المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
بسمة مسروقة من الزمن
مرت أمامه...فازدادت دقات قلبه كحاله كلما رآها...أسقط الجريدة من يده وأحس بتلك النار تشتعل مجددا داخله...هب من على كرسيه وأصر هذه المرة على تقفي أثرها..كيف,لماذا,ماذا حصل؟...لا يعرف, كل ما يعرفه أن رجليه شرعتا تتبعان خطاها دون هوادة...الفتاة على بعد خطوات منه..لكنها لم تلاحظ هذا الغريب الذي يتعقبها..هذا الغريب الذي حاول نطق كلمة واحدة ينبهها إلى وجوده فلم يسعفه لسانه..أحس به مربوطا..لقد سحرته من أول نظرة إلى وجهها الطافح بشرا وابتسامتها التي أضاءت قلبه دون أن يحس...فكيف يحدثها؟..هذا ما شغل الشاب طوال الأيام المقبلة بعد أن عرف مسكنها, أصبح يتردد هناك خلسة عله يتنعم برؤيته وجهها الذي لم يفارق مخيلته لا ليلا ولا نهارا..فكان إن رآها تطل من نافذة بيتها فإنه يعود منشرح الصدر, أما إن كان الأمر على عكس ما يهواه قلبه فإنه يعود أدراجه مهموما وكأن جبلا على ظهره
وبقي الشاب على هذا المنوال قرابة الشهر دون أن يمل أويكل فقد أحبها حتى دون أن يكلمها أو يسمع صوتها..لكنه أحبها وهذا كل ما يعرفه قلبه ما يؤلمه في نفس الوقت..فهي لا تعرف أنه هائم في هواها..فهل يمكن أن لا تلاحظ هذا الغريب الذي يزور نافذة بيتها كل يوم..هل من الممكن أن لا تقرأ الحب في عيونه..هل..هل..
ومر أسبوعا آخر والفتى المسكين يتألم في حبه وحده..ماذا يفعل؟..لم يعد يدري..فحياته انقلبت رأسا على عقب ولم يعد يثيره شئ مما كان يقضي به أيامه وجل ما كان يهمه اعتزال غرفته والتفكير في طريقة تقربه من محبوبته والدعاء المستمر في أن تكون من نصيبه
اقتربت أيام العطلة على النهاية وعليه حزم أمره قبل أن يسافر إلى وجدة حيث مقر عمله فهو أستاذ جامعة حديث هناك..وهو يريد تلك الفتاة زوجة له وأما لأولاده
إن وجهها لا ينفك يطارده..شاردا أصبح والحزن فيه عميق, وقد لاحظت عائلته, أصدقاءه وكل من يحبه هذا الشرود والحزن والألم الذي ألم بفتاهم..هذا الشاب الذي كان بالأمس طموحا,سعيدا والبسمة لا تفارق محياه أصبح اليوم ذابلا كوردة رميت وسط الطريق لتدهسها أرجل ساهين
ذات يوم سألته أمه فلم تحصل منه إلا على آهة طويلة ونظرة تحمل من المعان أكثر مما تجسده كل كلمات الدنيا, فعلمت أن ولدها الحبيب يعاني أكثر مما تصورته بأضعاف مضاعفة
: ومع تزايد حالته قرر أصدقائه التدخل فقال له أحدهم
نعلم جيدا يا أحمد أنك تعاني كما نحن متأكدون أن السبب هو تلك الفتاة -.. التي تتردد إلى حيث تعيش علك ترى وجهها ولو من بعيد
: وأكمل آخر
ونحن متأكدون أنك تحبها بل متيم بهواها,لكن موقفك هذا ليس - بالصواب في شئ
: وأردف صديقه الثالث
إن كنت تريدها في حياتك عليك أن تتحرك وتقوم بخطوة ايجابية..عليك - أن تطلب يدها للزواج يا صديقي
إن أصدقائه على حق,فإن أراد محبوبته أن تكون نور حياته فعليه أن يتحرك ولا يكتفي بالشفقة على نفسه في غرفته الكئيبة..لكن ما يقض مضجعه أنه لا يعرف شعورها.. وكيف يعرف وهو لم يحدثها يوما..كيف يعرف إن كانت تحبه كما يفعل أوحتى أحست بوجوده..فهل يا ترى عرفت أن هناك غريبا سقط صريع هواها..هل يا ترى حمل النسيم إليها هواه فتحن..وتلك العصافير الجميلة هل أحست بحاله فأشفقت عليه وربما في يوم هادئ أخبرتها أن أحمدا يحبها وسقط صريع هواها...هل يمكن أن تحدث هذه المعجزة الصغيرة فتتغير حياته التعيسة على إثرها...ها يمكن؟
وبينما هو في أفكاره بين كلام أصحابه وشكوكه المتزايدة إذ بمالكة قلبه تمر من أمامه تماما كما حدث منذ شهرين مضيا...هب من كرسيه أمام ذهول أصدقائه الذين فهموا تصرفه حالما لاحظوا وجهة عيونه..شجعوه بكلمات خافتة أن يتبعها فيكلمها
خطوة...خطوتان...ثلاث..وإذ به قربها يوقفها بكلمات رقيقة أقرب إلى الهمس
توقفي أرجوك,أريد أن أكلمك وليس في نيتي شر -
توقفت ونظرت بعينين خرقتا عيونه لتستقرا مباشرة في قلبه وأجابته بصوت أحن من نور القمر في ليلة هادئة
... أعلم أيها الشاب أنه ليس في نيتك شر لكن العالم من حولك مختلف -
... وهل تعلمين أنني -
لا...لا تكمل أرجوك...فأنت وأنا طريقانا مسدودان ولا يمكن أن يتلاقيا -...
