لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المكتمله
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله خاص بالقصص المنقوله المكتمله


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-07-10, 02:40 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الفصل السادس




أيُّ محاولة للخروج من مأزقٍ كهذا ستكونُ باعثةً للسخرية .. سلّمتُ بالأمر و حاولتُ أن أبدو أكثر اتّزاناً و أنا أراه في طريقه نحو السيارة .. ألقى تحيّة بصوتٍ منخفض ثم أدارَ المحرك في طريقهِ لخارج المنزل

كان الصمتُ سيّد الموقف , حتى جدتي التي تمضي كل أوقاتها تقتاتُ على ذكرى الماضي أو حوادثِ القرية كانت صامتة .. أظنّها قد اكتفت من الأحاديث الطويلة التي تبادلتها مع جاراتنا هذهِ الليلة .
قطعنا مسافةً قصيرة ثم أوقف السيارة في محطة قريبة
- بروح السوبرماركت تبون شي ؟
- جدتي : سلامتك بس لا تطول
خرج باتجاه المحل القريب
- نسيت أقوله يجيب حليب معه , انزلي يا بنتي قولي له
- مو مشكلة الحين إذا جاء قولي له يرجع
كنت أحاول أن أتهرب من أي أمر يجبرني على الاحتكاكِ به , لكن جدتي عاودت الحديث بإصرار
- تروحين ولا أروح أنا ؟
لم أجد منفذاً آخر فذهبت بضجر تجاه المحل , رأيته يهم بالمحاسبة .. لم أكن أريد مخاطبته فذهبت لأحضر لي مجلة أتسلى بها في الطريق و أحضر لجدتي ما تريد .. في طريقي للعودة لاحظته يأتي نحوي بانزعاج ثم استوقفني بنبرة حادة
- وش جايبك هنا ؟ مو سألتكم وش تبون ليه ما قلتي ؟
لم أكترث لحديثه و توجهت نحو المحاسبة لكنه نزع الأغراض من يدي بشدة
- بعد بتحاسبين ! ارجعي السيارة بسرعة
كل هذهِ الحماقات تفوقُ قدرتي على تجاوزها , اتجهت نحو السيارة بغضب , و أغلقت الباب خلفي بشدة
- وين اللي وصيتك ؟
لكن كنت أبعد ما يكون عن القدرة على الكلام , أتى من الجهة الأخرى للمقعد الخلفيّ و وضع المشتريات بانزعاج ثم اتجه لمعاودة القيادة
- الحين أنا كنت رايح ليه ما قلتي تبين شي ؟
- ........
- وش فيك على البنت ! أنا اللي نسيت أقولك و خليتها تروح
صمت و أشاح بوجهه نحو الطريق و حاولت أنا بجهدٍ مستميت أن أستعيد شيئاً من توازني

مضت ربع ساعة في الطريق و لا صوتَ سوى طنين الصمت المزعج .. جدتي تمتم بالأذكار بهدوء و أنا أراقبُ أعمدة الإنارة المزروعة بانتظام في الطريقِ الموحش ..
بعدَ قليل خفف سرعتهُ قليلاً و هيّأ المقعدَ الأماميّ بطريقة تسمح لجدتي التي غالبها النعاس بالاسترخاء أخرجتُ هاتفي لأصرفَ انتباهي عن هذا الجو الخانق و سجلت دخولي للماسنجر
قم للمهندسِ وفّه التبجيلا :
هلا بالطويلة .. خلصت عزيمتكم ؟
مسار خاطئ :
ايه .. و الحين رايحه مع جدتي و بكرى أرجع

صمتنا قليلاً ثم بادرني فهد بالحديث

قم للمهندس وفّه التبجيلا :
اسمعي يا بنت الناس
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
أنا يئست إنك تلتفتين لي , و قلت يا رجال اصبر و خلك هادي و رزين يمكن على الله تحس
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
لكن الظاهر عندك بطء استيعاب عاطفي
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
المهم إني قريب بطق باب بيتكم و أقول لأبوك اسمع يا ناصر , أنا طالب يد بنتك المصون
و يا ليت توافق برضاك ولا تراني بخطفها من مكتبها
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
ولا وش رايك أخطبك من سواقكم اللي تحبينه ؟ عاد لو ما وافق والله لا اسفره
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
تراني ما أشاورك ! .. ماعندنا بنات يقولون رايهم قبل أهاليهم
بس قلت أعطيك خبر علشان ما تفاجئين
قم للمهندس وفّه التبجيلا :
آلووو
.
.
" مساء خاطئ قام بتسجيل خروجه "
أحترقُ اعتذاراً يا فهد .. أحترقُ اعتذاراً على هذا الرد الذي صفعتكَ به , مفاجآت القدر الصعبة أكبر من أن يستوعبها سقف إدراكي .. كنتُ أعبرُ حديثكَ باحتراسٍ شديد .. و عبرةٌ تخنقني أحاول أن أبتلعها لأمنعكَ من إتمامِ الحديث .. لكن كما اعتدتُ دائماً من أقدري السيئة .. تركلني بتتابعٍ دون أن تمنحني فرصة استعادة توازني


كنتُ أقرأ كلام فهد و كأنّني أشاهدُ لمعةَ عينيه تلك .. لكن لم أشأ أبداً يكونَ ردي طاعناً فيطفئها.
الصمت هنا يقوم بدورهِ الكريم معي لأول مرة ..
لم أستطع أن أمنعَ خيطاً ساخناً من الدمع يُلهبُ وجهي .. حاولتُ أن أبتلعَ غصّتي كي لا أثيرَ انتباههم لي لكن نشوة الثقة و الفرح العارمة في حديثِ فهد تؤلمني حدّ البكاء .

**

شعرتُ بتأنيبٍ شديد على معاملتي الجافة عندما أخبرتني جدتي أنها هي من بعثتها .. لم أكن أودُّ أبداً أن يكونَ أولُ احتكاكٍ لي بها بهذهِ الطريقة الفظّة .. رغمَ كل استفزازاتها اللامُبرّرة بتجاهل سلامي و حديثي عندما أسألها عن شي .. كنتُ أظنّ أنها سكوتها كانَ خجلاً و من فرطِ سعادتها بتمضيةِ وقتٍ طويل معي .. لكن كل تصرّفاتها لا تُشير لشيءٍ كهذا أبداً

بدأت تساورني الشكوك بأن الرفض متبادلاً بيننا .. لكن هذا يحرّضني لاستكشافِ شعورها أكثر .
ما إن استرخت جدتي حتّى سلمت نفسها لنومٍ عميق .. و لا يقطعُ الصمتَ شيئاً سوى صوتُ محركِ السيارة و صوتُ ضميري الذي ما فتئ يؤنّبني
بعدها سمعتُ صوتَ شهقاتٍ خافتة .. لم أتمالك نفسي عندما ميّزتُ أنهُ بكاء .. خففتُ السرعة قليلاً
و أدرتُ وجهي بنصفِ التفاتة
- تبيكن !! ما عاش من يبكيك يا الغالية
- والله آسف .. أنا بس عصبت يوم إنك ما رديتي و بعدها لحقتيني و السوبرماركت مليان
- حقك على راسي يا بنت العم

لا إجابة كالمعتاد , لكن يكفي أنها توقفت عن البكاء .. تنهّدتُ بانزعاجٍ من تصرفي .. لا أحتمل أن أؤذي شعورَ أنثى بهذهِ الطريقة الجافة

