2 – اذهبي إلى الجحيم !
ولكنها لم تر آلان سان كلير ثانية . وبعد يومين عادوا إلى "مومباسا" وكان يخت بيتر جاهزا فى ميناء اليخوت , قارب أبيض جميل يقف بين السفن المتنوعة الراسية في مياه الميناء . وكان اليخت يبدو على ما هو , لعبة رجل غني فاخرة . بيتر يعامل قاربه القوي كما يعامل معظم الرجال سياراتهم الفاخرة , قيادته للقارب في البحر لم تكن سيئة , ولكن نورما كرهت طريقته المتهورة بإطلاق العنان لسرعته داخل المرافئ وبين السفن الاخرى . بعض الاحيان يمكن ان يكون متعجرفا أكثر مما يصدق واحيانا غبي كولد صغير .كان اليخت قد أعيد تزويده بالمؤن والوقود , وانجزوا الترتيبات مع الجمارك ودوائر الجوازات , وبدأ بيتر يقوم ببعض الترتيبات الأخيرة وصعدت نورما إلى اعلى القارب , الى مركز القيادة كي تلقي نظرة على الميناء وتودع كينيا . إنها عائدة الى بلادها الى رالف . هذا التفكير لم يملأها بالسرور كالعادة . فهل هي ايضا اصبحت غير متأكدة ؟ لاقدر الله ! ونظرت الى المدينة التي تمتد حول الميناء تحدها اشجار جوز الهند اللامعة تحت أشعة الشمس , وكان الميناء مكتظ بالسفن من مختلف الاشكال والانواع , ولكن على الرغم من النشاط الحيوي فيه , فإن بعض الحيطة كانت تحول دون التصادم . وبدا أن لا نهاية لأشكال القوارب المختلفة ... القوارب الشراعية العربية بأشرعتها المثلثة المدببة , وقوارب الصيد الصغيرة , والمعديات واليخوت الأنيقة تتهادي بين كل هذه القوارب وكأنها سيدة مجتمع أنيقة .وأصبح يخت بيتر على وشك الانطلاق وأدار بيتر المحرك الكبير الذى يسيره , وجلس بهدوء في غرفة القيادة وحدقت نورما للمرة الاخيرة من حولها بالميناء شاعرة بالأسف , فهي لاتريد أبدا ان تترك كينيا فالوقت الذى أمضته هنا كان قصيرا , ولفتت شتيمة سمعتها انتباهها إلى بيتر , الذى كان يتصارع مع المقود متذمرا من أن الدفة عالقة . لماذا الآن من بين كل الاوقات ؟ في وقت هم على وشك الإبحار ؟وجذب دواسة التختيق , فخفق المحرك محتجا دافعا نافورة ماء إلى فوق عند مؤخرة القارب , واقبل سيلك ستانلي نحوه .- هل تواجه مشكلة يا بيتر ؟- أستطيع تسويتها .فهز سيلك كتفيه . وعاد إلى حيث كان يجلس يتابع شرابه واتخذت سينثيا وجولي مركزهما المفضل على سطح السفينة تستلقيان على وجهيهما مرتديتان اصغر بيكيني ممكن .وأعادت نورما انتباهها إلى الميناء , وراقبت مجموعة من الأطفال تصطاد على متن قارب صيد صغير ورست سفينة شحن أخيرا عند الرصيف ملقية مرساتها , ومراكب الصيد تهتز بحذر من حولها . وصاح بيتر :- حسنا .. لقد اصطلح , تعالوا جميعا لنودع كينيا . بريطانيا .. ها نحن قادمون .واطلق المحرك , فتحرك المركب مبتعدا عن الرصيف . وابتعد الاولاد الصغار بسرعة وفزع , ونظرت إليه نورما بقلق قائلة :- أرجوك .. كن حذرا يا بيتر .. الميناء مكتظ جدا !- أنا أعرف ماذا افعل .وابتسم .. وجهه كان يتصبب بالعرف . وأحست نورما بمعدتها تتقلص وصلت كي يغادروا الميناء الى عرض البحر دون أي حادث , فقد كان بيتر في حالة نفسية غبية وغير مكترثة , ونظر إليها من جديد فتنهدت قائلة :- تمهل .. فأنت تسرع جدا ..- لاتكوني قلقة هكذا , دعي عمك بيتر يريك كيف يتدبر الامر.كان اليخت يمر بين مجموعة صغيرة من قوارب الصيد واجفلت نورما عندما كاد يصطدم بأقرب قارب له , ولاحظت الوجوه الغاضبة في المراكب وضحك بيتر , ثم توقف وقطب . مدخل الميناء كان مكتظا بصفوف من المراكب تنتظر دورها للخروج إلى عرض البحر , وخفف من سرعة القارب وهو قلق فتوقف , واخذ يهتز بتحرك الموج من تحته . واقبلت جولي وهي تلمع من أثر زيت الشمس وقالت متسائلة :منتديات ليلاس
