السلام عليكم هذه اول مشاركه لي معكم .
واحببت ان اشارككم بروايه كتبتها بقلمي اتمنى ان تنال اعجابكم ..
ساترككم الان مع اول فصل فيها .. وارجوا ان اقراء ردودكم عنها .. حتى انزل بقيه الفصول .. دمتم بامان .. وقراءه ممتعه ..
ملاك الحب
(1)
وهل نسيته ؟
قلت له : لو كنت نصيبي مؤكد .. سيأتي اليوم الذي تعود لي فيه .
وقال لي : يستحسن أن تنسيني .
هكذا افترقنا .. بأمل مني .. وكبرياء منه .
وكانت تلك الكلمات التي أغلقت أبواب حبنا ..
جرحت ؟؟.. مؤكد جرحت .. ولذلك طلقت ما يسمى بالحب .. ونزعت من قلبي نبضاته حتى لا يخفق له ولا لغيره .. ليس وفاء مني لذكرى حبي الأول .. ولكن حتى أجنب قلبي الغض وجيعة أخرى .. والأهم من ذلك حتى ارضى ربي .. ولا أخون ثقة والدي .. هكذا أنا فتاة بسيطة لا زالت تتمسك بالتقاليد القديمة .. والتي لم يستطع فهمها يوما ..
نعم أحببته .. ولكنه كان يحب العجينة التي تشكلها يداه مثلما يهوى .. قد أكون أظلمه بقولي هذا .. ولكن هكذا كانت خلافاتنا .. صدام بين شبابه المتحرر .. وأفكاري المتحفظة ..
أنا لم ابكي عليه أبدا .. ولكني بكيت ذلك الزمن الجميل الذي عشناه معا منذ أن احتضنتنا نسمات الحياة الأولى .. خلقت لأجده أمامي .. وكبرت بجانبه وبصحبته .. حتى كبر الحب بيننا ..
كان يقول لي إن الحب الأول لا يستمر أبدا وإننا معا سنثبت العكس .. توهمت أنني اعرفه حق المعرفه .. ولكني اكتشفت أن معرفتنا للناس لا تقاس بالسنين ..
لم يخدعني أبدا .. ولكن غروره وثقته بنفسه لم تدعه يراني مثلما أكون حقا .. ومن جهتي كنت أتوهم فيه رؤية صورة لفارس الأحلام الذي كنت أتمناه ..
لقد أحبني .. ولكن بطريقته الصبيانية .. وبالرغم من كبرياءه إلا أن عيناه تفضحان حب لا يزال يكتمه لي .. ربما يكون الفراق غيره .. أو جعله يدرك جوانب في شخصيتي كان يجهلها .. وربما هذا ما صوره لي الحنين ..
لذلك أتساءل .. هل نسيته أنا ؟!.
مؤكد لا .. فهو احد أولاد عمي الذي خلق الله حبهما في قلبي .. ولن اقدر أبدا على نسيانه .. أو محو ذكرياتي عنه .. ولكن السؤال الأهم .. هل كنت أحبه ؟.. لا أدري فأيامي لم تتوقف عنده .. ولكن كلما ابتعدت عنه أجدني مشتاقة إليه .. وهذا ليس بغريب ولكن الأغرب أنني عندما ألقاه لا أحس بلهفتي عليه .. أهو كبريائي أنا أيضا أم أنني لم أكن أحبه منذ البداية .. وكنت مخطئه في تفسير مشاعري اتجاهه .. واشتياقي ما هو إلا مجرد حنين لصداقتنا وللحب الأخوي بيننا .. ربما .. ولكن ما أنا متأكدة منه .. هو أنني لم أنساه أبدا فهو باقي بداخلي .. لا استطيع أن اعرف حقيقة مكانته في قلبي .. ولكن ما يهمني الآن هو أنه موجود فيه .. وأنني لا أزال قادرة على محبه كل من حولي ..