بعدَ قليل سمعتُ صوتَ تقليبِ صفحاتِ كتاب .. هذا يُريحني قليلاً طالما صرفها عن البكاء
كانت تقرأ و هي تمسّد جبينَ جدتي القريب منها بحنان .. حنانها كان يفتك بما تبقى من تماسكِ ضميري تجاه سلوكي معها

فكرتُ بأي شكلٍ ستكونُ الحياة مع أنثى بهذا القدر من الحساسية ؟! و كيفَ الدربُ معها يبدو مُربكاً لرجلٍ مثلي لا يُحسنُ التعامل مع أنثى خاصة .. لم أكن أثق بقدرتي على تبنّي حياةَ امرأة .. و أنا الذي أمضى حياته في صداقةِ الموجودات , و في المكوثِ طويلاً على مقعدٍ خشبيّ في حديقةٍ عامة , أتصفّحُ كتاباً أو أقرأ وجوهَ المارّة و تناغمِ زوجين مُسنّين أو عبثِ أطفالٍ أشقياء
ثم أمضي لأتسكع في أنحائها ملتقطاً ما يسقط من جيوبهم من ذكرى أو همسةٍ تُلقى خلسةً في أذنِ عاشق .
لم أجرّب دورَ البطولةِ أبداً .. دائماً أختارُ لي دورَ المخرج الذي يقف في زاويةِ مسرحٍ عتيق , يعملُ بصمتهِ بينما أضواء الفلاشات تركّز على أبطالِ المسرح , ثم يجوبُ الطرقات و لا أحد يستوقفهُ لصورة تذكارية أو توقيعٍ هامشيّ
فدائماً على الهامش من يستحق أن يعتلي أول السطرِ في سجلٍ وثائقيّ .
و هاهيَ الأقدار تقذفُ بي إلى حياةٍ مُكتظّة بالمفاجآت الصعبة .

لاحظتُ سكونها التام .. نظرتُ إليها من المرآة الأمامية .. كانت تنظر للطريق الطويل بشرود



احترمتُ سكوتها الذي كان موشراً كافياً للاطمئنان بأنها قد تجاهلت الموقف .. تنهّدتُ بارتياح و أدرت مسجل السيارة ليخفف شيئاً من وطأةِ الصمت .. حاولتُ أن أختارَ أغنية بعناية كتعبيرٍ عن تكرار اعتذاري حتى لو كان بطريقة سخيفة .. على الأقل قد تستجيبُ لها طالما أنها لا تستجيب للحديث معي أبداً

سولفي للناس عني .. قولي إني ما عرفت أختار من قلبي يحبه
سولفي للناس إني .. ما قدرت أقرا وجوه الحاضرين من الأحبة
أعترف لك إني فعلاً ما عرفتك
ما قدرت أوصل مع قلبي لحل و ما فهمتك
تجمعين الضد في كل الأمور
غامضة مرة و مرة مثل نور
تشبهين أيام أوقات الخريف
و تمطرين أحيان إحساسك زهور
صدقيني .. صرت من بعدك أخاف
و أعترف إن الخلاف واسع طريقه
و إننا ما نلتقي في أي شي .. فينا اختلاف
للأسف هذي الحقيقة

تنهّدتُ بعمق و عاوتُ التركيز على الطريق بشكلٍ أكبر فلم يبقَ الكثير عن وصولنا

بعدَ دقائق معدودة وصلنا للقرية النائمة بسلام .. لا يقطع سكونها المُهيب سوى أنوار السيارة و حفيف الأشجار و أصوات الحشراتِ الليلية
أدخلت الأغراض إلى بيتِ جدتي الذي يشغل مساحة مُرتفعة قليلاً كرابية في طرفِ القرية .. و هممنا جميعاً بالدخول , ذهبت جدتي لتنام و لحقتها ابنة عمي إلى غرفةٍ مجاورة .. ثم أتت لتحضرَ لي فراشاً و غطاء .. و ضعتهما بجانبي وعادت إلى الغرفة .
استلقيتُ أنا في محاولة بائسة لاستحضارِ النوم لكن كل المحاولاتِ ذهبت سُدى ..
رأيتُ إنارة غرفتها مازالت مفتوحة .. ذهبت و طرقت الباب بخفة ثم أتى صوتها من بعيد
- مين ؟
- لو ممكن ابي اقرأ شوي بالكتاب اللي معك
- لحظة طيب
ناولتني الكتاب و ذهبتُ نحو فراشي و أنا أحمل أملاً و لو باكتشافٍ بسيط لنوعيةِ قراءتها و ميولها

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 27-07-10, 02:49 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

لفصل السابع




حملتُ الكتابَ بيدي كمن يحمل في يدهِ حتفه .. كل آمالي مُعلّقةً على الورق , كل تطلّعاتي تدسُ نفسها بينَ الكلماتِ هنا .. يقولُ القدماء أنّ الكتابَ خيرُ جليس , و ها أنا أحاول أن أعرفها من وشاياتِ جُلسائها
رميتُ الكتاب على فراشي و ذهبت لتحضير فنجان قهوة يرافقني في مُهمّتي الصعبة في التنقيب عن امرأة من خلالِ كتاب .

عدتُ و ألقيتُ معطفي على ظهري بطريقةٍ مُهملة , و صحبتُ كتابي و قهوتي و سجائري للخارج
بقدرِ صمتِ هذا الكون حولي .. إلا أن داخلي مُكتظٌّ بقبائلٍ من فضولٍ غجريّ
كنتُ و حدي و الكتاب .. و طيفها الذي يطلُّ من خلالِ كتاب .
قلبتُ الكتابَ بيدي .. كانت رواية فوضى الحواس , ابتسمتُ لهذا الخيارِ الأنثويّ
فالفتياتُ غالباً ما يبدؤونَ أعمارهنّ في القراءة من خلالِ رواياتِ عبير التي يتبادلنها خلسةً من تحتِ طاولاتِ الدراسة .. و ما إن يجتزنها حتى يقفنَ على أعتابِ هذهِ الثلاثيّة .. ربّما لأن أحلام مستغانمي تفهمهنّ جيداً
و يدركن بدورهن أنّ هذا الفهم متبادلٌ بينِ الإناثِ الشرقيّات .. فلا أظنُّ أن ثمّة رجلٍ قادرٌ على فكِ طلاسمِ أنثى
فمن ذاكَ الخارقُ الذي سيفهم قبيلة شرقيّة بأكملها !
فتحتُ أوّل صفحة كانت بيضاء و فارغة إلاّ من توقيعها .. توقّع بالإنجليزيّة إذن ! و على طريقةِ الرسّامين العالميين .. بخطٍ مائل ينتهي بمعالمٍ خفية .. أُنثى توقّع بهذا الشكل لابُدَّ أنها تعتدُّ بنفسها كثيراً .
يا لغرورِ الإناث !

