كاتب الموضوع :
ابشر ولبيه
المنتدى :
القصص المكتمله
)( 18 )(
طرق الباب مرات عدة دون جواب،
فأخرج مفتاحا لم يسبق أن استخدمه وفتح الباب بنفسه.
دخل وأغلقه ثم أجال بصره في المدخل المرتب بدهشة: السلام عليكم.. حسن؟!
عقد حاجبيه واتجه مباشرة إلى غرفة صاحبه لتتسع عيناه بدهشة أكبر..
أغلق عينيه وفتحهما مرات ليتأكد مما يراه،
منذ متى لا تبدو غرفة حسن كساحة حرب!!
تساءل في أعماقه إن كان قد أخطأ الشقة..
لكن أحدا لن يختار لغرفته مفروشات كهذه سوى حسن الموسوس بالنظافة غير المبالي بالترتيب.
تبسم بحنو وهو يتذكر قوله: هكذا أعرف أين أجد ما أريد، لو رتبتها ستضيع جميعها!!!
يبدو أن ثمة ما يتغير..
العسكرية فشلت في تحويل الفوضوي إلى منظم،
فماذا عساه السبب الذي نجح في تحويله الآن؟!!
استدار ليغادر لكن غلافا ملقى على منضدة بوسط الغرفة استوقفه،
فاستدار وشعور أقرب إلى الذعر يغمره
وبخطوتين كان يتصفح الكتيب الذي كم حث حسن على اقتنائه ليجيبه ذاك:
لا أشعر أنني سأموت قريبا.
عندما تجده اعلم أنني خرجت في رحلة بلا تذكرة عودة!!
فيجيبه هو: لا يكتب المرء وصيته وهو في النزع الأخير،
إنه يكتبها متى ما كان عنده ما يوصى به.
فيقهقه حسن بسخرية: ليس لدى أخيك ما يوصي به إلا كتب المدرسة الثانوية.
ويلتفت إلى محمود مردفا: وصيتي كتب الثانوية يا محمود، أنت تعلم كم هي قيمة،
ابحث عن متفوق معدم وأعطه إياها ليحصل نتيجة كالتي حصلتها في الامتحانات النهائية.
ليحدجه محمود بنظرة باردة قائلا: نتيجتك لا أتمناها لعدوي،
أما يكفيه فقره لأبتليه بكتبك؟!
ويتساءلان: من؟
فيهز رأسه بملل: المعدم المتفوق!
فتحه آملا أن تكون الفراغات الموجودة ضمن كتيب الوصية الشرعية فارغة
لكن حسن كان قد ملأها بأمانة وجدية
تاركا ملاحظة أجبرت عادل على الجلوس ليلتقط أنفاسه
"عادل ومحمود.. لست أدري إن كان أي منكما يا أخوي هو من سيعثر على هذه الكلمات، لكن من حقكما أن أوفر عليكما الحيرة، فلست أعرف لي أهلا ليرثوا هذا القليل الذي تركته فقد نشأت في دار للأيتام، اقبلاه مني هدية وداع، أو ذكرى واعتذار"
يتيم.. يتيم يا حسن!!
هذا الساخر الذي لطالما ادعى أنه تخفف من عبء العائلة
وليس ينوي أن يبني عائلة مكان التي تخفف منها!
أغمض عينيه بأسى، لماذا أخفيت ذلك يا حسن؟
أظننت أننا قد نعيرك أو ننفر منك أم نشفق عليك؟!
غفر الله لك.
هب واقفا وقد استعاد ذاكرته،
لماذا ترك وصيته؟؟!
ووضع الكتيب مكانه وهرع إلى عربته ليقودها بأقصى سرعة مسموح بها إلى الإدارة..
إدارة مركز العمليات.
(( نهض وهو يمطط عضلات ذراعيه وعنقه ببطء
وعيناه لا تزالان معلقتين بالأوراق أمامه
والضيق يكاد يجد له موطئ قدم في ساحات صبره،
أين الحل؟!
رفع رأسه ونقل خطواته بشرود في الغرفة الصغيرة متتبعا الخيوط المضيئة المنسربة إليه ما بين فتحات الستائر.. انتقل بينها بخفة.. وتبسم..
يبدو أشبه بطفل مل ألعابه ولم يبق لديه سوى الضوء ليلهو معه!
توقف وطرقات جذلة تعزف لحنا ما على الباب،
وكلمات خافتة ناهرة تتسلل من وراء الباب المغلق..
عرف صاحب الطرقات،
لكن من معه؟!
أسرع يقلب الأوراق ويهتف: تفضل.
دخلا باسمين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
حصلنا أربعتنا على إجازة!!
رد السلام وعيناه تنتقلان بينهما بتساؤل،
فأسرع حسن يقول: سنذهب لحضور مؤتمر علمي في......،
جميعنا.. كل في اختصاصه..
استطعت إقناع عبد الرحمن أنها إجازة من نوع آخر.
بقي أنت ومحمود..
لن يأخذ أحد معه أي شيء من أعماله هنا،
سنحضر المؤتمر ونحضر له وندرس كل الذي تريدون،
لكن الوقت الفائض سيكون لي..