------------
اغلقت نور الكراسة التي خطت عليها تلك المشاعر المحتشده بداخلها .. والتي كانت تلح عليها منذ زمن لكي تترجم بالكلمات ..
أخذت بعد ذلك نفسا عميقا ثم اخرجته ببطء وهي تحمله كل ذلك الالم الذي يغزوها .. وحرمها نومها في هذه الساعه المتأخره من الليل ..
ابتسمت بسخريه على نفسها .. وهي تنظر الى الساعه وتعيد كراستها الجامعيه الى مكانها ..
لقد كانت اقرب منقذ لها .. لتفرج على سطورها عن احاسيسها المضطربه .. والتي عانت مده طويله من الاسر بداخلها ..
ما بالي ؟.. هكذا حدثت نفسها باستغراب .. فهي لم تكن ابدا في مثل هذا الضعف .. اضافه الا ان انفصالها عنه مر عليه ما يقرب السنتين والنصف ..
حاولت ان تغمض عينيها .. وتطرد كل الافكار عنها.. فغدا لديها كليه ويجب ان تستيقظ باكرا .. كما أنها لا تجد مبررا لحالتها هذه .. خصوصا انها هي من كانت صاحبه قرار الانفصال ..
(( الله لا اله الا هو الواحد القهار .. رب السماوات والارض وما بينهما الغزيز الجبار ))
بدأت تردد دعاء النوم .. والذي كان يساعدها كثيرا في تلك الليالي القلائل التي تحس فيها بالأرق .. وما هي الا ثواني حتى غضت في نوم عميق خالي من الاحلام .. لشده ارهاقها ..
في الصباح لم يفلح المنبه في ايقاظها .. ولكنها استيقظت على صوت امها الذي يعلو من الغرفه المجاوره بحنق :
- استيقظ يا نبيل .. هيا انهض يا رجل ..
رد عليها صوت ذكوري خشن .. وكأن الرصاص ينطلق من فمه وليس الكلمات :
- اتركيني يا حياه .. ايجب عليك ان تزعجينني يوميا ..
قاطعته بحده :
- نعم .. لانك في اخر الشهر تتذمر من راتبك الضئيل الذي بترته استقطاعات غيابك عن العمل ..
- ليس لك شان براتبي الضئيل ..
- ومن قال انني بحاجته .. ولكنك تظل تضايقني طيله الشهر كي اعطيك مالا ..
وضعت نور الوساده فوق راسها وهي تزفر بضيق من هذا السيناريو الممل الذي تؤديه والدتها وزوجها كل يوم .. حتى صارت تحفظه عن ظهر قلب ..
ما هي الا ثواني حتى انتبهت نور الى الساعه .. واكتشفت ان وقت المحاضره قد بدأ ..
قفزت بسرعه من على السرير .. وهي تصيح مردده :
- لقد تأخرت .. لقد تاخرت ..
ومن اللحظه التي وضعت فيها قدمها على الارض بدات بتحضير نفسها للذهاب الى الكليه .. اخذت حمام سريع .. ونظفت اسنانها .. ثم عادت الى حجرتها .. وكانت تقوم بعملين في نفس الوقت ترتدي ملابسها .. وتحظر حقيبتها .. كان منظرها مضحكا جدا .. ولكنها كانت بارعه في ذلك ..
خصوصا وهي تحضر نفسها على وقع تلك السيمفونيه الحاده التي مازالت مستمرة من الغرفه المجاوره .. والتي تصل اذنيها وكانه لحن تحفيزي شغل ليجاري خطواتها السريعه ..
خرجت من الغرفه بعد ان وضعت العباءه والحجاب عليها .. فارتطمت بوالدتها التي كانت قد استسلمت كعادتها .. قالت نور بعجله :
- اسفه يا امي .
ثم اردفت وهي تقبل وجنه والدتها :
- صباح الخير .
