التــــــــــــــــابع ..
صقـــــــر :
ريله قاعده تذبحه من الألم , المفروض ما كان يرهقها .
نزل من سيارته .
خذا شماغه المحذوف بالكشن الخلفي .
حط الشماغ..وعمل جريمبه سريعه .
وبدى يمشى بمساعدة عصاه بأسرع ما يمكنه .
أول ما دخل المستشفى من باب الطوارئ ..لف نظره بطريقه سريعه عله يشوف امه .
وطاحت عينه عليها طالعه من الممر , توجـه لها .
منـيره , كانت حاسه بإرهاق , قعدتها مع زينـه قطعت قلبها ,ما قدرت تقعد معاها اكثـر من دون ما تبجي اهي نفسها ,وألحين خلت البنت واهي قاعده تقرى الأدعيه عل وعسى تنقذ زوجها , ودموعها تنزل .
تبي تشتري ماي , لها و لزيـنه اللي ريجها ناشف .
وحست بأحد متوجه لها , ارفعت عينها وشافت ولدها .
رق قلبها لشـوفته , وأرتاحت , وغمرتها المشاعر , كان ودها لو تقدر تروح ترمي روحها عليه , وتضمه وتحبه , ودها لو تسجد شكر لله ان مخليه لها , لا مصاب اصابه خطيره ولا مريض, وواقف على ريوله , وبصحه وعافيه , وجوده دايما يطمنها ..
تأملت شكله وكله , اشتاقت له بصوره كبيره , ولدهـــــا ..ولدها الوحيـد .
تحاول تشبع عينها من منظره , معرفتها ان زوج زينه اصغر من ولدها , وانه ألحين بغرفة العمليات , خلتها تشـوف ولدها بكل تفاصيله .
طوله المميـز اللي يخليه اطول من الرياييل كلهم .
عرضـه المناسب مع طوله , جسمه الرياضي .
ما كان وسيــم بالمعنى الصحيح للكلمه لكن كان يتمتع بجاذبييه رجوليه طاغيه .
يشــبه ابوه بالشكـل , طليقها , لكن الشخصيه مختلفه , ولدها غيــر , غيـــر .
وقف قبالها , وحســـت بالدموع تتكون بعينها .
باس راسها , ورفع راسها له , ولما شاف الدمعه بعينها عقد حواجبــه , وقال بصوته الرجولي العميق " اشفيج يا منيـره ؟ "
كان ودها تستند على ولدها بضعف وتقوله حل المسأله , عالج كل شي , دايما تعتمد عليه من بد الناس كلها ..بعد الله طبعا .
احتفظت بقوتها , وقالت بصوت هادي " زيــنه .."
ايده المحطوطه ورى راسها نزلــت , وجسمه , و ويهه جمد , ما كان في اي مشاعر .
بأختصار قال بصوت زاد عمقه " اشفيها ؟"
منيره تدري ان العلاقه بين ولدها , وبين بنت زوجها المرحوم متوتره , مو بس متوتره , إلا متطوره لكره كبيــر من الطرفين .
بس ما تقدر تلجأ لغيره .
رد كرر نفـس الجمله لما شاف صمت امه , لكن من بين اسنانه " منيــره , اشفيها بنت ريلج ؟ "
حطت ايدها على جبهتها بتعب وقالت بصوت مخنوق من غير لا تعطيه اي معلومه عن زينه " زوجها مســوي حادث سياره قـوي بشارع الخليج , واهو ألحين بغرفة العمليات , والوضع يخـــوف "
شافها بصدمه ..
فــواز الشخص الوحيد اللي ما طرى على باله .
وردد بصوت منخفض " فــواز .."
صديقـــه
بس هالمعلومه ما هونت من الضيـــق والحـــزن اللي بصدره .
هـــز راسه بضيق " انا لله وانا إليه راجعون "
حــــزن , وحس بكتمه بصدره ..خاصه ان فواز اصغر منه ..
الله يعين بس ..
وتذكر ابوفواز , وارتباطه بولده ..
