يوم الأثنين, علمت تامي أن ريك هاتون سيستقبل بعض أرباب العمل في المساء , وأنها ستكون المضيفة , وفوجئت بهذا الدور, لكن ريك رمقها بنظرة ساخرة قائلا:
" سوف تقدمين المشروب وتحاولين أن تلبي الخدمات المطلوبة منك, ربما أحتجنا الى مساعدتك لكونك سكرتيرة, وأصر على تذكيرك بأن السهرة هي سهرة عمل ولا مجال لأغراء أحد من الضيوف, أعرف أن ذلك سيكون صعبا عليك ... ولا سيما أن بين الحاضرين ثلاثة رجال من أكبر الأغنياء وأصحاب المزارع الكبيرة".
لا جدوى من الرد عليه , وأمام صمتها ابتسم ريك وأبتعد , قالت تامي لنفسها وهي تعد نفسها للسهرة ( لست هنا لأغراء أحد!).
نظرت الى نفسها في المرآة وشاهدت فتاة نحيلة ,أهي حقا كذلك , كان جوناثان شغوفا بنحافتها.
قطبت حاجبيها , أي ثوب يجب أن ترتدي , أنها لا تملك الكثير , لكن أصابعها وقعت على فستان سهرة نصحتها بشرائه صديقتها ماري جونسون التي قالت لها بأن كل فتاة يجب أن تملك فستان سهرة مناسبا للمناسبات الكبيرة.
تناولت تامي الفستان بعدما أخرجته من الخزانة وراحت تتأمله وتصورت أنزعاج ريك هاتون أن هو رآها ترتدي مثل هذا النوع من اللباس , أنه فستان طويل , أخضر اللون ومطرز بالخيوط الذهبية, ضيق يظهر نحافة جسمها , قررت أرتداءه فوضعته على السرير وراحت تسرح شعرها رافعة اياه الى قمة رأسها , على الطريقة اليونانية , كما وضعت حبسه ذهبية في العكعكة , ثم أرتدت فستانها وأرتجفت وهي تتأمل نفسها في المرآة , كم ستكون المفاجأة عظيمة بالنسبة الى ريك ,هذا الأنسان الذي يصعب أكتشافه!
ثم همست:
" أذا أرتديت هذا الفستان في الليلة الأولى , فلن يطلب مني أن أكون موجودة في السهرات اللاحقة".
شعرت بأرتخاء في قدميها وهي تدخل القاعة , نظرة سريعة الى ريك كانت كافية لمعرفة ردة فعله , تقلصت شفتاه ونظر اليها ببرودة , وتفحصها من رأسها حتى قدميها من دون أن يفوته أي تفصيل , أحمرت خجلا لكنها قاومت أنفعالها ,كان عدد الحاضرين خمسة عشر شخصا يرتدون ثيابا أنيقة , القمصان البيضاء وبذلات السموكينغ , توقفت الأحاديث فجأة عندما دخلت تامي , فشعرت بالأنزعاج لأن الجميع كانوا يحدجونها بنظراتهم المستغربة , تمنت لو أن الأرض أبتلعتها في تلك اللحظة.
منتدى ليلاس
تقدم منها ريك هاتون وقدمها الى أصدقائه:
" أنها سكرتيرتي, الآنسة دانتون".
ثم التفت اليها وقال:
" ما بالك, أبدأي , الكؤوس موجودة هنا".
أنها لم تتعود على أمور من هذا النوع , لا تعرف كيف تكون أصول الضيافة , لكن ,لا خيار لها , أحد المدعوين ويدعى تيد كاسل أقترح أن تقوم بدورة أمام كل مدعو فتسأله ماذا يحب أن يشرب , شكرته ونفذت نصيحته , لكن أصدقاء ريك ,كانوا يستوقفونها ويطرحون عليها أسئلة بأهتمام وفضول أذ أن كونها أنكليزية , يضيف عليها أغراء وجاذبية ,كانت تشعر بنظرات ريك التي لم تتوقف لحظة عن التحديق بها.
شعرت تامي بأن رجلا ممشوق القامة , لوحت بشرته الشمس ,كان يعبر لها عن أهتمامه بصورة واضحة , يتبعها بنظراته كيفما تحركت , أما هي فلم يعجبها تعبير وجهه ولا لهجيته الجنوبية الجديدة الحدة , وتأكد ت أنه أحد الأغنياء من أصحاب المزارع الكبيرة التي ذكرها ريك في حديث سابق معها , ومن دون أن تظهر ذلك , حاولت ألا تعيره أي أنتباه.
وبرغم مكوثها بعيدة عن الجميع , سمعت ما كان يدور من أحاديث حول التنقيب عن المياه في باطن الأرض وسواها من الأعمال , وفجأة أقترب منها الرجل ذو اللكنة الجنوبية وقال:
" اسمي دان ايفرلي , وأنت؟".
" آنسة دانتون".
هز حاجبيه قليلا وقال:
" هل يمكن أن نكون صديقين , أم أنك صديقة ريك؟".
أحمرت وجنتاها لأنها لم تكن تدري ماذا يعني بسؤاله , وقالت:
" أنني سكرتيرته , لا أكثر ولا أقل".
ضحك هازئا:
" كم يدفع لك لقاء خدماتك؟".
" ماذا تريد أن تشرب , يا سيد ايفرلي".
أقترب منها وأجاب:
" ما أرغبه ليس الشراب".
تقلصت وهي تراه يضع ذراعه حول خصرها , وهنا حضر السيد هاتون , وقال:
" هل قدمت لك الآنسة دانتون ما تريده؟".