بدأتُ أقرأ الرواية من أولها .. و أقرأ أكثر الهوامش المكتوبة في الفراغاتِ البيضاء , طقوسها في القراءةِ مُثيرة .. أؤمنُ بالاتصالِ الحيّ بينَ قارئٍ و كاتبٍ من خلالِ كتاب , لكن أن يكونَ هذا الاتصال مُمتدّاً لأحاديثٍ تخاطبية هذا يُعطيني دلالةُ لتكوينٍ عالميّ صغير تتفاعلُ معهُ بأقصى درجاتِ الأُلفة
كتبت في هامشٍ علويّ " تلكَ اللغة المُتحدّثُ الرسميّ لدواخلنا نُجمّلها و تتجمّل هي بانتهاكِ حُرمةِ مشاعرنا "
هل كانت تُخاطبها هنا ؟ هل كانت على طاولةٍ مُستديرة برفقةِ شبحِ كاتبة ؟ يُثيرني هذا التوحّد الذاتيّ بينها و بينَ كتاب .. ابتلعتُ دهشتي و أكملتُ القراءة ..
تُخطّطُ بقلمِ الرصاصِ على جملٍ تستوقفها كشهقة .. يبدو الأمر واضحاً أنها عندما مرّت من هنا زفرت كُل ما تستثيرهُ بداخلها الكلمات
" الحُزن لا يحتاج لمعطفٍ مُضاد للمطر ..إنهُ هطولنا السريّ الدائم "
و في صفحةٍ أخرى قريبة " هوَ رجلٌ يشي به سكوتهُ المُفاجئ بينَ كلمتين , و لذا يصبحُ الصمتُ معهُ حالة لغوية و أحياناً حالة جوّية .. تتحكمُ فيها غيمة مُفاجئة للذكرى "
عبرتُها خلسةً دونَ إيقاظِ الظنون .. أكملتُ القراءة و في كلِ مرة تُعزّز يقيني أنها تقرأ رجلٌ ما
و تتبّع أثرهُ من خلالِ الكتاب . ابتلعُ الكلمات و أردفها بابتلاعِ ظنوني قسراً ..
استوقفتني الورقة الصفراء الصغيرة المُلصقة أعلى صفحة .. يبدو أنها مُقتنياتٌ تهمُّ بشرائها
أغلبها تهتمُّ بالأدبِ الروسيّ و الشعرِ المُترجم حتّى المغمور منهُ أيضاً .. من هنا تأكّدتُ أنها قارئة ناضجة . كُل تلكِ الروايات لا تشي بقارئٍ هاوٍ بقدرِ ما تُثبتُ احترافيّته القرائيّة
أكملتُ القراءة و شبحُ رجلٍ غريبٍ يُطاردني من بين الكلمات
إلى أن وصلتُ إلى الفاصلِ الورقيّ و عرفتُ أنّها قد توقّفت هنا أثناءَ قراءتها في الطريق
تتبّعتُ الهامشَ بحذرِ علّ شيئاً ما يفضحُ شعورها الذي عبّرت عنهُ بالبكاء من توبيخي
استوقفني اسم " فهد " الذي يتكرر بإلحاح في زوايا الورقة
كانَ تكرار اسمه صفعاتٌ مُتتالية على خدِ ثقتي
لم يتبادر لذهني أبداً أن ابنة عمي المرتبط مصيري بها منذُ صغري لم تكن تحسبُ الأيامَ لعودتي
لم يتبادر لذهني أبداً أنّها مثلي تماماً , ترى هذا الارتباط مشروع إتمام لوصايا الموتى فقط !
تجمّدت أطرافي من هذهِ الحقائق الملفوفة بسريّة تامة في الكتاب
أخذتهُ و أنا أحلم بأملٍ ضئيل أن أجدني هنا بصحبتها و أعودُ و أنا مثقلٌ بتفاصيلِ رجلٍ آخر
و حبٍ آخر كان يُكمل نموّه في غيابي
شعرتُ بكفٍ تعتصرُ قلبي بشدّة .. لم أحبها يوماً .. لكنّني منذُ أن أبصرتُ الدنيا و أبصرتها
و أنا مؤمنٌ بأنها لي أنا .. و ضمنَ أثمن ما سأمتلكهُ يوماً ما .. أيُّ جرأةٍ تلكَ التي تسمحُ لغريبٍ أن يجوبَ مدني بلا أدنى اكتراث .. أ لهذا الحدّ تركت مشارفَ قلبها مفتوحةً في غيابي ؟ كيفَ لرجلٍ سواي أن يقتحمَ حياتها , و يكتبها , و تكتبه , و يرافقها في رحلةٍ عبرَ كتاب !
كم يبدو سقفَ السماءِ قريباً جداً حدّ أن يُطبق جسدي على الأرض .. كم تبدو كل تلك الرحابة و الهدوء و أنفاسُ الشجر خانقةً جداً .. و غير قادرة على إنعاشي
و كم أتوقُ أنا لأصفع خدّيهما كما صفعا خدّ أيامي
أخذتُ الكتاب و وضعتهُ في السيارة بينَ أوراقي المهمة .. كيفَ لا و هوَ دليلُ إدانتي بالسذاجةِ التي اتّهمتها بها

كنتُ أبعد ما يكون عن التعقّل هذهِ اللحظة .. أقسمُ بداخلي أنّني سأشنقُ أحلامهما بكلِ ساديتي
فلن يُقامَ تاريخُ رجلٍ آخر على مدني .. أبداً .. أبداً

ذهبتُ باتجاهِ غرفتها كالمذبوحِ من الألم .. طرقتُها مجدداً فعادَ لي صوتها الخمول , كيفَ تنامُ على ذكرى رجلٍ آخر بحضرتي !
أغمضتُ عينيّ بشدّة محاولاً إذابة شيئاً من شراستي عندما يتعلّقُ الأمر بأشيائي الخاصّة
- مين ؟
- اطلعي شوي أبيك
فتحت الباب و هي تعدّل باليد الأخرى حجابها
- خير إن شاء الله خوفتني , صاير شي ؟
- فهد
بقدرِ اتّساعِ أحداقي شهدتُ اتّساعَ المفاجأة و الربكة في أصابعها
- مين فهد ؟ ردي
- أي فهد ؟
- أنا اللي أسألك
- و من أنت حتى تحقق معي ؟
كنتُ أفركُ أصابعي بشدّة في قبضتي تحسّباً لأيّ ردةِ فعلٍ قاسية لكنّ الثورةُ في نفسي من يطفئها !
حاولتُ أن أتماسك بصعوبة و أنا أهمس لها بكل ثقةِ أهل الأرض
- زين .. أول ما نرجع اعتبري نفسك صرتي زوجتي
غادرتها و أنا أورّثُ كل شتائمي و لعناتي للمدعوّ فهد .. لن يطولَ تغافلكَ لي يا فهد
أعدكَ بطعنةٍ في صميمِ حبك .. كما طعنتني في صميم كبريائي .

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 27-07-10, 02:57 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الفصل الثامن



أغلقتُ الباب و رعشةُ البكاءِ تفقدُني توازني .. من هي مثلي لا يليقُ بها أن تحلم .. لا تليقُ بها عيشةُ البسطاء .. كُل الأحلام التي أتركها على شرفاتِ الليل تبقى حتى الصباح دونَ أن تعترضها أيدي المارّة . فالأحلام الصعبة لا تُغري أحداً لسرقتها

