كاتب الموضوع :
bendada
المنتدى :
من عيون الشعر العربي والعالمي
سقتنا المعالي من سلافتها صرفاً
( معروف الرصافي )
سقتنا المعالي من سلافتها صرفاً
وغنت لنا الدنيا تهنئنا عزفا
وزفت لنا الدستور أحرار جيشنا
فأهلا بما زفت وشكراً لمن زفا
فأصبح هذا الشعب للسف شاكراً
وقد كان قبل اليوم لا يشكر السيفا
ورحنا نشاوى العز يهتف بعضنا
ببعض هتافاً يُصعق الظلم والحيفا
ولاحت لنا حُرِّية ُ العيش عندما
أماطت لنا الأحرار عن وجهها السجفا
أتت عاطلاً لا يعرف الحلي جيدها
ولا كحلت عيناً ولا خضبت كفا
جاءت بمطبوع من الحسن قد قضى
على الشعر أن لا يستطيع له وصفا
فلما نرض غير العلم تاجاً لرأسها
ولا غير شنف العدل في أذنها شنفا
ولم نكسها إلا من العرف حلا
وهل يكتسي الديباج من يكتسي العرف
نشرنا لها منا لفيف اشتياقنا
ونحن لأناس نحسن النشر واللفا
ويحتاج للتفكير من موَّه الحلفا
وقمنا على الأقدام صفاً لها صفا
عقدنا لها عقد الولاء تعشقاً
فكنا لها إلفاً وكانت لنها إلفا
رفعنا لواء النصر يهفو أمامها
ورحنا على صرف الزمان لها حلفا
فلما تر غير الرفق فينا سجياً
وإن كان بعض القوم أبدى لها عنفا
تحمل أعباء الصدارة كامل
فناء به ما لم يخف وما خفا
طوى كشحه منها على غير لطفها
وأظهر من وجه الخِداع بها اللطفا
نحا أن يتم الدست فيها لحزبه
علينا وضن الأمر فيما نحا يخفى
وقد فاته أنا أول المعية
بها نخطف الأسرار من قلبه خطفا
وأنا نرى من قد تأبط شره
بعين تقدُّ الإبط أو تخلع الكتفا
لنا فطنة نرمي الزمان بنورها
فيبدو حجاب الغيب منه وقد شفا
رماناً بشزر اللحظ نزور طرفه
فصحنا به أن غض يا كامل الطرفا
فما نحن بعد اليوم مهما تنوعت
عناصرنا من أمه تحمل الخسفا
مددنا إلى كف الإخاء أكفنا
نصافحه شوقاً فمدّ لنا الكفا
فطاب لنا منه العناق وضمنا
إليه فقبلناه من عينه ألفا
أذلاً وهذا العز صرح سابغاً
علينا إذن فالعز أن ندرك الحتفا
إذا نحن قمنا محنقين رأيتنا
ندك جبال الظلم ننسفها نسفا
ونحن إذا ما الحرب أفنت جيادنا
قتالاً ركبنا الموت في حربنا طرفا
تربع في صدر الوزارة كامل
فخط من النقصان في وجهها حرفا
وأنحى عليها بالجفاء مشتتاً
نجاحاً بركنيها الركينين ملتفا
لقد أغضب الدستور فعلاً ونيه
ومن أعلنوا الدستور والشعب والصحف
فأعياه إيضاح الحقيقة فاستعفى
ولم يطلب الإمهال إلا لأنه
رأى عذره إن لم يطل سبكه زيفا
كذالك من صاغ الكلام ملفقا
تمهل حيناً يكثر الخط والحذفا
ومن قال حقاً قاله عن بديهة
ويحتاج للتفكير مكن موه الخلف
فيا أيها "الصدر" الجديد أتعظ به
فإياك أن تطغى وأن تثنى العطفا
ويا مجلس النواب سِر غير عاثر
إلى المجد لا تلقى كلالاً ولا ضعفا
ودع عنك مذموم التجافي فإنما
لغير التجافي اختارك الشعب
ألم ترَ أرجاء البلاد مَحولة
من العلم فاستمطر لها الديمَ الوُطفا
بلاد جفاها الأمن فهي مريضة
فحقق لها من طب رأيك أن تشفي
فإن لأهليها عليك لذمة ً
ومثلك من راعى الذمام ومن
وما أنت إلا أمة َ قد تقدمت
أماماً وقد خلت تقهقرها خلفا
ولا تنس مغبر العراق وأهله
فإن البلاءَ الجم من حوله احتفَّا
فدجله أمست كالدُّ جيل شحيحة
فلا أنبتت زرعا ولا أشبعت ظلفا
وإن "الفرات" العذب أمسى مرنقاً
به الماء يجفو أو به الماء قد جفا
سل "الحلة " الفيحاء عنه فإنها
حكت شهداء الطفّ إذ نزلوا الطفا
فيا ويلَ قوم في العراق قد انطوَوْا
على الذل إذ أمست قلوبهمُ غُلُفا
ولم يذكروا مجداً لهم كان ضارباً
رواقاً على هام كواكب قد أوفى
وكانوا به شُم العرانين فاغتدَوا
يقاسون أهوالا به تجدع الأنفا
يرجون من أهل القبور رجاءهم
ومن يحمل الدبوس أو يضرب الدُّفا
سكناّ ولم يسكن حراك التبدد
( معروف الرصافي )
سكناّ ولم يسكن حراك التبدد
مواطن فيها اليوم ايمن من غد
عفا رسم مغنى العز منها كما عفت
«لخولة أطلال ببرقة ثهمد»
بلاد أناخ الذلّ فيها بكلكل
على كل مفتول السبالين اصيد
معاهد عنها ضلّ سابق عزها