وقال بصوت واضح عليه الحـزن , وبجديه " وين ابـوه , وين اهله ؟ "
قالت له " اهله مو بالكويت , بأمريكا عند اخوه اهناك "
وكملت بتعـب " وما بلغنا عمامه , وخواله "
هـز راسه بتفهم وقال " لا ما في داعي يتبلغون بشي , ان شاء الله ما فيه إلا العافيه , لما يطلع من العمليات نبلغهم "
مرر ايده على لحيته الخفيفه , ما حلق لحيته صار له يومين , بس مرتبها .
فـــواز ..فواز ..لازم يعلم ربعهم ..بس لأ مو ألحيــن ..
لاحول ولا قوة إلا بالله .
مشوا ومنيره شرت الماي وكملو طريجهم وأهم , واهم ساكتين للحظات , وعيونها على ولدها , اللي كان واضح عليه التفكيـر العميق .
فواز كان صديقه , وفي شي بعدهم عن بعض , ما تدري شنــو .
واضح ان فكـرة ان فواز مصاب , بعدت عقله عن زيــنه ..
وقالت بهدوء " ماراح تسأل إذا كانت زينه معاه , إذا مصابه ولا لأ "
طلع من افكاره العميقه و قال بجديه " ما في داعي اسأل , ادامج ما تبجيـن ,و لا قلتي من الأول ان فيها شي , يعني اهي سليمه "
اسكتت .
ادخلوا غرفة الإنتظار , منيره بإيدها الماي اللي يايبته عشانها وعشان زيـنه .
وزيــنه ارفعت راسها عن كتاب الأدعيه اللي بإيدها بعد ما حست بدخول احد غرفة الإنتظار .
انتقلت عينها من منيـره , للي معاها ..شافته..
وبعدم اهتمام نزلت عينها اللي ردت تغورق بالدموع للكتاب ..
الثواني قاعده تمر جنها ساعات ..
و زوجها لما ألحين داخل وما في احد يبلغها اي خبـر عنه ..
حست بمنيره واهي تقعد قربها وتعطيها الماي ..
وحست بالواقف عند راسها ..
ما ارفعت راسها له , وشدت على الكتاب اللي بيدها ...
سمعته يقول بصوته العميق " ما تشوفون شــر "
ردت بإختصار , وبصوت هامس " الشر ما ييك "
شاف بنت ريل امه وتأمل منظرها , متغيــره وايد عن اخر مره شافها فيها ..
واضح عليها الإنكسار , غيــر عن الغرور , والجمود , وعزة النفس اللي تقابل فيها الكل .....واضح عليها الحـزن على زوجها .
فواز ..زوجها .
أبعد نظره عنها واهو كاره الوضع ككل , والموقف اللي اهو محطوط فيه .
قعد بمكان قريب من باب العمليات , ومد ريله واهو حاس انها قاعده تتشنج .
سند العصا على الكرسي القريب .
بعد ساعتين :
المستشفى :
زيــنه كانت بالحمام , وشافت ملامحها اللي فيها المكيــاج , نـزلت دموعها ..
وافتحت صنبـور الماي , وحطت ايدها بالماي , وكتته على ويها , ورمــت مره ثانيه الماي على ويهها , ومره ثالثه , ومره رابعه .
وارفعت راسها .
وشافت كحلها السايح , وحمرتها اللي راحت .
وخذت الماي مره ثانيه ومشــت الكحل , ومشت حمرتها .
وردت رمت الماي على ويهها .
حــاسه بخــوف و ما تدري شفيها ؟
ليش جذي ! , دمعتها قاعده تنزل بقوه , المفروض ما تحاتي , ما احد قال شي لها .
لما محت اللي تقدر عليه من مكياجها , شافت ويهها .. صدت .
منيـره كانت بالحمام معاها, لكن اهي ما قدرت تستحمل الإنتظار , وقالت لمنيـره " انا بروح للإنتظار "
طلعت قبل لا تسمع رد , واهي ودها تطيـر لغرفة الإنتظار
............
كان قاعد يطل من الدريشه المحطوطه بغرفة الإنتظار ..
وعصاه بيده ..كان قايل لأمه وزينه انهم يتوجهون للبيت بعد ما تأخر الوقت , لكن زيـنه ارفضت وبقوه , واهو ماله كلمه عليها علشان يجبرها , وامه ما تقدر تترك البنت بروحها معاه ..