سأخرجكم من قمقم الجدية جميعا!!
تبسم بضيق فصمت حسن وبدا القلق في عيني عبد الرحمن،
لكنه سبقهما قائلا: أنا موافق، بقي محمود!!
وغمر له بمرح، فتبسم حسن بسمة ممزوجة بالشك وجذب عبد الرحمن من ذراعه قائلا:
إذن تعال معي، ولا تحاول استنطاقه..
يبدو أن المشروع الذي سرقه منا كل الأيام الفائتة لم ينجح بعد..
عادل، إن كنت ستصطحب نظرتك هذه معك فالأفضل أن تبقى هنا!!!
هيا اعمل بجد بدلا من أحلام اليقظة!
تبسم وهو يتبعهما بنظراته وهما يغادران ويغلقان الباب وراءهما،
ثم عاد إلى الأوراق وهو محتفظ ببسمته هامسا: باسم الله توكلت على الله،
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا. ))
تبسم ساهما وهو يستعيد الرعب في عينيها حينما عاد وقد اقتحمت أسراره،
تلك الطفلة،
ألم تفهم عينيه بعد!!
كان يحاول التظاهر بالغضب، في حين كان غاضبا فعلا، وفي ذات الوقت كان يشتهي لو يضحك من أعماق قلبه ويضمها بين ذراعيه كما كان يفعل قبل.. رحيله.
كادت ابتسامته تنطفئ وهو يتذكر،
وكأنما اجتمعت أسوأ صور حياته أمام عينيه..
خاله الذي غدر به وبكل غال دون أن يفهم حتى اللحظة لم،
وسامر الذي رحل بسلاحه هو،
ووالداه اللذان شكا فيه،
وقلبه الذي نبذه بعدما....،
والدم يرسم عبدالرحمن،
والجدران الرماديـــــــــــة الملتفة حول عنقه تخنقه
وتسخر من حسن ظنه بالناس.. بأقرب الناس،
وأخته النافرة منه، ثم التي..
أو لعله لم يحسن التصرف..
لعله كان يجب أن ينفض معها الغبار عن كل ما جرى،
ويطلق روحه من عقالها،
يحرر القلب الذي ما زال يدق جدران صدره صارخا فيه أن كفى عذابا
كفى اغترابا عن ذاتك
كفى تمثيلا لشخص لست هو!!
أكان سيعجز عن إطلاق روحه كعجز من رقد أشهرا عن السير سيرا سويا؟!
أو كانت تصدق؟
ولم لا وعنده الدليل على كل شيء؟
أم كانت تغفر له كل العذاب الذي عاشه أبواه؟
لا ريب أنه كان عذابا،
كذلك العذاب الذي خنقه يوم رحلا بغتة دون أن يملك الفرصة ليرجوهما عفوهما على طيش شبابه وضعفه وجبنه، دون أن يقبل أيديهما، دون أن يضماه للمرة الأخيرة.
شعر بالمرارة تخنقه وبحسن يختلس النظر إليه..
هو الشعور الغريب بأن ثم قلِقا عليه لا يجرؤ على التخفيف عنه
ولا يدري أيشفق عليه أم منه!
ازدرد مرارته والتفت إلى صاحبه بهدوء،
فبعثر ذاك نظراته مدعيا أن ليس ثمة ما يفكر به اللحظة،
وعاد محمود رغما عنه يبتسم.
لماذا يظنونه لا يجيد قراءة العيون؟
(( وقف يحدق بدهشة، ثم أسرع يلحق بطيفه قبل أن يختفي بين الضباط..
ربت على كتفه فالتفت إليه ذاك،
ولم يعد ثمة مكان للسؤال، فالصدمة التي لمعت في عينيه أكدت له أنه هو..
لكنه سواه!!!
تمتم: محمود؟!
ورغما عنه هز الواقف أمامه رأسه موافقا والمشاعر تعصف به..
ليس يريد أيا منهم،
ليس يريد أي طيف من ماضيه،
لكن بسمة صغيرة ترتسم على شفتي قلبه.. حسن؟! كيف؟
ولم ينتظر حسن حتى يفيق محمود من أفكاره،
بل ضمه بقوة وشوق غير ملتفت إلى العابرين حولهما والذين تأملوهما بدهشة وابتسام.
تراجع ليتعثر لسانه وهو يقلب الأسئلة في باله فلا يجد أيا منها لائقا في تلك اللحظة
واكتفى بهمهمة غير ذات معنى،
في حين لملم محمود شتاته قائلا: نقلت إلى هنا؟
أجابه: نعم
فعاد يسأل: وماذا لديك الآن؟
اتسعت عيناه بصدمة وقد أدرك ما نسيه: ب4
فعقد محمود حاجبيه وألقى نظرة سريعة على ساعته
قبل أن يجذبه من ذراعه ويسرع متمتما: سنعاقب بفضلك!!
وعقد ضمير الجمع لسان حسن.. نعاقب؟
لكن محمود متقدم عليه بعام دراسي كامل!!!
ونبض قلبه بعنف متسائلا بجدية هذه المرة عن حقيقة كل ما سمعه،
وحقيقة اختفاء أندر صديق قد يحظى به إنسان!! ))
.
|