كاتب الموضوع :
bendada
المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
ناح الحمام وغرّد الشحرور
( معروف الرصافي )
ناح الحمام وغرّد الشحرور
هذا به شجن وذا مسرور
في روضة ِ يُشجى المشوق ترقرق
للماء في جنباتها وخرير
ماء قد انعكس الصفاء بوجهه
وصفا فلاح كأنه بَلور
قد كاد يمكن عنذ ظني أنه
بالماس يوشر منه لي موشور
وتسلسلت في الروض منه جداول
بين الزهور كانهن سطور
حيث الغصون مع النسيم موائل
فكأنهن معاطف وخصور
ماذا أقول بروضة عن وصفها
يعيا البيان ويعجز التعبير
عني الربيع بوشيها فتنوعت
للعين أنوار بها وزهور
مثلت بها الاغصان وهي منابر
وتلت بها الخطباء وهي طيور
متعطر فيها النسيم كأنما
جيب النسيم على شذا مزرور
للنرجس المطلول ترنو أعين
فيها وتبسم للاقاح ثغور
تخذت خزاماها البنفسج خدنها
وغدا يشير لوردها المنثور
وكأن محمر الشقيق وحوله
في الروض زهر الياسمين يمور
شمع توقد في زجاج أحمر
فغدا حواليه الفراش يدور
وتروق من بعد بها فوارة
في الجو يدفقُ ماؤها ويفور
يحكى عمودُ الماء فيها آخذا
صعدا عمود الصبح حين ينير
ناديت لما ان رأيت صفاءه
والنور فيه مغلغل مكسور
هل ذاك ذوب الماس يجمد صاعدا
أم قد تجسم في الهواء النور
تتناثر القَطرات في أطرافها
فكأنما هي لؤلؤ منثور
ينحل فيها النور حتى قد ترى
قوس السحاب لها بها تصوير
كم قد لبست بها الضحى من روضة
فيها علتني نضرة وسرور
فاجلت في الازهار لحظ تعجبي
ولفكرتي بصفاتهن مُرور
فنظرتهن تحيراً ونظرنني
حتى كلانا ناظر منظور
فكأن طرف الزهرِ ثمة ساحر
لما رنا وكأنني مسحور
إن الزهور تكهن براعم
مثل العلوم تجنهن صدور
وتضوُّع النفحات منها مثله
تبيينها للناس والتقرير
وبتلك قلب الجهل مصدوع كما
ثوب الهموم بهذه مطرود
والزهر ينبته السحاب بمائه
يزهو فذلك في النهَى تنوير
او كان هذا لا يدوم فان ذا
ليَدوم ما دامت تكر عصور
نجيت بالسد بغداداً من الغرق
( معروف الرصافي )
نجيت بالسد بغداداً من الغرق
فعمها الأمن بعد الخوف والفرَق
قد قمتَ بالحزم فيها والياً فجرتْ
أمورها في نظام منك متسق
لقد نجحت نجاحاً لا يفوز به
من خالق الحزم الا حازم الخلق
ويح الفرات فلو كانت زواخره
تدري بعزمك لك تطفح على الطرق
ولا غدت تجرُفُ الأسدَاد قاذفة
منها بسيل على الانحاء مندفق
حيث"الحويوة " امست منك طالبة
رَتقاً لسدّ بطامي السيل مُنفتق
باتت تجيش بتيار وبات لها
أهلُ العراقين في هم وفي قلق
حتى إذا أيقنت أرض العراق بأن
تفنى من الظلم اليها متلع العنق
فكدت تملأ فرغ الواديين بما
حشرت مِن طبق يأتيك عن طبق
لما خرجت وكان الخرق متسعاً
والناس ما بين ذي شك ومتثق
قالوا: نحا شُقة قصوَى وما علموا
بأن عزمك يدني أبعد الشقَق