- ماذا ننتظر ؟وتطلعت بسخرية إلي المراكب أمامهم . فقال بيتر :- هذه المراكب اللعينة , انظري إليها . لاجل الله ! أريد ان اخرج الى عرض البحر قبل الظهر .وعادت جولي تنظر الى المراكب :- إنه منظر جميل .- وما هو الجميل فيها ؟ الاغبياء اللعناء يتلاعبون بيخوتهم . أمل ان يسرعوا . بهذه الطريقة سنبقى هنا طوال اليوم .وفجأة تبدل الريح , وامتلأت الاشرعة فأمسك بيتر بالمقود وصاح:- حسنا .. الآن هي فرصتنا . سأنفذ من خلالهم , وليذهب الدور الى الجحيم !واطلق العنان للمحرك فانطلق القارب الى الامام , فقالت نورما بسرعة :- بيتر , توقف ! ستصطدم باحدهم ..- فليذهب الى الجحيم .وشقت مقدمة القارب الفولاذية المياه وكأنها السكين . ولكن المسافات كانت تضيق , واستطاع احد سائقي اليخوت ان يبتعد فى الوقت المناسب ليتفادي الاصطدام . وادار بيتر المقود ليبتعد عن يخت آخر . وامام رعبها شاهدت نورما قاربا ثالثا يقطع المياه أمامهم , يخت رمادي جميل له شراع طويل أبيض واسود وكأنه جناح النورس , وكان فى مواجهة قاربهم مباشرة .وغطت نورما وجهها وهي تصرخ :- بيتر !وحاول بيرت الانحراف بالمقود والشتائم تتدفق من بين شفتيه . وتوقف القارب فجأة , ثم صوت اصطدام جعلهم يرتطمون بكل شئ في غرفة القيادة . وفتحت نورما عينيها لتشاهد الشراع الجميل يمر فوق سطح قاربهم , وصرخ احدهم وسمعت صوت تحطم زجاج . واسرعت جولي لتطفئ المحرك وفي الصمت المرعب الذى تلا , اخذت المركب تستدير بهم في دوائر , وهي ما زالت تصطدم بالمراكب امامها . وصرخت نورما فقد انقلب اليخت الذى اصطدموا به وغاص الشراع الابيض والاسود تحت سطح الماء وهناك شخص يطفو فوق الماء وسترته الواقية من الغرق البرتقالية تلمع تحت أشعة الشمس وهو يسبح ببطء نحو يخته المضروب .وهمست جولي :- أتمني أن يكون بخير ..وبجهد حاول بيتر استجماع رباطة جأشة . وقال بصوت يرتجف وقد اصبح وجهه شاحبا :- بالطبع هو بخير .. لنخرج من هنا قبل أن يصل بوليس المرفأ ..وقفزت نورما امامه قائلة :- لا ! هل جننت يا بيتر ؟ ربما مات شخص هناك ..- اوه .. هراء .. لا تتكلمي كالبلهاء . انظري الرجل يتسلق مركبه ثانية , وانظري لقد عاد اليخت الى وضعه فوق الماء.ونظرت لتري أن الشراع عاد الى وضعه الطبيعى واخذت المراكب تتجه الى قاربهم بسرعة وسمعوا الاصوات الغاضبة منها .وقال بيتر بعصبية :- سأهرب من هنا .ومد يده الى المقود واطبقت نورما قبضتها مستعدة لضربه . ووصل مركب صغير اليهم وصاح من بداخله :- أنت يا من على القارب ! أنتم هناك . ! لقد رأيت ما حدث , لقد صدمته عن عمد , ايها الابله اللعين !ورد عليه بيتر صائحا :- لقد كان في طريقي .- كلام سخيف ! كنت متجها نحوه رأسا , الافضل لك ان تنزل وتقدم المساعدة ايها الشاب . احد البحارة مصاب .وصاحت جولي :- أوه لا ! حقا يا بيتر أنت غبى في بعض الاحيان !واقبلت سينثيا لتنضم اليهم فى غرفة القيادة , وقال سيلك :- الافضل ان تعود الى ذلك اليخت يا بيتر .واحمر وجه بيتر , ولكنه اطلق العنان للمحرك , ثم توجه ببطء نحو اليخت المضروب الذى كان يتهادي كالطائر المجروح فوق الماء . وتمت قائلا :- ارجو ان تقفوا فى صفي جميعا لو حدثت مشاكل .ووصل القارب الى اليخت , فصاح بصوت حاول ان يجعله مرحا :- أنتم هناك ! هل انتم بخير ؟وحدق به وجه غاضب بوحشية , له انف نورماندي ولحية سوداء كثيفة . - يا إلهي القدير ! كان علي ان اعرفكم ايها الاغبياء ! هل أنت سكران ايها المخبول ؟وكان المتكلم آلان سان كلير , فرد عليه بيتر بقلق :- خذ الامر بروية .. هل الكل بخير عندك ؟- لا ... ليس الكل بخير ! لقد كسرت ذراع أحد أفراد طاقمي . إنه ينزف بشدة .وللمرة الأولي شاهدت نورما الرجل مستلقيا فوق السطح وبقعة حمراء تلطخ السطح الابيض وأحست بالغثيان وسمعت سيلك يرسل الشتائم من بين أسنانه , وبدا آلان سان كلير وكأنه على وشك ان يقتلهم جميعا , وصاح بهم :- لأجل الله فى سمائه ! لا تقفوا هكذا , ساعدوني على نقله إلى مركبكم , يجب أن نأخذه الى المستشفى وبسرعة !* * *وخرج الدكتور الكيني من العنبر وهو يخلق قفازاته الطبية ونظر إليهم دون حماس , واحست نورما بأنه يفكر بهم : أولاد أثرياء غرباء ! وتفرس فى وجوههم القلقة بسخرية , وسأل بلطف :- من منكم السيد سان كلير ؟وأجابه بيتر :- انه ليس هنا الآن , لقد ذهب ليجري مكالمة هاتفية , اسمى بيتر اشتون .. وأنا ..- آه . اجل انت الرجل الذى سبب قاربه كل هذه الأضرار بذراع البحار المسكين .- هذا ليس صحيحا بالضبط يا دكتور , لقد كنت ..وسألت نورما بقلق :- كيف حال البحار ؟واستدار الدكتور إليها بعينين متعبتين , ثم ابتسم :- إنه بخير عظم ذراعه تهشم , من الجهة العليا إنها اصابة خطرة , وفقد كثيرا من الدم , ولكن لم تحصل مضاعفات وسوف يشفى تماما .وتنهدت نورما بارتياح , فنظر اليها :- هل أنت صديقة له ؟ودخل فى هذه اللحظة آلان سان كلير إلى غرفة الانتظار وعيناه مسودتان من القلق .- كيف حاله يا دكتور ؟ أنا آلان سان كلير .- إنه بخير , سوف يخرج من المستشفى بعد أسبوع , وربما أقل .وابتعد الدكتور فى الممر , فالتفت آلان اليهم , ونظرة كالحة على وجهه الملتحى :- أرجو ان تكونوا مسرورين من أنفسكم .وخطت سينثيا نحوه مبتسمة ببرود :- لا تأخذ الامور هكذا يا آلان ..منتديات ليلاس
