وقبل الذهاب , همس لتامي:
" أعتقد أن في وسعك أن تكون مرتاحة البال ساعة أو ساعتين , يا دليلة , أليس كذلك".
كانت شديدة الغضب , فلم ترد.
وبقيت تامي مع السيد والسيدة سكوت في غياب ريك هاتون , ولاحظت تامي بأن تصرف السيدة سكوت أتجاها تغير , لم تعد صريحة , وكانت ترمقها من وقت الى آخر بنظرات نافذة , وتساءلت تامي ما أذا كانت السيدة سكوت تخشى على أبنتها منها , فهي لا تعرف لماذا يهتم ريك بها كثيرا.
عاد ريك وديانا في أقل من ساعة , الفتاة بدت عابسة وقد رمقت تامي بنظرات ماكرة.
راح الجميع يثرثرون في غرفة الجلوس الى أن حان وقت العشاء , فحل الظلام وأنيرت الغرفة بالكهرباء.
وللمرة الأولى توجهت ديانا بالحديث الى تامي:
" هل تشعرين بالحنين الى الوطن , يا دليلة؟".
فضّلت تامي لو لم تطرح ديانا هذا السؤال , أذ أن حلول الظلام والظلال ونور المصباح القديم , كلها تذكرها بمنزلها , وشعرت بأن حلقها يجف , فأجابت بهدوء:
" آه , نعم , كثيرا".
" وهل تركت أحدا وراءك؟".
بدأت تامي تدرك ما وراء هذا السؤال من أسباب .
فأجابت وهي تعرف جيدا أنها لا ترد على السؤال المطروح:
" هل تعنين أحدا من أهلي؟".
" آه , لا , أنني أقصد ما أذا كنت تركت وراءك أنسانا عزيزا على قلبك".
أجابت تامي :
" لست مخطوبة لأحد".
أرادت أن تغير الحديث , فهي تشعر بنظرات ريك منصبة عليها , حتى ولو لم تشاهد تعبير وجهه.
قالت ديانا في ترفع:
" سألت ذلك فقط لأنني شعرت بأنك تريدين العودة الى أنكلترا".
وتدخل سكوت في الحديث وقال:
" أنه شيء طبيعي أن تشعر بحنين الى الوطن , أنني أفهمها , وأنا أيضا جئت من هناك ,وشعرت بالأحساس ذاته , لكن ذلك حصل منذ سنوات عديدة , وما زلت أتذكر هذا الأحساس تماما , مرات عدة كنت على وشك الركوب في أول باخرة ذاهبة الى أنكلترا , طبعا أنني سعيد الآن لأنني لم أفعل ما كنت أشعر به حينذاك".
تدخل في الحديث وقال في لطف:
" هل رأيت يا دليلة , أنها مسألة وقت فقط".
تامي وحدها تعرف ماذا يخبىء وراء هذا اللطف الظاهر , شعرت بالدمع يصعد الى عينيها , وفجأة شعرت بالتعب والحزن والألم والحنين الى الوطن , أنها مشتاقة الى العودة الى مزرعة ( الصخرة) حتى تفرغ كل ما في داخلها.
بعد العشاء غادر ريك وتامي منزل عائلة سكوت , ولم تشأ أزعاج ريك وديانا في لحظة الوداع , لكن , فوجئت بريك وراءها , دخلت تامي الى السيارة ونظرت الى ديانا التي كانت تنتظر من ريك قبلة الوداع , لكنها لم تتلق منه سوى ربتة على كتفها , فقالت في لهجة حانقة:
" ريك!".
منتدى ليلاس
أجابها ببرود وهو يصعد الى السيارة:
" تصبحين على خير , يا ديانا".
لا شك في أنهما تعانقا طويلا خلال رحلة ركوب الخيل , لا يمكن أن يكون ريك حبيبا باردا.
خلال العودة , نامت تامي في السيارة , ولم يكن ريك مستعدا للكلام , فجأة شعرت بيد تمسك كتفها , ففتحت عينيها وأذا بريك يقول لها بحنان:
" لقد وصلنا".
هبطت من السيارة ناسية كل آلامها , لكن تقلص قدميها ذكرها بذلك , قال ريك في لهجة آمرة:
" أعدي أغراضك , لهذه الليلة فقط".
فقالت نصف نائمة:
" لم أفهم".
" أذهبي الى غرفتك وأحضري أغراضك بسرعة! ربما نسيت , لكن السيدة موريس ليست هنا , والآن , أعتقد بأنك تفهمين جيدا؟".
حاولت التركيز وقالت:
" وما علاقة ذلك بالأمر؟".
" أعتقد أنك لم تفهمي شيئا , سوف أساعدك على ذلك".
قطب حاجبيه وهمس قائلا:
" أو أنك تفهمين , لكن أذا كنت تثقين بي , فأنا لا أثق بك".
حاولت أن تركز لتفهم ماذا يعني, لكنها فشلت.
" لست أرغب في أن أقع في المصيدة , يا دليلة , بسبب وضع معرض للشبه ".
وأخيرا فهمت , فأغمضت عينيها , لقد طفح الكيل , أصفر وجهها وحولت نظرها عنه وتوجهت الى غرفتها , وضعت أغراضها في حقيبة صغيرة ولحقت بريك الى باب المدخل.
صعدت الى السيارة وجلست وهي تدير له وجهها.
فقال وهو يقلع بسيارته:
" سآخذك الى السيد هامتون ,في مزرعة ( الحجر)".