فصدَّق الله ظنا فيك أحسنه
قوم وكذَبَ ظن الجاهل الخَرِق
اذ جئت والسد تحت الغمر مكتسح
والنهر يرغو بموج فيه مُصطفق
وثلمة السد كالمواة واسعة
يهوي بها السيل من فوق الى العمق
سَللتَ صارم رأي قد أزلت به
ما كان في السيل من طيش ومن نزق
فما تموج ماء النهر من غضيب
وانما اخذتهرعدة الفرق
ثبّت عزمك في أمر يذِلّ به
عزم الحصيف لما يحوي من الزاق
تقضي النهار برأب الثأي مجتهداً
وتقطع الليل بالتدبير والأرَق
حتى بنيتَ وكان النهرُ منفلقا
سَدا عليه رَصينا غير مُنفلق
أرسيته جَبلا قامت ذُراه على
أصل مع الموج تحت الماء معتنق
فراحت الناس تمشي فوقه طَربا
والنهر ينساب بين الغيظ والحنق
وصار معكس فخرانت مرجعه
من كل أحمرَ قانٍ وَسطه قمر
يتلوه نجم بلون ابيضٍ يقق
فظلَّ حاسدك المغبون منطويا
على فؤاد بنار الجهل محترق
ودَّ الفرات حياءً منك يومئذٍ
لما اقتدحتَ زناد الرأي مفتكرا
في الخطب الهبت منه فحمة الغسق
فأدبرَ الهم وانشقت غياهبه
كما قد انشق سَجف الليل بالفلق
انّ الامور اذا استعصت نوافرها
أخذتهن من التادبير في وهق
وان تصاممت الايام عن طلب
أسمعتهن بصوت منك صهصَلق
تنحلّ بالرأي منك المشكلات لنا
كالنور ينحلْ ألواناً من الشرَق
وكلما زدت تفكيراً بمعضلة
زادت وضوحاً لنا حتى على الشفق
فالفكر منك كأبعاد الفضاء بلا
حدّ يسابق خطف البرق في الطلق
يحكى الأثيرَ إذا أجرى تلاطمه
ابدى سواظع نور منه منبثق
لك الثناء علينا ان نخلده
نقشاً على الصخر لا رقماً على الورق
تالله لو بلغت زهر النجوم يدي
مكن كل جرم بصدر الليل مؤتلق
رتبتها حيث كل الناس تقرؤها
سطراً بمدحك مكتوبا على الافقِ
نحن من أرضنا على مُنطاد
( معروف الرصافي )
نحن من أرضنا على مُنطاد
جائل في شواسع الأبعادِ
طائرٍ في الفضاءِ عرضاً وطولاً
بجناحٍ من القوى غير باد
ايها الارض سرتِ سيرك مثنى
ذا نتاجين في زمان أُحاد
فتقلّبت في نهار وليل
ذا مضلٌ وذاك للناس هاد
في بلادٍ يكون سيرك تأْويـ
ـباً على أنه سُرى في بلاد
فيك دفع وفيك يا أرض جذب
لك ذا سائق وذا لكِ حادي؟
فلك دائر على الشمس طوراً
في اقتراب وتارة في ابتعاد
ليت شعري وما حصلت من الآ
راء إلا على خلاف السداد
لبقاء تُقلنا الأرض في تسـ
ـيارها أم تقلنا لنفاد
نحن في عالم تقصف فيه
عارض النائبات بالرعاد
شأننا العجز فيه نوجد أني
قذفتنا يد الخطوب الشداد
ضاع جَذر الحياة عنا فخِلنا
انها كالأصمّ في الاعداد
شغلتنا الدنيا بلهو ولَعب
فغفلنا والموت بالمرصاد
ضل من رام راحة في حياة
نحن منها في معرك وجلاد
إنما هذه الحياة جروح
اثخنتنا والموت مثل الضماد
كلّ اسرٍ يهون ان أُطلقت أَر
واحنا الموثقات بالأجساد
لا تلمني اذا جزعت فاني
ما ملكت الخيار في ايجادي
واللبيب الذي تعلم إتيا
