تفحصت محتوى البراد , في داخل ما يكفي لأطعام جيش بكامله , ماذا يفضّل يا ترى؟ اللحم , السمك , البيض؟ هزت كتفيها ووضعت في طبق بعض السلطة , ثم مختلف أنواع اللحوم في طبق آخر , ثم دخلت الى غرفة الطعام , الطاولة الفخمة المصنوعة من خشب الجوز تتسع لعشرين شخصا , لا شك أنه يستقبل العديد من الناس , والغريب في الأمر أن يعيش رجل عازب في مثل هذا المنزل الواسع الضخم.
وضعت الملاعق والسكاكين والشوك الفضية وتساءلت متى توفي والده , كما فكرت بزوجة والده الثانية التي تخلت عن كل هذا , وبعدما أنتهت من تحضير المائدة ألقت نظرة أخيرة الى الغرفة , الأثاث الغامق يلمع , والسجاد السميك يتناسق لونه مع البرادي المصنوعة من القماش المشجر , وخزانة زجاجية تزين جهة واحدة من الغرفة , ويعرض في داخلها الأشياء النحاسية والعاجية ذات القيمة الفاخرة , وعلى الخزانة الصغيرة من الجهة المقابلة مجموعة رائعة من الفضيات , أطلقت تامي زفرة أمام هذا الديكور وأنتفضت لدى سماعها صوت ريك الساخر يقول:
" هل تفكرين بهذا عندما تتمنين الزواج من مزارع غني؟".
منتدى ليلاس
يا ألهي كم من الوقت مضى وهو يراقبها من دون أن تعرف ؟ فشعرت بالأحمرار يحتل وجهها.
أجابت في هدوء:
" كلا , كنت أفكر بأن هذه الغرفة ذات جمال جذاب...".
ثم أضافت وهي تحدق فيه من دون أن يرف لها جفن:
" وخاصة بالنسبة الى سكرتيرة تافهة , أنني أشعر هنا بالضياع النهائي".
مرت أمامه , فأخذها من ذراعها ونظر الى الطاولة:
" لم تضعي الا صحنا واحدا؟".
" نعم , سأتناول الغداء في المطبخ".
" لا , سوف تتناولينه معي".
أجابت وهي تزم شفتيها :
" لن أكون مرتاحة , شكرا في كل حال".
كان ما يزال يتمسك بذراعها .
" سبق أن وعدت بأن تكوني مطيعة , أتريدين أن أعلمك كيف تتناولينه معي؟".
تقلّصت , أن قربها من ريك يوترها , أنها تشعر بقلبها يخفق بسرعة , وعندما أطلق سراحها هرعت الى المطبخ.
لم تشعر بأنزعاج في حياتها مثلما شعرت وهي تتناول طعام الغداء معه , كانت جالسة في مواجهته , وكلما رفعت عينيها كانت ترى نظراته الساخرة تحدق فيها, وما أن جلست حتى أشار اليها بأنها نسيت أحضار الخبز , فهمت بالنهوض عندما أضاف في لامبالاة :
" لا داعي لذلك, الا أذا كنت تريدين خبزا لك ؟ أنا نادرا ما أتناول الخبز".
كانت ترغب في أن ترمي بوجهه شيئا ما , فهمس:
"عيناك المعبرتان تخونانك , أنهما رائعتان , أنت تعرفين ذلك من دون شك , يمكنهما أن تسحرا الرجل الطائش".
نظرت في طبقها وبدأت تأكل وتقول لنفسها ( أنه يحاول فقط أن يغضبني , فلن أرد عليه).
فسألها فجأة:
" حسنا , هل لديك أي أنتقاد فيما يتعلق بهذه الغرفة بالذات؟".
أنتفضت, فهو لا يدعها تتمتع ببعض الوقت لتستعيد وعيها وتفكيرها , ظلت تحدق في صحنها وهي ترد عليه ببطء:
" لا شيء , لا شيء , الناس البسطاء والفقراء مثلي يتأثروت قليلا بمثل هذا الغنى الفاحش".
