هناك قالت له بهدوء ساخر:
" أعتقد أن العادة القديمة قد نفذت وعليك بأنزالي الآن".
كان وجهه قريبا جدا من وجهها ونظره ثابتا وغامضا بحيث تمكنت من ملاحظة أدق تفاصيله ... الخطوط التي لوحتها الشمس على أطراف عينيه والأخاديد القاسية حول فمه.
لم يرد على طلبها بل بقي يحملها بين ذراعيه , فأهتزت أعصابها وأحست بالأضطراب .
لحظات ثم أرخى ببطء اليد التي وضعتها تحت ركبتيها وتركها تقف على الأرض , لكن يده الثانية بقيت تضمها بشدة وتضغط بشكل مؤلم , أما العروس فقد بقيت جامدة في مكانها دون مقاومة.
رفع ذقنها وقال:
"أهلا بك في البيت مدام ماثويز".
ودنا منها بهدوء مليء بالخطر , تحرقه الرغبة فشدت آلانا على ذراعيه وركزت تفكيرها على كورت , الرجل الذي أرادته زوجا لها .
رفع رأسه والقسوة تظهر في ملامحه وسألها:
" ألن تسهلي الأمر؟".
ورغم برودة وجفاء صوته , كانت عيناه تلتمعان , فأجابت:
" أنني لا أرغب أبدا في جعل أي شيء سهلا لك!".
منتدى ليلاس
شد ذراعه عليها مؤنبا للحظة ثم تركها , فأبتعدت عنه وركبتاها ترتجفان لكنها نجحت في رفض عناقه وقررت أن لا تكون المرة الأخيرة , ثم راحت تتأمل الغرفة , متجاهلة وجود رولت.
كان خشب الأرز الناعم غير المدهون يغطي الجدران وقد صممت في الوسط شبابيك واسعة ومدفأة جميلة من الحجر الرملي , وقد غطت الأرض سجادة كثيفة خشنة بلون المدخنة تتلاءم مع لون الغرفة حيث وسطها مقاعد صغيرة ذات لون بني , وكانت الأضواء مخيفة في السقف الخشبي اللامع.
ومن خلال ردهة واسعة , أستطاعت أن تلمح غرفة الطعام , كانت الشبابيك تمتد عل أتساع حيطانها وقد لاح من خلال زجاج الشبابيك سقف المنزل الخشبي الذي لمعت عليه أشعة الشمس .
كان رولت لا يزال واقفا على مقربة فتحرك نحوها , فأستدارت وكأنها نسيت وجوده.
وكانت عيناه تسألانها عن رأيها في البيت فأجابت غير مبالية :
" أنه جميل جدا".
" سأريك الباقي".
ودون أن ينتظر جوابها , سار أمامها في الردهة الواسعة , لحقت به بلا أهتمام ظاهر , فأشار الى باب مفتوح يقود خارج الردهة , لم تلاحظه آلانا عندما دخلت , وقال:
" أنها غرفة المكتبة , هنا أعمل أحيانا في المساء".
ثم تابع سيره الى غرفة الطعام.
حدقت آلانا الى الغرفة وشعرت بالدفء بين صفوف الكتب ولاحظت أثاث الجلد الغامق المتناسق مع لون السجادة , وتابع رولت قائلا:
" أنها غرفة الطعام , وراءها تمتد الشرفة".
كان لون العرفة البرونزي يلمع تحت الشمس وقد بدا المنظر مطلا على البحيرة في قعر الوادي , فقال رولت:
" أن المطبخ من هنا".
وأشار بيده الى قنطرة واسعة ملأتها الخزائن الخشبية ونظرت آلانا من خلال القنطرة الى المطبخ المجهز بالآلآت الحديثة , بينما تابع رولت سيره فعاد الى الردهة ومنها صعد الدرج المستدير الذي يقود الى الطابق العلوي , وفي أعلى الدرج المستدير الذي يقود الى الطابق العلوي , وفي أعلى الدرج , أمتدت ردهة ثانية واسعة جدا محاطة بسور من خشب الأرز.
