ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس من الضروري أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ مسن من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .. اسمي ليس مهما .. لكني سأدعكم تنادونني باسم زورك .. ولا أود سماع كلمة واحدة عن معنى هذا الاسم .
أنتم هنا للبحث عن متعة الرعب .. فإني أرى للأسف أنه قد أصبح موضة ممتعة في هذا الزمن .. في زماننا كانت أبداننا تقشعر إذا أتى أحدهم على ذكر السحرة أو السحر الأسود أو الشياطين ونبسمل و نحوقل ، بينما أرى اليوم قوما يخصصون أياما من السنة للاحتفال بالجن و السحرة ويقلدون طقوسهم .. وهم يفعلون هذا في استمتاع يثير الغيظ .. ماذا يعرف هؤلاء عن السحر وعن العوالم الأخرى التي يمتليء بها كوكبنا حتى أصيب بالتخمة ... هل يعرفون كيف بدأ السحر في الدنيا و من هو أول ساحر؟ لو علموا نصف ما علمت في حياتي لتعاملوا مع الموضوع بتهذيب أكثر .. أنا لست هنا لتقديم تلك المتعة الزائفة لكم .. أنا هنا لأخبركم أن القبور تكتظ بأمثالكم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..
سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. لكن ليس مني فأنا مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم ... إذا كان لهم ألسنة ....هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. ولا تسألوني عن علاقتي بهم ولا كيف يحدثونكم .....لن تحتاجون أن تسألوا من هم ... لأنهم سيتحدثون عن أنفسهم بأنفسهم ...تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا ..
الحكاية الأولى هي من مانيلا في الفلبين .. و محدثتنا تدعى سومارا ... إن سومارا ملحة بشكل مستفز .. لذا سأجعلها أول من تتحدث لأنتهي من صداعها إلى الأبد ...
" أنتم صنعتم لنا مكانا مثاليا لنعيش فيه .. ونحن هيأنا لكم مكانا حارقا تموتون فيه "
أشعر بملل رهيب .. الأيام رتيبة بشكل يصيبك بالنعاس .. أنظر من وراء زجاج ( فاترينة ) هذا المحل إلى الشارع في فتور .. يالكمية البشر .. متى أتى كل هؤلاء إلى العالم ؟ ومتى سيرحلون ؟ إن لكل منهم حكايته .. أشعر أن هناك الملايين من الناس يطوفون بالخارج في هذا الحي المزدحم .. يبدون وكأنهم لا يذهبون إلى أي مكان .. هم فقط يطوفون بالخارج .. هذا الحي في مانيلا هو حي باكو ... ونسميه هنا الحي الأصفر .. وهذا لأن أكثر قاطنيه من اليابانيين الذين وفدوا إلى مانيلا منذ قديم الزمان أيام وجود الإسبان فيها .. الإسبان لهم علامات حضارية جميلة في بلدتنا مثل الكاتدرائيات والحدائق .. أما اليابانيين فأشعر أنهم سمجون جدا .. ولم نأخذ من مجيئهم سوى اللون الأصفر .
أنا في هذا المحل الشهير في وسط الحي الأصفر .. محل ليفيز للملابس الجاهزة .. ألم ترني بعد ؟ ها أنا أقف هناك في الفاترينة الزجاجية .. أنت ضعيف النظر جدا و أحمق مثل كافة بنو جنسك ... انظر جيدا وستراني .. هل ترى هذه الزبونة الذي أتت تتفحص قميصي في إعجاب ؟ نعم إنه أنا التي أحدثك ؟ أنا هي تلك المانيكان الأنيقة يا صاحب العقل القاصر .. أنا سومارا التي لا يمر عليها شخص إلا و أبدى إعجابه بأناقتها .. بعقليتك القاصرة أسمعك تسأل نفسك كيف أحدثك ؟ بل من أنا أصلا ... كنت أود أن أحكي لك الحكاية التي أدخرها سريعا .. لكن يبدو أنني يجب أن أفسر لك ما هيتي أولا .
