الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين أما بعد :
من المسائل الإجتماعية التي يلاحظها الإنسان على بعض الناس.
مسألة منكرة ينبغي التنبيه عليها والتحذير منها ألا وهي
مسألة (توريث العداء).
فقد تبدأ مشكلة _صغيرة كانت أو كبيرة_ بين طرفين _سواء
كانوا فرد أو جماعة_ فيقوم أحد الطرفين أو كليهما بتوصية
الأقارب من أبناء وإخوة وغيرهم على بغض الطرف الآخر والحث
على عداوته أو إيذائه وعدم الكلام معه وغيرها من صور العداء
ويورث كل جيل للجيل الذي بعده هذه المشكلة ، فتنشأ أجيال
متعادية وقد لا تعرف سبب هذا العداء.
وعلى هذا لابد من التنبيه على هذا الموضوع من خلال
الوقفات التالية :
1_ الوقفة الأولى : الأصل أن يجتنب المسلم عداوة أخيه المسلم
وأن يبتعد عن أسبابها وأن يحرص على صفاء قلبه من الغل
والبغض فيكون كما قال الله تعالى مادحاً المؤمنين
(( والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا
إنك رءوف رحيم ))سورة الحشر (10)
وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بحضور
الصحابة رضوان الله عليهم ثلاثة أيام متوالية عن رجل من أهل الجنة
يدخل عليهم من باب معين فيخرج في جميعها رجل من الصحابة غير
مشهور فعندما سُئل عن السبب قال
(...غير أني لا أبيت وفي قلبي غل على مسلم).
وغيرها من النصوص التي تتحدث عن ذم العداوة ، كلها تبين أنه
يجب على المسلم أن يكون بعيداً عن البغض والعداوة والغل على
على المسلمين.
وتصفية القلب من الغل والنفس من عداوة الناس من أهم أسباب
السعادة وطمأنينة البال.
2_ الوقفة الثانية : أنه ينبغي أن يحرص على مسألة الإصلاح بين
الناس والسعي في حل المشكلات ، فقد يوجد من المتخاصمين من
يتمنى الإصلاح وترك القطيعة لكن يمنعه الخجل أو التخوف وغير
ذلك من وساوس الشيطان ، فيأتي المصلح فيقرب ويجمع بين
القلوب بأيسر طريقة ، بل يوجد كثير من المشكلات أسبابها تافهة
جداً والمتخاصمين كل يتمنى حل المشكلة لكن يمنع من ذلك عدم
وجود المصلحين وللأسف.
فينبغي معرفة فضيلة الإصلاح ومارتب الله عليه من الأجر العظيم
، يقول تعالى وتقدس (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة
أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله
فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )) سورة النساء (114)
3_ الوقفة الثالثة : أن يحرص الطرفين المتنازعين _إذا لم يُتمكن من
الصلح ومن حل المشكلة_ أن تكون المشكلة بينهما فقط ولا
يقحموا فيها أُناس وأطراف أخرى فتتسع دائرة المشكلة.
فإن العلماء ذكروا من القواعد الفقهية (أنه يرتكب الأدنى من
المفسدتين عند اجتماعهما).
فمفسدة فردين متخاصمين أدنى مفسدة من أطراف وجماعات
ومؤسسات متنازعة ومتخاصمة فترتكب المفسدة الأدنى لأنها
أخف ضررا ، لكن ليس معنى ذلك تبرير التهاجر بين اثنين بحجة
ارتكاب أنى المفسدتين ، فإنهما في إثم من ارتكاب هذا الذنب
ومطالبين بحل الخلاف وترك الهجر.
4_ الوقفة الرابعة : جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال ( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل
بها ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ).
فالباديء في زرع هذا العداء والخصام المورثه لمن بعده يكون عليه
وزره ووزر من عمل بهذا العمل والعياذ بالله.
فالأمر جد خطير ولكن أكثر الناس لا يعلمون !
5_ الوقفة الخامسة : أن في هذا العمل تربية للأجيال والأبناء
والصغار على المنكر وعلى العداوة وعلى فساد القلوب.
فكيف بطفل صغير يسمع أباه أو أمه يأمره ببغض فلان من الناس
أوعدم التحدث معه أو إيذائه ، هذا فيه أعظم الفساد لهذا
الناشيء الصغير وتربيته التربية السيئة.
فبدلاً من تربيته على القرآن والأخلاق الحسنة والخير والصلاح
تتحول التربية عند هؤلاء تربية سيئة من أجل الأمور الشخصية.
وقد يكون البعض عنده تربية لأبنائه على الخير والصلاح لكن يكون
عنده هذا المنكر فيكون هذا هدم سريع للبنيان الذي بناه على الخير.
6_ الوقفة السادسة : ينبغي للمتخاصمين وكذلك من يتلقون مثل
هذا الإرث السيء ألا تأسرهم الضغوط الإجتماعية والأمور
الشخصية والنفس الأمارة بالسوء واتباع الهوى والشيطان عن أن
يصلحوا فيما بينهم ، وأن يزيلوا هذا الخلاف.
فبعض من وقع في هذه المشاكل قد يكون عنده همّ من ذلك ويراود
نفسه للإصلاح لكنه يخشى أن يتحدث الناس أنه ذل لخصمه أو أنه
عاقّ لأبيه لأنه تحدث مع خصم والده وغيرها من الضغوط.
فالواجب على المسلم الحر أن يتحرر من هذا الأسار فيرضي مولاه
جل وعلا.
7_ الوقفة السابعة : أنه ينبغي معرفة إثم الهجر والتباغض.
وأن الأعمال تُرفع في كل يوم اثنين وخميس إلا المتخاصمين كما جاء
في الحديث.وأنه مخالف لأمر الله تعالى حيث قال ((إنما المؤمنون
إخوة)) سورة الحجرات (10) .
وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال (ولا تباغضوا).
وغيرها من النصوص الدالة على تحريم الهجر والتباغض.
8_ الوقفة الثامنة : كذلك ينبغي معرفة فضل العفو والصفح عن
الناس والتجاوز عن زلاتهم يقول تعالى مادحاً
((والعافين عن الناس)) سورة آل عمران (134).
وأن الإنسان عندما يكون هو الباديء بالسلام أو بالعفو يكتسب
بذلك رفعةً ومحبة عند الله ثم الناس ، ولابد أن يكون العفو من أجل
الله تعالى وليس لكسب رضا الناس وثنائهم.
9_ الوقفة التاسعة : أن الواجب على المسلم أن يكون مدار الحب
والبغض عنده هو الله سبحانه وتعالى.
فعلى المسلم أن يحب لله وأن يبغض من أجل الله وأن يعادي من
عادى الله وأن يوالي من والى الله فبذلك تنال ولاية الله تعالى
كما قال ابن عباس رضي الله عنه.
فهذا من أكبر العلامات الدالة على إيمان العبد.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يؤلف فيما بين قلوبهم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.