لكنّ الضعفاء أمثالي هم وجبة مُغرية على طبقٍ من حلم للثائرينَ الساذجين أمثال ابن عمي
كم من البؤسِ يتوسّدُ قلبي هذا الليل , تُحرقني رغبةُ البكاء و أحرقني معها بسخريّة المنكوبين
يا لحظّي السعيد .. من هيَ تلكَ التي تحلمُ بعرضيّ زواجٍ في ذاتِ الليلة ؟!
يا لبؤسي .. كم أبدو مثيرةً للشفقة حدّ البكاء .
أمضيتُ ساعاتَ الليل و لا شيء أنتظر أن يأتي بهِ الصباح .. كم تتساوى في عينيّ استوائيّةٍ مثلي الأيام و الفصول .. لا تعترفُ طقوسها إلا بخطٍ ساخنٍ من القَدَر .. و هطولُ بؤسٍ موسميّ دائم
أسفرَ الصبحُ عن وجههِ .. دثّرتُ أحزاني جيّداً ثم خرجتُ من غرفتي لأمضي مع جدتي وقتاً بسيطاً قبلَ عودتي
رأيتهما يتناولان إفطارهما مع أحاديثٍ متقطّعة .. تجاوزتهما لأغسلَ الحزنَ عن وجهي و أصلي
استكنتُ قليلاً .. ثم ذهبتُ نحوهما و جلستُ بالقربِ من جدتي التي كانت تحكي له عن حلم جدّي و طيبِ عشرته .. و كيفَ أن المرأة تحمل ولاءً لزوجها و بيته و ذكراه حتى بعدَ موته , و أنها لا تُفارق المنزل الذي عاشت بهِ مع زوجها إلاّ محمولةً على نعشها .. لكنّه لم يكن يُصغي إليها أبداً .. كان ينظر باتساعِ عينيهِ إلى الفراغِ ساهماً .. و التعب الذي يحيط بعينيه لا يشي بأنه قد نام ليلة البارحة
شربتُ الشاي و ذهبتُ لأقومَ بأيّ عملٍ منزليّ يصرفُ تفكيري عمّا حدثَ بالأمس
كنتُ في المطبخ أرتّب الأطباقَ في الأرفف عندما أتى نحوي .
وقف أمامَ الباب بصمت .. تجاهلت وجوده وعدتُ لأنجزَ ما أقوم بهِ دونَ أن أعيرهُ أيّ اهتمام
- ما ودك تعلميني من هو فهد ؟
- ..........
- قولي و أنا أوعدك أتفهم اللي تقولين
- ..........
- يصير خير
خرج و ترك بداخلي ألف شهقة خوف من اللهجة الواثقة في حديثه .. لو لم يأتِ .. لو دعاني و شأني لعلم أنّ فهد لم ينوي إلا أن يتقدم لخطبتي من أبي كما تملي عليه مروءته
أمضيتُ العصرَ برفقةِ جدّتي التي ذهبت لزيارة جارتها .. كُل البساطة التي تغمر القرية كانت بمثابةِ رئةٍ ثالثة أتنفّس من خلالها بعيداً عن حزني .. رائحة المزارع و البيوتِ الطينية كافيةً لإنعاشِ الطمأنينة في نفسي .. بعدها أتى العم صالح ليعيدني إلى المنزل
و كان ابن عمي برفقتنا في الطريق بسيارته .

**



لم أكن أحتمل كل هذا البرود الذي تقابل به ثورتي .. سكوتها كان يؤكد يقيني بوجود هذا الشخص بحياتها .. أصبحتُ أتوجّس من كل حركاتها و سكناتها , كل ما تقومُ به أراه وسيلة للاتصال به
كنت أسير خلفهم بسيارتي و عند وصولنا إلى مُفترقِ الطريق لم أحيد باتجاه منزلنا .. شيءٌ ما يحثّني أن أتبعهم حتّى أتأكد من دخولها إلى المنزل .. ركنتُ سيارتي على جانبِ الطريق إلى شاهدتُ إنارة غرفتها مُضاءةً من خلال النافذة ثم عدت إلى منزلنا ..
أخذتُ حماماً ساخناً يهدّأ قليلاً من ضجري .. ثم استلقيتُ بكل تعبِ الدنيا الذي أثقل كاهلي و سلّمتُ نفسي إلى نومٍ عميق
استيقظتُ صباحاً بتوازنٍ أكثر .. نزلتُ إلى الأسفل و رأيت أمي تتابع إحدى البرامج الصباحيّة بينما منى تعدُّ الشاي .. جلستُ قليلاً مع أمي و أتت بعدي منى
- يمه وش صار على الموضوع اللي كلمني فيه الوالد
- والله مدري ما قال لي شي
تحدّثت منى بنبرة ضاحكة
- ما شاء الله مستعجل ؟
- أكثر مما تتخيلين
- هههههههه الله يتمم على خير يا رب
صمتُّ قليلاً ثم توجّهتُ بسؤالي إلى منى
- إلا أقول منى .. اختك بأي شركة تشتغل
- بشركة ....
- مرتاحة هناك ؟
- اي الحمد لله .. عاد شغلها كل حياتها
هه ! شغلها كل حياتها ؟! لابدَّ أن بينَ عملها و حياتها كلمةً أسقطتها عنكم خفية .. كلمة تبدو كفراغٍ شاسعٍ جداً .. لا يملؤهُ إلا فهد !
ستعرفُ قريباً جداً لأيّ مدى سأتلذذ بمهارةٍ في تمثيلِ جثّةِ حبكما يا فهد .. و على مرأى من عينيكَ و عينيها .
**


عدتُ إلى المنزل مثقلةً بمخاوفي .. أمرٌ باعثٌ للسخريةِ أن تهربَ من همومٍ تعرفُ جيداً كيفَ تُطاردكَ إلى أقصى مساحاتِ الأرض
تجاهلتُ الدخولَ إلى الماسنجر فلم أكن أعرف بأيّ وجوهِ أحزاني سأقابلُ فهد .. نمتُ بعمقٍ استعداداً لدوامِ الغد .. و بيّتُ في نفسي نيةَ أن أتحدّث إلى فهد بعدَ ساعاتِ العمل
استيقظتُ صباحاً و ذهبتُ إلى مقرِّ عملي .. رأيت فهد في طريقه إلى دخولِ المبنى أيضاً .. عندما لاحظ سيارتي تباطأ في الدخول .. ودّعتُ العم صالح و ذهبت .
في الممر الطويل كان يفتعل المشي بمحاذاتي , و هو يلقي تعليقاته ساخرة لاستثارةِ ضجري
لأوّل مرّة أرى فرحةً طفوليّة تتراقصُ وهجاً في عينيه .. لأوّل مرّة أرى الإشراق ينبعثُ من ملامحهِ بهدوء مُريح
- تسجلين خروج و أنا أكلمك ؟ يعني إنك مستحية الحين
- فهد بليز بلاش فضايح بعدين نتكلم
قطعَ حديثنا وقعُ كعبِ زميلةٍ أخرى تعبرُ الممر بمحاذاتنا مما أجبر فهد على الابتعاد قليلاً باتّجاه المصاعد المقابلة وهو يهمس بصوتٍ منخفض
- اوكي لنا كلام طويل بعدين
صعدتُ إلى مكتبي , ألقيتُ التحية على لينا و ذهبتُ لأتمم بعضَ المهام بصحبةِ حياة .