لم تنتظر نور الاجابه على تحيتها وكانت تسابق الدرج وهي تسرع بالخروج .. وقالت الأم وهي تتبعها موبخه :
- نور .. ألن تتناولي افطارك يا ابنتي ؟.
اجابتها وهي تشوح بيدها بعد ان اتمت اغلاق ازرار عباءتها :
- ساتناوله في الكليه يا امي ..
وما هي الا ثواني حتى صارت تسير في الشارع الرئيسي لمدينتها الجميله المعلا .. والكائنه في بلدها الحبيب اليمن ..
نظرت الى الساعه في يدها .. وهي تبتسم بفخر .. فلقد استغرقت عشر دقائق فقط منذ ان استيقظت .. انها تحطم بذلك ارقامها القياسيه ..
ان كليه الهندسه لم تكن تبعد كثيرا عن بيتها .. ولكنها كانت تعلم انها تاخرت على المحاضره الاولى خمس دقائق .. وان الاستاذ مؤكد لن يسمح لها بالدخول .. ولكن رغم ذلك استمرت بسيرها الذي يميل الى السرعه .. لم تكن تسير على ذلك النحو بسبب تأخرها ولكنه ما اعتادت عليه عندما تكون لوحدها ..
كانت نور على قدر متواضع من الجمال .. ذلك الجمال البريء الذي يشعرك بالانجذاب نحوه .. كانت ملامحها لطيفه .. عينان سوداوان واسعتان .. تغطيهما مجموعه كثيفه من الرموش التي كانت ترسم ظلالا على خدودها فتزيدها جمالا .. كان انفها يرتسم على وجهها وكأنه حد السيف .. من تحته تسكنان شفتاها المكتنزتين اكتنازه خفيفه .. وكان لون بشرتها اسمر فاتح بل قريب الى البياض .. لم تكن طويله .. ولكنها كانت تميل الى النحافه ..
كانت كاشفه الوجه .. فهي لم تشعر يوما بأنها فاتنه وتحتاج الى تغطيه وجهها .. اضافه الى قناعات ابيها الصحفي المشهور حسام عبد الرحمن .. رحمه الله .. والذي كان يؤمن بحريتها وحقها في اتخاذ قراراتها .. وكان هو السبب في وثوقها العالي بنفسها .. وبذلك النجاح الذي حققته في حياتها الدراسيه .. وايضا كان له الفضل في تنميه كل مواهبها التي تمتلكها .. من رسم للاعمال اليدويه .. وبالطبع أسلوب الكتابه المرهف الذي ورثته عنه ..
بدأت نور تشرد عندما غزت افكارها ذكرى والدها الحبيب الراحل منذ ما يقرب الخمس سنوات .. لم تكن علاقتها به تشبه علاقه اي بنت عربيه باباها .. لقد أنشاها دون ان يشعرها يوما بالنقص لكونها فتاه .. بل كان يسعى دائما لان يجعلها تدرك انها تصبح مميزه يوما عن يوم باخلاقها ومحبه الناس لها .. فاضحت بالنسبه له افضل من مئه ولد .. بل هي ابنته الوحيده والمدلله .. وبالمقابل كانت نور تحبه كثيرا .. وكانت تنشد فخره بها دائما .. ولا تخفي عنه شي من امور حياتها .. فهي تسير على مبدأ انها اذا لم تستطع البوح له بكل ما يحدث معها .. اذا فهي قد قامت بعمل خاطئ استحق الكتمان ..
إن اباها لم يكن الشخص الوحيد في حياتها والذي ساهم بخلق كيانها هذا .. لقد كان هنالك ايضا ابن عمها الذي يكبرها بثمانيه سنين ويبلغ من العمر ثمانيه وعشرين سنه .. والذي كان يحمل نفس اسم اباها .. اضافه الى انه يتحلى بالكثير من صفاته المحببه واخلاقه الرفيعه .. إن حسام كان دائما بالنسبه لها الاخ الاكبر .. والصدر الحنون الذي يحتوي جميع مشاكلها الصبيانيه .. من مشاجرات بين الصديقات .. الى حدث انفصالها عن اخيه .. فهي لم تحب سامح الا بعد ان توفي والدها .. فاصبح حسام يلعب دور الاب ايضا .. وهي لن تستطيع تخيل حياتها بدون دفئ ابيها لولا وجود حسام فيها ..
نفضت نور عن راسها هذا الكم الهائل من الذكريات .. عندما اوشكت على دخول فصلها .. وكانت مستغربه ان الدكتور لم يكن قد حضر الى الان .. كان قسم تكنلوجيا المعلومات يعج بالفوضى .. في خضم ذلك النقاش الدموي الدائر بين البنات والشباب .. وكان مندوب الدفعه يقف في مقدمه الفصل وهو يحاول ان يستمع لاكبر كم من الحوارات التي تلفه ..
لم تستغرق نور الكثير حتى وجدت صديقتها الحميمه رهف تشير اليها لتجلس بجانبها ..
تقدمت نور من صديقتها اللطيفه والتي كانت تشبهها في نواحي كثيره ابتداء من نحافه الهيئه .. ونعومه تعابير الوجه .. وصولا الى حسن الاخلاق .. وطيبه النفس ..
قالت محاوله منع ضحكها :
- ماالذي يحدث هنا .. هل ينون القيام بانقلاب على المدرسين ؟.
- لا بل ينون قتل بعضهم البعض كما هو ظاهر ..
أفلتت نور ضحكتها ثم تذكرت :
- لماذا لم يأتي الدكتور حتى الان .
أجابتها رهف :
- لقد خرج قبل قليل ....
قاطعتها نور :
- حقا .. ولماذا خرج ؟.
قالت رهف مهدئه :
- ألن تكفي عن استعجالك الدائم هذا .. لقد طرد نصف الفصل فور دخوله الى القاعه .. بحجه انهم لم يكونوا يجلسون على كراسيهم استعدادا لمجيئه .. من ثم أتى بحجه اننا لا نلتزم الصمت التام في القاعه .. فخرج بعد إعلانه ان الدرس مشروح ..
أضافت نور بحرقه :
- وكاننا بحاجه لشرحه الذي لا يصل سوى الجالسين في السطرين الاماميين في الفصل ..
ايدتها رهف بهزه من راسها .. وعادت تتابع ذلك النقاش الدائر في الفصل .. فعادت نور تتساءل :
- وما هو سبب هذه الفوضى ؟.
اجابت وهف باستهتار :
- كالمعتاد في اول كل فصل دراسي .. يتنازعون على كيفيه تقسيم المجموعه الدراسيه التي ستحظر المختبرات التطبيقيه ..
لم تضف نور شيئا .. واخذت هي الاخرى تتابع ذلك الحوار ولكن ما هي الا ثواني حتى تهيء لها أن صديقتها تقول شيئا مع ان رهف لم تكن تلتفت لها .. ولكنها نظرت متسائله :
- هل تكلمينني يا رهف ؟.
هزت رهف راسها بالنفي وهي مستمره بما تقوله .. قربت نور رأسها وارهفت السمع ففوجئت بان صديقتها تغني بصوت مسموع ولكنه غير مفهوم بنفس الوقت بفعل ارتفاع الاصوات من حولهم .. انفجرت نور ضاحكه وهي تتساءل :
- ما الذي تفعلينه ايتها المجنونه ؟.
ابتسمت رهف تلك الابتسامه الخلابه التي تكشف عن نقاء قلبها .. والتي تجعل وجهها الجميل يزداد اشراقا :
- لا عليك .. افعلي ما تشائين .. فليس هنالك من يرى او يسمع ..
عادت نور تضحك من جديد .. فقاطعتها رهف باهتمام بعد ان تذكرت :
- صحيح انت لم تخبريني عن سبب تاخرك في المجيء اليوم ؟.