- لا تدعيني آلان , اللعنة عليك !وهزت كتفيها :- سيد سان كلير إذا . سوف يصبح بحارك بأحسن حال بعد أسبوع فلا تقلق !- بأحسن حال ؟ وماذا تظنينه .. نوع من الزينة المنزلية .والتفت إلى بيتر الذى كان يعض شفتيه , وللحظة اعتقد نورما بأنه سيضربه , ولكنه قال وهو يشدد على كلماته بسخرية :- أما بالنسبة لك يا قبطان , يجب ان تحاكم على قيادتك المركب وأنت سكران !- تمالك نفسك .. يا رجل ..فصاح به آلان :- لقد شممت رائحة الخمر من فمك .. يا إلهى .. أتمنى لو أنكم ايها البحارة الهواة لاتقودون المراكب سوى فى الأماكن الضحلة , وأن لا تخرجوا الى عرض البحر تعرضون الأرواح والأطراف للخطر !وتنحنحت نورما وحاولت أن تبتسم قائلة :- سيد سان كلير .. آلان . نحن جميعا آسفون لصديقك وليختك.وشعرت بالخجل الشديد , فحدق بها آلان بغضب , وكأنه يحاول ردع نفسه عن الانفجار بوجهها وقال أخيرا :- أطفال أثرياء . أنتم أطفال اثرياء . اغبياء . سأذهب لأري .واندفع من بينهم متوجها الى حيث يرقد البحار في غرفته . وقالت سينثيا :- إنه شاب لطيف . أعتقد بأن قلت هذا يا بيتر , لقد ظننت أنه كان سيضربك منذ دقائق .وقالت نورما بصوت قريب من البكاء :- لم أكن سألومه لو فعل !ونظر الجميع إليها وقالت سينثيا بكل برود :- ولماذا لا تلومينه يا نورما ؟- لأنه على حق , أنتم فعلا أطفال أثرياء . اطفال لا تتحملون المسؤولية , ألا تدركون أن الرجل كان يمكن أن يقتل ؟ كان يمكن ان تقتلوهما معا ..وقالت لها جولي وكأنها تنصحها :- كفاك ركوبا على حصان مرتفع , لقد كنت أيضا على متن المركب , وأنت تعرفين هذا .- بالطبع أعرف .. وانا خجلة جدا !وحدق الجميع بها لثواني , وقال بيتر وهو يخرج علبة الدخان من جيبه :- لا فائدة من الاستماع إليها ..واشعل سيجارة ونفخ الدخان باتجاه لوحة " عدم التدخين فى المستشفى " وتابع :- الأفضل لنا أن نستعيد غرفتا فى الفندق لقضاء هذه الليلة . فليس من الحكمة أن نبدأ إبحارنا قبل الغد .ونظر إلى نورما من خلال الدخان :- تعالى يا نورما .. لنذهب من هنا .- سأنضم إليكم فيما بعد .وهز كتفيه دون اكتراث , ونظر إليها للحظة , وقال :- لقد أتيت معنا لأن رالف كلارك هو صديق لي , كما تعلمين وإلا لما سمحت لك بركوب مركبي , تذكري هذا يا نورما . لقد حصلت على عطلة سعيدة مجانية فوق مركبي , فلا تعاندي حظك .وحدق بعينيها بغضب وقال :- أوكي يا نورما ؟ سنراك فيما بعد فى الفندق . تعالوا لنذهب الآن .
وراقبتهم وهم يبتعدون بغطرسة مولودة مع أمثالهم , وحاولت ان تقاوم اندفاع الدموع من عينيها ثم جلست على المقعد , واغلقت عينيها والقت برأسها الى الوراء , وعادت إليها ذكرى الاصطدام المريع بينما كان قارب بيتر الحديدي الحاد يصدم اليخت الأنيق . سيحتاج اليخت إلى اصلاحات مكلفة وكانت على حق , فقد كان بالإمكان قتل الرجلين على اليخت . فماذا سيقول والدها عن هذا الامر ؟ والدها الضخم القوي كالدب , والذى علمها الإبحار وهي لم تبلغ العاشرة بعد , والذى كان متشددا جدا في موضوع السلامة في البحر ! ولكنه فى يوم من الأيام أبحر عبر المانش في يوم كثير الضباب , ولم تره من يومها ثانية . وتركها موته لوحدها تماما , ما عدا قبر والدتها التي لم تشاهدها أبدا . ولم تستطع أن تنسى ابدا ان موته كان فى البحر . أما بالنسبة لبيتر والآخين فالألم والمعاناة لم يعرفوهما فى حياتهم . إنهم لا يفهمون مرحم هو كل ما يهمهم , مهما كان مبلغ الأذى الذى يسببونه للناس , وفتحت عينيها والباب يفتح , ودخل آلان سان كلير الى غرفة الانتظار ووجهه حزين بمرارة , فوقفت بعصبية وسارت نحوه لتلقاه :
- لقد .. عنيت ما قلته , حول أسفى لما حدث . اعلم ان الامر لا يغتفر .. اعنى ما فعله بيتر ولكنهم مجرد أطفال وانت محق بهذا , إنهم لا يعرفون شيئا , و .. و ..