واهو بقرارة نفسـه ما يلومهم ..اهو , واللي علاقته مع الريال انقطعت تقريبا , مو قادر يتركه اشلون اهي مرتــه اللي كانت معاه طول هالسنتين .
لف ويهه لما حس بالباب ينفتح , وشاف احد الدكاتره ينقل نظره على الموجودين , تحرك اهو من مكانه بهدوء , واهو يبي يسأله عن فـواز , بعد ما شاف الغرفه , وتأكد ان امه , وزينه ما ردوا بعدهم من الحمام .
وألتقت عينه بعين الدكتور .
سمع الدكتور يقول بصوت مرهق لكن بصوره عمليه " الأخ من اهل المصاب فواز عبدالعزيز ؟ "
رد عليه بقوه " اي نعم يا دكتور , بشـر ؟ "
سكت الدكتور للحظات , ومنظره ما كان يطمن ابد , وما يدري ليش نغــزه قلبه بقوه .
وحس بالإجابــه ..لكن عقله رافض يصدقها ..
وجا الرد اللي اهو كان متوقعه " الإصابه اللي براسه كانت قويه , واحنا سوينا اللي علينا لكن فواز .."وسع صقــر عينه بترقب خاصه ان لهجة الدكتور ما تطمن , اما الدكتور فكمل بعد ما حط عينه بعين صقـر " ما قدر يصمد , وعطاكم عمره ...عظم الله اجركم "
وتحرك الدكتور وترك صقـر واقف مكانه , واهو مو مستوعب اللي انقال .
مات ..فواز ..مات ..صديقــه .
لا حول ولا قوة إلا بالله .
لا حول ولا قوة إلا بالله .
فواز صغيــر ..شاب ..اصغر منه بثلاث سنوات ..لكن الموت ما يعرف صغيــر .
الموت ما يعرف صغيـر .
لكن فواز راح واهو مختلف معاه .
فواز ...تدافعـــت الذكريات اللي تجمعهم لعقله بقـــوه .
من أول ما ألتقى فيه إلى الأن .
تنهـد , بعد ما غمض عينه لفـتره , ألحين مو وقته يفكــر , ويستغرق بمشاعره , عنده مهام يسويها .
ورد فتح عيونه..لازم يبلغ امه ...و..زين .
حط ايده على جبهته , بداية صداع .
لف ويهه وشاف اللي قاعده على الكرسي قرب الباب , تشوفه .
زيـنه ادخلت وشافت الدكتـور واقف مع صقــر , ريلها ما قدرت تشيلها, ما اعرفت تصلب طولها .
قلبها رقع بقــوه .
كان تشـوف ردة فعل صقـر , وحاولت تفهم من حركاته شنو الخبـر , لكن ما اعرفت .
لما ألتقت عينهم عبــر الغرفه ..
حست بالنفس يضيق عليها من الخوف ..
يا رب .
شافته يبعد نظره للباب , وبعدين يرده لها .
صقـر كان يتأمل ان امه تيي ألحين , عشان يبلغها , واهي تبلغ زيـنه .
لكن امه ما يت ..واهو ما يقدر ينطر , ويخلي زيـنه تعيش لحظات الإنتظار , اللي تعتبر من اصعب اللحظات , حس انه لازم يبلغها ..وألحين .
العلاقه السيئه اللي استمرت جم سنــه , انمحـــت بهاللحظات , اهي بهاللحظات كانت تبي تسمع منه بخوف ولهفه من غير اي اعتبار بشخصيته , واهو مسؤول بأنه ينقل خبـر من أسوأ الأخبار بألطف طريقه ممكنــه .
زينه شافته يقرب منها ..وصوت عصاه اللي يطق بالأرض , قاعد يحدث اثر في قلبها ..
كل طقــه لعصاه تحسها ترن بصدرها ..
ارفعت ايدها وبعدت شعرها واهي تحس بتموت من الألم اللي فيها .
نزل لمستواها , ركبه على الأرض وركبه مرتفعه .
ما كان قاعد يشوفها , سكوت عم عالمها , وعالمه .
لما قال بصوت عميق " زيــن .. ربج ..إذا حب العبد يبتليه .."
الله إذا حب العبد يبتليــه .
لأ .
لأ .
يا رب لأ .
يا رب لا يكون شي خطيـر , يا رب
بدت تأن , ونه اطلعت من اعماق قلبها من الخوف , وبدت الدموع تنزل , بسيلان شديد .