لم يسحب دان ايفرلي ذراعه عن خصر تامي :
" أرى أنني بحاجة الى سكرتيرة , يا ريك".
ثم وجه حديثه الى تامي:
" مهما كان معاشك هنا , يا آنسة دانتون , فأنني أعرض عليك أضعاف ذلك".
قال ريك:
" لا مجال للبحث في هذا الأمر , عليك أن تعرف أنني لا أتقاسم صديقاتي مع أحد".
تقلصت... فمهما كانت شتائم ريك , هذه الشتيمة هي الأسوأ! ولمعت عيناها غضبا والتقت بنظرات ريك الساخرة , فشعرت بالأحمرار يحتل وجهها.
سحب دان ذراعه وقال:
" تذكّري أسمي , يا صغيرتي , فأنا جاهز أذا أردت ذات يوم تغيير عملك".
شعرت تامي بالنفوروأبتعدت عن الرجلين , ناداها ريك هاتون بلهجة حاسمة , لكنها لم ترد!
مسكينة هي , تخاف أن تتحرر من العبودية , ولا شيء آخر , كانت غاضبة حتى الجنون عندما وصلت الى غرفتها , أخرجت حقيبتها وراحت تلفي كل حوائجها وأختلط الحابل بالنابل.
فجأة سمعت طرقا على الباب , فسألت ببرود وهي تعرف جيدا من هو الطارق.
" من الطارق؟".
ألقت بنظرة خاطفة نحو الباب , هل هناك مفتاح؟ ربما أحتاجت الى أقفال باب غرفتها , لكن للأسف , لم تجد أي مفتاح داخل القفل .
سمعت صوتا في الخارج يقول:
" هل تخرجين, أو أنك تريدين أن أدخل؟".
" أنا نائمة وأمنعك من الدخول , لست مستعدة لأستقبال أحد".
" حسنا , أردي ثيابك وتعالي الى المكتب , هل سمعت؟ أمامك خمس دقائق فقط".
راح قلب تامي ينبض بسرعة ,كان في أمكانها أن تجد ملجأ في غرفة السيدة موريس , لو لم تكن تعرف أن الوصيفة تتناول كل مساء حبوبا منومة كي تستطيع أن تنام , رفعت ذقنها , فهي لا تخاف هذا الرجل الفظ , عليها أن تذهب وتنهي الأمر معه , فلن تدعه يتهرب مما حدث بعدما أهانها أمام الجميع.
تباطأت لكنها وصلت أخيرا , كان جالسا قرب المكتب:
" أغلقي الباب , لا أريد أن يسمع أحد ما أنوي قوله".
" لم لا؟ الجميع سيعرفون بالأمر , عاجلا أم آجلا , ربما يحدث ذلك للمرة الأولى في حياتك , أذ أن أحدى صديقاتك قررت أن تهجرك نهائيا , لقد تحملت ما فيه الكفاية ولم أعد قادرة على تحمل المزيد, سأعود الى المدينة غدا صباحا حتى وأن أضطررت الى قطع المسافة سيرا على القدمين".
" هل أنهيت حديثك؟".
" نعم , شكرا".
" حسنا ,الآن أصغي اليّ , لقد صممت مسبقا لما حدث منذ قليل , بماذا كنت تفكرين؟ أنهم رجال ناضجون وليسوا مراهقين , لكن بعدما سأقوله الآن , لن يزعجك أحد بعد اليوم , الجميع يعرفون أنك ملكي ولم يتقدم أحد منهم بأية عروض , هل فهمت؟".
" نعم , فهمت".
أرادت التخلص منه , لكنه تمسك بذراعها وأضاف:
"أرجو أن تفكري مليا قبل الرحيل , ملاحقة مكتب التوظيف أمام العدالة ليست سوى البداية , فسأطلب من كل الصحف الأسترالية أن تنشر أسمك في الصفحة الأولى , وهذا بالنسبة الي سهل لأنني ذو نفوذ وسطوة , كما يمكنني أن أفضح علاقتنا في حديث صحفي أو في مقابلة تلفزيونية , ومن يجرؤ على تكذيبي؟ كلمتي هي التي ستنتصر".
منتدى ليلاس
أغمضت عينيها , فسألها:
" بماذا تفكرين؟".
همست قائلة:
" هل تعرف ماذا تفعل بي ؟ أنك تعاقبني على ما حصل لك في الماضي البعيد , أليس هذا صحيحا؟".
هز كتفيه وقال:
" ربما , لكنك أظهرت لي حقيقتك , وأنا لست نادما على شيء , أستغربت تصرفك في السهرة , ربما أردت ألا يكتشفك الآخرون على حقيقتك".
مال عليها فتراجعت الى الوراء , أنها تكرهه , ومن السهل معرفة ذلك عبر نظراتها , ضحك ريك وجذبها نحوه وقال:
" عندما تكونين على حقيقتك, أشعر بالعجز عن مقاومة أغرائك".
أمسك ذقنها ورفع رأسها وأسندها الى الباب , فراحت تتخبط بعنف , من دون جدوى , ثم عانقها بشدة مداعبا رقبتها وكتفيها , وتمتم قائلا:
" هل تعرفين؟ ربما يأتي اليوم الذي أحب فيه ما يحدث الآن".
أنفجر ضاحكا وهو يشعر برعشتها ثم دفعها عنه فجأة:
" سبق أن قلت لك أنني ما أحببت يوما أمرأة نحيلة مثلك, وها أنني أكرر ذلك الآن , فعودي الى النوم أيتها المكابرة الصغيرة".
********نهاية الفصل الخامس*******