- وهكذا أرسلوك لتفاوضيني .. هه ؟
- لا .. أنا أحاول فقط أن اشرح لك . إنهم اغبياء , غير مسؤولين .. ولكنهم سيكبرون يوما . واريد أن اتاسف باسمى فقط . لقد كنت في غرفة القيادة وكان على أن أوقف بيتر . وانا آسفة جدا ..
- أجل .. حسنا , الافضل لك أن تعودى إليهم الآن , فأنت طفلتهم المدللة , أليس كذلك ؟
- ماذا تعنى ؟
واحمر وجهها , فقال ساخرا :
- أنت المسكينة بينهم , أليس كذلك ؟ أري أنك لست من طرازهم . لذا يبقونك معهم من أجل القيام بأعمالهم القذرة .. مثل الاعتذار للأغبياء الذين يصدمونهم !
- أنت مخطئ سيد سان كلير . أنا لست من طرازهم , ولقد جئت معهم لأن بيتر صديق لرالف , ولكننى لست الطفلة المدللة لأحد !
وفكر للحظات ثم هز كتفيه وقال :
- إذا , اذهبى من هنا كائنا من كنت . أنت تجعلينى اشعر بالغثيان!
واستدارت نورما مبتعدة وهي تشعر بالألم . غضبه مفهوم ولاشئ تستطيع فعله لتهدئ هذا الغضب .. أليس هناك شئ من الحقيقة فيما قاله ؟ أليست المسكينة بين هذه المجموعة الثرية بما فيها رالف كلارك ؟ واستدارت إليه :
- قبل أن أذهب .. هل صديقك متمالك وعيه ؟
- تقريبا , ولماذا ؟
- أود أن اتحدث اليه .
- اذهبى إلى الجحيم !
- لدي شعور بأنه لن يكون غير متسامح مثلك .
وتجاوزته متجهة نحو العنبر في زاويته البعيدة كان رجل يستلقى فوق وسائد السرير . وجهه شاحب وتعب . والأربطة تلف صدره وذراعه ملقاة فوق الغطاء , محاطة بجهاز من الالمنيوم . وعضت نورما شفتيها لو أن البقية رأوا هذا . رأوا نتيجة غباءهم!
وانحنت فوق الوجه الشاحب , وانفتحت العينان الغائرتان :
- اسمى نورما ليستر . لقد كنت فوق المركب , الذى صدم يختكم.
وهز رأسه ببطء وعيناه زائغتان من الألم والمخدر . فتابعت :
- الأمر لا يغتفر لنا . أنا آسفة , من اعماق قلبي .
وحدقت بها عيناه الزرقاوان بتعب , ثم ابتسم قليلا . وفتح يده السليمة , فأخذتها بلطف بين يديها , فهمس :
- سأكون بخير . الدكتور طيب وجيد . والممرضات طيبون . سأكون بخير ... لا تقلقى .
وابتسم ثانية وارتاحت قسمات وجهه , وهو يستغرق في النوم . ووضعت نورما يده بلطف على الغطاء ووقفت . وكان آلان يقف إلى جانبها , يراقبها بعينيه الحزينتين . فقال لها بجفاء :
- لن يستطيع الإبحار قبل سنة .
واستدار على أعقابه وسار إلى الخارج . فتبعته نورما ببطء , وكان ينتظرها فى غرفة الانتظار . وقال لها :
- اسمعي .. قولى لأشتون بانه مجبر على دفع كل تكاليف إصلاح يختى , وسوف يكلفه هذا غاليا . لم يمض على بناء اليخت وقت طويل . أما بالنسبة للبحار سوف ادفع تكاليفه بنفسى . فلا أريد ان يدفع ذلك الكلب مصاريف علاجه فى المستشفى . وقولى له إذا حاول أن يناقشنى , فالأفضل له أن يجد محاميا جيدا . وجيدا جدا.
واستدار لينصرف .. فقالت له نورما بهدوء :
- قل له هذا بنفسك .
فتوقف والتفت إليها بغضب :
- ماذا قلت ؟
- قل له هذا بنفسك . فأنا لن أنقل رسالتك إلى أحد .
وواجها بعضهما بغضب . وقال لها فى النهاية وصوته أجش من الغضب :
- حسن جدا . سأقول له بنفسى .. أين هو ؟
- سيكون فى فندق " هيلتون مومباسا ".
والتقت عيناه بعينيها ببرود للحظة أخيرة . ثم ذهب ..
قالت جولي بوقاحة :
- ولكن الغلطة ليست غلطة بيتر .. لقد كان ذاهبا ..
منتديات ليلاس
ورد عليها آلان ببرود :
ارجوك ابتعدى عن الموضوع , لقد كنتم مندفعين رأسا نحوي . لم يكن أمامى أية فرصة للهرب من طريقكم , سوف يكلف إصلاح اليخت غاليا , وأنت يا أشتون سوف تدفع .