اما اهو فكمل من غير لا يهتم بونتها القويه , ولا في دموعها اللي قاعده تنزل
" زيــن ..فواز راح للي احن عليه من الناس جميـــع ..فواز عطاج عمره..ادعي له بالرحمه "
شــاف شحــوب ويهها , وردة فعلها , وقال بنفس الهدوء الظاهري "عظم الله اجرج "
قالت بونــه من اقصى ضميرها " لأ .."
بصوت قوي قال لها " قولي انا لله وانا إليه راجعون "
هــزت راسها بالنفي ..واهي تنكــر الخبــر , مع عدم استيعاب لكلمة صقــر .
ردد كرر كلمته بنفس القوه " قولي انا لله وانا إليه راجعون , إنما الصبر عند الصدمه الأولى "
الدموع زادت بالسيلان , تحس انها مو مستوعبــه ..
مو قاعده تفهــم .
من جم ساعه شافته ما كان فيه شي .
رد كرر بقوه اكـــبر " إنا لله وانا إليه راجعون "
من غيــر شـعور حقيقي بعظم المصيبه قالت وراه " إنا ..أه ه ه ..لله ..وإنا إليه راجـ..ـعـون "
سكتــــوا اثنينهم ..
واهو حس بأحد يوقف عند راسهـم , منيــره يــت بالوقت المناسب .
رفع راسه لها وشاف نظراتها المشفقه , والمتأثــره .
تنــهد ونــزل راســه .
وتحرك من مكانــه بصعوبه, وأبتعد عشان يتركهم بروحهم شوي .
عشان اهو بعد يستجمع قـوته
منيــره اقعدت يم زيــنه اللي بعدها مذهوله , وتشـوف الفراغ .
وقالت " بسم الله عليج الرحمن الرحيـم , بسم الله عليج الرحمـــن الرحيم "
ضمــت راس زيــنه الساكــته والدموع تنـزل من عينها من غير صوت.
بعد لحظات , قالت منيـره بصوت هامس لصقــر من غيـر لا توجه الكلام لزيـنه " صقـر عطني اشماغك , أغطي فيه شعرها , أدامها ادخلت بالعده , على ما نوصل شقتها "
هــز راســه بالموافقه ..
زيــنه تحركــت , وارفعت عينها لمرة ابوها واهي تقول بغرابه " شعري !؟ "
لف عليها , شكلها ما كان يطمــن , ويهها شاحب , خاف انها تغييب عن الوعي .
منيـره قالت بهدوء " اي يا زيــنه , شعرج . "
اما صقر فرفع ايده لراسه واهو مو منتبــه للعيون اللي تتابع حركته .
شال شماغه بهدوء.., ومده لها ..
شافت ايده .
وارفعت عينها له .
واستوعبت هذا منـــــو ؟
دخـــل عقلها التعريف الحقيقي لهذا الشخص , مترافق معاه المشاعر السلبيه كلها .
فجأه حســـت بالحقــــــد والكره يملي قلبها تجاه هالشخص !!
الحقــد انه اهو اللي نقل لها الخبـــر .
تكــــرهه .
اهو سبب كل اهمومها , اهو الســــــبب .
اهو عاش , والريال اللي يحميها مات ..
ما تدري اشلون ركزت على هالشي , وخلت الموضوع المهم , ان فواز راح !!
سمعته يقول " تفضلي, غطيها فيـــه "
زينــه ابتعدت عن حضن منيره , و قالت بحقــد , ودموعها على خدها تنزل بقــوه " ما ابي شي منــــك "
ألتفت لها , وشاف الحقــد اللي بعينها , اللي موجهته له بروحـه ..
تجاهله كأنه ما شافه ..
رمى الشماغ على حضنها , وقال بهدوء , و وجه كلامه لها بالذات " ما في غيـــــره تغطين شعرج فيه , وانتي دخلتي العده , ان ما كنتي تبيــنه قليـــه على الكرسي "
وصـــد عنها ومشــى ..
اما زيـــنه , فبأستسلام للواقع , أخـــذت الشماغ , مجبـــوره , واهي تضغط عليه بقـوه .