- لم استطع الاستيقاظ مبكرا ..
لاحظت رهف الحزن الذي تخلل كلمات نور .. ولكنها لم تحب احراجها وقالت محاوله تغيير الموضوع :
- وكيف مجحت اخيرا في النهوض ؟.
ابتسمت نور من جديد بعد ان استطاعت التغلب على مسحه الحزن التي علت وجهها :
- بفضل السيمفونيه المشهوره لامي والخال نبيل ..
- اما زال مثلما هو ؟.
هزت نور راسها وهي تقلب عينيها بسخريه .. فاردفت رهف :
- على الاقل هنالك شيء مفيد قدمه لك اليوم .. بان جعلك تستيقظي .
ظلت نور صامته وكأنها ترفض الاعتراف باي فضل يقدمه زوج امها حتى ولو من باب المزح .. تساءلت رهف بأسى :
- والله انا لا اعرف ما الذي يدفع امك لتحمله كل هذه المده .. فهي مدرسه وراتبها سيعيشكما مثل الامراء ؟.
اجابت نور ببرود .. فلقد وطنت نفسها لتتعايش مع هذا الوضع المزري الذي خلق منذ دخول زوج امها نبيل حياتهما :
- امي وافقت عليه بعد الحاح منه .. وعدم معرفه كامله به .. واضافه الى تأييد الاصدقاء والاقارب لها .. فنحن كما تعلمين لا يوجد لدينا رجال في المنزل بعد والدي رحمه الله .. ومجتمعاتنا الشرقيه لا ترحم النساء الوحيدات امثالنا ..
أطلقت نور زفره سخريه من انفها وهي تردف :
- وكأن المرأة لن تصبح كامله الا بوجود رجل في حياتها .. حتى لو كان مثل الخال نبيل .
توقف حديث الصديقتان .. وتوقف نقاش كل الموجودين في الفصل .. مع دخول الدكتور ليلقي المحاضره التاليه .. لقد كانت نور تستمتع كثيرا بهذه المحاضره ..
فهنالك دكاتره يشعرونها بالملل الشديد .. وتحس كأنها تجلس على كرسي من الجمر ولا تستطيع سوى ان تحصي الدقائق التي تمر وهي تتعذب .. ولكن البعض الاخر تحس بانها تعيش معهم جو المحاضره وتكون متفاعل بكل حواسك .. ولا يعاملونهاعلى انها مثل الحصاله .. خزن مؤقت من ثم تفريغ .. لتعود وتخزن من جديد .. مع العلم بان النوع الاخر نادر جدا في كليتها المشهوره بمزاجيه الدكاتره وظلهمهم ..
توجهت الصديقتان نحو ساحه الكليه بعد انتهاء المحاضره الاخيره .. وتهياتا للجلوس في ركن من اركانها والتي تظللها الاشجار حتى تستذكران بعض الدروس .. اشارت رهف لصديقتها بعينها حتى تلتفت خلفها نحو الساحه والتي كانت لا تزال تعطيها ظهرها ..
حين التفتت فوجئت برؤيتها لذلك الشاب الابيض طويل القامه ذو الوجه الوسيم .. والذي كان يسير برفقه زملائه ويسترق النظر اليها بين الحين والاخر من خلال عينيه البنيتين .. التقت عينيهما للحظه مما جعل قلبها يخفق بعنف .. لم تستطع سوى ان تبتسم له بلطف ثم اشاحت بوجهها عنه بسرعه .. وقالت مؤنبه لرهف من خلال أنفاسها المتلاحقه :
- لماذا جعلتني التفت اليه ؟.
أجابت رهف مدافعه عن نفسها :
- لان ما تفعلينه معه ليس صحيحا .
تحدتها نور وهي ترفع احد حاجبيها :
- وما الذي افعله ؟.