في تلك الردهة , كانت ثلاثة أبواب , أثنان يقودان الى الجهة الأمامية من المنزل والثالث الى جهة البحيرة.
وأشار رولت :
" أنها غرف النوم".
فأجابت ببرودة:
" هذا ظاهر".
" الأثنتان في الجهة الأخرى هما غرفتان للضيوف وهذه هي الغرفة الرئيسية , أشار رولت اليها وهو يفتح الباب , فبان أمام آلانا السرير المزدوج الذي ملأ الغرفة الكبيرة وقد غطاه وشاح من المخمل البني اللامع , كان الحائط كله من الزجاج الذي يمتد من الأرض حتى السقف على طول الحائط , فيبدو منظر البحيرة من السرير وكأنها مرآة كبيرة تلمع في البعيد....
وعلقت آلانا من دون أنتباه:
"جميل جدا".
فأشار رولت الى الناحيةالشمالية وهو يقول:
"هنالك ممر وراء الباب , وعلى اليمين يوجد حمام خاص بالغرفة , يمكنك أن تلقي نظرة بينما أجلب حقائبك".
فتطلعت آلانا الى الأبواب التي أشار اليها لكنها لم تفتش عما وراءها , ولم تعط ملاحظة بشأن الحقائب , لم تتحرك ألا بعد أن سمعت خطى رولت تغيب في نهاية الدرج , عندها مشت الى الردهة وتفحصت الغرفتين الباقيتين , كانت صغيرتين ومفروشتين بذوق , عندما سمعت خطى رولت قادما من جديد , أسرعت وعادت الى الغرفة الرئيسية.
وضع حقيبتها قرب السرير , ثم وقف ونظر اليها طويلا وكأنه يحاول تفحص مزاجها , فأدارت وجهها بكبرياء نحو النافذة كي لا تترك له مجالا لقراءة أفكارها.
فسألها بسخرية وأستهزاء:
" أذا سمحت , سأغير ثيابي".
أستفسرت بوقاحة ولؤم :
" هل سترتدي ثيابا مريحة أكثر؟".
فأهتزت شفتاه وأجاب:
" تماما, فأنا عادة لا أجلس في البيت ببذلة وربطة عنق".
منتدى ليلاس
لم تتحرك آلانا من الغرفة بينما دخل الى الحجرة السرية وراء الباب ليخرج بعد دقائق, فأرتجف قلبها منذرا , لكنه ضحك بببرودة لموقفها المتجمد وقال:
"لا تقلقي , لا خوف من التجول في البيت".
وبلفتة متحدية من رأسها نظرت آلانا بطرف عينها وكأنها ترد على التحدي , كان رولت يرتدي قميصا قطنيا أزرق وقد لمع بريق المرح في عينيه منذ أن لاحظ الأرتياح على وجهها.... قال لها:
" بينما تفرغين حقائبك, سأنزع معالم الزينة عن السيارة".
ثم هز رأسه بسخرية وترك الغرفة وقد ظهرت ضحكة خفيفة على شفتيه ,و للمرة الثانية أنتظرت آلانا حتى يصل الى أسفل الدرج ثم أخذت حقيبتها عبر الردهة الى أحدى الغرف الصغيرة وفتحت الحقائب وبدأت توضب ثيابها.
كانت قد أفرغت الحقيبة الأولى ومعظم ما في الثانية عندما سمعت الباب يفتح ثم يغلق , فتجمدت لبضع ثوان وحاولت أن تسمع خطوات رولت على السجادة الكثيفة , ثم أنتصبت لوقع أقدامه على الدرج , فجمدت وعضت على شفتها السفلى مرتبكة , عندما وصل الى أعلى الدرج , كان باب الغرفة مفتوحا قليلا فعرفت أنه سيعرف مكانها فورا عندما لا يجدها في الغرفة الكبيرة , وبعد لحظة , وعندما أصبح في الردهة , أسرعت بأشغال نفسها في تبكيل أزرار قميص ما , وبالرغم من أنها أدارت ظهرها للباب , وبالرغم من كون السجادة الكثيفة قد أخفت صوت خطاه , فقد أحست باللحظة التي دخل فيها الغرفة وشعرت بالوخز في عنقها.