وتركت الشاب في صدمة مما حدث منذ لحظة...تركته كأنها لم تكن هنا تحدثه بأعذب صوت...دون أن يتفق معها على لقاء آخر, وتذكر كلماتها <... أنت وأنا طريقانا مسدودان ولا يمكن أن يتلاقيا >
ماذا قصدت...إذن إنها تعرف أنه يحبها,أنها تهتم ولطالما اهتمت...لقد قرأ ذلك في عيونها وفي صوتها كما قرأ فيهما أشياء أخرى...ألما وخوفا وقلقا واستسلاما...استسلاما جعلها تقول تلك الكلمات وتهرب
تلك الليلة لم يستطع النوم وعيناها تطاردانه وكلماتها تحرق قلبه...لما تركته في حيرة وماذا عليه أن يفعل الآن؟...أيتقدم لخطبتها كما نوى..وإن رفضته...إن عيونها تقول عكس تلك الكلمات بل ويكاد يقسم أنه رأى فيهما حبا كالذي يعتمل في صدره...إذن لما قالت أنه محكوم على طريقهما بأن لا يلتقيا ...ياه,كم يتمنى أن يلتقيا مرة أخرى...وفجأة عنَّت في ذهنه فكرة
في ذلك اليوم كانت سهى جالسة كعادتها قرب نافذتها ننتظر رؤيته..أجل,ذلك الغريب الذي سلبها قلبها دون أن تعرف حتى اسمه ولن تعرفه أوتتمنى مصارحته بحبها ما دامت أن حبها موءود في مهده...وبينما هي في أفكارها إذ بأختها الصغيرة تدخل عليها غرفتها تعطيها رسالة...وبنظرة نحو المكان الذي تعود البقاء فيه عرفت مرسلها
فتحت الرسالة بيدين مرتجفتين وبقلب ملئ شوقا...إنه هو..كلمات مليئة حبا..إنه يهواها ويطلب إذنا بالتقدم لخطبتها..ياه كم حرمت على نفسها تمني هذه اللحظة ويا ليتها لجمت قلبها ومنعته التهور...والآن...الآن ستعيش مع قلب مجروح لم يستطع الاستمتاع ولو للحظة مع محبوبه...وبيدين أكثر ارتجافا أخذت قلما وورقة لتدفن حبا لم يترك المهد بعد
وانتظر أحمد الجواب وكله لهفة...إنه جواب تتوقف عليه حياته...وعندما وصلته رسالتها وضعها على قلبه كأنها كنز ثمين يخشى فقدانه
إنه الآن في غرفته والرسالة أمامه...إنه خائف مما تحمله بين ثناياه...ويا ليته ما فتحها وبقي على الأمل...ذلك كان أفضل مما قرأته عيناه...لقد فهم سبب قولها لتلك الكلمات...ياه لم لم يفكر في ذلك الاحتمال من قبل...ياه..لقد ضاعت منه محبوبته وستتزوج شخصا آخر..ياه...إنها خنجر تنغرس في قلبه عميقا...لقد ضاعت وضاعت معها كل آماله...ستتزوج, ستكون نور حياة شخص آخر...ياه...الفكرة قتلت فيه الرغبة في الحياة
مر أسبوعين وأحمد لم يستطع أن يتحمل فكرة فقدانها..لا..لا يريدها أن تكون لغيره..لا يريدها أن تبتسم لغيره..لا..لا..
