المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
الليل والقمر بعد التعديل والتتمة
سمعتها تنادي في الليل البهيم والسكون المخيف...تنادي والألم يعتصر قلبها والصوت مبحوح من لوعة البكاء...فسالت نفسي من هذه التعيسة هناك تتعذب؟من ذا الذي أحزنها؟...إنها تشكي القمر البعيد مواجعها...لا أراها ,لكنني أسمع أنينها مفجعا ,يائسا,تسمرت في موضعي ,لم أرد لها أن تحس بي دخيلا يزعجها في خلوتها,فمن تراها تكون ؟ ياالهي,إن صوتها يمزق القلوب ...لابد أنها امرأة أغار الزمان عليها كثيرا لتلجأالى الليل والقمر دون بني البشر ...أردت أن أعرف مصابها لكنني عجزت عن التقدم خطوة...ومضت الساعة والساعتان وأنا لا زلت في موضعي وهي لازالت تناجي القمر بكلمات لست أفهم منها شيئا...وإذا بي على حالي لازلت أحاول فك رموز كلماتها المبهمة إذ بصوتها يبتعد وبأنينها يتراجع فأيقنت برحيلها...أجل,رحلت فعاد الصمت مميتا والليل بهيما...لقد رحلت فكأنما لم تكن لحظة هناك ,كأنها نسج من خيالي الذي خاف ربما من رهبة المكان...رحلت وتركتني هناك مصدوما,مذهولا وأنينها مازال يتردد في اذناي محدثا ألما غريبا لم اعهد مثله,لقد أشركتني في مأساتها دون أن تقصد فما الذي الم بها؟سؤال صحبني وأنا اجر الخطى إلى حيث كان الصوت...يا الهي...لقد كانت حقا هنا ولم تكن خيالا من خيالاتي...فها هو رماد نار أشعلتها وها هي قطعة قماش قديمة لابد نسيتها في غمرة حزنها...إنها أشياء تشهد حقيقتها وحقيقة فضاعة مصابها,لقد وهنت قدماي وانااجلس على الخرقة القديمة...ألانه كان مكان جلوسها؟...اجل هنا جلست وهنا ناجت القمر وبثته أحزانها...إن المكان أكثر رهبة قريبا,وبدأت أتأمله لربما تركت بعض الكلمات للصدى يعرفني حكايتها
... انه هذا...اجل,لقد أردت من المكان إن يعرفني من تلك المرأة وما حكايتها...أردت من الشجرة أمامي,من خمود النار,من قطعة القماش,من زهرة الياسمين ومن القمر أن يحكوا لي قصتها...أردتهم آن يحدثوني عنها لأنهم أصدقاءها الوحيدون في هذا المكان وربما في هذا العالم بأكمله ما دامت لجأت إلى أحضانهم ترجو المواساة...نظرت إلى الشجرة...إلى قطعة القماش ثم إلى زهرة الياسمين فلم يرد على سؤالي احد...إنهم صامتون..لابل أوفياء لصاحبتهم...أنا لن أكشف سرها أيتها الزهرة الجميلة فحالي أشبه بحالها لو تعرفين..إن قلبي يتألم لو تدرين...لقد اسودت الدنيا في وجهي فهربت
...هربت إلى أحضان الصمت...ما حكايتك؟...من هذا الذي يسأل ,ارتجفت أوصالي,أأتخيل أم أني فعلا سمعت صوتا...يا إلهي,نظرت يمنة ويسرة فلا شيء,ثم ناداني الصوت من جديد من فوق...ما حكايتك؟...يا إلهي,انه القمر هناك أيكلمني حقا أم أنها هلوسات منتصف الليل... .يا إلهي,إنني أحلم..مرحبا..هذا كل الذي استطاع لساني النطق به..
ـ ما بالك أيها الغريب؟
ـ إني سمعت أنينا لامرأة فأردت معرفة مصابها
ـ ولما تريد ذلك ألا يكفيك قلب ممتلئ جروحا لتزيد عليها أخرى...إنها إمراة أغار عليها الزمان كثيرا حتى نسيت الابتسامة طريقا إليها و لا ترتاح إلا هناك حيث جلست وحيث تجلس كل يوم...فما خطبك أنت؟
ـ عندما تضيع أحلام الإنسان...عندما تصبح سرابا ورمالا بين الأصابع...عندما تفقد الدنيا حلاوتها في عينيك وتصبح كأسا مرة تتجرعها كل يوم...عندما تستيقظ يوما على حقيقة أوهام بنيتها في خيالك وأشبعتها حبا سرمديا
عندما تحس انك خدعت في مشاعرك الساذجة وانك كنت ضحية قلبك الغر, وعندما تتمنى لو الزمن يعود بك فتسلك طريقا غير الطريق رغم انك في قراره نفسك تعلم انك مخطئ ولن تخلف موعدك مع القدر...عندما وعندما...وأشياء أخرى لا يجرؤ القلب على تحملها...آنذاك كن على يقين انك في سبيل الموت البطئ... وانك حجزت تذكرة دون عودة إلى عالم الضياع والشقاء...عالم كنت تسمع عنه ولم تجرؤ على تخيله ولو في أسوء كوابيسك
الإنسان مخلوق عجيب و غريب, في لحظة تجد سعادة الدنيا مرسومة في عيونه ولا تمر ساعات حتى تجد الحال غير الحال ولألم في القلب اكبر من أن يوصف, أما الإحساس فأعظم من أن يسمى
إن الندم لا ينفع ,كم سمعت هذه الجملة,لكن هل عملت بها قبل أن أخطئ؟ لا لان الإنسان بطبيعته ميال للخطأ...إنها طبيعته التي جبل عليها حتى ولو كان الثمن تحمل موت بطئ