نحن هنا منذ البداية .. نحن هنا قبل أن تأتوا أنتم .. هنا منذ ملايين السنين .. والأرض بأكملها كانت ملك لنا وحدنا .. وعندما نزل جنسك البشري إلى الأرض .. حكم علينا بالاختفاء .. تسألني من نحن ؟ إننا الجن أيها القاصر ... الجن الذين تحجمت جميع ممالكهم وإمبراطورياتهم ونفوذهم بسبب كائن أحمق مثلك .. لكننا موجودون .. أنت لا تدري بقصورك و غرورك أننا في كل مكان حولك .. بل إن منا من وكلوا ليكونوا قرناء لشخصك القذر يتابعك أينما تذهب .. ولولا أن هناك حدودا وضعت بين جنسنا الفاخر وجنسك الضعيف لكنا حولنا حياتك إلى جحيم ... وكل حد بين شيئين له ثغرات عدة ... وبسبب كرهنا الشديد لك فقد أصبحنا خبراء في استغلال هذه الثغرات .. وسنظل نفعل هذا ولن نمله على الإطلاق .
نعم أنا الجنية التي تسكن ذلك المانيكان بريء المنظر الذي يتوسط هذا المحل ... إن الجان أنواع عديدة تفوق قدرتكم على التفكير .. وأنت لا تتخيل أن هناك جنس كامل منا يسكن في تلك الأجساد والتماثيل التي تصنعها أيديكم .. شرط أن يكون هذا الجسد برأس ذات رقبة .. سواء كان جسد إنسان أو حيوان أو حتى جسد كائن خرافي ... فور انتهاء صانعيكم من صنعه يحل فيه واحد من جنسنا .. وأنتم تفرطون في صنع هذه الأجساد بمسميات كثيرة ... الأصنام الأثرية .. التماثيل في المتاحف أو الميادين .. المانيكانات ... ألعاب الأطفال بأنواعها .. أيها القاصر ... هل أدركت الآن أننا حولك في كل مكان وأنت لا تشعر ؟ مهلا .. هناك وجه جديد أراه لأول مرة يعمل في محلنا .. فتاة مكتنزة متوسطة الجمال ..ذات ملامح غير مريحة ... يبدو أنه قد تم تعيينها اليوم فقط ..
إنها ترتدي ذلك الزي الأزرق الذي ترتديه العاملات في محلنا .. قميص و تنورة قصيرة فوق الركبة وربطة شعر زرقاء ... إنها تضحك مع جريس .. جريس تعمل هنا منذ سنوات ويبدو أنهما سيكونان صداقة ما .. هي أحد المحظوظات ....لإنه لا يعمل في محل ليفيز الشهير إلا المحظوظات فقط .. قطع ضحكاتهن أن دخل المحل شاب ياباني وسيم ألقى التحية بصوت عال ..وعندما أقول أنه شاب ياباني وسيم فما أعنيه هو أن عيناه أوسع من غيره ... اليابانيون يحملون عقدة من ضيق عيونهم دائما ، لذا تجد كل شخصيات الكرتون اليابانية ذات أعين واسعة جدا تحمل ثلث الوجه ... هذا أول شرط تتعلمه إذا أردت احتراف هذا النوع من الفن .. الرسم الياباني يصب الاهتمام على العين فقط بينما تقتصر باقي ملامح الوجه على بعض الخطوط هنا وهناك ... الخلاصة أن الشاب الوسيم كان يحتاج إلى بزة رسمية .. وهاهي جريس قد ساقته وراءها لتختار له شيئا مناسبا ... وهاهي تلك الفتاة الجديدة - التي عرفت فيما بعد أن اسمها هو مادل - تمشي وراءهما لتتعلم كيفية جعل الزبون يخرج من المحل وقد صرف كل ما يملك .
