كاتب الموضوع :
bendada
المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
نهيتكِ عن هواكِ فما انتهيتِ
( معروف الرصافي )
نهيتكِ عن هواكِ فما انتهيتِ
ولكن قد فعلتِ كما اشتهيتِ
فيا نفسي عن الشهوات كفيّ
فأنت عليك يا نفسي جنيْتِ
وما امارة بالسوء يوماً
سعت في المنكرات كما سعيت
إذا ما حَلبة الحسنات جاءت
رأيتك أنت صاحبة السُّكيت
فان اسدى الآله عليك عفواً
والاّ يا فجار فقد هويت
هو الدهر لم يرحم إذا شدّ في حرب
( معروف الرصافي )
هو الدهر لم يرحم إذا شدّ في حرب
ولم يتئد إما تمخض بالخطب
يزمجر أحيانا ويضحك تارة
فيظهر في بردين للجد واللعب
فلا هو في سَلم فنأمَن بطشه
يسالم حتى تأخذ القوم غرة
فيهجم زحفاً في زعازعة النكب
أرى الدهر كالميزان يصعد بالحصى
ويهبط بالموزون ذي الثمن المربي
أدالَ من العُرب الأعاجم بعدما
أدالَ بني عباسها من بني حرب
ولم أرَ للأيام أشنع سُبة
لعمرك من ملك العلوج على العرب
صفت لبني العباس أحواض عزهم
زماناً وعادت بعدُ مخلبة الشرب
عنت لهم الدنيا فساسوا بلادها
بعدل أضاء الملك في سالف الحُقب
فكانوا طفاح الارض عزاً ومنعة
خلائف ساسوا بالسيوف وبالكتب
لقد ملكوا مُلكا بكت أخرَياته
بدمع على المستعصم الشهم مُنصب
تشاغل بالذات عن حوط ملكه
فدارت على ابن العلقم رحى الشغب
أطال هجودا في مضاجع لهوه
على ترف والدهر يقظانُ ذو ألب
لقد غره أن الخطوبَ روابض
ولم يدر أن الليث يربض للوثب
فكان كمروانَ الحمارِ إذا انقضت
به دولة مدّت يدَ الفتح للغرب
جرت فتنه من شيعة الكرخ جلحت
نرد هُلاكو بالقتال على العقب
فقامت لدى ابن العلقم ضغائن
تحجرن من تحت النياط على القلب
فأضمر للمستعصم الغدر وانطوى
على الحقد مدفوعا إلى الغش والكذب
وخادعه في الأمر وهو وزيره
مواربة إذ كان مستضعفَ الإرب
فأبعد عنه في البلاد جنودَه
وشتتهم من أوب أرض إلى أوب
ودس إلى الطاغي هُلاكو رسالة
مغلغلة يدعوه فيها الى الحرب
وقال له إن جئت بغداد غازياً
تملكنها من غير طعن ولا ضرب
فثار هُلاكو بالمغول تؤمه
كتائب خضر تضرب السهل بالصعب
وقاد جيوشا لم تمر بمخصب
من الارض إلا عاد ملتهب الجدب
جُيوش ترد الهضب في السير صفصفا
وتعرُك في تسيارها الجنبَ بالجنب
فما عتّمت حتى بنت بغبارها
سماء على ارض العراق من الترب
ولما أبادت الجيش بغداد هالكاً
على رغم فتح الدين قائده الندب
أقامت على أسوار بغدادَ بُرهة
تعض بها عض الثقاف على الكعب
فضاق عليها بالحصار خناقها
وغصت بكرب ياله الله من كرب
وقد حم فيها الامن بالرعب فانبرت
له رخصاء من عيون أولى الرعب
هناك دعا المستعصم القوم باكيا
بدمع على لحييهِ مُنهمِل سكب
فابدى له ابن العلقم تحزناً
طَوى تحتهُ كشحاً على المكر والخلب
وقال له قد ضاق بالخطب ذرعا
وأنت ترى ما للمغول من الخطب
فكم نحن نبقى والعدو محاصِر
نذل ونشقى في الدفاع وفي الذب
وماذا عسى تجدي الحصون بأرضنا
وهم قد أقاموا راصدين على الدرب
فدع "يا أمير المؤمنين" قتالهم
على هُدنة تبقيك ملتئم الشعب
ولسنا "وإن كانت كباراً قصورنا"
فهادنه وأخرج في رجالك نحوه
وصاهره واشدد منه أزرك بالقرب
وإلا فإن الأمر قد جد جده
وليس سوى هذا لصدعك من رأْب
فلما رأى المستعصم الخرق واسعاً
وأن ليس للداءِ الذي حل من طب
مشى كارها والموتُ يُعجل خطوه
يؤم لفيفا من بنينَ ومن صحب
وراح بعقد الصلح يجمع شمله
فأمسكه رهنا وقتَّل صحبه
هلاكو ولم يسمع لهم قط من عتب
وأغرى ببغدادَ الجنود كما غدا
بأدماء يغرى كلبه صاحب الكلب
فضلت بهم بغداد ثكلى مرنه
تفجع بين القتل والسبي والنهب
وصبوا عليها بطشهم أيما صب
وأمسى بهم قصر الخلافة خاشعا
مهتكة أستاره خائف السِّرْب
وباتت به من واكف الدمع بالبكا
عيون المها شتراء منزوعة الهدب
وراحت سبايا للمغول عقائل
من اللاء لم تمدد لهن يد الثلب
لقد شربوا بالهون أوشال عزها
وما أسأروا شيئاً لعمرك من القعب
فقلص ظل كان في الملك وارفاً
وأمحل الملك كان مغلولب العشب
لقد بات إذ ذاك الخليفة جاثما
على الخسف مرقوباً بأربعة غلب
وخارت قواه بالسعار لمنعه
فقال وقد نقت ضفادع بطنه
إلا كسرة يا قوم اشفى بها سغب
فقال هلاكو عاجلوه بقصعة
من الذهب إلا بريز واللؤلؤ الرطب
وقالوا له كل ما بدا لك إنها