**

خرجتُ بعدَ أن تناولتُ الشاي مع أمي و منى لتقديم أوراقي لأكثر من جهة للعمل , أثناءَ عودتي لا أعلمُ أيُّ فكرةٍ جنونيّة لمعت في ذهني بالذهاب إلى الشركة التي تعمل بها ابنة عمّي .. فقط لأخرسَ احتمال ضئيل جداً بألاّ يكونَ فهد زميلُ عمل ..
توجّهتُ نحو الاستقبال و سألتُ عن اسم فهد .. أخبرني الموظّف أن هنالك أكثر من موظّف بهذا الاسم و إن كنتُ أقصد المهندس فهد نظراً لحضورهِ الاجتماعيّ فمكتبهُ في الطابق السادس لكنّه الآن في المقهى المجاور
توجّهتُ للمقهى فقط لأرى ذاكَ الذي نصبَ حبّهُ في قلبِ ابنةِ عمي

**

بعد أن أمضينا ساعات طويلة من العمل الجاد توجهتُ مع حياة للأسفل لتناول وجبة نعودُ بعدها لإتمامِ العمل ..
جلسنا على طاولة لنتناول الغداء .. لاحظتُ أثناءها دخول فهد مع المهندس أحمد و هو يزيح نظارتهُ الشمسية نحوَ الأعلى .. أخذ كلّ منهما وجبته .. ثم رأيتُ فهد يشدّ قميص المهندس أحمد باتجاهنا
- بدون ولا كلمة .. قوموا
ترد حياة : والله جينا محد قال الطاولة محجوزة
- احلفي بس ! هالشركة كلها من فراشكم لمديركم يدري إني ما أجلس إلا هنا
- فهد من الآخر لا تبرد وجبتك .. ما طرى لي أقوم والله
سحبت يد حياة محاولةً في إنهاء هذهِ المسرحية الهزليّة قبل قدوم أحد لكنها مصرة على إتمامها
- و هذي قعدة .. حياك أحمد
- صدق ما تستحي
- والله ما ندري من اللي مايستحي .. اللي يجون بيقولون وش مقعد الموظفات مع فهد كلهم عارفين هذي طاولتي
- حياة بليز قومي
- حلفت ما أقوم .. عادي وش عليك ! شوي بنخلص و نقوم
جلسَ فهد على الكرسيّ المُقابل لي .. لم أستطع أن أغادرهم و أترك حياة بموقف سخيف و مثير للتوجّس .. سلّمتُ بالأمر و أنا أرفع عيني بقلقٍ كلّما همَّ أحدٌّ بالدخول
مالَ فهد قليلاً باتجاهِ الطاولة و هو يقرّب رأسهُ مني
- ترا جد والله خوفتيني يوم طلعتي فجأة .. اللي قلته لك كله صادق فيه و إذا الله راد بالويك اند بنزوركم
الغصّة التي حدّثني عنها فهد في لقاءاتنا الأولى ها أنا أشعر بها الآن .. لم أتجرّأ على أيّ كلمة قد تدمّرُ سقفَ أحلامهِ أمامَ عينيّ .. رفعتُ نظري قليلاً..
تسمّرت عيناي عندما رأيتُ الشخص الذي يقف على أعتاب المقهى , ولم يكن سوى ابن عمّي .

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 27-07-10, 03:00 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الفصل التاسع





دخلتُ إلى المقهى و بذهني ألفُ تصوّر هلاميّ لفهد . كانَ المكان شبه خالياً إلاّ من مرتادين قلّة
أدرتُ بصري في المكان بحثاً عن أيّ شخص يُعطي انطباعاً مبدئيّاً أنه فهد .. تعمّدتُ ألاّ أسأل النادل كي لا أورّثُ شكوكاً عندما يُشيرُ إليّ باتجاهه

وقعت عيني على طاولة أقصى المقهى بجوارِ الخلفيّة الزجاجيّة التي تطلُّ على الشارع .. لم أحتمل المُفاجأة عندما ميّزتُ أن هذهِ الهيئة هيئة ابنة عمّي .
توجّهتُ نحوهما و كلُّ خليّة في جسدي تبتهل إلى الله بتكذيبِ ظنوني .. عندما لاحظت اقترابي سقطت الملعقة من يدها .
بهذا السقوط تهاوت كُل شكوكي إلى اليقين .. و تهاوت معها كل صورة نقيّة لابنة عمي
لم أحتمل المُفاجأة بأن أراها تجلس بصحبتهِ و هو يُدني رأسهُ منها و يهمس بأذنها مُبتسماً
أسرعتُ باتجاههم و كُل شرَّ الأرضِ يتطايرُ من عينيّ .. الصدمة كانت تفوقُ حلمي و تعقّلي
اقتربتُ منه و أحكمتُ قبضتي بشراسةٍ على ياقةِ قميصه و أنا أقيمهُ من مقعده
لا أدري كيفَ كبحتُ شيئاً من جنوني و انفعالاتي المُتشنّجة و أنا أتّكئ على كلِ حرفٍ يخرجُ بصعوبةٍ من بينِ أسناني
- قسم بالله لولا سمعة خطيبتي كان دفنتك بمكانك حي
كانَ أبعد من القدرة على استيعاب الضربة القاضية على صرحِ أحلامه
نظر إليها كالمُستنجد الذي يتعلّق بقشّةِ لمحةِ استنكارِ واحدة منها ,
- وش تقول انت ! من خطيبتك !!
قولي له غلطان
تكفين قولي
دفعتهُ بشدّة من يدي باتجاهِ زميله الواقف خلفه , تبع سقوطهُ صرخة مدوّية منها
- قدامي على السيارة !!!
لكن عينيها ما زالت مُعلّقة عليهِ و كأنها تُشيّع ببكائها أحلامهما الموؤودة
صرختُ بغضبٍ في وجهها
- ما تسمعين !!
دفعتُها بعنفٍ أمامي و أخذتُ حقيبتها من الطاولة ثم تراجعت و بصقتُ على طاولتهم و مشيت و أنا أرى الصدمة تُفقدها توازن المشي


فتحتُ لها الباب الأمامي , ركبت ثم رميتُ حقيبتها بجوارها و أغلقتهُ بشدة
عدتُ لأقودَ السيّارة بسرعةٍ جنونيّة .. لا أعلم إلى أيّ مكانٍ أمضي .. ما أعلمهُ أنّني أهربُ إلى أقصى مساحةٍ لا تجمعني بفهد .
طيفه الذي يخيّم على السيارة يُطبقُ على أنفاسي .. يخنقني
كنتُ أمشي بلا هدى و أنا أشهدُ اليوم تمثالَ الوفاءِ المزعوم منذ سنواتٍ طويلة ينهار بأقصى درجاتِ التغافل أمامَ عينيّ
طوال الطريق كانت تبكي بشدة .. صوتُ بكائها يستثيرُ جنوني , أ لهذا الحد تبكي ضياعَ فهد ؟
أوقفت السيارة بعد أن وصلتُ لحدودِ منطقةٍ رملية .. خرجتُ و كلُّ شهقات رئتي المُتعبة لا تكفي اختناقي .. كلّ زفرات صدري لا تطرد الحزن الجاثمَ على قلبي
اتّكأتُ على مقدمةِ السيارة و أنا أطفئ ثورتي باحتراقِ السجائر .. و أدوسُ أعقابها الواحدَ تلو الآخر و كأنّي أسحقُ بقدمي طيفُ ذاكَ السافل
بعدَ مُضيّ وقت طويل نظرتُ للخلف و رأيتها قد استكانت قليلاً بعدَ البكاء .. لم أستطع أن أوصلها إلى المنزل بهيئةٍ مُنهارة
رجعتُ إلى السيارة و استدرتُ في طريقي إلى العودة
كنتُ أركّز عينيّ على الطريق كي لا أرى أيّ فعلٍ يشي بحزنها على فهد .. تحدّثت بنبرةٍ باكية
- الله يخليك افهمني ! و ربي إنت فاهم المسألة غلط
هه! أيّ شيءٍ ينتظرُ التأويل بعدما رأيتكِ بجوارهِ على طاولةٍ واحدة .. أيّ شيء ينتظرُ التأويل و لهفةُ الحديث كانت واضحة في عينيه ؟!
- تكفى رد علي , قول أي شي بس لا تسكت ! و ربي كان يقول إنه جاي الويك اند يخطبني من أبوي
خففت السرعة قليلاً و التفت نحوها بنبرة غاضبة
- يخطبك !! تقولين جاي يخطبك !!!
اللي ما خاف على سمعتك و جلس معك بمكان عام و سمح لزميله يجلس معك على طاولة وحدة هذا ما يعزك و لا يصونك , أنا و اللي كل العالم يدرون إنك بتصيرين زوجتي عمري ما تجرأت أقرب منك و لا أكلمك بعيد عن أهلك ,, كله علشانك إنتِ .. مابي لو صار لي شي العالم تمسك عليك تصرف يضرك
لكن عمرك ما راح تفهمين .. يا حسافة تربية عمي بس !
انهارت بالبكاءِ مجدداً و أنا أضغط بشدّة على مقودِ السيارة .. لا أحتملُ كل هذا الأذى
لا احتمل صوتَ بكائها و لا طيف فهد المُلح أمامَ عينيّ .. ابتسامتهُ و هو يهمس لها تكادُ تفتكُ بي
ارحمني يا رب !
وصلتُ إلى مشارفِ الحي .. تنهّدتُ بعمق و أخبرتُها أن تستعيدَ توازنها حتى تتمكّن من الدخول للمنزل بدون أن تثيرَ ريبةَ أهلها
أوقفتها قبل المنزل بخطوات , و قبلَ أن تهمَّ بالنزول
- اسمعي
دوام ماعاد فيه ! الوقت اللي حدده فهد لخطبتك هو نفسه الوقت اللي بتصيرين فيه زوجتي
و من هنا لذاك الوقت لا يخطر لك تكسرين كلمتي و تداومين
كُل إجاباتها لا تشيرُ بأكثر من الصمت .. لكنّه الرد الطبيعي الذي ستقابلني به بعدما قابلتني اليوم بخيبةٍ عارمة