مثلما طال مطلها بمرادي
كدّرت عيشيَ الحوادث حتى
لا أرى الصفو غير وقت الرقاد
صاح ما دلّ في الامور على الأشـ
ـكال إلا تفحص الأضداد
فاعتبر بالسفيه تمس حليماً
وتعرّف بالغي طرْق الرشاد
نَ المالي من خسة الاوغاد
ايها الغرّ لا تغرّك دنيا
ك بكون مصيره لفساد
خف من غاص في الغرور كما في
لجة الماء خف ثِقل الجماد
يا خليلي والخليل المُواسى
منكما من يقوم في اسعادي
خاب قوم أنوا وغى العيش عُزلا
من سلاحي تعاون واتحاد
قد جفتنا الدنيا فهلا اعتصمنا
من جفاء الدنيا بحبل وِداد
لو عقلنا لما اختشى قطّ محسو
دون وقع الأذاة من حساد
فمتاع الحياة احفر من ان
يستفزّ القلوب بالأحقاد
أنا والله لا أريد بأن أو
قِع شرًّا ولو على من يعادي
إن لي إن سمعت أنَة محزو
نٍ أنيناً مُرَجعاً في فؤادي
من نفسي عن همها ذات شغلٍ
بهموم العباد كلِّ العباد
لا أحب النسيم إلا إذا هب
على كل حاضر أو باد
ايها الناس ان ذا العصر عصر الـ
ـعلم والجد في العلى والجهاد
عصر حكم البخار والكهربائيـ
ـية "والماكينات" والمنطاد
بُنيت فيه للعلوم المباني
وأقيمت للبحث فيها النوادي
فاض فيض العلوم بالرغم ممن
ضربوا دونهن بالأسداد
إن للعلم في الممالك سيراً
مثل سير الضياءِ في الأبعاد
اطلع الغرب شمسه فحبا الشر
ق اقتباساً من نورها الوقاد
إن للعلم دولة خضعت دو
ما استفاد الفتى وان ملك الار
ضَ بأعلى من علمه المستفاد
لا تُسابق في حَلبة العزّ ذا العلـ
ـم فما للهجين شأْوُ الجواد
إن أموات أمة العلم أحيا
ءٌ حياة الأرواح والأجساد
ساكناً والضمير منِّي ينادي
صار بالعلم كعبة القصار
ربَّ يوم وردت دجلة فيه
مورداً خالياً عن الورّاد
حيث ينصبّ في سكوتٍ عميق
ماؤها لاثماً ضفاف الوادي
وهبوب النسيم يكتب في الما
ءِ سطوراً مُهتزَّة ً في اطراد
يَمَّحى بعضها ويظهر بعضٌ
فهي تنسب بين خاف وباد
وتئنّ المياه لي بخرير
كأنين السقيم للعوَّاد
قمت في وجهها أُردّد طرفي
واقفاً تحت سرحة ٍ ناح غريزيـ
ـاً حزيناً كأنه انشادي
جاويتهُ افنانها بأنين
من حفيف الأوراق والأعواد
ايها الطائر المرجع فوق الـ
طائر فوق غصنها الميَّاد
بين ماءٍ جارٍ ولحن شجيّ
منك يا طائرُ استطار فؤادي
يا مياهاً جرت بدجلة تجتا
رز مروراً بجانبي بغداد
ان نفسي الى الحقيقة عطشى
افتشفين غلة من صاد
كنت تجرين والرُّصافة والكر
خ خلاء من رائح أو غاد
أيها الماءُ أين تجري ضَياعاً
وحواليك قاحلات البوادي
فمتى تفطن النفوس فيحيا
بك سقياً موات هذي البلاد
لو زرعنا خليج فارس ما ذا
فمه معك بالع بازدراد
انت والله عسجد ولجين
لو أتينا الأمور باستعداد
فاجر يا ماءُ إن جريت رويداً
باناة ٍ ومهلة ٍ واتآد
علَّنا نستفيق من رقدة الفقـ
ـر فنغنى بفيضك المزداد