... حسنا اخبرني شعور الميت الحي,الذي في عرفه الثانية بمقدار سنة...هلا أخبرتني أرجوك فأقارنه بإحساس غريب مؤلم حاد الم بي مؤخرا...أليس إحساس من لا وطن له,لا أحباب له ولو كانوا بالعشرات حوله...انه كذلك أراه في عيونهم فلا تخفينه أرجوك حتى أتعلم التأقلم معه...فهل هناك من شعور أشبه بذاك الذي ياسر حياتي؟ آنا قلبي ملئ ألما وتلمست الراحة هنا...لقد تعبت حتى ضاقت بي الدنيا فهربت..العمل الذي سعيت إليه طوال حياتي تبخر وانطفأت معه شمعة أحلامي..لقد سخرت مني الأقدار,والفتاة...اوتدري,هذا أكثر ما أدمى قلبي...الفتاة التي كانت ستصبح بعد أيام قلائل فقط رفيقة دربي تخلت عني هكذا بكل بساطة...فتحولت أحلامي كلها إلى رماد, فبعد أن كنت أرى في عيون الناس الإعجاب والتقدير أصبحت أرى فيها ألان شفقة فما الذي أصابني لا أستطيع الاستمرار...لقد أصبحت اكره التواجد بين الناس خوفا من تلك النظرات التي أصبحت هاجسا لا يفارقني...لقد خدعت من اقرب أصدقائي والذي لم يتوانى عن سلبي عملي ومن التي شاركتني الأفراح وتخلت عني عند أول عقبة...أفبعد هذا هناك سبب للاستمرار أيها القمر؟...أجبني أفي جعبتك حكاية أشبه بهذه؟...أجبني ما لك صامت
ـ مهلك أيها الشاب واسمعني جيداأوتعرف,أن فاجعة تلك المراةالتي كانت تجلس مكانك لا يمكن مقارنته بألمك ...إن تلك المنكوبة ايهاالشاب عرفت من الألم أسواه,لقد صفعتها الأقدار حتى لم تعد تميز النور من الظلام ولا النهار من الليل...لقد نسيت طعم النوم ومن أين لجفونها النوم... إنها إمراة أخذت الدنيا منها كل شيء وتركتها للدموع والعذاب
إن تلك المرأة تذرف دموعا بدل دم على مصابها ورغم ذلك لا يرتاح قلبها...فإن أخذت منك الأقدار عملك فقد سلبتها روحها وبهجة قلبها ,سرور أيامها وسبب استمرارها...فلا تظنن نفسك فقدت شيئا ذات أهمية أمام ما سلب منها ويداها مكتوفتان أمامه...
ـ ما الذي حصل معها أرجوك أيها القمر؟...إنه سر أعرف ذلك ولكنني أعدك أن لا يتجاوز مطرحنا هذا...
ـ إنه ليس بسر أيها الشاب...فقط لم تجد عندكم السلوى فلجأت إلى طبيعة الله تناجيها طالبة الرفقة...اوتدري لما تطلب الرفقة هنا؟
ـ لماذا أيها القمر؟
ـ لأن الناس سئموا حزنها ولم يعودوا مهتمين بمواساتها في بلواها...لقد سئموا دموعها وانصرفوا إلى حياتهم...فلم تعد يد تمد للمساعدة ولا كلمة لطيفة تقال للتخفيف عنها...لقد نسي أمرها وسحبت من اهتمامات الناس من حولها...لقد أصبحت حكايتها ذكرى وألمها مزيل البهجة فنفيت من الحياة وما زال فيها رمق يطلب العدالة وتنتظر أن يبعث الله من يطبقها لها...
ـ وما مصابها أيها القمر؟
ـ لقد سحبت منها الحياة وهي ترى صغيرها تسلب منه روحه...صغيرها الذي لم يتجاوز عامه التاسع, طفل صغير اختطفه الموت من بين يديها...لم تدهسه سيارة..لا ولم يخطفه مرض أو يمت ميتة عادية فترتاح روحها لمشيئة الله...لا فقلبها موجوع حتى تحل عدالة الله ...قلبها لن يرتاح وعينها لن تقر حتى تشهد قاتل صغيرها يتعذب أمامها...أجل...لقد قتل صغيرها فماتت معه ابتسامتها...لقد غدر بها الزمان أيما غدر,اوتدري منذ أن بدأت التردد على هذا المكان تشكي لوعتها والزهور من حولك ذابلة...الأشجار فقدت لونها والصخور تفتت صلابتها...لقد خطفوا صغيرها وقتلوه دون رحمة...
- ولكن لماذا...لماذا...ما ذنب صغير لم يتجاوز التسعة سنوات؟
- ذنبه انه كان في المكان والزمان غير المناسبين...لقد شهد الصغير جريمة قتل فحكم عليه بالموت...اوتدري شعور تلك الأم وهي تأخذ صغيرها جثة هامدة بين يديها...صغيرها الوحيد الذي بقي لديها في الدنيا بعدما خطف الموت منها زوجها وهي في أول سنة زواج لها...بكت عليه...اجل أياما وليال طوال...لكن حرقتها على صغيرها أعظم من أن توصف ولن تهدأ روحها حتى يجد صغيرها العدالة...أفهمت الآن؟,
تخشبت أضلعي...ياه ,أفي الدنيا قسوة تشبه هذه...لا...وضحكت من نفسي لسخافة مصابي أمام فاجعة تلك المكلولة...ثم نهضت جثة هامدة أجر الخطى نحو ذالك العالم القاسي وأنا أردد بصوت لا يكاد يسمع...فهمت...فهمت أيها القمر
تمت بحمد الله
|