**



رأسي مُثقل بالأوجاعِ التي تهاوت عليّ هذا النهار .. لم أستطع فكَّ خيوطِ المفاجآت التي تتقاذفُ عليّ بتتابع , جُلّ تفكيري محصورٌ بفهد .. كيفَ أوصلني الصمتُ إلى مرحلةٍ أشاركُ فيها ابن عمّي بسحقِ أحلامه , كيفَ كابرتُ على مشاعري للحد الذي جعل الحيرةَ لا تُرشدُ عينيهِ إلى يقينِ صدقي
تهشّمت كل أحلامي تحتَ قبضة ابن عمي , كل الأقدار تآمرت لتقبضَ عليّ مُتلبّسةً بالصمت
أخبرتُ أمي أنني أنجزت أعمالي مبكراً و خرجت برفقة حياة ثم أوصلتني للمنزل
صعدتُ إلى غرفتي و لم أجد سوى النوم يمنحني إغماءة طويلة عن التفكير الذي يستنزف كلّ توازني
اختلّت الرؤية بعيني بعدما أصبحَ حضور ابن عميّ يعلن عن نفسه و بشدّة في حياتي و تشكيلِ مصيري


استيقظتُ المغرب على طرقاتِ أمي الخفيفة على الباب .. بفطرةِ الأم أحسّت أن شيئاً ما قد حصل لي اليوم لكنّني كنتُ أدحر شكوكها بابتسامةٍ مُطمئنة و أنا أدّعي أنه إرهاقُ العملِ لا أكثر
أخبرتني أن والدي يريدني في مكتبه
قمتُ لأصلّي و أُنعشُ ملامحي بماءٍ بارد يُزيحُ عن ملامحي آثارَ البكاءِ و التعب
بعدها نزلتُ إلى مكتبِ أبي .. طرقتُ البابَ فأتى صوتهُ الذي أكسبهُ الزمن حكمةَ الثبات
- هلا بنتي .. حياك
قبّلتُ كفّيهِ و أنا أشعرُ بكل كلماتِ الاعتذار التي أعجزُ عن نطقها تعبُر شفتيّ نحو كفّهِ الطاهرة
- نور عيني انتِ .. الله يرضى لي عليك
اجلسي بكلمك بموضوع
ذهبَ والدي ليوصدَ بابَ المكتب ثم جلسَ على الأريكة التي تشهدُ كُلّ قراءاته .. و طلبَ منّي أن أجلس بجواره
لم أكن أحتاجُ عقلاً إضافيّاً للتكهّن إلى الموضوع الذي يُريدُ محادثتي بهِ .. فهذا الموضوع كانَ على أجندةِ التسويف منذُ أعوامٍ طويلة .. لكنّه اختارَ لنفسهِ الوقت الذي يستحيلُ ضرباً من الواقع

- اليوم كلمني عمّك يبيك لولده .. ما عطيته كلمة قبل أسمع رايك
أنا الله ما عطاني بهالدنيا شي أغلى منك أنتِ و أختك .. و مستحيل أجبركم على شي ما تبونه حتى لو كانت رغبة أبوي

لم أستطع أن أتماسك أمامَ الوقار الذي يخاطبني بهِ أبي .. و لم أشعر إلا بيدهِ تمسحُ دمعةً مُعلّقةً بينَ جفنيّ
- ليه الدمعة يا بنتي ! لو ما تبينه والله ما يتم الموضوع , حتى لو هو ولد أخوي و أقرب لي من أخوي نفسه
من عندي أغلى منكم أنا ! .. صحيح إنه عاش سنين طويلة برا بس كنت أسأل عنه معارفي هناك و كلهم يشهدون بطيبته و عقله و نجاحه
سكتَ قليلاً ليمنحني فرصةَ التوازن ثمَّ أتمم حديثهُ و كأنّه يبوحُ بما لم يبُح به لأحدٍِ من قبل

- لما توفى الوالد الله يرحمه , ألحت علي الوالدة و أمك إني أتزوج , و أجيب لكم أخ يكون لكم سند و ما ينقطع ذكري بعد ما أموت
بس كانت الدنيا كلها ما تسوى عندي دمعة من عين أمك .. و كنت أشوف فيه و بفيصل عيالي و سندي بعد الله
ما همني وش بيقولون الناس عني لأني مؤمن إن الذكر الطيب و العمل الصالح ما يموت .
كنت كل ما حنيت يكون عندي ولد أتذكر إن الحين واحد رافع يده بالمساجد اللي أبنيها و يدعي لي
و لا أتذكر ثاني يقرأ من علمي اللي أكتبه و يستفيد
هالشي كان يغنيني .. كل شي عند الله بالآخرة ما يضيع
ابيك بس تعرفين إني أشتري سعادتك بعيوني


لم أتمالك نفسي أمام حديثِ والدي .. بكل تعبِ الدنيا ارتميت في حضنهِ .. قبّلتُ جبينه و أنا أبتهل بكلِ خشوعي إلى الله الذي منَّ عليّ بنافذةٍ إلى الجنة متمثّلةٍ بهذا الوالد الطيّب العظيم
- الله لا يحرمني منك يا الغالي
- ولا يحرمني فرحتي فيك يا رب .. الحين قومي استخيري ربك و لا تقولين لي إلا القرار اللي مقتنعة فيه

صعدتُ إلى غرفتي و حديثُ والدي يستكينُ كطمأنينةٍ في قلبي .. تُرهقني أنصافُ الحلول .. تُرهقني ازدواجيّةَ الشعورِ التي تستيقظُ في عقدةِ حدثٍ كهذا .. و يُرهقني أكثر شعور الحب تجاه فهد
الرجل الأول الذي خفقَ له قلبي .. ليت أنّه قريبٌ للحد الذي يُخلّصني من عجزي و صمتي
ليتهُ يُصغي إلى حاجتي إليه الآن .. الآن فقط يا فهد .

