كاتب الموضوع :
ابشر ولبيه
المنتدى :
القصص المكتمله
)( 11 )(
قرعا الجرس طويلا ولا مجيب،
يبدو البيت أنيقا رائعا،
لكن أيعقل أنهما مسافران مثلا؟!
أيعقل أنهما تماديا في خوفهما وشكوكهما؟!
عاصم: آمل أن العنوان صحيح!! لنذهب ونعد فيما بعد! لعلهما خارج المنزل!
ليلى: حسنا.. لكن فلندع لهما علامة على الباب!!
عاصم: فكرة ممتازة، سأدع لهما رقم هاتفي..
دفع البطاقة بين النقوش المعدنية البارزة قرب مدخل المفتاح حيث لا ريب سينظران،
وغادرا..
ليلاقيا محمود عند بوابة الحديقة الصغيرة عاقدا حاجبيه متكئا إلى عكاز!!!! وبجواره شابان.
عاصم: السلام عليكم.. حمدا لله على السلامة يا محمود
صافحه محمود بهدوء وعيناه تحملان قلقا واستغرابا تغلبا على بروده، بينما أسرعت ليلى تمسك ذراعه لتمطره بوابل من الأسئلة.. كيف ولماذا؟ تبدو مرهقا؟ أكان حادثا؟ أكانت معك شوق؟! إذا فحالتها خطيرة فلم تعد معك!! أهي في المشفى؟ منذ متى؟ أخبرونا على الأقل!! نحن أهلكما.. أبهذه السرعة....؟
تقدم أحد الشابين ليتناول المفتاح من محمود ويسبقهم ليفتح الباب، بينما انتزع محمود ذراعه بخشونة من يد خالته وقاطعها متأففا: ليس حادثا وشوق في البيت.. ادخلي ريثما أرى ماذا تفعل وأرسلها إليك.
لست أدري لماذا كل هذا القلق والاهتمام!!
ثم لا تتحدثي بما لم يحدث..
حولته لفلم!!!
اتسعت عيناها ثم انفجر فيهما الغضب، بينما عقد عاصم حاجبيه غاضبا وقال بجفاء: انتبه لكلامك! جئنا نطمئن على شوق فحسب، ولسنا نرغب بالإثقال على أحد.. أرسلها إلينا هنا لنسلم عليها ونمضي.
سار نحو المنزل بتمهل وهو يقول: لا داع.. يمكنكما الذهاب!
وبالتأكيد لم يكن عاصم ليقف لحظة أخرى..
أشار إلى ليلى بالمضي ثم قال: لولا أنك مريض لعلمتك كيف تحترم من أمامك!!
التفت إليه محمود بسخرية قائلا: رائع، يمكنك تجاهل مرضي..
أتوق لتعلم الاحترام على يديك أيها الـ.. محترم!!
تقلصت عضلات فكه بغضب فأسرعت ليلى تمسك ذراعه قائلة: مجرد طفل بلا تربية، دعه يا عاصم.
عاصم: لا بأس.. هي بضعة أشهر.
لوح محمود بيده ساخرا: نسيت أنها ليست في محافظتكم؟!
قد نقلت كل أوراقها، وعليك أن تنتظر لثلاثة أعوام.
وداعا!!
غادرا بغضب وعاصم يمنع نفسه بصعوبة من تحطيم البقية الباقية من عظامه..
بينما اتجه محمود بصعوبة إلى البيت وهو يبتلع تنهيدة ارتياح،
لو رأياها الآن لوقع في ورطة!
عادل: من هذان؟
تجاهله تماما، لكن حسن غمغم: جرعة الوقاحة لديك مرتفعة بشدة!!
وتحرك العكاز سريعا لكن حسن تحرك بسرعة مماثلة ليقبض عليه بقوة قبل أن يبلغ بطنه: لماذا كل هذا؟ ثم من شوق بالضبط؟ ثمة أفكار طريفة في رأسي لتفسر ما أرى!!
جذب عكازه وعاد يكمل طريقه نحو أقرب أريكة يلقي عليها جسده بينما قال عادل بصوت غريب: أخته، انتزعها من أقاربها بعد وفاة والده، ستبلغ الثامنة عشرة بعد أشهر..
