها عن بحار الرمال الساطعة كانت تعبرها كل يوم في بداية شبابها للوصول إلى مكان عملها..
"تقطعين الصحراء على مركبة مترنحة!" سألت هند والدتها عندما أخبرتها عن ذلك في المرة الأولى..
"وبأجواء مناخية لا تطاق، فضلاً عن انعدام وسائل السلامة" أخبرتها أمها.. "ومع ذلك ها أنا لا أزال على قيد الحياة" قالتها ضاحكة..
"لا أدري كيف كنتم تعيشون!" كانت هند تستغرب، بل تتعجب ويصعب عليها أحياناً تخيل بعض ما يصف لها من يكبرونها سناً.. وتلجأ إلى شاشتها الافتراضية وتطلب منها أن تعرض لها ما عصى عليها تخيله..
"قدرة الله فوق كل شيء" قالت لنفسها.. "قد نغتر بما وصلنا إليه من تقدم بالعلم إلى درجة تجعلنا ننسى قدرة الله تعالى" تذكرت شيئاً قرأته سابقاً حول هذا المفهوم.
لا تستطيع أن تحدد أين هي الآن على وجه التحديد..
بدأت تبحث عن المساعدة وتستجدي الآخرين تطلب منهم البحث معها..
تسألهم إن كانوا رأوا فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها ترتدي ملابس زرقاء..
"كلٌ يبكي على ليلاه"! لم يعرها أحد اهتماماً..
شعرت بالفتور والإنهاك..
بدأت هند تبكي ، تسرب إليها اليأس ، أين تبحث وكيف سترفع هذه الأكوام..
" ربما هيفاء الآن تبحث عني في مكان آخر" عززت نفسها بهذا الأمل..
قررت هند أن تلوذ في مكان يحميها من هذا المطر وتلملم شتاتها قبل أن تعاود البحث من جديد..
|