سلكتك السما ينابيعَ في الأر
ض امدّتك ايما امداد
فتفجَّرتَ في السفوح عيوناً
نبعت من مخازن الاطواد
وذا ما انتهيت في جريان
عُدت للبدءِ في مُتون الغوادي
هكذا دار دائر الكون من حيـ
ـث انتهى عاد راجعاً للمبادي
نزلت تجر إلى الغروب ذيولا
( معروف الرصافي )
نزلت تجر إلى الغروب ذيولا
صفراءُ تشبه عاشقا مَبتولا
تهتز بين يد المغيب كأنها
صب تململ في الفراش عليلا
ضحكت مشارقها بوجهك بكرة
وبكت مغاربها الدماء اصيلا
مذحان في نصف النهار دلوكها
هبطت تزيد على النزول نزولا
قد غادرت كبد السماء منيرة
تدنو قليلا للافول قليلا
حتى دنت نحو المغيب ووجهها
كالورس حال به الضياء حيولا
وغدت باقصى الافق مثل عرارة
عطِشت فأبدت صفرة وذبولا
غَرَبت فأبقت الشُّواظَ عَقيبها
شفقا بحاشية السماء طويلا
شفق يروع القلب شاحب لونه
كالسيف ضمخ بالدما مسلولا
يحكى دم المظلوم ما زَجَ أدمعاً
هملت به عين اليتيم همولا
رقت اعاليه واسفله الذى
في الأفق أشبِعُ عُصفراً محلولا
شفق كأن الشمس قد رفعت به
ردنا بذوب ضيائها مبلولا
كالخود ظلت يوم ودّع إلفها
ترنو وترفع خَلفه المِنديلا
حتى توارت بالحجاب وغادرت
وجه البسيطة كاسفاً مخذولا
فكأنها رجل تخرم عزه
قرع الخطوب له فعاد ذليلا
وانحط من غُرف النباهة صاغراً
وأقام في غار الهوان خمولا
لم انس قرب الاعظمية موقفي
والشمس دانية تريد افولا
وعن اليمين أرى مُروج مَزارع
وعن الشمال حدائقا ونخيلا
وتروع قلبي للدوالي نعرة
في البين يحسبها الحزين عويلا
ووراء ذاك الزرع راعي ثلة
رجعت تؤم الى المراح قفولا
وهناك دون برذونتين قد اثنى
بهما العشيَّ من الكراب نحيلا
وبمنتهى نظري دخان صاعد
يعلو كثيرا تارة وقليلا
مد الفروع الى السماء ولم يزل
بالارض متصلا يمد اصولا
وتراكبت في الجوِّ سُود طباقه
تحكي تلولا قد حملن تلولا
فوقفتُ أرسل في المحيط المدَى
نظرا كما نظر السقيم كليلا
والشمس قد غربت ولما ودعت
ابكت حزونا بعدها وسهولا
غابت فأوحشتِ الفضاء بكدرة
سقِم الضياء بها فزاد نحولا
حتى قضت رُوح الضياء ولم يكن
غير الظلام هناك عزرائيلا
وأتى الظلامُ دُجنة فدجنة
يُرخي سدولاً جمة فسدولا
ليل بغيهبه الشخوصُ تلفعت
فظَلِلت أحسِب كل شخص غولا
ثم انثنيت اخوض غمر ظلامه
وتخِذت نجم القطب فيه دليلا
إن كان أوحشني الدجى فنجومه
بعثت لتؤنسني الضياءَ رسولا
سبحان من جعل العوالم أنجما
يسبحن عرضا في الاثير وطولا
كم قد تصادمتِ العقول بشأنها
وسعت لتكشف سرها المجهولا
لا تحتقر صِغر النجوم فإنما
ارقى الكواكب ما استبان ضئيلا
دارت قديما في الفضاء رحى القوى
فغدا الاثير دقيقها المنخولا
فاقرأ كتاب الكون تلق بمتنه
آيات ربك فصلت تفصيلا
ودع الظنون فلا وربك انها
لم تغن من علم اليقين فتيلا
|