وعدتَ يا رمضان ...
لــ / لبنى شرف
قال عليه و آله الصلاة والسلام : " هذا رمضان قد جاءكم ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وتسلسل فيه الشياطين "
[ صحيح لغيره ، الألباني ـ صحيح النسائي : 2102 ] .
رمضان ، شهر الخيرات والبركات ، والأنوار والنفحات الربانية
ترى .. كيف ينبغي للمسلم أن يستقبل هذا الشهر الفضيل ؟ .
سُئِل ابن مسعود : (( كيف كنتم تسقبلون شهر رمضان ؟ قال : ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال
وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم )) ..
لقد فقه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أن المقصود من الصيام هو التقوى ،
كما قال تعالى : ﴿ يـٰأيها الذين ءامنوا كُتِبَ عليكمـ الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكمـ ﴾..{ البقرة : 183 } ،
والتقوى محلها القلب ، إذن فلابد من العناية بهذا القلب ،
والحرص على تطهيره من آفاته وأمراضه من حقد وحسد وغل ورياء وكبر ... ،
في مستهل هذا الشهر الفضيل ، حتى يتسنى لهذا القلب استقبال الأنوار الربانية
والنفحات الرحمانية بكفاءة عالية ، ولابد من تزكية الأنفس ،
وشهر رمضان فرصة عظيمة لتحقيق هذه الطهارة والتزكية القلبية والروحية .
ولكن العجيب والمحزن في الأمر ، أن كثيراً من المسلمين اليوم في غفلة عن هذا الهدف السامي ،
وعن هذه الغاية المرجوة من الصيام ،
فتراهم منشغلون بتكديس الطعام والشراب في بيوتهم وكأنهم قادمون على سنة مجاعة أو قحط ،
أو أنهم ربما يظنون أن الصيام يعني الكسل و" التنبلة " ،
وعدم القدرة على الحركة وشراء الحاجيات !!! ، وهذا الإقبال الشديد على شراء المواد الغذائية أدى إلى التهاب الأسعار ،
فبعض التجار ـ هداهم الله ـ يحسبون أن هذا موسم لتحقيق المكاسب والأرباح ، وهو كذلك ،
ولكن في الأجر والثواب ، وليس في امتصاص أموال الناس !!! .
مساكين هؤلاء ، همهم شهواتهم ومصالحهم وحظوظهم الدنيوية ، مسكين من يلتصق بالأرض ، همه الأكل والشرب والحظوظ الدنيوية ، ويغفل عن الآخرة وعن اغتنام النفحات الربانية .
ومساكين أيضاً من يضيعون هذا الشهر الفضيل في " العزايم " !! ، ينتهي الشهر وهم مشغولون بالطبيخ و تنظيف الأواني ...،
وكأنه شهر الأكل والشرب ، بل والتفنن في صنع الحلويات ..!! .
يقول الإمام الغزالي : (( ومن آدابه ـ أي الصوم ـ أن لا يمتلئ من الطعام في الليل ، ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في باقيه ، وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهــر ، لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور ، ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل ، لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع ، ويكون تاركاً للمشتهى )) .
وحتى من يقول بأن الاجتماع على الطعام بين الأرحام فيه الأجر والثواب والصلة ،
نقول لهم وهل صلة الأرحام لا تكون إلا بالاجتماع على الطعام ؟
ثم إن هناك متسع في باقي أشهر السنة ،
أما رمضان فهو فرصة ونفحة ربانية لا ينبغي أن نضيعها في الطعام والشراب ،
ثم إننا نعيش في زمن قد تعقدت فيه أساليب الحياة ،
فما عاد تحضير الطعام بتلك السهولة التي كان عليها زمن الصحابة الكرام ،
ثم إنهم لم يكونوا يضيعون أوقاتهم في هذا الشهر الفضيل بالانشغال بتحضير الطعام وما يتعلق به ،
فقد كانوا يعيشون حياة البساطة ، ولا يتكلفون في أكلهم وشربهم ، وحتى لو اجتمعوا على الطعام ،
فليس ثمة صعوبة في الأمر ، فطعامهم سهل التحضير ،
ثم إنهم لم تكن لديهم هذه الأواني التي لدينا الآن فتحتاج الصحابيات إلى قضاء الساعات الطوال في تنظيفها !! ،
ولكنهم كانوا يغتنمون شهر رمضان بالقيام والاعتكاف وتلاوة القرآن والصدقات .. .
أنا أرى بأن الإطعام في هذا الشهر الفضيل يجب أن يكون بالدرجة الأولى للفقراء والمساكين والمحتاجين واليتامى وابن السبيل .. ، وإطعام هؤلاء ينبغي أن يكون في رمضان وفي غير رمضان ،
ولكن ينبغي الحرص عليه أكثر في رمضان لمضاعفة الثواب :
﴿ ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ﴾..{ الإنسان : 8 } .
أما إن كان ولابد من الاجتماع على الطعام عند بعض العائلات ،
فلو أن كل أسرة قامت بصنع صنف واحد من الطعام ،
ولو استعملوا الأطباق الورقية والتي لا تحتاج إلى تنظيف ، لكان أوفر للوقت وللجهد ، والله الموفق إلى كل خير ،
ويجزي كلاً على نيته ، ولكن المهم أن تكون صلة الرحم صلة حقيقية وليست شكلية ،
وفي كل وقت وليس في رمضان فقط ، وليس فقط بوجود الطعام !! .
والمهم أيضاً أن تتحقق لدينا ثمرة الصيام ، وهي التقوى ،
لأنها لو تحققت فعلاً ، لتغير حالنا ما بعد رمضان ، ولأصبح دهرنا كله رمضان .
مررت على قوم يبكون قلـت -- ما يبكيكم ؟ قالوا : مضى شهر الغنائم
قلت : دعوا البكاء ، لو اتقيتم -- في رمضان ، بقي الشهر قائـــــم
أدعو الله أن يلهمنا الصواب ، ويرزقنا الحكمة ، ويفقهنا في الدين ، وأن يؤتي نفوسنا تقواها ، ويزكيها فهو خير من زكاها ، وأن يختم لنا شهر رمضان برضوانه ، ويجعل مآلنا إلى جنانه ، ويعيذنا من عقوبته ومن نيرانه ....... اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين ..
.. مما قرأت ..