كاتب الموضوع :
زجاجة عطر
المنتدى :
الارشيف
لا يرُى النور
نزف قلب
1-2
جالسة على كرسيها الهزاز المصنوع
من الخيزران ويغلفه قماش حريري ناعم
تحركه إلى الأمام ليرتد إلى الخلف
في حركة رتيبة اعتيادية ,
تحيط بوجهها الكثير من الهالات
السوداء جراء السهر ..
منذ البارحة والتفكير يلازمها
ما سر هذا الخاتم الذي جعل أخيها
غير قادر على مزاولة الحياة
بطبيعية كما يفعل دائما ...
أرسلت الخادمة لاطمئنان عليه
لتفجعها الأخرى بقول أنه لم ينم
في المنزل ليلة أمس
وأنه خرج بعد خروج ربيع يجر رجليه
ويمسك رأسه والألم بادي على وجهه..
تتمنى لو أنها تشرك أنامل في الموضوع
وتخبرها بما حصل لكنها تعلم مسبقا
أنها سترهقها دون فائدة فهي تفكر بقلبها,
فكرت أيضا بتلك الصغيرة وسن
لكنها تخاف أن تتهور بهذه الخطوة
فمن الممكن أن تذهب وسن لسؤال
وسام بنفسها وتخرب كل شيء..
تعبت من كثرة التفكير
حتى أنها تغيبت اليوم عن العمل
وأرسلت السائق وحده لأنامل
بالرغم من أن تلك لا تركب معه وحدها أبدا ..
لا تستطيع أن تفتش غرفة وسام
فغير مصرح لها بدخول غرفته
فهي مجرد ضيفة ثقيلة في نظره
وليست أخت له وتحمد الله أنه لم يعتبرها عدو ..
اعتدلت جالسة على كرسيها
بعدما سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتها
تلاها دخول شاب في نهاية العشرين
أشعث الشعر يرتدي ملابس بالية
تعلو شفتيه ابتسامة حزينة ...
اقترب منها وعينيه تشع بحب أخوي صادق
:سمعت أن سومه ضربك
أسدلت وشاحها على يدها
لكي لا يرى أثر الضربة
لتتحدث بمرح
: هو يستجري يمد يده علي أصلا ,
بعدين لا تقول سومه تحسسني أنه ياي دلوع الماما..
لو أنها لم تقل الماما ربما ضحك
لتذكره خشونة وسام وبعده الكلي عن معنى النعومة
لكن جرح هذه السنين لم يندمل بعد
وقولها ذكره بما لم ينسى أبدا بأبشع ذكرياته ..
أدركت سلام خطأها وهي ترى شدة مرارة وقع الكلمة
على صفحات وجهه الذي لم يخفي عبوسه
والذكريات تهطل عليه كقطرات المطر ..
الألم ينهش صدرها والذكرى تقتحم عقلها ,
بأي حق تجعل منهم بقايا حطام
كيف سولت لها نفسها فعل ذلك بهم
أي أمومة هذه التي قد تبرر
فعلها أي جحيم رمتهم إليه ,
رددت في نفسها لم يتبقى مني سوى
نصف إنسانة قهرتني وقهرتهم
لم تخلف ورائها إلا صخور متحجرة
لم نستطيع نسيانها بالرغم من نسيها لنا
نراها في كل مكان تحضر لنا
كلعنة أزلية يصعب الفرار منها
وكلما أبعدتها تزداد التصاقا ...
طرق الباب للمرة الثانية
ودخل هذه المرة أخر من تتوقع
وجوده في غرفتها
لتشهق بصدمة حقيقية بالغة
: ربيع
حك شعره بخجل لصدمتها الغير متوقعة
– بالنسبة له على الأقل - ثم قال
: أطلع يعني
لينتقل الخجل ذاته إليها وهي تجيب
: لا ,لا ما أقصد تفضل أجلس
ضحك رامي لرؤية هذا المشهد
الذي بعاد عنه ذكراها المؤلمة
و قال بعدها بغيرة مصطنعة
: أنا من أول واقف ولا فكرتي تقول لي أجلس والأستاذ ربيع
أول ما جاء على طول أجلس
ثم زم شفتيه بضيق مفتعل
رفعت حاجبيها بدهشة
ثم ضربته على كتفه بخفة
: ما بقي إلا رمرم يزعل
صرخ بانفعال مضحك
: ليه تضربيني اعتذري ولا تقولي رمرم لو سمحتي
ضحك ربيع بهدوء ثم قال
: كيف تقارن نفسك بيا أنا الكبير لا تنسى
ايوا سلام كنت بأسالك
نظرت نحوه باهتمام : أسال ؟
ربيع وهو يركز نظره نحو رامي
: كم عمر أخوك ؟
سلام بمزح
: يمكن حوالي ستين واحد وسبعين
كذا يعني في هالحدود
رامي بالرغم من أنه فهم المغزى
من سؤال ربيع إلا أنه تجاهله وهو يقلد صوتها :
ستين واحد وسبعين مالت عليك بس
ثم أردف بجدية
: يلا أنا طالع تبي شي
سلام بالجدية ذاتها
: سلامتك لا تنسى تجي بكرة تنام عندنا
رامي : بحاول بس ما أوعدك
وخرج بعدها من الغرفة ..
نظر ربيع لرامي كل ما حدث في الماضي
يتجسد أمامه في صورته إلى الآن لم يبتلع الصدمة ,
لا يكذب اللامبالاة التي غرق فيها بسبب ما حدث
وسام أيضا أصبح قاسي القلب متحجر للسبب ذاته
يكرهها فهي من حطمتهم وكسرت كل جميل فيهم
حتى ضحكاتهم مكسورة مبتورة
فذكراها يهيج الأحزان
ارتاحت هي بينما تعبوا
التفت لسلام وهو يسأل
ليزيح الذكرى المؤلمة
: متى أخر مرة زارتك أنامل ؟
بالرغم من غرابة السؤال
إلا أنها أجابت بنبرة واثقة
: من أكثر من شهر تقريبا
أردف بنبرة حذرة
: ووسن ؟
أجابت هذه المرة باستغراب
: قبل أمس
تكلم بتساؤل ذا مغزى
: مو غريبة تجي لوحدها يعني دايما ما تجي إلا مع أنامل
سلام التي لم تلتفت لمغزى كلامه
: حتى أنا استغربت بس تقول تبى تذوق مكرونتي الي تحبها
ربيع بذات النبرة الهادئة
: أها ومع مين جات
سلام باستغراب أكبر
: هذا الشيء الي مستغربته
ربيع وما زال يكمل تحقيقه
: مع وسام صح
هزت رأسها موافقة
: ايوا بس ايش جمع الشامي عالمغربي مدري
أنا أدري قالها بصوت خافت
وهو يمشي في طريقه إلى خارج الغرفة
ليتركها خلفه وهالة من التساؤلات تحاوطها
|