فرد عليه بيتر أشتون بغضب :
- اسمع .. لقد تماديت كثيرا ! وعلى كل الاحوال الأضرار ليست جسيمة , مجرد بعض التحطيم فى الجانب وعلى السطح .
- السطح ! ذلك السطح الذى تتكلم عنه هو من النايلون الصافى , يا أشتون . ويجب ان يصب بواسطة مدفع صب خاص , وعندما أصل باليخت الى انكلترا يجب أن أسحبه الى البر وأعيد طلاءه بالنايلون .
كان حديثهما مسموعا من العديد من الموجودين فى قاعة الاستقبال في الفندق الكبير , ولاحظت نورما الوجوه التى التفتت لتحدق بالرجل الضخم الملتحى , الذى كان الغضب الشديد واضحا عليه , وهو يتحدث للمجموعة الصغيرة على طاولة فى الزاوية . وسألت سينثيا :
- كم سيكلف الإصلاح ؟
- يمكن لكم أن تشكروا حظكم الطيب لان ورشة والدي ستقوم بهذا العمل , فاليخت هو آخر تصميم له . ولكننا سنطالبكم فقط بالتكاليف , وستصل هذه إلى مبلغ ألفين أو ثلاثة آلاف جنيه .
وقال بيتر بوضوح :
- لن أدفع .. لا تستطيع ان تثبت أن ما حدث كان غلطتي ..
- بالطبع غلطتك .. عشرون من أصحاب اليخوت شاهدوك وأنت تصدمني يا أشتون .
- صحيح ؟ إذن عليك بإحضار كل هؤلاء إلى قاعة المحكمة يا آلان , فى لندن.
- إذن لن تعترف بمسؤوليتك عن الحادث ؟
وابتسمت سيثنيا وهي تلعق شفتيها :
- بالطبع لن يعترف , وسيكون أمامك عمل شاق لإثبات صحة ادعائك ضد بيتر يا سيد دي كلير . امامك كلمتك فقط أليس كذلك ؟ ونحن ستة سنقسم على العكس .
وساد صمت متوتر , ومرة أخرى خافت نورما أن يضرب آلان سان كلير بيتر , ولكن بجهد وضبط أعصاب , أبقى آلان يديه فوق الطاولة . وقال بصوت خافت ملئ بالشر :
- إذا الأفضل لك ان تتصل بمحاميك , لان مؤسسة سان كلير للإنشاءات البحرية سوف ترفع دعوي عليك .
وابتسم بيتر :
- افعل ما شئت !
ومرة أخرى شعرت نورما بحرارة الخجل ترتفع الى وجهها بسبب تصرفهم . ونظرت الى سيثنيا بمرارة . كما هم مصممون على إنقاذ انفسهم , وعلى حماية بعضهم البعض وكانوا سيتصرفون نفس التصرف لو أن البحار قتل , بدلا من أن تكون إصابته بليغة.
وقال آلان :
- اتساءل إذا كنت تعرف كم تسبب لي من مشاكل يا أشتون , فاليخت خارج لتوه من حوض البناء , أتعرف هذا ؟ حتى اننا لم نبعه بعد .
ونظر حوله فى الغرفة بعيني مريرتين وقال كأنما يحدث نفسه :
- لقد كنت اجرب اليخت لاول مرة . إنه مركب جديد وأنتم أيها الأثرياء الاغبياء صدمتموه بسفينتكم الحربية الصغيرة .
ووقف وأجال نظره فيهم وقال :
- سنلتقي ثانية يا آشتون . والآن على أن افتش عن بحار آخر كي اوصل اليخت الى انكلترا . والله وحده يعلم أين يمكن ان اجد واحدا فى هذا البلد .
- حسنا , أتمنى لك التوفيق يا آلان .. انا متأكد انك ستجد شخصا مناسبا .
وحدق آلان ببيتر الذى كان يضحك , ثم تفوه بكلمات بذئية واستدار على أعقابه . فقالت جولي بصوت جاف :
- حقا .. بعض الناس ليس عندهم تهذيب أبدا .
وأحست نورما بالاختناق فى حنجرتها , والتقطت حقيبتها , وخرجت وراء آلان , ولم يبال الاخرون بخروجها , لأنهم كانوا يضحكون لقيام سينثيا بتقليد غضب آلان , ولحقت نورما بآلان عند مدخل الفندق وأمسكت بذراعه , واستدار مستعدا للشجار وواجهت وجهه الغاضب بهدوء , فصاح بها :
- أنت ثانية ؟ ماذا تريدين منى بحق الشيطان ؟ لقد سئمت من سماعى للهجتكم المتكبرة .
- هل يختك ... متضرر جدا ؟
- يستطيع الابحار , مع أننى قد لا اجد أحدا يساعدنى فى الإبحار للخروج من هذه البلدة اللعينة .
- ألايمكن أن يبحر على يد شخص واحد ؟
- ليس هذا آمنا , انه بحاجة الى اثنين على الأقل , والافضل ثلاثة , على كل ماذا يهمك ؟
- اشعر بمسؤوليتي
- يجب عليك هذا
وتقدمت لتسير الى جانبه , ثم توقفا عند باب الفندق , وسألته :
- هل أنت مستعجل للعودة إلى بريطانيا ؟
- أجل ... مستعجل جدا . هناك مشتري ينتظر وصول اليخت في لندن . وهو مستعجل يريد أن يشترى اليخت للاشتراك به بسباق اليخوت عبر الأطلسي . وإذا لم أعد به الى لندن , واصلحه خلال اثني عشر يوما سوف يخسر والدي هذه الصفقة أمام اكبر منافسيه .