- انك تحاولين دائما تجاهله يانور .. الى متى ستستمرين في عنادك هذا .. لا تنكري انك لازلت تحبينه .. وهو ايضا يكاد الحب ينطق من عينيه عندما ينظر اليك ..
جلست نور وهي تحاول السيطره على انتفاضات احاسيسها لرؤيته .. إنه لا يكبرها إلا بسنتين .. وهو فيي سنته الاخيره في قسم الكهرباء .. وهذا يشكل احد الاسباب التي تجعل نسيانه مستحيلا ..
فتحت كراستها بهدوء على الصفحه التي كتبتها بالامس .. واعطتها لرهف ..
لم تجد رهف كلمات تقولها بعد ان قرات ذلك الحزن الكائن في اسطر الكراسه التي بين يديها .. ثم قالت وهي تغالب مشاعر العطف الذي تحسه دوما نحو نور :
- من الممكن أن يكون تغير يا نور .. فالسنين كفيله بان تجلعه اكثر نضجا .. حتى أنت تغيرت ..
- أنا لا اريد ان اعيش الاوهام ..
- إن حبه لك حقيقه تكاد تكون مؤكده في حياتك يا نور .. لماذا تستمرين بتغذيب نفسك وتغذيبه معك .. ألا تشعرين بشوقه لك ..
سرحت نور قليلا .. ثم اردفت وكأن عقلها يسعى لاقناع قلبها الهائج :
- وهل يكفي ذلك ؟.
- وما الذي تريدينه ..
- انا لم اكن اشعر بنقص في مشاعره نحوي يا رهف .. ولكن الخلل مني انا .. فانا انسانه لم تخلق لتؤدي ادوار الحب والصبابه ..
- ومن قال لك ذلك ؟. بالعكس أنت انسانه محبه .. وحساسه جدا .. وانا اشعر دائما انك من الاشخاص الذي خلقهم الله ليسعدوا من حولهم ..
ظهر اعوجاج خفيف على شفتي نور وهي تبتسم بسخريه :
- لقد كنت احبه حقا .. بل اعشقه .. ولشده حبي كنت احرص على كل فعل وقول اقوم به نحوه .. امله ان يبارك الله لنا في كل ايامنا معا .. ولكنني كنت اخدع نفسي عندما توهمت انه يفكر مثلي ..
- انه شاب يا نور .. ولا احد يستطيع لومه ..
- وهل يقع اللوم علي انا ؟.
- لا .. لقد قمت بما هو صواب ولكنني لتمنى ان تمنحيه فرصه اخرى ..
- لا اعرف يا رهف .. فانا لا اود ان اجازف من جديد بمشاعري .. انها اغلى ما املك .. لقد نصحني بالنسيان .. وهذا ما احاول فعله الان .. بعد أن نسي هو روابط الاخوه التي كانت ومازالت تشدنا لبعض ..
حاولت رهف قول شيء .. ولكن نور قاطعتها بحدة :
- كفانا حديثا عن سامح الان .. ولنبدأ بالمذاكره .. التي يبدوا اننا لن نكملها ابدا ..
ابتسمت رهف برقه بعد ان استسلمت .. ثم اضافت وهي تنظر الى الساعه على معصمها :
- نعم .. يجب علينا ان نسرع فاحمد سيحضر بعد اقل من نصف ساعه ليصطحبني معه الى البيت ..
اشرق وجه نور بنفس تلك الفرحه التي تتوهج على وجه صديقتها .. وتلون خدودها بحمره خفيفه :
- هل عاد احمد من سفره ؟.
- نعم .. ألم اقل لك بأنه سيأخذ اجازه حتى يستطيع الاشراف على بناء منزلنا ..
- بلا ولكنك لم تقولي انه سياتي اليوم ..
وقبل ان تجبها رهف اضافت قائله وهي تبتسم وتنظر من خلف كتفها :
- يبدوا اننا فعلا لن نستطيع استذكرا شيء من دروسنا هذا اليوم..