الحكاية المعتادة .. الشاب غاب عقله تماما عن جريس التي نبحت صوتها في الكلام عن هذه البزة أو تلك .. بينما عيناه تسترق نظرات إلى مادل .. إنه عيب هذه المهنة ... من الصعب أن تكمل فيها فتاة مكتنزة متوسطة الجمال .. لكن مادل رسمت وجها ثلجيا وأبدت أنها تهتم لكل كلمة تقولها جريس ... الشاب استنفذ كل الطرق التي يمكن أن تجذب بها اهتمام فتاة ما .. لكن الجليد على وجه مادل كان يزداد ... جرب الفتى أن يكون طريفا ففشل .. جرب أن يضيق عينيه من حين لآخر ليعطي انطباعا بالخطورة ففشل .. جرب أن يسأل مادل عن رأيها في كل قطعة تعرضها له جريس فكانت تقول كلمات مقتضبة جدا من النوع الذي يقتل فيك أي رغبة للحديث .. في النهاية تظاهر الفتى أن وراءه أمرا ما ... فقط ليعود ثانية بالطبع فيجرب مرة أخرى ... هذا السيناريو رأيته آلاف المرات ... وسيتكرر اليوم عشرات المرات مع عشرات الفتيات ... ألم أقل أنها حياة رتيبة ؟
قل لي هل أخبرتك كم يكرهك جنسنا ؟ وكيف أننا نستغل أي فرصة للظفر بك ؟ أنت لا تعرف أن جنسنا هو سبب أي حريق حدث في هذا الكون .. راجع الملفات الجنائية لأي حريق وأحص بنفسك عدد المجسمات والتماثيل التي كانت موضوعة في المكان .. كيف نسبب الحريق ؟ سؤال أحمق كصاحبه .. سل لماذا نسبب الحريق ... لازلت تجعلني أتكلم في أمور لا أريدها .. إن جهلك لا يطاق .
لقد أتينا من النار .. هي جزء من أرواحنا .. وعندما تتقد وتشتعل في عالمك القاصر ، يكون الانضمام إليها من أجمل متعنا .. و الذوبان فيها هو قمة شهوتنا و نشوتنا .. لكن ليس لأجل النار نفسها .. بل لأجل الأرواح التي تحرقها في طريقها .. دعك من اللذة الغامرة التي تنتابنا عندما تحرق هذه النار أرواح بشرية .. البشر ضحايا أغبياء .. ونحن نشعلها نارا كلما سنحت لنا الفرصة .. هل قابلت بشريا بعد أن مات بالاحتراق ؟ هل حدثك عما رأى ؟ هل حدثك عن جنسنا ؟ لن أتحدث أكثر من هذا .. التزم الصمت و دعني أكمل لك ما بدأته .
في اليوم التالي دخل علينا الشاب الياباني واسع العينين نفسه و ألفى التحية بصوت عال ... اتجهت له جريس و تكلما بضع دقائق ... ثم مشت ومشى وراءها .. أشارت لمادل لتتبعهما ففعلت .. وها هي تعرض له أنواعا من البزات ... وها هو ينسى كل شيء ويحاول أن يجذب انتباه مادل التي رسمت الوجه الثلجي إياه .. وأجابت بنفس العبارات المقتضبة إياها .. في النهاية مثل الفتى وكأن هناك موعدا هاما وراءه وانصرف بسرعة ... هذا يبدو مألوفا جدا .. لقد قلت أن الحياة رتيبة وتتكرر .. لكن ليس هكذا .. في اليوم التالي أتى الفتى الوسيم إياه .. و ألقى التحية إياها ... و اتجهت له جريس .. و عرضت له الأنواع إياها .. و مادل كانت هناك بالوجه الجليدي إياه .. وفي اليوم التالي أتى نفس الشاب و ...
مهلا ... ألاحظ أشياء غريبة هذه الأيام بالفعل ... الفتى الكاشير الذي يدعى موديستو يتشاجر كل يوم مع رجل سمين ذو شارب كث يأتي و يبدأ بالتذمر على الأسعار ثم ينتهي بسب موديستو بأمه ... هناك كذلك طفل شحاذ ذو شعر أحمر ناري يدخل هنا كل يوم ويتفحص بعض الملابس في قسم الأطفال حتى يأتي رجل الأمن الضخم المدعو بينجي فيلقي به خارجا ... أرى الآن أمامي امرأة ممتلئة جدا تدخل مع زوجها .. هذه تأتي كل يوم في هذا الوقت و تخرج وقد اشترت نفس أنواع الملابس ويخرج زوجها كل يوم متذمرا ... هناك فتيات يأتين هنا كل يوم بملابس المدرسة بعد انتهاء يومهم الدراسي و يقفن لتفحص نفس أنواع الملابس كل يوم .. وكل يوم يخرجن ضاحكات ولا يشترين شيئا .. وهاهو الفتى الياباني الوسيم يدخل مرة أخرى ...
إنه منتصف الليل ... موعد إغلاق المحل قد حان الآن ... لازال هناك زبائن قليلة جدا يحاول الكاشير موديستو أن ينجر أمورهم بسرعة .. لم تمض عشر دقائق إلا وقد أصبح المحل خال .. وبدأ رجل الأمن يغلق أنوار المحل تدريجيا ... ثم أغلق أبواب المحل الكبيرة .. فساد الظلام الدامس ... و سمعته يغلق الأبواب الحديدية في الخارج .. ثم انصرف الجميع ... إنه وقت حريتنا الآن .. أخيرا يمكنني التحرك بهذا الجسد الغبي الذي أسكن فيه ... لست وحدي هنا ... هناك قبيلة كاملة من المانيكانات بدؤوا يتحركون الآن بحرية في المحل ... نعم ... نحن نأخذ حريتنا عندما تغيب عنا أعينكم القذرة .. لا خوفا منكم حاشانا .. و إنما لأن هذا قانون صارم جدا على جنسنا كله ... كل ذا رقبة يتحرك عندما تغيب عنه أعين البشر ... و البشر أغبى من أن يلاحظوا شيئا عند عودتهم إليه ... حتى لو تغير وضع وقفته فهم أغبى من أن يلاحظوا .. و إن لاحظوا فإن تفكيرهم أكثر قصورا من مجرد الشك في حقيقة ما حدث .
أرى الآن المانيكانات ميريل و نيبريدا و سييلو و أفانسينا و ديلاروز كلهن وجدنها فرصة لفك القيد الذي كانت تحاصرهم به أعين البشر وبدؤوا في التحرك و الحديث بحرية ... بالفعل لاحظ الكل أن هناك مشاهد تتكرر كل يوم منذ أسبوع بشكل مستفز ... حتى أن سييلو أقسمت أن هناك شاب يأتي كل يوم ويتحسس قميصها بإعجاب ثم ينادي العامل و يصر أن يشتري القميص الموضوع عليها وليس الموجود على الرف .. ويصر على رأيه حتى يضطر العامل أن يخلع القميص عن سييلو و يبيعه إياه بسعر أغلى من سعره ... و يأتي الفتى كل يوم ويشتري كل قميص يضعونه على سييلو المسكينة .
طبعا كل ما أقوله لك الآن غريب على مسامعك ... لكننا اتفقنا على أنك قاصر العقل ... هذه الأمور نراها نحن أقل غرابة لأننا نعرف أكثر .. نعرف أن القرين بعد موت صاحبه وبعد مضي مئات السنين عل الدفن ، يكلف أن يعيد أداء مشاهد معينة من حياة صاحبه ... لماذا ؟ لا أحد يدري ... ولا أحد سيدري ... إنها أسرار جنس كامل .. في عالمك إفشاء الأسرار شيء سهل جدا ... لكن عالمنا يختلف ... هذه أشياء مستحيلة الحدوث ... هذا يعني أن كل هؤلاء الذين يأتون و يروحون كل يوم هم قرناء ... لكن لماذا يجتمعون كل يوم في محل ليفيز للملابس الجاهزة ؟
إنه يوم جديد .. أرى نفس الشخصيات قد أتت و اجتمعت في المحل كل يؤدي مشهدا رأيته عشرات المرات من قبل ... جريس تحاول منذ أسبوع إقناع الشاب الياباني أن يشتري شيئا ما .. وهناك ذلك الشاب يجادل العامل في أمر قميص سييلو ... فجأة حدث شيء في غاية الغرابة ... بدأ بعض الشباب يغلقون أبواب المحل فجأة بعنف .. وعلت همهمة الزبائن .. أفاق الحارس بينجي من غفوته .. لم يستوعب شيئا ... أخرج الشباب مسدسات من مكان ما و أطلقوا عدة طلقات في الهواء .. هذه عملية سطو مسلح .. والسطو على محل ليفيز في هذا الوقت من اليوم مربح جدا .... من ذا الذي قال أن الحياة مملة .. كم أحببت هؤلاء الشباب .
صرخات نساء .. بكاء أطفال ... همهمات رجال ... طلقات مسدسات .. مجرمين يطالبون الكل بالجلوس على الأرض ... أرى الكل قد جلس .. لكن ذلك الطفل الشحاذ ذو الشعر الأحمر مازال واقفا بتحدي .. و أرى أيضا ذلك الرجل السمين ذو الشارب الكث كف عن التشاجر مع موديستو ووقف مقطبا جبينه رافضا الجلوس ... فتيات المدارس توقفن عن الضحك و نظرن نظرة جامدة و أبين أن يجلسن مع الجالسين ... الشاب الياباني إياه أراه يقف راسما أعتى علامات الخطورة على وجهه ... طلقات المسدس اشتعلت مرة أخرى ... صيحات مجرمين ... إنهم يهددون الواقفين بتحويل أجسادهم إلى مصفاة ... وهاهو أحدهم يصوب مسدسه على الرجل ذو الشارب الكث ... وهاهو الرجل يقف في تحدي .. وهاهو المجرم يطلق النار .
" لكن لماذا يجتمعون كل يوم في محل ليفيز للملابس الجاهزة ؟ "
صرخات نساء ورجال .. نحيب أطفال .. كرش رجل ذو شارب كث ينزف دما بينما يقف الرجل مكانه وكأن كل هذا لا يعنيه ... مجرمون ينظرون في ذهول ... مجرمون آخرون يصوبون مسدساتهم ويفتحوا النار على صاحب الشارب الكث .. دماء تنزف ... رجل سمين ذو شارب كث يبدو بصحة عالية رغم أن جسده تحول إلى مصفاة .. مجرمون تحول ذهولهم إلى رعب جنوني وبدأوا في إطلاق النار في كل مكان على كل الواقفين .. طفل شحاذ ذو شعر أحمر ينزف دما أحمر من رأسه بينما ينظر في جمود ... فتيات مدارس لوثت ملابسهن المدرسة بدمائهن بينما ينظرن لبعضهن في فتور ... صرخات مجرمين ... زبائن مغمى عليهم أو ماتوا بالسكتة القلبية لن تعرف أبدا .
" وجه جديد أراه لأول مرة يعمل في محلنا "
أسمع أصوات سيارات الشرطة بالخارج .. أرى المجرمين في حالة من الذعر .. ليس من الشرطة بالطبع وإنما مما رأوه بداخل محل ليفيز .. هاهم يفرون إلى الباب .. رغم أن الشرطة بالخارج إلا أنها أكثر رحمة من هذا العذاب .. يحاولون فتح الأبواب التي أغلقوها ... لكن لا مجال .. لقد أوصدت الأبواب .. لا تسأل عن الكيفية .. فقط أوصدت .
" فتاة مكتنزة متوسطة الجمال ..ذات ملامح غير مريحة "
نظر المجرمون إلى الخلف في رعب .... وهنا رأى الكل مشهدا عجيبا ... بدأت الملامح الجامدة لكل الواقفين الذين أخافوا المجرمين تتحول إلى ملامح مذعورة جدا .. ملامح رسمت عليها أعتى علامات الرعب .. وكانوا كلهم ينظرون إلى نقطة واحدة .. مادل ... التي بدأت تطلق النار عليهم بدورها ... لكن في هدوء شديد .... وأصبحوا يتساقطون أمام طلقاتها .. لا تزعج عقلك القاصر بالتفكير ... هذه الفتاة هي قاتلتهم ... وموضوع تكرر المشاهد لم نلاحظه إلا بعد عمل هذه الفتاة في المحل ... كانت هذه هي قاتلتهم في حياتهم الحقيقية ... وقاتلتهم بعد مماتهم .
مهلا ... أرى المانيكان ديلاروز بدأت في إعطاء إشارة ما .. هناك سيجارة مشتعلة سقطت من فم أحد المجرمين إلى الأرض الرخامية .. لكن ديلاروز نجحت في جعل السيجارة تلامس أحد أقمشة الملابس المعروضة .. نجحت ولم ينتبه أحد لحركاتها وسط كل هذا الجنون ... هذا يعني أن الموازين ستنقلب .. وأنه دورنا في هذه المسرحية .
نار بدأت صغيرة لكنها اشتعلت بسرعة غير مفهومة في كل ما حولها .. سرعة اشتعال النيران في الحرائق نحن سببها الوحيد .. فالجذوة الصغيرة يمكننا جعلها نيران رهيبة تأكل غابة بأكملها .. الناس تصرخ .. المجرمون يصرخون .. هناك أجساد واقفة تنزف منها الدماء وتنظر لكل ما يحدث في برود تام .... واشتعلت النار أكثر ... أسمع ضربات على الأبواب بالخارج ... هناك نوافذ لكنها عالية جدا وتحتاج لسلالم ليمكن الوصول إليها .
الكل في الداخل أصبح يجري و يصرخ .. ضربات على الأبواب و محاولات مستميتة لفتحها دون جدوى ... تسألني من أوصد الأبواب فجأة هكذا ؟ .... لا تستهن بجنسنا أيها القاصر ... لحظة إنهم يكسرون الباب من الخارج ... إنهم ينجحون في هذا ... لقد كسروا الباب الكبير الرئيسي .... الكل في الداخل والخارج توافد على الباب ... أناس بالداخل يودون الخروج .. و شرطة بالخارج تحاول الدخول للقبض على بعض من في الداخل ... لكن مهلا ... فجأة سقطت كل الأبواب الحديدية الخارجية واصطدم بها الجميع ؟ هل ستعاود سؤالي عمن أنزل الأبواب أيها القاصر عديم النفع ؟ من خلال الباب أرى في الخارج سيارات مطافيء قد وصلت للمكان و بدأت في تحريك سلمها في اتجاه النوافذ العالية ... لكن هيهات ... لقد كان حفلنا قد بدأ ... وصل حجم النار إلى الحجم الذي يسمح لنا بالتحرر ... وقد تحررنا ...
نعم يمكنني أن أقول أنها كانت ليلة غاية في اللذة و الإشباع ... أرواح بشرية بريئة .. وأرواح مجرمين .. وروح قاتلة مسلسلة .. وقرناء سيئ الحظ .. إن جنسنا هو الذي يسود في النهاية .. لا أحد يقف أمام النار .. نيراننا توقدت في وجه رجال الإسعاف الذين كسروا النوافذ و بدأوا في إطلاق المياه من خراطيمهم السخيفة ... هؤلاء تساقطوا من فوق النوافذ إلى داخل المبنى و ليس إلى الخارج ... من الممتع إضافة أرواح أبطال المطافيء أيضا إلى المجموعة .
في داخل محل ليفيز للملابس كنا نتحرك .. فجأة رأى الناس مجموعة من المانيكانات دبت فيها الحياة و توحشت ملامحها وصارت تعطي تعبيرات بوجوهها كالبشر تماما ... وتوحشها ليس توحشا عاديا .. كان توحشا رهيبا حارقا ... كنا نمسك بواحد من هؤلاء البشر و النار مشتعلة فينا .. و نقبض على جسده حتى تشتعل فيه النار .. ويحترق ... ليس فقط يحترق .. إنه يحترق و تحترق روحه معه .
إنها لذة ما بعدها لذة ... لثد قدرت جريدة مالايا الفلبينية عدد ضحايا هذا الحريق بحوالي مائتان و سبعون شخصا ... وكتبت كلمات بشرية حمقاء عن الخبراء الذين تحدثوا عن ماس كهربائي ما ... وعن تحليل جنائي للحريق وعلاقته بمجموعة المجرمين الذين صادف وجودهم هناك في ذلك الوقت .
مرحبا بكم مرة أخرى .. محدثتكم سومارا من محل يوكاي للملابس الجاهزة على أطراف مانيلا ... نعم أنا المانيكان ... هل تفتح عقلك و أصبحت تدرك معنى هذه الكلمة الآن يا صاحب العقل القاصر ... لن أعرفك على باقي المجموعة ... يمكنك رؤيتهم بنفسك ... نيبريدا و سييلو و أفانسينا ... كلهن واقفات بأناقة هنا وهناك .. و مجموعة من الوجوه البلهاء تنظر لهن في إعجاب ... نحن المانيكان .. بل نحن أكثر من هذا .. لطالما كنا نراقبك .. وسنظل نراقبك .. و إننا نراقبك الآن .. لا تنظر لنا هكذا أيها القاصر ... فقط تذكر ما قلته لك يوما ... لولا أن هناك حدودا وضعت بين جنسنا الفاخر وجنسك الضعيف لكنا حولنا حياتك إلى جحيم .. لكنها فقط مسألة وقت ... نعم ... إنها مسألة وقت .