- لقد أفسد هذا الحادث عليك الكثير , أليس كذلك ؟
وقال آلان بحزن :
- لن يفسد علي اليخت هذا , بل عدم وجود بحارة .
- أنا أسفة , استطيع ان افهم بأنك تكرهني .. سأتركك بسلام .
فحدق بها للحظات وهي تستعد لتنصرف . ثم قال :
- هذا اليخت هو أفضل ما بناه والدي .
ولاحظت نورما بأنه تعب . يقاوم الإرهاق بكل قواه :
- تصميم مراكب متقدمة مثل هذا اليخت وبناؤها يكلف آلاف الجنيهات . ووالدي فى ضائقة مالية الآن . ومن المهم ان يحصل على صفقة مبيع فى وقت قريب , وإذا لم يباع اليخت ليظهر للمحترفين كيف يعمل فسيذهب سدي جهد الأشهر والسنين . أجل ... لقد دمر أصدقاؤك كل شئ .
- وماذا ستفعل ؟
هز كتفيه :
- ليس لدي أية فكرة , فى الوقت الراهن أحضر الترتيبات لسفر البحار المصاب إلى انكلترا حالما يسمح له الاطباء , وبعد ذلك سأنتظر هنا لأجد بديلا عنه .
وتأهب ليذهب , فسارعت للقول :
- آلان ..
وتوقف ..
- ماذا تريدين الآن ؟
- آلان .. إذا وجدت لك شخصا يستطيع الإبحار معك .. هل استطيع ان اتصل بك فى مكان ما ؟
- أجل .. تستطيعين الاتصال بي فى نادي اليخوت . اطلبي قبطان اليخت المصدوم فقط .
وهزت نورما رأسها وقالت :
- حظا سعيدا .
وراقبت جسده الطويل وهو يسير نحو الظلام فى الخارج , ووصلت إلى سمعها قهقهة بيتر أشتون عبر غرفة الاستقبال , الى حيث تقف . وكأنما الصوت صدم جسدها ووجدت نفسها تسير بسرعة بين الجموع على الرصيف وتفكيرها مشوش , مومباسا فى الليل مدينة مرحة مليئة بالألوان , عابقة بملايين العطور والأصوات . واشترت لنفسها " آيس كريم " وتابعت السير فى الشوارع , تتأمل فى واجهات المحلات . وأحست بالمرح والسعادة يملآن الجو , وتمنت لو أنها تستطيع الانضمام الى هذا الجو .
وجلست تحت قدمي تمثال لذكري الحرب , تتأمل الخليج المظلم والأضواء المنبعثة من المراكب . وكالعادة اتجهت افكارها نحو رالف كلارك , وشعرت بأن الحادثة التى جرت بعد ظهر هذا اليوم , مقدرا لها أن تزيد الخلاف بينهما وكانت تعلم أن رالف سيقف في صف بيتر, مهما كانت الوقائع , فرالف واصدقاؤه دائما مرتبطون ببعضهم البعض . انها قضية طبقية , فالناس أمثال رالف وبيتر يشكلون جماعة متراصة على حساب الآخرين , من أمثالها . وبدأت تكتشف أن عالم رالف ملئ بالأسلاك الشائكة غير المنظورة ورالف هو كما هو , ولن يتغير ليرضيها . فهل فقدت حبه لها ؟ وتساءلت برعدة عما إذا كان قد فقد هو حبها له .
على الأقل , هناك عزاء لها فى تفكيرها بالعودة إلى العمل . إذ تستطيع إلهاء نفسها في رسمها , وفى اعادة تنظيف واصلاح اللوحات الثمينة . كانت تسعد فى إعادة ترميم الاعمال الفنية الكبيرة التى يتلفها الزمن , لتصبح شيئا جميلا ومبهجا . فالرسم الزيتي كان اختصاصها , واسم نورما ليستر أصبح مشهورا فى عالم الفن , فبعد نجاحها فى ترميم اللوحات المشهورة " لروين " نشرت بعض المقالات فى الصحف حول عملها , وحتى انها أجرت بعض المقابلات التلفزيونية . وكان أحد المجانين قد مزق احدى اللوحات الثمينة بسكين , وطلب منها المعرض ان تفعل ما بوسعها لإصلاحها . واستغرقها ذلك شهر من العمل المضني , وعملت وكأنها جراح تجميل , ونجحت فى عملها حتى أدهشت الجمهور . ولكن بعد ذلك تلاشت شهرتها بالتدريج . وتمكنت فى النهاية من ترك العمل في المؤسسة الفنية لتفتح استوديو خاص بها حيث نجحت تماما فيه . منتديات ليلاس
والتقت برالف في منزل ذويه عندما كانت تتفحص مجموعة لوحات مائية جمعتها السيدة كلارك , ظانة أنها لوحات اًصلية .