فهل هو من بعد الضلالة مهتد
أحاطت بها الأرزاء من كل جانب
إلى أن محتها معهداً بعد معهد
وحلق في آفاقها الجور بازياً
مطلاً عليها صائتاً بالتهدد
وينقضّ أحياناً عليها فتارة
يروح وفي بعض الأحايين يغتدي
فيخطف اشلاء من القوم حية ً
ولم يقد المقتول منها ولم يدِ
ويرمى بها في قعر أظلمَ موحش
به أين تسقطْ جذوة الروحُ تخْمدُ
هو السجن ما ادراك ما السجن انه
جلاد البلايا في مضيق التجلد
بناءٌ محيط بالتعاسة والشقا
لظلمّ بريء أو عقوبة معتد
زُرِ السجن في بغداد زورة راحم
لتشهد للأنكاد افجع مشهد
محل به تهفو القلوب من الاسى
فان زرته فاربط على القلب باليد
مرَّبعُ سورٍ قد احاط بمثله
محيط بأعلى منه شِيدَ بقَرمد
وقد وصلوا ما بين ثان وثالث
بمعقود سقف بالصخور مُشيَّد
وفي ثالث الاسوار تشجيك ساحة ٌ
تمور بتيار منالخسف مزبد
ومن وسط السور الشمالي تنتهي
إليها بسدود الرّتاجين مُوصد
هي الساحة النكراء فيها تلاعبت
مخاريق ضيم تخلط الجِدَّ بالدَّد
ثلاثون متراً في جدار يحيطها
بسمك زهاء العشر في الجوّ مصعد
تواصلت الاحزان في جنباتها
بحيث متى يَبلَ الأسى يتجدّد
تصعَّد من جوف المراحيض فوقها
بخارٌ اذا تمررْ به الريح تفسد
هناك يودُّ المرء لو قاء نفسه
وأطلقها من أسر عيش مُنكد
فقف وسطها وانظر حواليك دائراً
إلى حُجَر قامت على كل مقعد
مقابر بالأحياء غصت لحودها
بخمس مئتين انفس أو بازيد
وقد عميت منها النوافذ والكوى
فلم تكتحل من ضوء شمس بمردود
تظن إذا صدرَ النهار دخلتها
كأنك في قطع من الليل اسود
فلو كان للعباد فيها اقامة ٌ
لصلوا بها صلاة التهجد
يزور هبوبُ الريح إلا فِناءَها
فلم تحظ من وصل النسيم بموعد
تضيق بها الانفاس حتى كأنما
على كل حيزوم صفائح جلمد
بحبل اختناق محكم الفتل مُحصد
بها كل مخطوم الخشام مذلل
متى قِيد مجرورا إلى الضَّيم ينقد
يبيت بها والهم ملءُ اهابه
بليلة منبول الحشا غير مقصد
يُميت بمكذوب العزاء نهاره
ويحيي الليالي غير نومٍ مشرد
ينوء باعباء الهوان مقيداً
ويكفيه ان لو كان غير مقيد
وتقذفهم تلك القبور بضغطها
عليهم لحر الساحة المتوقد
فيرفع بعض من حصير ظلالة
ويجلس فيها جلسة المتعبد
وليست تقيه الحر الا تعلة ً
لنفس خلت من صبرها المتبدد
وبالثوب بعض يستظل وبعضهم
بنسج لعاب الشمس في القيظ يرتدي
فمن كان منهم بالحصير مظللاً
يعدونه ربَّ الطراف الممدد
تراهم نهار الصيف سُفعاً كأنهم
اثافيُّ اصلاها الطهاة بموقد
وجوه عليها للشحوب ملامح
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقد عمَّهم قيد التعاسة موثقاً
فلم يتميز مطلق عن مقيد
فسيدهم في عيشه مثل خادم
وخادمهم في ذُلِّه مثل سيد
يخوضون في مستنقع من روائح
خبائث مهما يزدد الحر تزدد
تدور رؤُوس القوم من شمّ نتنها
فمن يك منهخم عادم الشم يحسد
تراهم سُكارى في العذاب وما هم
سكارى ولكن من عذاب مشدَّد
وتحسبهم دوداً يعيش بحمأة
وما هو من دود بها متولِّد
ألا ربِّ حر شاهد الحكم جائراً
يقود بنا قود الذلول المعبد
فقال ولم يجهر ونحن بمنتدى
به غيرُ مأمون الوشاية ينتدى
على ايّ حكم أم لا ية حكمة
ببغداد ضاع الحق من غير منشد
وقلت لأن العدل لم يتبغدد
رعى الله حياً مستباحاً كأنه
من الذعر أسراب النعام المطرد
وما صاب البيت الحقير بناؤه
بافزع من رب البلاط الممرد
وما ذاك إلا أنهم قد تخاذلوا
ولم ينهضوا للخصم نهضة مُلبد
فناموا عن الجلّي ونمت كنومهم
سوى نوحة مني بشعر مغرد
وهل أنا إلا من أولئك إن مشوا
مشيت وان يقعد اولئك اقعد
وكم رمت إيقاظاً فأعيا هبوبهم
وكيف وعزم القوم شارب مُرقدِ
نهوضاً نهوضاً ايها القوم للعلى
لتبنوا لكم بنيان مجد موطد
تقدمنا قوم فابعد شوطهم
وقد كا عنا شوطهم غير مبعد
وسدَّ علينا الاعتساف طريقنا
فأجحف بالغوريّ والمتنجِّد
أفي كل يوم يزحف الدهر نحونا
بجند من الخطب الجليل مجند
فيا ربِّ نفِّس من كروب عظيمة
ويا ربِّ خفف من عذاب مشدَّد
|