أجتاحتها نوبة حزن لدى تذكرها منزلها القديم والأثاث الملون ببقع الوحل والشعر , غالبا ما كانوا يبعدون الحيوانات الكبيرة الى غرفة الأستقبال حتى لا يقع الشجار بينها وبين الحيوانات الصغيرة داخل غرفة الأنتظار.
سألها فجأة:
"كيف كان منزل جوناثان؟ أو أنك لم تزوريه في منزله؟".
لمعت عينا تامي مم جعله يقول:
" أنك تعرفين جيدا أعلان الحرب بنظرة , أذن , ما هو جوابك على سؤالي؟".
شدّت على شفتيها وقالت:
" في الواقع , أن جوناثان يملك العديد من المنازل , واحدا في المدينة , وآخر قرب شاطىء البحر , وفيلى في الريفييرا الفرنسية , ما عدا منزله الريفي".
هزّ حاجبيه وقال:
" ورفضت أن تتزوجيه؟ لا يمكنني أن أصدق أنك تجاهلت كل ذلك,هل هو طاعن في السن؟".
لم تشأ أن تقع في الفخ , فسألته بتهذيب:
" أتريد أحتساء القهوة الآن؟".
لم يعجبه تغيير الموضوع , فقطب حاجبيه لكنه عدل عن متابعة الحديث حول جوناثان وسألها:
" هل تجيدين تحضير القهوة؟".
أجابت وهي مغتاظة:
" طبعا".
" أذن , لدي بعض الأعمال يجب أنهاؤها , سأتناول قهوتي في المكتب".
وبعدما أحتسى ريك القهوة , أعترف لتامي بأنها حقا لذيذة الطعم.
كانت تامي قد أرتدت قبل الغداء فستانا من القطن الأزرق , لذلك فوجئت عندما أمرها بأرتداء سروال , ففتحت عينيها الواسعتين تريد معرفة السبب , فشرح لها قائلا:
"سوف نقم بجولة حول المزرعة".
وبمضض توجهت الى غرفتها وخلعت فستانها وأرتدت سروالا وتعطرت ثم عادت الى المكتب , بحثت عنه داخل المنزل من دون جدوى.
أتجهت الى السياج وأتكأت على الحاجز لتشاهد المساحة الواسعة الخضراء أمامها , وبعد دقائق سمعت صوتا أوقف شعر رأسها , كان صوت خطوات حصان يتوجه نحوها.
كان عليها أن تستجمع كل ما لديها من شجاعة للألتفات وشاهدت ريك ممتطيا حصانا أسود لم تر بضخامته من قبل.
" أقدم لك ( منتصف الليل) , أنه مهذب ولن يؤذيك , داعبي وجهه".
أطلقت تامي صرخة حادة , خيّل اليها أنها تعيش كابوسا , وبمعصميها المشدودتين راحت تشد بالسياج.
منتدى ليلاس
لكنها وصلت أن تقول:
" لا .... لا ... أرجوك, أبعده عني".
" أرجوك أن تثقي بي يا دليلة , ولو مرة واحدة ,هيا, داعبي وجهه".
راحت تامي ترتجف وتشد بالسياج , فأخذها من خصرها ومن دون أن تعرف ماذا يجري , وجدت نفسها جالسة على ظهر الحصان , أمامه.
فهمس في أذنها:
"الأنسان قادر على أن يقهر خوفه , حاولي أن تتبعي خطوات الحصان".
كانت تامي تتخبط بعنف , وللحظة أفلتت من يده وكادت أن تقع أرضا , لكن سرعان ما تمسك بها قبل أن تلمس الأرض.
" لا ... لا ... أرجوك, أتوسل اليك".
لكنه لم يكن يريد التراجع عن قراره وكان رده الوحيد:
" بل ستحاولين أمتطاء الحصان".
فتمسكت بذراعيه ووضعت رأسها على صدره وبكل قواها كانت تردد وتصرخ قائلة:
" لا أستطيع ! ألا ترى أنني لا أستطيع؟".
لكنه تخلص من تمسكها به وقال:
"أذا كان ما تفعلينه حيلة أخرى , فأنك تضيعين وقتك , على الرجل أن يمهد للأمر , أذن, كفي عن هذه المسرحية".
لم ترد, فقد غابت عن الوعي.
**********نهاية الفصل العاشر**********