وتنهدت نورما ووقفت تنفض ثوبها .. وعادت الى الفندق , إلى غرفتها . واستلقت على سريرها , وهي تشعر بالبؤس دون ان تعرف لماذا . واخذت تفكر بالوجوه على ظهر المركب , وجوه بشعة أنانية جبانة , كانت تعلم بأنهم اناس سطحيون , يستخدمون قناعا من التعاطف والسحر ليغطوا شخصياتهم غير المكتملة , ولكنها الآن تراهم بصورة أوضح , تراهم كأطفال فاسدين يستخدمون ثراءهم وامتيازاتهم , ليشقوا طريقا لا رحمة فيه على حساب حياة الناس الآخرين .وبدافع فجائي , التقطت الهاتف لتطلب من عاملة السنترال إعطاءها الخط الدولي . ثم طلبت رقم هاتف رالف في لندن . وعندما سمعت صوته , علمت بأنها اتصلت به في وقت غير مناسب , فقد كان صوته متوترا وظاهر عليه نبرة السكر , مع عدائية ظاهرة .- رالف ... هذه أنا .- أهلا .. أنت .. كيف حال كينيا ؟وتنهدت , إذ لم تعد راغبة فى الكلام معه , وخاصة عندما يكون سكرانا , ولكنها قالت :- أردت سماع صوتك .. لن أزعجك .- كلام سخيف .. ما آخر الأخبار ؟وترددت , ثم أخبرته عن الحادثة , واستمع اليها بصمت , ثم سألها بعدائية :- إذا ؟ ماذا كنت تنتظرين من بيتر أن يفعل ؟فتنهدت , وهي في الحقيقة لا ترغب في مناقشة الامر معه .- حسنا . كان عليه الاعتراف بخطئه , كبداية , ولكان هذا اكثر تهذيبا ..- منذ متى انت خبيرة بالتهذيب ؟وحاولت ان تتجاهل ملاحظته , فقالت :- على كل حال , هو مدين لآلان بتكاليف الإصلاح .ورد عليها رالف بحدة :- فهمت .. أنت إذا خبيرة بالقانون ايضا . أليس كذلك ؟وقالت بهدوء :- قد لا اعرف شيئا عن القانون , ولكننى اعرف اشياء كثيرة عن الابحار , وبيتر كان مخطئا , لا .. بل أسوا . لقد كان مهملا بشكل إجرامي , وكان ثملا .- قبل أن ترمى الاتهامات جزافا , تذكري ان بيتر منحك رحلة مجانية يا نورما , فلا تعضي اليد التى تطعمك يا فتاة .- استطيع دفع مصاريفي الخاصة , وانت تعلم اننى كنت افضل السفر بالطائرة , لم اكن ارغب فى السفر معه . اما بالنسبة له فكان يمكن ان يقتل آلان !- آلان ؟ يبدو أنكما على وفاق تام , كائنا من يكون ؟- على الاقل هو مهذب , لقد انقذ حياتي في " سيرنجيتي " إذا كنت تريد ان تعرف .- حقا ! اخبريني .واخبرته القصة باختصار , وضحك :- هاه .. يبدو لي انك وقعت في حب هذا المقال فى الاخلاق يا عزيزتي , ألست كذلك ؟- أنت ثمل يا رالف . ولا اظن اننى سأتكلم معك بالمزيد .- انتظري ..وسار صمت طويل , وعندما عاد الى الكلام , كان فى صوته رنة غريبة حيرتها :- نورما , يا فتاتى .. هل قال لك أحد شيئا عني ؟- طوال الوقت , كنت الأول دائما فى لائحة الحديث . لماذا ؟- اوه ... حسنا لا شئ .- رالف .. ما الأمر ؟- حسنا , كنت اتساءل ما إذا كان لديك .. ولكني لا .. لاشئ .- انت تغيظني يا رالف . إلى ماذا تشير ؟ هل هناك ما يقلقك أنت .لابد ان هناك شئ ما فى ذهنه , وهي تعرف هذا . وكان يحاول استدراجها للاستعلام عنه .. انها لعبة قديمة تعرفها عنه .- بالطبع انا منزعجة يا رالف . انا منزعجة حول الحادثة , واخاف من فكرة السفر معهم في المركب .- لماذا يا نورما ؟ هل .. حدث شئ آخر ؟وكان هناك توتر غريب في صوته , فقطبت جبينها وقالت بهدوء:- إلى ماذا ترمي ؟- ألم يقل لك أحد شيئا إذا ؟- حول ماذا ؟وضحك بصوت غريب جعلها تجفل :- أوه .. أنت تعرفين .. الناس تتحدث بالإشاعات .. اليس كذلك ؟- ولماذا يشيعون عنك شيئا ؟- لست ادري . إنها مجرد فكرة يا نورما , فى حال حاول احدهم التحدث عني وعن جولي ..- جولي ؟ وأنت ؟ ما هي هذه الإشاعات ؟- هل تحاولين إثارتي ؟كان صوته لايزال متوترا , وادركت نورما لسبب ما , انه يظن انها علمت شيئا . شيئا حوله وحول جولي ..- رالف .. هل حدث بينك وبين جولي أي جدال ؟- لايعد ما جري جدالا يا فتاتي .. اسمعي ... كان هذا مجرد صدفة !بدأ الامر عند قضائنا نهاية أسبوع فى اسكتلندا , عندما كنت تظنين اننا ذهبنا لرؤية سباق الخيل .. لايجب ان تتظاهري . ذلك الوغد سيلك كان دائما يغارعلي جولي مني . ولابد أنه هو من أوصل الخبر لك .. كي ينتقم مني .. ماذا قال لك بالضبط ؟