رفع محمود عينيه إليه، فأسرع حسن يكمل وقد التقط الفكرة: ولا تريد لهما أن يرياها!!! ماذا فعلت بها؟!
أشاح عنهما قائلا: اغربا عن وجهي.
تبادلا النظرات قبل أن يتجه عادل إلى الباب قائلا: ثمة طريقة غير الاستفزاز لنبتعد دون أسئلة، هلم يا حسن.
ظل واقفا مكانه يتأمله بصمت، فالتفت إليه محمود: جيد، آمل ألا تتدخلا!!!
فرمى إليه بكيس أدويته ومفاتيحه وتبع عادل محتفظا بصمته وعند الباب غمغم دون أن يلتفت: اتق الله.
اتق الله!!
رفع حاجبيه باستنكار وسخرية وهو يستعيد كلمته السابقة "أفكار طريفة!!" بينما غادر صاحباه. وأدار عينيه فيما حوله يتأمل الغبار المنتثر في أنحاء الصالة.. اتق الله!!
(( - هذا لا يجوز، لا شرعا ولا عقلا.. ليس من حقك..
قاطعه وهو يتمالك عواصفا ثائرة في أعماقه: عبد الرحمن، لا شأن لك بذلك فابق بعيدا عنه..
رجاء!!
نظر في عينيه مليا،
ربما حتى يكسر تلك الحدة المنبعثة منهما،
أو لعل النداء الخافت النادم في قلب محمود يعلو صوته،
لكن الغضب كان قد أعمى حتى قلبه.
قال بصوت واضح وهو يشد على كل حرف: اتق الله.
وانكسرت الحدة في عينيه لكنه لم ينطق،
فأردف عبد الرحمن: من حقي وقد آخيتك ألا أسكت عما أعده منكرا وتفعله،
رغم ذلك لن أحاورك في هذا قط، لكنني آمل ألا تندم يا صاحبي،
فلن تعيش إلا عمرا واحدا هو فرصتك الوحيدة لتكون من الصالحين،
ومن نام وقلبه طاهر من الحقد والغضب دخل الجنة..
فلا تضيع عمرك وفرصتك.
وصدق عبد الرحمن فلم ينطق في ذاك قط،
لكن (اتق الله) التي صرخ بها في وجه محمود ظلت تنطق في كل حين،
وكم مرة أيقظته من نومة قلقة، ليسهر الليل كله يتقلب على فراش من جمر،
كل جمرة تردد
(اتق الله)!!
وصدق أيضا،
فالقلب الذي عجز عن الغفران أشهرا، عاش بعدها سنوات عاجزا عن النسيان غارقا في الندم،
وما أمر طعم الندم الذي لا يمكن تفادي أسبابه!!))
أغمض عينيه بيأس ويده تتحس موضع القلب منه دون وعي..
منذ متى مات؟
منذ متى وليس ثمة من يتقي الله فيه؟
تبسم بسخرية ونهض يبحث عن (رهينته) جارا ساقه المصابة وراءه، ليجد بابها مقفلا!!
طرقه,,
ولا جواب!!
عاد يتحسس صدره محاولا تذكر عدد الأبواب التي أوصدت في وجهه ليصل إلى هنا..
إلى قلب ميت وذاكرة مكدودة...
أيحبانها حقا؟
ربما،
لكنهما لا يحتاجانها بينما هو بحاجة إليها..
استدار بتمهل واتجه إلى غرفته وألقى بجسده المنهك على فراشه..
ماذا تفعل؟! كيف أمضت أيامها؟ ماذا عساها فهمت من تلك الأوراق؟؟ كان من الواضح لعينيه الخبيرتين أنها قرأتها ورقة ورقة!! أكرهته؟ أم عدت غضبه أمرا طبيعيا؟؟ كيف لم يفكر بها!!
تأمل الساعة المقابلة له..
ولم يجد بقايا نشاط لينهض إلى الصالة ويتناول دوائه، فاستسلم للإرهاق!
كم خشي أن تكون قد نجحت بالاتصال بهم!! كم خشي أن يرفعا عليه قضية سوء معاملة لو أجبراه على تركها تلاقيهما! لكنهما لا يعرفان، فهل سينجح في منعها من الاتصال بهما؟!! أم..؟
وغلبه النوم والتعب.
|