وقالت بحقـد " والله لو ما كنت مجبــوره ما كنت خذيت شي منك..اكرهك ...اكرهك "
كمل تجاهله لها الظاهري , واهو يحس بنفسه مقهور .
كان ناوي يرد عليها , يهاجم يفرغ شحنة الحزن فيها مثل ما اهي قاعده تفرغها فيــه..لكن قدرته على تمالك اعصابه , خلته يتماسـك , ويكمل طريجــه بالمشي .
قبل لا يصد , شاف امه وهي تطالعهم بصدمـــه .
ما حب انه يسوي مشــهد بالمستشفى .
قال بهدوء " انا راح انتظركم بالسياره "
منيـــره الشاهده على الموقف , عورها قلبها بشده ..عليهم الأثنين , وحده فاقده زوجها , والثاني فاقد صديقه .
شافت زيــنه اللي واضح عليها الضياع وانها مو معاهم بالواقع .
قربت منها , واهي تسمعها تقــول بهمــس ودموعها تنزل " اكرهه , اكرهه , اكرهه "
منيـــره تفهمت اللي تمر فيه زينه , خبرتها اللي اكتسبتها من السنين خلتها تعزل مشاعر الأمومه تجاه صقر ورغبتها بالدفاع عنه , لأنها حســت ان زيــنه قاعده توجه مشاعرها تجاهه , عشان ما تفكــر بالواقع اللي اهي فيـــه , عشان تصد الواقع بكل قوتها .
عشان ما تعيـش ألم فقد زوجها.
زيـنه قاعده تغذي مشاعر الكــره , وتردد كلمات الكره , عشان تمنع مشاعر الألم من السيطره .
اقعدت يمها منيــره , قالت زيــنه بصوت يرجــف , والدموع تنزل " انا اكرهه يا منيــره , اكرهه "
منيره شافتها بنظرة شفقه .
وضمتها لها.
الجمود اللي كان حايشها من اول ما اعرفت الخبر تكســر بمشاعر الحقد , وألحيــن مشاعر الألم اغمرتها بقســوه كبيره , و انهارت زيــــــــنه " آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ , منـ..ـيــــــ ...ــــره , آآآآآآآآآآ "
هذي المره الثانيــه خلال ساعات تنهار على صدر منيره الحنون .
بعد لحظات .
منيــره خذت الشماغ من ايد زيـنه , وحطته على راس بنتها اللي ما أولدتها , وغطت شعرها و ويهها فيــه .
زيــنه كانت تتردد بعقلها كلمات ...فــــــــــــواز مات , فواز مات , فواز مات ..
ونســت صقر واللي قالته لصقر
عقلها كان عايش بضباب , وان كلمة مات وفواز مو مرتبطيـن بعقلها ..
ما استوعبــت انها راحت للسياره ..
ولا انها اركبتها ..
كانت بس تبجي , مثل الطفله , بضياع شديد , تدري ان اللي صار شي كبير , وراح يقلب عالمها فـوق حدر , لكن لما ألحين عقلها مو مستوعب شنو يعني .
بعدها صارت الأمور سريعه , صقـر اتصل على كل عمام فواز وبلغهم عشان يباشرون الإجراءات اللي اهو ما يقدر يباشرها لأنه مو من الأسره ,و عشان يبلغون الأب .
كان بالسياره ينقـل منيره , وزينه لشقتها في بيت حمولتها ..
منيره قررت انها تنام اليوم مع زينه المنهاره , واللي تبكي بصمت بالسياره وبين وقت والثاني يصدر منها انين , وتصدر منها شهقات قـويه مؤلمه , وأمه كانت قاعده معاها ورى .
الصداع اللي بداه بالمستشفى صار قــوي .
اليوم كان طويل , طـــــــويل وايـــــد .
....
بعــد مرور ساعات , كانت نايمه مع منيـره بأحدى الغرف بالشــقه , أثنينهم بنفس الفراش , أو بالأصح كانت تتظاهر بالنــوم .
على الرغم من التعــب لكنها مو قادره يغمض لها جفــن .
قامت بهدوء بعد ما تأكدت من نوم منيــره , كانت بعدها بنفـس هدومها ما عندها القوه انها تفصخها .
راحت لدريشة الغرفه المطله على البوابه الرئيسيه للبيــت ..
وبعدت البــرده , كانت تتمنى حدوث معجــزه .
تتمنى ان فــواز يطلع لها ألحيــن ويقول لها ان ما فيه إلا العافيـــه .
لكن مرت الدقايق وما في أثر لا لفواز ولسيارته .
راحت لتليفونها , وبجنــون اللحظه , اتصلت على موبايله .
واسمعت صوت الموبايل بأحدى غرف الشــقه .
فـواز موجود اهنيــه .
فـواز ما طلع .
طلعت من غرفتها وجري راحت لغرفة فواز ..لكنها كانت خاليه .
دورت على مصدر الصـوت .
قربت
قربت
من احدى الكراسي اللي كان الصوت يصدر منها .
واكتشفت وجود كيـس .
طاح موبايلها من ايدها .
وافتحت الكيس ..كان فيه موبايل فواز وبوكه ..
تركــت كل شي وقعدت على الكرسي واهي تضم روحها , وتشد على الشماغ اللي ألحين يحاوط كتوفها , كانت حاسه ببرد شديد .
ألحيــــن استوعبـــت ..فواز راح وما راح يرجع .
ما تقدر تتصل فيه .
ما تقدر تشكي له .
ما تقدر تشوفه يضحك .
ما تقدر ..ما تقدر .
ضمت روحها بقوه اكبر , وضمت ركبتها لنفســها , وبدت تبكي ..
, ليش سويت جذي يا فواز ليــــش , ليش تركتني , ليش كنت تسوق السياره مو حرام عليك ليـــش ..انا احتاجك ..
الصقــــــر :
بعد ما وصلهم , كان اللي داخله ضــيق لو توزع على الناس كلها جان فاض , رفيجــه , صديقــه توفى واهم متزاعلين , واهم بينهم حاجــز ما طاح ..
واهو يسمع البكي والصياح كان وده يصرخ ويقــول بس ..بس .
لكن كتم ..وكتم ..وكتم وألحين بينفجــــر .
بدى يمشــي بالســياره اللي قادته لبيـــــت قديم ..
لما ســـفط قبال الباب .
قعد يتأمل المكان بصمـــت .
اهو متأكد ان الشخص اللي فيـــه ما راح يكــون له خلق يسمع .
بس يبي يشكي ..وده لو يقدر يشكي
نــزل من السياره , وقف عند الباب , رفع ايده بيطق الباب .
لكن تراجع بأخر لحظه .
نفسيته ما تسمح انه يشوف هالشخـــص ..غير مهتم , غير مستعد للإستماع , وماخذته الدنيا ولهوها عن الجميع وعن الهموم .
ما يقدر .
رد لسيارته , وركبها ..
واهو مو منتبــه ان فيه شخص كان يشوفه من الدريشه اللي فوق .
واللي قال بهمس بعد ما شاف السياره تبعد " اشفيك يا صقـــر ؟ ليش ياي بهالوقت ؟ "
لكن ابتعد عن النافذه , ونسى الدنيا وما فيها بعد ما نادوه ربعه وكمل السهــره .
ومرت الأيام :
مرت ايام العـزا ببطئ , على الجميع ..
زيــنه خلالها ما كانت تقدر تصلب طولها , خاصه بأول يوم, طاحت عليهم ..
وما كانت حاسه بمعاناة احد غيــر نفسـها .
بعد مرور ايام العزا , وأول ايام العده اللي قضتها بشقتها اللي ببيت ابوفواز , بدت تستوعب اللي يصير حولها .
اطلعت من ضباب مشاعرها المره على الواقع الأمر .
خالتها ام فواز !!
خالتها ام فواز بدت تتصرف تصرفات غريبه ..تتجاهلها ..تعطيها نظرات سيئه ..او تكلمها بأسلوب سئ , وضيق واضح .
واهي نفسيتها بدت تسوء من هالمعامله !!
ما تدري ليش خالتها تعاملها بهالطريقه , او يمكن تدري ..
خالتها تلومها لأن فواز يسوق , تلومها لأنها ما درت عنه وامنعته .
خالتها تلومها لعدم وجود اطفال ,يشيلون اسم ولدها المتوفي .
وعلاقتهم بالأصل كانت متوتره لأن ابوها فقد كل املاكه , وألحين بما ان فواز , الرابط اللي يربط بينهم اختفى , راح مات !!
ما عادت خالتها مجبـوره انها تتعامل معاها بطريقه حسـنه .
وبعد اول ايام العده ما قامت تزورها , واكتفوا منيره , وصديقاتها بالزياره .
مع مرور ايام العده اكتشفت نعمة النسيان للمره الألف بحياتها .
هذي النعمه اللي ما نعرف قيمتها الفعليه , إلا ان فقدنا شخص عزيز ..
كان تظن انها ما راح تقدر تعيش من غير ابوها لكن كاهي عاشت ومضت الحياة , وكانت تظن انها ما راح تقدر تعيش من غير فواز لكن كاهي عاشت .
العادي والطبيعي انها بجـــت كثير خلال هالفتره لكن الغريب انها خلال هالأشهر مالت العده اضحكت , وابتسمت بعد...واهي اللي ما توقعت انها راح تعرف تبتسم , او تضحك عقب اللي صار .
قبل انتهاء العده بيوميــن :
توها وصلت رفيجاتها للباب , وودعتهم , والأبتسامه على شفايفها , لكن اول ما غادورا اختفت بقدرة قادر .
وصكت باب الشقه , وبذهن غايب لفت ويهها , واللي فاجئها ويهها اللي قابلها بالمنظره الجانبيه للباب ..شافت ويهها بالمنظره , وحســت انها تشوف ويه ما تعرفه ..تغيـــرت !!
تحس فيها شي ذبـــل .
ارفعت ايدها ولمست خدها , واكتشفت ان الصوره اللي مقابلتها ترفع ايدها بعد ..
مررت اصبع على شفايفها , على خشمها , على حواجبها , والصوره اللي تقابلها تتابعها بنفس الحركه ..
هذي انا ..
انا ..
وين عــزة النفـس ؟ , وين الكبرياء ؟ , وين الغرور ؟ ..
اختفى من ملامحي ..
اضحكت بصوت مخلوط مع بكا ..
اكيد بيختفي ..
اكيــد .
وين بيكون لها كبرياء , وعزة نفــس , واهي بيت ما عندها !
وين بيكون لها هالشي , واهي وظيفه ما عندها عشان تسند روحها بالعيشــه ...
لما كانت في بيت ابوها , كانت عايشه مدللـه , معززه مكرمه ..
ولما اكتشــفت بعد وفاة ابوها انه فاقد كل فلوسه ومن ضمنهم البيت , وفقد كل هالأشياء لـ ..
للشخص اللي تكرهه , وتحتقره ..
لكن وقتها ما تأثرت لأن فـواز كان موجود , وشقتهم موجوده , لكن ألحين وين تروح ؟
ويــن ؟
ما راح تعيــش عند مرة ابوها الله يرحمه , ما راح تعيش في بيت ولدها لو تموت , كفايه عليها انه شافها منكســره يوم وفاة فواز
تذكرت شكله واهو يقولها عن وفاة فـواز , تذكرت نظرات الشفقه بعينه ..
تذكرت اشلون سترها بشماغه ..
وحست بالغيظ اللي تحســه كلما تذكرت ..
ايــــه ..ايـــــه ما راح تسمح له يشوفها مكســوره مره ثانيه .
وتمنـــت لو يكون عندها اهل , تمنت لو ان عندها ام وابو , عمام , خوال , اي شـــي ..اي احد عشان يعينها على اللي فيها .
وتمنت لو خلصت دراستها الجامعيه اللي وقفتها عقب سفرتها مع فواز , وقفت قيدها وألحين اهي ما عندها الشهاده الجامعيه , كانت ناويه تكمل الدراســه بعد ما تنتهي عطلة الربيع , لكن وفاة فواز ألحين راح تمنعها ..
عضت على شفايفها بقسـوه , لازم اتدور لها على وظيفه بشهادتها الثانويه ..
راح تعيش اهني , مضطره انها تقعد بهالشقه اللي مو ملكها , وتتحمل كلام خالتها ام فواز اللي صاير مثل السم إلى ان تجمع من الفلوس اللي يمكنها من أجار شقه على الأقل .
انتهى البارت الأول
لا تحرموني من تعليقاتكم الحــــــــــلوه
الكاتبه
black widow