ألست لهذا اليوم كنتَ ادّخرتها
فدونك فانظر هل تنوب عن الحب
وكنتَ بها دون المماليك معجباً
وفاتك أن المقت من ثمر العجب
ولو كنت في عز البلاد أهنتها
وأنزلت منها الجند في منزل خصب
لما أكلتك اليوم حربي وإن غدت
سأبذلها دون جنودي تزيدهم
صيالاً بها فوق المطهمة القب
وسوف وإن لم يبق إلا حديثنا
تميز ملوك الارض دأبك من دأبي
هنالك والطوسي أفتى بقتله
قروءة بقتل أدب أفجع الادب
أشار هلاكو نحو علج فتله
فخر صريعاً لليدين وللجنب
فأدرج في لبد وديس بأرجل
إلى ان قضى بالرفس ثمة والضرب
وقد أثخنت بغداد من بعد قتله
جروح بوار جاء بالحجج الشهب
وما اندملت تلك الجروح وإنما
ببغداد منها اليوم ندب على ندب
هي الاخلاقُ تنبتُ كالبنات
( معروف الرصافي )
هي الاخلاقُ تنبتُ كالبنات
اذا سقيت بماء المكرماتِ
تقوم إذا تعهدها المُربي
على ساق الفضيلة مُثمِرات
وتسمو للمكارم باتساقٍ
كما اتسقت أنابيبُ القناة
وتنعش من صميم المجد رُوحا
بازهارٍ لها متضوعات
ولم أر للخلائق من محلِّ
يُهذِّبها كحِضن الأمهات
فحضْن الأمّ مدرسة تسامتْ
بتربية ِ البنين أو البنات
واخلاقُ الوليدِ تقاس حسناً
باخلاق النساءِ الوالداتِ
وليس ربيبُ عالية ِ المزايا
كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبت في جنانٍ
كمثل النبت ينبت في الفَلاة
فيا صدرَ الفتاة ِ رحبت صدراً
فأنت مَقرُّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممتَ الطفل لوْحا
يفوق جميع الواح الحياة
اذا استند الوليد عليك لاحت
تصاوير الحنان مصورات
لأخلاق الصبى بكُّ انعكاس
كما انعكس الخيالُ على المِراة
وما ضَرَبانُ قلبك غير درس
لتلقين الخصال الفاضلات
فأوِّل درس تهذيب السجايا
يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظنُّ بالأبناء خيراً
اذا نشأوا بحضن الجاهلات
وهل يُرجَى لأطفالِ كمال
اذا ارتضعوا ثديّ الناقصات
فما للأمهات جهلن حتى
أتَيْن بكل طيَّاش الحصاة
حَنوْنَ على الرضيع بغير علم
فضاع حنوّ تلك المرضعات
أأمُّ المؤْمنين إليك نشكو
مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أمُّ منها
«نَكاد نغصُّ بالماءِ الفراتِ»
تخذنا بعدك العادات ديناً
فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنَّ سبيلَ خُسرٍ
وصدّوهنَّ عن سبل الحياة
بحيث لزِمْن قعرَ البيت حتى
نزلنَ به بمنزلة الأدَاة
وعدّوهن اضعف من ذباب
بلا جنح وأهون من شذاة
وقالوا شرعة الاسلام تقضي
بتفضيل «الذين على اللواتي»
وقالوا إن معنى العلم شيء
تضيق به الصدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفُّ نَفساً
عن الفحشا من المتعلمات
لقد كذبوا على الاسلام كذباً
تزول الشمُّ منهُ مُزَلزَلات
اليس العلم في الاسلام فرضاً
على ابنائه وعلى البنات
وكانت أمنا في العلم بحراً
تحل لسائليها المشكلات
وعلمها النبيُّ اجلَّ علمٍ
فكانت من اجلّ العالمات
لذا قال ارجِعُوا أبداً إليها
بثلثيْ دينكم ذي البينات
وكان العلم تلقيناً فأمْسى
يحصل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام
وبالقلم الممَدِّ من الدواة
ألم نر في الحسان الغيد قبلاً
أوانسَ كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القوم قدماً
يرُحْنَ إلى الحروب مع الغزاة
يكنَّ لهم على الأعداء عونا
ويضمِدن الجروح الداميات
وكم منهن من أسِرَت وذاقت
عذاب الهُون في أسر العُداة
فما ذا اليوم ضرّ لو التفتنا
الى اسلافنا بعض التفات
فهم ساروا بنهج هُدى وسرنا
بمنهاج التفرق والشتات
نرى جهل الفتاة لها عفافاً
كأن الجهل حصن للفتاة
ونحتقر الحلائلَ لا لجرمٍ
فنؤذيهنَّ انواعَ الاذاة ِ
ونلزمهن قعر البيت قهرا
ونحسبهن فيه من الهَنات
لئن وأدوا البنات فقد قبرنا
جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهن عن طَلب المعالي
فعشن بجهلهنَّ مهتلكات
ولو عَدمت طباع القوم لؤما
لما غدت النساء محجبات
وتهذيب الرجال أجل شرط
لجعل نسائهم مُتهذبات
وما ضر العفيفة كشفُ وجه
بدا بين الأعفّاء الأباة
فِدى لخلائق الأعراب نفسي
وإن وُصفوا لدينا بالجُفاة
فكم برزت بحيهم الغواني
حواسر غير ما متريبات
وكم خشف بمربعهم وظبي
يَمرُّ مع الجداية والمهاة
|