- رالف . منذ متى كانت هذه العلاقة مستمرة ؟- قلت لك , منذ ذهابنا إلى استكلندا , ربما منذ سنة الآن .- وهل كنتما .. تتعاشران ؟- لاتكوني طفلة هكذا . بالطبع كنا نتعاشر . نورما ؟ أنت وأنا .. لم نكن نفعل شيئا كهذا . والرجل يجب ان يمرح قليلا فى حياته .- أنت لا تعرف شيئا سوى المرح .. لقد كنا على وشك الزواج!- ولا زلنا سنتزوج .. إذا رغبت فى هذا .- إذا رغبت ؟- أعتقد انك جربت نفسك مع سان كلير , لتستطيعي استرجاعي . ليس عليك ان تفعلي هذا يا نورما ..- استرجعك ؟ انت تتحدث كالأطفال .- اتعنين .. انه لم يحدث شئ .. لم تمنحيه نفسك ؟- وهل هذا ما تظنه بي ؟- ليس بعيدا عليك أن تفعلى هذا , أنت احيانا كالقطة المتوحشة ..- فى الواقع .. آلان عشيقى ! وسأسافر معه على متن يخته !وقال بهدوء , وبلهجة منتصرة :- وهل أستطيع أن أفهم من هذا ، ان كل شئ بيننا انتهى ؟وقالت بصوت مرتجف :- رالف .... لقد خططت لكل هذه المحادثة .. أليس كذلك ؟ أردتنى أن أعرف ! كنت تموت شوقا لتخبرنى عن علاقتك بجولى ...وقاطعها رالف ن واستطاعت سماع الذنب فى صوته :- تمالكى نفسك .- إذا كنت تريد التخلص من علاقتنا ، فلماذا لم تقل لى هذا بصراحة . لم يكن يجب عليك أن تنتظر طويلا !- اسمعى يا نورما .. ليس من التعقل أن تتصرفى كطفلة ..وأقفلت السماعة ، ودفنت رأسها بين يديها ، وانفجرت بالبكاء .عندما استعادت ربأطة جأشها ، عادت إلى التقاط الهاتف ثانية .. وتفكيرها مضطرب . هل سيقبل بها آلان على يخته ؟منتديات ليلاس
ربما لا . وبدأت تتكون فى ذهنها خطة مجنونة . وطلبت السنترال وطلبت منه الاتثال بنادى يخوت مومباسا ، وجاءها صوت آلان جافا وباردا .- نعم ؟- أظن أننى وجدت لك من يرافقك ، متى تريد مغادرة مومباسا ؟- فى أسرع وقت ممكن ، بالطبع . هناك مد فى البحر عند الثالثة صباحا . وأستطيع أن أبحر عندها . لماذا ؟وقفز قلبها ، الثالثة صباحا ! وفكرت بآلان ، هل تستطيع أن تخدع هذا الرجل ؟ وانقبضت معدتها ، ربما تستطيع خداعه لساعات قليلة :- هناك شاب التقيت به ، تلميذ ، كما أظن . وذكر انه يفتش عن طريقة للسفر إلى وطنه . لقد سرق كل ماله ...- حسنا من هو ؟ ما اسمه ؟- أوه .... طونى ... ربما طومى .... لا أذكر تماما .- لا يهم .. اتعلمين أين أجده ؟- أجل .- أين ؟- حسنا ، لقد قال إنه سيسهر الليلة ، ولست أدرى أين .. أتريد أن أتصل به عندما يعود ؟- لا .. سأتكلم معه أنا . أين يقيم ؟- لا أعرف أين يقيم . انظر .. سأراه عندما يعود ، وأرسله إليك فى اليخت .. هل ينفع هذا ؟- أعتقد هذا .. انظرى ، هذا الشاب اليس مصدر مشاكل ؟ مخدرات ، أو شئ من هذا ؟- أوه .. لا . لاشئ من هذا النوع أبدا .- وكيف تعرفين .وقالت بحزم :- إنه لا يبدو من هذا الصنف . ولكننى أعرف أنه تواق جدا للحصول على طريقة سفر للعودة إلى وطنه .- إذا .. أبلغيه أننى سأدفع له الأجر المتعارف عليه . وحاولى أن ترسليه إلى اليخت بأسرع وقت ممكن .. اوكى ؟- أوكى ...- إذا وصل عندى قبل الثالثة ، سنبحر فى الحال .. هل فهمت ؟- ساقول له .وقال آلان بصوت أقل عدائية الآن :- اسمعى .. لقد نسيت إسمك .- نورما ليستر .- صحيح ، لقد سمعتهم ينادونك نورما . إذا استطعت إرساله إلى اليخت الليلة ، سأكون سعيدا جدا .- سأفعل نا بوسعى .- أجل .. حسنا .. انا آسف إذا كنت جافا معك .- أتفهم هذا . سأذهب لأفتش عنه الآن .وودعته ، وأقفلت الهاتف . ثم ركضت خارجة لتنزل فى المصعد . وهى تعد ما لديها من مال . هل ستستطيع ان تذهب إلى اليخت ؟ سيكون ظلاما فى الخارج ، وهذا من مصلحتها . والخداع لن يستمر أكثر من ساعات . وما إن يصبحا فى عرض البحر ، لن يستطيع ان يعود ثانية .وجدت صيدلية مفتوحة فى الشارع التالى ، وأخذت سلة وبدأت تفتش عن ما ستحتاج إليه . مقص ، صباغ شعر ، أسبرين ، بعض مستحضرات التجميل ، اقراص لدوار البحر ، قد تحتاج فى اليخت الكبير ... بعض الصمغ ...وعادت إلى الفندق وهى تحمل مشترياتها ، وفى المصعد ، نظرت إلى ساعتها لتجد أنها العاشرة والنصف . فهمست " اللعنة " لم يعد أمامها الكثير من الوقت !
( نهاية الفصل الثاني )