تغرق في حزن مرير ومشاعر مختلطة من وجع وألم تغزو قلبها بعنف ,
منذ أن أفاقت ووجدت نفسها في بيت جاسم ونوره أدركت أنه لم يعد حلم .
تشتاق إلى غرفتها الصغيرة المجاورة لغرفة
زينة الخادمة
وإلى كرسيها وطاولتها اللذان كانا بمثابة ملجئ لها
تقضي معظم وقتها في القراءة والتحاور مع الأقلام والدفاتر .
كانت وحيدة وسط أولئك لم تشعر يوما بأنهم أهل لها أو بأي رابطة تجمعهم
ولولا أمها لما تحملتهم كل ذلك الوقت ولأتخذت هذه الخطوة منذ زمن .
تمر على بالها خيالات لأشخاص مجموعة من الأطفال
وراشدين بالتحديد ثلاثة أولاد وبنت وأم وأب صورة جميلة جدا
تحملها في قلبها كلما أحست بالضيق تتذكرها .
,
فتاة متعلقة في أطراف ثوب والدها الذي عاد من مكان ما
حاملا صندوق كبير تريد منه أن يحملها ووالدتها تخرج من الغرفة
مرحبة بقدوم زوجها يتبعها ابنها الصغير وولدين قطعا لعبهم
لرؤية ما يحمله والدهم هي كانت تشاهدهم من سريرها -المتوسط للصالة-
صغيرة جدا عمرها تسعة أشهر أو أقل
الأم بحنية
: أهلا وسهلا بيك تشكل آسي
الابن الأكبر بفضول
: بابا شو هيدا الي جايبوا معك
الأب بتعب وانهاك شديدين
: شوي شوي عليا خلوني أخذ نفسي بعدين أقولكم
الأم بعطف
: تعئ أجلس حدي ابن عمي وهي تشير إلى الكرسي
جلس الأب وأبناءه حوله بعدها كشف لهم عن تلفاز وجهاز لتشغيل الفيديو
,
تتذكر جزء من الصورة أما البقية لا تستطيع تذكره جيدا إلى اليوم
وهي تحاول أن تتذكر تفاصيل أخرى
لكنها لا تجد سوى ذكريات أخرى أشد قسوة تجعلها تعتصر بألم ..
طُرق الباب بخفة ثم فُتح قليلا ليكشف عن جسد نحيل
ووجهه يبعث على الطمأنينة والإحساس بالأمان
بصوت هادئ مطمئن قالت
: يا بنتِ قومي صلي أذن من زمان
صورتها هكذا ذكرتها بالمرمية هناك بين ردهات ذاك المستشفى
والفرق بينهما جلي فهذه بالتأكيد أصغر سنا ووجهها مشرق
رغم لمحة الحزن التي تسكن عينيها ..
خرجت بذات الهدوء بعد ما أعلمتها
أنهم ينتظرونها لتتناول معهم طعام الغداء
توضأت وصلت بخشوع ودموعها أغرقت ملابسها دعت الله بأن يحفظها
ويشفي والدتها لها ثم أحكمت وضع حجابها وخرجت ..
لثواني وقفت متحيرة تتساءل أين الطريق المؤدي إلى غرفة الطعام
عقبها قررت النزول إلى الأسفل ذاك أن غرف الطعام عادة ما تكون في الدور السفلي ..
خطت الدرجات إلى أن وصلت لأخر ثلاث درجات حينها توقفت ,
لتسمع صوتها العذب (نوره) وهي تحادث جاسم أرهفت السمع رغما عنها
وهي تسمعهم يتحدثون عنها
نوره : أنا ما بضغط عليها لو بتتكلم من نفسها
جاسم : عجيب أمرك أمس تقولي ما نعرف عنها شيء والحين لما صارت بوعيها قلبتي
نوره : قلبي عورني عليها مكسورة من داخل بعدين هي ما بتثقل علينا
جاسم : أنتِ عارفة أن المادة أخر همي بس ما ينفع نخليها أهلها أكيد يدورن عليها
نوره : ايش عرفك يمكن ما عندها أهل
آلمها و زاد حزنها حزن ووهنها وهن حقيقة فُضحت من بين كلامات نوره
ألا تستطيع أن تجعله مستحيل بدلا من أكيد تمنت أمورا كثيرة في حياتها
لكن هذا الأمر بالذات تتمناه بشدة تريد أبا وإخوة وأخت كبرى ...
ملت من الوحدة التي تنسفها , تحليها رماداً ناعماً
ومن كآبة تصيرها لأشلاء تداس بنعل نظراتهم المشفقة عليها ..
لم تعد قادرة على السير بخطى متزنة وبهدوء ,
وألم ينخر روحها الهشة وكل قوة استندت لها حين وهن
تخذلها لتجلس على تلك الدرجة وهي تكابد عناءها ..
اتفقا أخيرا على أن يحفظاها عندهم لحين أن تسألها نوره عن أهلها وبيتها ..
بينما ظلت هي تصارع انكساراتها وتعدد الخيبات القديمة ,
أمها تلك النائمة بسلام على سرير ذاك المستشفى تعاني من الآلام
التي حلت بها وهي تنهي عقدها الرابع لا ليست بالكبيرة
ولا حتى منظرها يوحي بذلك إنها قوية وروحها شابة
كان مرضها مصيبة نزلت عليهم أليس في الداء نعمة التطهير
لم يفكر أحدهم مثلها الكل بحث لها عن علاج إلا هي تحبها
لذا جرحها التي كانت سببا فيه ظل غائرا ..
نعتوها بألفاظ لم تتخيل في حياتها بأنها ستسمع مثلها أبدا ,
ووصفوها ب اللامبالية كيف وهي لم تزرها سوى البارحة وهم لم يعلموا ,
هي تعرف بأن أمها ارتكبت جرم كبير في حق أحدهم
تذكر سماعها صوت أمها وهي تردد اسم شخص ما وترجو مسامحته إياها ,
لكنها لا تعرف ما تفعل لتجعلها تتوب
و تساعدها على الحصول على رضاه وأن يسامحها ..
ولكي لا تتأخر ويلحظوا ذلك عادت للغرفة
وغسلت وجهها محاولة إزالة آثار الدموع , نزلت الدرجات بسرعة
ودخلت غرفة الطعام لترى نوره تجلس وحدها ..
يبدو بأنني سببت إحراجا لهم لكن ما يفعل من ليس لديه أهل ولا بيت ,
جلست بهدوء بعد إلقائها للسلام بمحاذاة نوره ,
سكبت لها من الغداء وتناولته بشهية مفتوحة منذ زمن
لم تتذوق مثل هذا الطعام بقايا الأكل وفتات الخبز كان يكفيها برأيهم ..
نظرت لها نوره بحنان وهي تقول
: تبي أغرف لك كمان ..
أحست بالإحراج وتمتمت بلا