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
قديم 27-07-10, 03:06 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي


البيانات
التسجيل: Oct 2007
العضوية: 53753
المشاركات: 10,517
الجنس أنثى
معدل التقييم: ارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عاليارادة الحياة عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 740

االدولة
البلدIraq
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ارادة الحياة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ارادة الحياة المنتدى : القصص المكتمله
افتراضي

 

الفصل العاشر




أنثى مريضةٌ بالتسويفِ مثلي ستجعلُ التفكيرَ بأمرٍ كهذا ضمنَ المهامِ المُؤجّلة .
الدفءُ في حديثِ أبي يشحنُ ثقتي بأنّني سأصنعُ قراري بنفسي .. أو بواقعيّة شديدة , جزءً من القرار !"

مضت أيام و عقلي أشبهُ ما يكون في إجازةٍ صيفيّة .. القرارات الصعبة بقدرِ ما تستنفرُ تفكير البعض فهي تعطبُ التفكيرَ عندَ البعضِ الآخر .
شرعتُ ستائري في وجهِ الصباح .. هذا يومي الأول بلا عمل , و لا أعلمُ كيفَ تواطأتُ مع ابن عمّي في هذا .. لكن ما أعلمهُ أنني أخطأتُ كثيراً في حقِّ نفسي .. و هذا جزءٌ من عقاب .
تنهّدتُ بعمقٍ عندما أشارَ عقربُ الساعةِ إلى الثامنة صباحاً .. مثلُ هذا الوقت يكونُ فهد في طريقهِ لتحيّةٍ صباحيّة مُشاكسة على مكتبنا .

أخذتُ الشالَ الذي أهدتني إياهُ جدتي منذُ زمنٍ طويل و صحبتُ المذياعَ معي إلى شرفةِ الغرفة .
وضعتهُ على طرفِ الشُرفةِ و أنا أصغي إلى اللحنِ المُتطاير من الحناجر
أحتاجُ أن أكونَ أكثرَ تصالحاً مع الطبيعة كيّ أفكّر كما يليقُ بأمرٍ كهذا .. و الحقيقة أنّني لم أجهد نفسي بالوقوفِ طويلاً على مُفترقِ طريقٍ بينَ إصرار ابن عمّي و حبّي لفهد .. يكفي أنّه خياري الأول
و كل أمنياتي التي أبذلها لحياةٍ ورديّة تقفُ على أعتابِ فهد

ذهبتُ لأحادثه و أفكُّ خيوطَ صمتي أمامَ ادّعاءِ خطبتي .. كم أحتاجُ لأقنعهُ بأنّ صمتي لم يكن تواطؤ مع حديثِ ابن عمي ..

لم أجدهُ ضمنَ قائمةِ الاتصال .. لكنّني استقبلتُ تنبيهاً بوجودِ رسالةٍ بريديّة
لا بُدَّ أنه فهد .. غيابي لن يكونَ اعتياديّاً إلى هذا الحد


" يأتي الهدوءُ منكِ مُريباً , كما تأتي منكِ المُفاجآتُ عاصفة
أيُّ ذاكرةٍ هذهِ التي ألبسها لتُعرّيني منكِ ؟
أيُّ ذاكرة تلكَ التي لا تأتي بتفاصيلك ؟
و أيُّ صباحٍ أنتظر أن يُسفرَ عن وقعِ خطوتكِ في الطابقِ السادس ؟
كلُّ شيءٍ منكِ بدا مُعلّقاً , أحاديثنا التي على قيدِ الاستئنافِ دائماً .. صمتكِ المُريب , و حياةٌ تتأرجح بينَ رجلين !
حاجتي إليكِ كانت واضحة .. لكنّي لم أكن سوى رقماً آخراً يُضافُ إلى أجندةِ اعتزازكِ الأنثويّ يا أولى خساراتي
كان يتوجبُ عليّ أن أفهم أن ثمّة رجل يقفُ خلفَ صمتكِ الطويل كلّما مددتُ يد الوصالِ نحوك.
لكن تلكَ الإشارات وصلت مُتأخرةً بقدرِ خيبة !
لا أنتظرُ منكِ تبريراً
كل محاولاتِ التأويل ستبدو مثارَ سخرية طالما أن شخصٌ آخر الآن سيتركُ توقيعهُ على عقدِ الزواج منكِ
بينما الآخر يهيمُ على وجهه في الطرقات
يحاولُ رتقَ رصيفٍ بآخر و كلّها لا تصل إليكِ !
أرجوكِ .. لا يتبادر لغروركِ أنّني أكشفُ عجزي أمامكِ الآن .. أحببتكِ و أقسم .. لكنّني مؤمنٌ بالله
و لا ألدغُ من حجرٍ مرتين .. اتركي لي كبريائي المُهشّم .. و اسعدي


فهد "

رجفةُ أصابعي ألجمت كل قدرتي على الكتابة .. أيّ صرخةٍ أستوقفُ بها من يدير ظهرهُ باتجاهِ الرحيل كانت ستموتُ لفرطِ استجدائها
تنقصني صفعةٌ كهذهِ حتى أفقدَ كل طريقٍ يفضي إلى سعادتي , لمَ الآن يا فهد ! كنتُ في طريقي إليك لولا أنّكَ لم توصد أبوابكَ في وجهِ أحلامي
بصعوبةٍ استجمعتُ بقايا تماسكي لأبعثَ له بأصابعٍ تتضوّرُ ارتباكاً
لكن استوقفني وجودُ رسالةٍ أخرى منذُ أيام
" ورقة استقالتكِ المركونة على مكتبِ المدير أبلغ ما يمكن أن يشي بانسحابك
أتمنى لك الخير .. غداً موعد سفري لدورة تدريبيّة , كل الذكرى باتت مُعلّقة في أرضِ الوطن "


تبدو الثواني التي تتأرجحُ على كفّ النهايةِ المُعلّقة كسنينٍ من عجزٍ و ألم
بالرغم من الأمل الضئيل الذي أستطيع أن أقاتل من أجلهِ إلاّ أن تعاسةُ عمرٍ مع ابن عمّي تبدو أخف وقعاً من ضربةٍ أخرى لكبرياءِ رجلٍ مثلَ فهد


أمضيتُ ثلاثة أيام أحاول أن أتجرّع الصدمة بقدرِ يكفي لاستيعابها , بكيتُ انهزاميّتنا نحنُ الاثنين .. كُل الصور بدت في عيني مُتماثلة
و كلُّ رجالِ الأرضِ وجهٌ واحد طالما فقدتُ وجهَ فهد
مضى يومان حاولتُ أن أستعيدَ بهما تماسكي و أخبرُ أبي باقتضاب عن موافقتي

..

