بقيت فاغرة الفم , وبدأ داني ينشر الخشب بمنشار صغير ويقول:
" أراهن أنك خلال ثلاثة أشهر ستسقطين في حباله وتنسين الحقيقة , وستركعين لتقبلي يده , المرأة دائما هكذا , لا تعرف الحقيقة الا متأخرة".
" لا ! بل سوف أعض يده أن هي أمتدت الي!".
" تقولين ذلك لأنك غاضبة منه أليس كذلك؟".
أزعجها الحديث لأنها لم تعد تدرك أين هي الحقيقة ,وبكت ونسيت أنها يجب ألا تبكي أو تفهم أو تدرك, وأن كل شيء مؤقت وسمعته يقول:
" آه , أن هذا ما يشغل بال السيد هامتون , أنه يسألني دائما عن أخبارك".
ثم رفع قبعته وأضاف:
" كم أنا أبله! تأخرت قبل أن أفهم الحقيقة , أليس كذلك؟".
لم ترد , فهي منذ أن كانت لا تعرف ما أذا كانت الحقيقة حقيقة أم لا ؟ وسمعته يقول:
" أعتقد أن ريك وقع في غرامك , وريك هاتون لا يمكنه أن يؤذي أحدا".
وراحت تامي تدافع عن صديقها الوحيد وقالت:
" أن حس المراقبة لديه أقوى من أي أنسان آخر".
رمى داني المنشار , ثم قبعته وقال:
" لا يعني أنه يريد أن يؤذيك , أذا كان يتفوّه بكلام ساذج , أو أذا كان غليظا وفظا معك".
كان في أمكان تامي أن ترد , لكنها فضلت السكوت .
أضاف داني:
" سمعت بعض الأشاعات , لكنني لم أكترث لها , قيل أنه يحقد عليك لأنك أنكليزية".
حدقت تامي فيه وقالت في صوت مليء بالمرارة:
" هذا صحيح, لا أعرف بالضبط ما حدث في الماضي , لكني أعتقد أن ذلك كان له تأثير عليه مما أدى الى تعطيل عقله وخاصة فيما يتعلق بالمرأة الأنكليزية".
صرخ داني قائلا:
" أنك لم تتيحي له فرصة للتفكير مليا بالوضع!".
" صحيح! ولكن هل يتيح الي هو الفرصة؟".
هز داني رأسه وقال:
" أنت وريك , ديكان يتشاجران , وفيما يتعلق بدماغه , فأن أي فتى في سنه لا يتأثر بأحداث الماضي ,كان يحب والده كثيرا , والدته ماتت عندما كان صغيرا , وتزوج جاك هاتون مرة ثانية , عندما كان ريك في الثامنة من عمره , وزوجته الثانية لم تكن تهتم بريك ولا بأحد , الا بنفسها فقط , والمزرعة لم تكن كما هي عليه اليوم , كانت الأمور أصعب في تلك المرحلة , كانت أنكليزية ولا أذكر كيف تعرّف اليها جاك هاتون , لكن , بعد مرور شهر واحد على معرفته بها , تزوجها , لم تكن تعرف شيئا عن الحياة , وكانت تعتقد بأنها حققت زواجا رفيعا , ولا شك أنها أصيبت بصدمة عندما وصلت الى أدبيلايد , كانت تسعى للحصول على حياة سهلة , زاخرة بكل ما هو جميل , وفوق ذلك , كانت آية في الجمال".
نظر الى تامي وأضاف :
" أعتقد أنك تشبهينها , كان والد ريك قد وقع في غرامها حتى الجنون , وأعتقد أنه ربما مع الوقت توصل الى السيطرة عليها , لولا أن جاء ذلك الرجل الغني , ولما عرفت أنه من عائلة ثرية , تعلقت به ,وهربت معه تاركة جاك وريك وحيدين".
هز رأسه وسكت , ثم أضاف:
" أنهار جاك هاتون بعد هذه الصدمة العنيفة , وحاول ريك مساعدته , لكنه كان ما زال فتيا ومع ذلك فعل ما بوسعه , وكان يحزنني أن أرى ذلك , فلجأ والده الى الشراب , وبسرعة أصبح ريك ناضجا من دون أن يعيش مراهقته كما يجب".
منتدى ليلاس
نظر الى تامي في حزن وأضاف:
" تقولين أن هذا الحادث أثّر فيه نفسيا , وأنا أعتقد بأن الحادث ضعضع قلبه أيضا".
جلست تامي وحدّقت في الجدار من دون أن تراه , وتساءلت أذا كان ريك هاتون سيشفى من هذا الجرح العميق , في كل حال لن يتحقق ذلك ما دامت هي هنا.
ثم نظرت الى داني وقالت له بلطف:
" شكرا , أنني أفهم الآن الأمور بطريقة أفضل".
في ذلك المساء , أرتدت تامي فستانا بسيطا وقامت بجولة حول المدعوين تقدم لهم المآكل والمشروبات , وكلما توقفت مطولا مع أحد المدعوين , كان ريك هاتون يسارع الى موافاتها.
وبرغم تحفظ تامي , أخذ شاب من المدعوين يحوم حولها.
كانت تخدم أحد المدعوين عندما ألقت نظرة نحوه وفوجئت به يحدق فيها , فأبتسم لها وردت عليه بأبتسامة من دون أن تعي ما فعلته , وأذا بريك يسارع اليها ليأخذها من خصرها.
فصرخت فيه موبخة:
"أفزعتني!".
همس بأذنها قائلا:
" أردت أن أنقذك من ورطة , يا صغيرتي".
وفهمت أنه غاضب لأنها أبتسمت للشاب.
لم يخطر في بالها أن الوضع سيتأزم أكثر مما هو عليه , لكن هذا ما حصل في مساء اليوم التالي.
كانت السهرة قد بدأت منذ فترة غير قصيرة , عندما وصل أحد المدعوين متأخرا ,وشعرت تامي بأنه ينظر اليها في أمعان , لكن ذلك لم يزعجها , لكن ذلك لم يزعجها , فقد أعتادت هذه النظرات التي تتوجه اليها متفحصة.
ولما شكرها عندما قدمت له المشروب , لاحظت بأن لهجته أنكليزية , وفجأة , رفع أصبعه وصرخ قائلا:
" لقد عرفتك!".