وعلى غير هدى اتجه حيث تسكن دون أن يهتم للوعد الذي قطعه على نفسه منذ أسبوعين بأن لايعود تلمسا لنظرة منها...ياه...ازداد الخنجر انغراسا في قلبه عندما رأى ما يحدث في بيت محبوبته...إنه حفل زفاف...إنها تتزوج اليوم...أهناك عقاب أكبر من هذا...لما جئت بي يا قلب هنا...أتهوى الألم والعذاب...أتهوى رؤيتها تذهب لغيرك...
وارتجفت أوصاله وأظلمت الدنيا من حوله عندما رأى محبوبته تخرج بثوب زفاف يتأبط ذراعها رجل آخر...لم يتحمل المشهد..وتمنى لو يرى وجهها من وراء حجابها عله يسرق ابتسامة ليستطيع بها الاستمرار...ابتسامة فقط ما يتمناه هذه اللحظة..
...وعم السكون ورحلت حبيبته ,لن يراها بعد اليوم,لن يتمنى بعد اليوم ولن يحلم بعد اليوم ولن يستطيع البقاء هنا قريبا من ذكرياتها..
ذلك الصباح جمع احمد أمتعته وغادر...غادر إلى وجدة قبل انتهاء العطلة ودون أن يبرر لعائلته هروبه...أجل,انه يهرب من ذكرياته قبل أن يجن ولن يعود قبل أن يعود قلبه النسيان
مر عامان...إنه أوان الرجوع ويكفيه هربا...سيعود ليرى أمه, أصدقائه وليعيد الاتزان إلى حياته...لابد أنها سعيدة الآن ولا بد أن لها ابنا أو ابنة...انه وقت التوقف عن التفكير فيها...انه وقت دفن تلك الذكريات والمضي قدما...هذا ما أقنع نفسه به وهو يرتمي في أحضان أمه...سيعوض على هذه الأم المسكينة ما عانته بسببه...سيعيد حياته إلى مسارها الصحيح...هذا ما وعد به أصدقاءه
لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن...هذا ما طرأ على باله عندما رآها بعد أسبوعين من عودته..إنها جميلة كما كانت دائما..جميلة و..لديها طفلة
أجمل...لقد كان على حق..فلما لاتتوقف الذكريات عن التدفق من حيث لا يدري ألم يقتلها ذات يوم؟..لا لم يفعل...ولكنه لم يعد من حقه الشعور بشيء.. وعليه الرحيل الآن..
... توقف أرجوك-
صدمه صوتها الذي اشتاق لسماعه والأكثر من ذلك طلبها الغريب
لا أريد أن أسبب.... علي أن أذهب -
لم رحلت..لم ذهبت بعيدا دون أن تهتم بي...لقد كنت انتظرك كل يوم - أن تأتي إلى مكانك المعتاد..فلم رحلت..لم..
فغر أحمد فاه لم يصدق ما يسمعه...أحقا قالت ذلك أم أنه يحلم...لا بد أنه يحلم
ولم أبق ورجل آخر سرقك مني..لقد جئت إلى بيتك بعد أسبوعين من - تلك الرسالة فوجدت زفافا يقام هناك..لقد تزوجت كما قلت في رسالتك
ابتسمت سهى فأنارت قلبه وعلم أنه لم ينسها ولن ينسها أبدا
أنا لم أتزوج -
صعقته المفاجأة وتمنى لو يصفعه أحدهم خوفا من أن يكون كل هذا حلما
والرسالة...والطفلة... -
ندى..إنها ابنة أختي الأصغر مني...تلك التي رأيتها عروسا ذلك..لقد - تزوجت ابن عمي ذاك الذي قلت لك عنه في الرسالة
هز أحمد رأسه حيرة..انه يحلم..اجل لابد أن هذه إحدى أحلام يقظته التي لطالما تمنى فيها أن تعود له محبوبته..لكنه لم يكن يحلم وكل هذا واقع ينطق بوجوديته عندما استرسلت سهى تشرح
- لقد رآني ذات يوم أبكي بكاء مريرا فعرف أن هناك خطبا...استحلفني أن أقول له الحقيقة فأخبرته كل شيء...لقد كان متفهما ووعدني بالمساعدة...كنت خائفة أن تحدث مشكلة بين عائلتينا بسببي,لكن الله كان لطيفا بنا وبعد إقناع مني ومن ابن عمي لعائلتينا تزوج أختي..وهكذا لم تتفرق العائلتين وأنا لم أتزوج...
أحقا أنها أمامه,أحقا انتظرته ليعود...ياه كم تمنى هذه اللحظة...إنها تحبه وهذه المرة لن يسمح أن تضيع منه..وعدتها عيناه بما انتظرته عامين كاملين..ابتسمت برضا فعرف أنها منتهى سعادته فابتسم بدوره كما لم يبتسم يوما
|