بدت مراسمُ زواجنا أسطوريّة كما يليقُ بأحفادِ الجدِّ المُبجّل .. كل البرودِ بداخلي لا تستفزّه فرحةُ أمي و مُنى و لا التفاف الأقارب حولي .. لم أنظر لهذا المحفل سوى أنّه مراسمُ تشييعٍ للاستقلاليّة التي اعتدتُ عليها .. بدايةُ نهايةٍ رسمها ابن عمّي بمباركةٍ من فهد
كم أرقتني فكرة المُشاركة و كم هي تفتكُ بي الآن .. لكنّ البرود المُتبادل يشي باستقلالية و عزلةٍ طويلة.
ما زالت الأفكار تنخُر عقلي .. كيفَ سيكونُ لقائي الأول به ؟ مخاوفي بأن يكونَ فهد صورةً مُعلّقة بينَ عينيهِ كلما رآني تقتلني ..
رأيتهُ يتقدم نحوي بعدَ انتهاءِ الحفل .. كُل خطوةٍ يخطوها باتجاهي كانت تدفنُ في صدري ألفُ شهقةٍ خوف
و تسفرُ عن اضطرابي بأصابع متشابكة .
كنتُ أخشى من أيّ تلميحٍ يهدمُ جسورَ التفاؤل الضئيل بحياةٍ مُستقرّة معه
لكنّه أسندَ كفّه على جبيني و تمتم بدعاءٍ خاشع كان كافياً لأن يذيبَ ثلوجَ الخوفِِ إلى دمعاتِ طمأنينة لا مُتوقّعة أبداً


**


مضت أشهرٌ على زواجنا .. الزواج الصامت بكلِ تفاصيله , كنتُ عائداً إلى المنزل بعدما أمضيتُ وقتاً طويلاً برفقةِ صديق
اعتدتُ أن أراها تتابع التلفاز في الصالة .. ألقيتُ التحيّة بصوتٍ مُنخفض و أكملتُ معها مُشاهدة الفيلم
بعدَ انتهاءهِ ذهبت لإعدادِ القهوة و أحضرت معها جريدة الصباح
وضعت الفنجانَ أمامي و أشعلتُ سيجارة لأشاركها الصمتَ الطويل كنوعٍ من اللباقة بعدَ غيابٍ طويل برفقةِ صديقي
تفاصيلُ هذهِ الأنثى مثيرةً للضحك .
تقرأُ جريدةَ الأمسِ من صفحتها الأخيرة انتهاءً بما قبلَ الأولى .. يبدو أنّها لا تكترثُ بالسياسة كثيراً
تظاهرتُ بانشغالي في تبديلِ القنوات بعدَ أن كتمتُ صوتَ التلفاز و لم يقطعُ صمتنا سوى صوت تقليبِ صفحاتِ الجريدة لكنها انتهت كالعادة بصفحةِ الكلمات المُتقاطعة
- اممممم بلد عربي من خمس حروف ! بلد عربي من خمس حروف !
أجبتها بعفوية شديدة و عينيّ مُعلّقة على شاشةِ التلفاز
- لبنان!
رفعت بصرها إليّ بضجر
- لو سمحت لا تخرب
ركّزتُ على التلفاز أكثر و أنا أحاول أن أكتمَ ضحكتي على هذا الرد الطفوليّ
أغلقتُ التلفاز و ذهبتُ لأنام استعداداً لمعاودةِ البحث بجدّية عن عمل باكراً


لم تمضِ سوى أيام حتى بدت تقلّبات حياتي تأخذ طريقها نحوَ الاستقرار .. استطعتُ أن أجدَ عملاً مُناسباً و بقيّة النهار أمضيهِ في البيت .. بالرّغم من الصمت الخانق إلاّ أن بموجبهِ استطعتُ أن أتنبّأ بأدقِ تحركاتها كما لا تشي بها الكلماتُ من قبل


ذهبتُ كما الذي يشهدُ مكاناً أضحى نقطةَ تحولٍ في حياتهِ إلى الشركة التي كانت تعمل بها ابنة عمّي
سألتُ عن المُهندس فهد و أخبرني الموظف أنه في دروة تدريبية في الخارج .. لم أكن أتصوّر أن خبراً كهذا سيضخّ بهجةً عارمة إلى نفسي
عدتُ إلى المنزل بعدَ انتهاءِ دوامي .. لم أجدها في الصالة كالمعتاد .. صعدتُ إلى الأعلى و كانت تتحدّث إلى الهاتف و لم تشعر بوجودي
لا أعلم لمَ أخذني الشكُ لأن أقف و أنصت لحديثها
- الحمد لله يا حياة , عايشة و مرتاحة
- لا تقولين كذا ! خلاص الله راد إننا نجلس و صار اللي صار .. يمكن هو خير لي
- لا والله صدقيني فهد ماضي و راح .. الحين ما أفكر إلا بحياتي و بس

ما سمعتهُ كانَ كافياً بأن يزيحَ كلَّ تعبٍ عن نفسي .. كافياً جداً لأن يعيدُ تهيئتي من جديد لتقبّلِ امرأةٍ في حياتي بأسمى درجاتِ الولاء
أخذتُ حماماً ساخناً يغسلني من كل مخاوفي القديمة و يمحو اسم فهد من ذاكرةٍ أجهدتني تفاصيلها
الحياة لا تقفُ عندَ محاولاتٍ خجولة .. برحيلِ فهد ستكونُ مُبادراتِ العيشِ باستقرار أكثر جدّية .


في المساء أخذتُ كتاباً من المكتبة و استرخيتُ على الأريكةِ لقراءةٍ طويلة بينما كانت تُعيدُ طيّ و ترتيبِ الملابسِ في خزانتها
كانت فرصةً جيّدة لأراقبها عن بُعدٍ دونَ أن تشعر .. و مثلي يُجيدُ تماماً كيفَ يتحايلُ على الفرص
تظاهرتُ بانهماكي في القراءة كلما التفتت نحوي .. بينما ظللتُ أراقبها بشرود , كيفَ أن كل هذهِ العفوية الآسرة لم تُثِر انتباهي أثناءَ لقاءاتي القليلة بها !
لم تكن ساذجةً أبداً .. بكل كانت من انتقاءاتها و زوايا لمساتها قادرةً على خلقِ تفرّدٍ خاص بكلِ اقتدار

أخذتُ أراقبها و هي تضع المشبكَ في فمها و تعيدُ جمعَ الخصلاتِ النافرة بفوضويّة ثمّ تعاودُ الترتيبَ مُجدّداً
.. و بعفويةٍ تعيدُ كل خصلةٍ مُتمردة خلفَ أذنها
أنجزت ما تقومُ به و تظاهرتُ أنا بالقراءةِ عندما عادت إلى الغرفة و بيدها منفضة .. أخذت تنفضُ الغبار عن الأسطح الزجاجيّة ثم إلى الطاولة المجاورة و منها إلى الأريكة بلا اكتراثٍ مُفتعل
و أنا أحاول جمعَ كل انتباهي في القراءة بتمثيلٍ بارع .. اصطدمت منفضتها بقدمي فرفعتها و سندتها
بلا مبالة على سطحِ الأريكة .. و أنا أقرّبُ الكتابَ من وجهي أكثر مُفتعلاً انهماكي و في الحقيقة لم أكن إلا أجاهدُ في إخفاءِ ضحكةٍ مكتومة
ألقت منفضتها على الأرضِ بضجر و سحبت الكتابَ من يدي بشدّة
- اووووف ! و بعدين يعني !!
نظرتُ ببلاهة مُفتعلة
- وشو !
- لو بتصير زي أبوي ترى أنا ماني زي أمي ! ماعاد يدخل كتاب هنا و لا بولّع بمكتبتك كلها !
انفجرتُ ضاحكاً على تلكَ الأنثى لا تعبّر عن اهتمامها إلا بطريقة عدوانية جداً


**

لم يكن من السهلِ أن أبتكرَ صيفاً !


تمت بحمد الله

 
 

 

عرض البوم صور ارادة الحياة   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:47 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية