المنتدى :
الارشيف
وفاة قلب
قلتُ : افتحي عينيكِ ...
قالت : لمَ ..؟
قلت : أريد أن أسبح في بحر عينيك ...
فتحت عينيها ويا ليتها لم تفتح ... لأني ما انتيهت من الغوص ...
أمواجٌ هادئة تتلألأ تحت الشمس وشواطئ دافئة ... غفوت عليها قليلاً ...
إلى أن أيقظتني تقول لي : جاء دوري ...
قلتُ : دور ماذا ؟
قالت : افتح عينيك أريد أن أسبح ...
قلت : لا ..
قالت : لماذا ..؟
قلت : أخاف أن تغرقي ..
قالت : لا تخف ... أعرفُ السباحة جيداً ..
قلت : بحري ليس كباقي البحور ..
قالت : لا أخاف ولا أهتم ..
قلت : بحري أسودٌ مظلم ... ليس أزرقَ مشرق كبحرك ..
بحري ملئٌ بالغربان ليس كالنوارس التي لديك ِ ...
بحري ملئٌ بالقروش الفتاكة بدلاً من دلافينك الوديعة ...
قالت : افتح ..
قلت : صخوره نارية ... ليست كرمالك الذهبية ...
قالت : أرجوك ..
قلت : لك ما أردتِ ..
وفتحت عيناي .. وإذ بها تغرق قبل أن تسبح ..
فأخرجتها وأغلقت عينيَّ ..
قالت وهي ترتجف : كدت أموت ..
قلت : ألم أحذّركِ ..؟
قالت : بحرك مخيفٌ جداً ... ملئٌ بالأعاصير والزوابع ...
غيومه سوداء ... ورياحه قارسة ..
قلت : لأنك هجرته منذ زمان ...
قالت : داكنٌ أسود مرعب ...
قلت : أتلفه السهر ..
قالت : دوار البحر قويٌ جداً فيه كدت أفقد وعيي ...
قلت : هو الخمر الذي أحتسيه ليل نهار لأنسى غيابك ..
قالت : أمواجه عالية هدّارةٌ مخيفة ...
قلت : تلك الدموع ما كانت تفارقني حين فراقك ..
قالت : والغربان التي تملأ السماء ..؟
قلت : همومٌ وأفكار مشوَّشة ..
قالت : والضباب الذي يملأ الجوّ ..؟
قلت : هذا دخان سجائري ..
قالت : ولكني لمحتُ شيئاً جميلاً ...
قلت : جميل ! ما هو ؟
قالت : طفلٌ صغيرٌ يلعب بين الصخور ...
قلت : والدخان والدوار والعواصف والأمواج والغربان ..؟
قالت : لم يكن يخاف شيئاً .. كان صوت غناءِهِ يملأ المكان ..
كان صوته أعلى من هدير الموج .. وصوت الرعد .. وفحيح الرياح ..
قلت : قد عرفته .. لكني نسيته منذ زمان .. ولم أعد أكترث به ..
قالت : من هو ..؟
قلت : سيكبر يوماً .. ويشيخُ ثم يموت ..
قالت : بالله عليك من هو ؟
قلت : هو قلبي .. مازال في عزّ طفولته ..
قالت : متى سيشيخ ويموت ..؟ ولمَ ؟!
قلت : حين يفقد الأمل بوصالك ...
وتَـــرَكَـتْـني ......
وعادت بعد عشر سنين تجرّ معها طفلاً ..
قالت : ما حالك ؟ قد اشتقت إليك ..
قلت : بخير ..
قالت : افتح عينيك .. اشتقت اليهما ..
قلت : لا
قالت : هيا .. أريد أن أرى ..
قلت ُ : قد تحوّلت الغربان إلى نسور .. والأمواج إلى حمم بركانيةٍ ..
قالت : لا أهتمّ ..
قلت : الضباب أصبح ثلوجاً من الدم ..
قالت : هيّا .. أريد أن أرى الطفل ..
قلت : الطفل قد مات ..
قالت : محالٌ أن يموت .. فأنا بقربك .. ولو مات .. سيحيا الآن ..
وفتحتُ عيناي ..
يا ليتني ما فتحتهما ..
صرخَتْ بأعلى صوتها تتألَّم ..
قلت : ما بكِ ؟!
قالت : أحدهم أطلق النار عليّ ..
قلت : من ..؟
قالت : لا أدري .. ما تلك النسور ..؟
قلت : همومي قد تحوّلت إلى مآسي ..
قالت : والثلوج ..؟
قلت : هي السجائر .. أصبحت عقائر ..
قالت : والحمم ..؟
قلت : الدموع .. تحولت إلى دماء ..
قالت : دماء .. إني أنزف .. أسعفني ..
قلت : من أطلق النار عليك ..؟
قالت : الطفل .. قد كبر .. وكان ينظر إلي بعينين ملأتهما الدموع ..
وكان بكاؤه يملأ المكان ..
قلت : قلبي حاول قتلك ..؟
قالت : نعم ..
قلت : انتظري ..
قالت : ماذا ستفعل ..؟
قلت : سأقتلعه من جذوره ..
قالت : لا .. لا تفعل ..
قلت : سأفعل .. إن لم أقتله ستموتين ..
قالت : دعني .. قد يَـئِـسْتُ من الحياة ..
قلت : إن لم يكن لأجلك .. فلأجل طفلك ..
قالت : سميته على اسمك ..
قلت : سيحيا حبي به ..
دقائق .. ووجَدَتْني مضرجاً بالدماء ..
قالت : افتح يدك .. ما هذا الذي ينزف ..؟
قلت : إنه قلبي .. يبكي ..
قالت : وأنت لمَ تبكي ..؟
قلت : من الألم ..
قالت : ما عهدتك تتألم ..
قلت : ليس من ألم الجرح .. بل ألم الفراق ..
قالت : كيف تحس بالألم وقلبك قد مات ..؟ كيف تشعر بي ..؟
قلت : أتظنين بأن قلبي فقط يحبك ..؟
قالت : وهل يحبّ غير القلب ..؟
قلت : العقل يحبّ .. والعين تحبّ .. والدم يحبّ ..
كل شئٍ فيَّ يحبّك .. وينبض باسمك ..
أنا لا أموت يا حبيبتي ..
قالت : انتظر قليلاً ..
قلت : ماذا ستفعلين ..؟
قالت : الآن ستعرف كم أحبك .. لكن الحياة أبعدتني عنك ..
قلت : لم أفهم .. ؟
قالت : سأقتلع قلبي .. لأحيا معك ..
قلتُ : لن أدعك تفعلين ..
قالت : لن تمنعني قوّة في الكون ...
اقتلعت قلبها ... وتمددت فوقي ميتةً ...
الآن أعلن موتي يا حبيبة ..
الآن أفارق الحياة ... ذهبَ ما كنت أحيا لأجله ..
مات الأمل ... الآن ها هنا ..
أوتحسبين بأن عقلك ودمائك تحيا بي ..؟
لا سيدتي ..
حبي لك لن يصل إليه أحد ..
ألم أقل لك ... إني أحيا بك ..
تعازيّ الحارة لي ولك ..
لكنّ الذي أنصفني في نهاية حياتي .. هو موتي بقربك ..
جثتان ممددتان فوق بعضهما ..
وصوت بكاء طفلٍ يملأ المكان ..
هذه هي الحياة ...
مماراق لي
|