أحنت سوزان رأسها ولم ترد , ما يقوله بيترو صحيح , أن مارشيللو يتصرف مع زوجته بطريقة غريبة , لكن الأسباب التي جعلته يفتح منزله أمام الجمهور , تفهمها كليا , لماذا يبيع الأشياء التي يحبها ما دام بأستطاعته أعالة عائلته كما يجب؟ هل هذه أنانية أن يتقاسم مع الآخرين حب الأشياء الفنية والتحف الرائعة التي تملأ القصر؟
بعد لحظة صمت , أضافت:
" عندما سقط مارشيللو في قعر الوادي , ماذا حدث له؟".
" تريدين معرفة كل التفاصيل ؟ حسنا , لقد كسر ساقيه والعمود الفقري , وبعد خروجه من المستشفى , قضى أكثر من سنة على الكرسي الجرار".
" و....... ماذا عن الكدمات في وجهه وعنقه؟".
" أنها ناتجة عن أغصان أشجار الصنوبر , على ما أعتقد.... لست قاسيا وأعرف أنه تألم كثيرا , لكن هذا لا يبرر تصرفه السيء أتجاه صوفيا , ووقاحته أتجاهي , لا تعرفين كم يبخل عليها.....".
لا يبدو أن صوفيا محرومة من أمور كثيرة , ووجدت نفسها منفصلة وهي تتخيّل جسم مارشيللو المحطم والمليء بالدم , والواقع في قعر الوادي في كورنينا , يا ترى كيف كانت ردة فعل صوفيا لدى معرفتها خطورة الحادث الذي تعرض له زوجها؟
لاحظت فجأة كيف كان بيترو ينظر اليها في فضول , فهزت كتفيها وغيّرت الحديث قائلة:
" ما هذا الجناح الصغير المغلّف بالعرائش والكروم؟".
" أنها أستراحة لطيفة , أمرت ببنائها والدة مارشيللو , كانت ملجأ خلال الحرب , خاصة عندما كان القصر مصادرا كمركز رئيسي لقيادة الجيش , وفي أنكلترا , حدث شيء مماثل , أليس كذلك؟".
" نعم , طبعا".
" ولحسن الحظ , لم يكن سكان القصر آنذاك من البرابرة , ولم يدمر شيء ولم يسرق شيء".
كانا قد وصلا الى السلالم التي تؤدي الى الأستراحة الصغيرة وأضطر بيترو الى أن ينزع بعض العشب والشوك كي يتمكن من فتح الباب والدخول , فاحت رائحة العفن والرطوبة ,كل شيء كان مهجورا , والمقعد الحجري المبني حول الغرفة من الداخل كان مليئا ببيوت العنكبوت.
" هل ما زالت والدة مارشيللو.... على قيد الحياة؟".
" كلا , ماتت نتيجة ذبحة قلبية بعد حادث الطائرة الذي تعرض له والد مارشيللو وأدى الى موته عام 1968 ".
" آه لا شك أن ذلك كان صعبا لأبن خالك!".
" في الوقت الذي قتل فيه والده , كان مارشيللو يعيش في روما مع صوفيا , ويعمل كخبير".
سألته سوزان وهي تخرج من الأستراحة:
" كان خبيرا ..... في التحف القديمة؟".
" طبعا , مارشيللو هو أستاذ في علم الأثريات , ألم تعرفي ذلك؟".
" كلا , كيف بأمكاني معرفة ذلك؟ وهذه الأستراحة , للأسف مهملة بهذا الشكل...".
هز بيترو كتفيه وقال:
" ميغيل البستاني الوحيد , بالكاد يستطيع صيانة الحديقة من أجل السياح , هذه مشكلة هذا المكان , المصاريف كثيرة وليس هناك الماديات الكافية لمواجهة ذلك".
صرخت سوزان تقول:
" هل تعني أن لوسيا هي وحدها التي تهتم بالمنزل".
" كلا , خلال الموسم السياحي , يسمح لها مارشيللو بالأستعانة بأحدى فتيات القرية , لكنه يفضل أن يهتم بالأشياء الثمينة والتحف الفنية بنفسه ,وهذا عمل يأخذ منه وقتا كبيرا , أنه دوام كامل".
" وماذا تريده أن يفعل؟".
" أن يبيع كل شيء! هل سمعت جيدا ! وهكذا يمكن للجميع هنا أن يعيشوا في الترف حتى آخر حياتهم".
أجابت سوزان في سرعة:
" وبعد ذلك؟".
" بعد ذلك ؟ لا أفهم".
" بلى , بعد موتك وموت الآخرين , المال لا يدوم , هل فكرت بأولاد أبن خالك؟".
" هناك ايلينا فقط".
ستتزوج ايلينا من دون شك وستنجب أولادا بدورها ,لماذا تريد أن يحرم هؤلاء من هذه الكنوز؟".