حاولت رهف نظرها .. لترى ذلك الشاب لطيف الملمح الذي كان يقترب منهما بخطواته الواثقه .. وعيناه مصوبتان نحوها .. وكانه لا يحس الا بوجودها هي .. رغم كل الازعاج الذي كان يغمر الساحه ..
تساءلت نور باستغراب وهي تشارك صديقتها النظر الى ذلك الشاب :
- كيف يستطيع خطيبك المحافظه على صفاء بشرته وهو يعمل على متن السفن .
قالت رهف مازحه :
- انا اعطيه خلطه سريه في كل مره يسافر فيها .
ضحكت نور عليها :
- إن هذا شيء غير مستبعد عليك .
اجابت رهف هذه المره عن السؤال بجديه وهما تقفان لاستقبال احمد :
- انه لا يتعرض للشمس كثيرا .. فهو يعمل كمهندس لمكائن الباخره .
هزت نور رأسها .. وانقطع الحوار بينهما عندما اصبح احمد امامهما .. تبادل الثلاثه كلمات التحيه .. وكانت نور تحس بالخجل الشديد وهي تقف مع هذان المحبان .. في لقائهما الاول بعد طول فراق .. وسرعان ما استأذنت منهما :
- سأترككما الان .. فلقد تأخرت كثيرا عن العوده الى البيت .
رد عليها احمد :
- لما لا تاتين معنا ؟.. فسيارتي في الخارج ويمكننا ايصالك الى حيث تريدين .
اجابت نور بحياء .. وهي تودعهما مجددا :
- لا ليس هنالك داع لذلك .. فمنزلي لا يبعد كثيرا .. كما اني اود ان اذهب الى مشوار .
رفعت رهف حاجبها وهي ترمفها بنظرات شك :
- واي مشوار هذا يا نور ؟.. والذي لا اعلم عنه شيئا .
- سأذهب الى عياده حسام .. هل ارتحت الان .
قال الخطيبان معا :
- ابلغيه سلامنا .
ضحك الجميع .. واخذت نور تبتعد عنهما متجهه نحو عياده حسام .. والتي كانت في الطريق المؤدي الى بيتها .. كانت قد اتفقت مسبقا معه ليزور والدتها ويقس ضغطها الذي تشك هي في ارتفاعه المستمر .. مؤكد ان السبب معروف ..
دخلت نور العياده .. فقابلتها الممرضه بابتسامه عريضه وهي تتاملها باعجاب :
- اهلا بمهندستنا الجميله .
ابتسمت نور بحياء بالغ .. فهي لم تكن تفلح بالتعامل مع كلمات الاطراء التي تربكها :
- اشكرك يا خاله .. هل الطبيب حسام موجود .
- نعم ولكنه برفقه اخر مريض له .
ظلت نور تتحدث مع الخاله نظره .. تلك الانسانه اللطيفه التي لا تملك اي شهادات او حرف في الحياه .. ولكنها تملك فقط خمسه اولاد صغار .. تركهم والدهم لها بعد ان هجرها ..
ولكن حسام كان المنقذ لها .. فعندما جاء من لندن وقرر فتح عيادته الخاصه .. عرض على نور ان يوظفها معه كممرضه .. فتعاون الاثنان في تدريبها .. كان هو يلقيها كل المهارات الضروريه لجعلها ممرضه ماهره .. وانت نور تدرسها يوميا الكتابه والقراءه ..
عرضت الخاله نظره على نور قائله :
- لما لا تدخلين وتستعجليه .. فمؤكد انه قد اكمل عمله .. وهو الان يمازح الطفله الصغيره .. وكما بدا لي ان والدها صديقه ..
ابتسمت نور بحب صادق وهي تتكلم عن ابن عمها :
- اعلم هذا .. فهو ينسى نفسه احيانا عندما يدير حديث مع الاطفال .. ولكني لا اود ازعاجه .
في تلك الاثناء فتح باب الحجره .. وخرج الشاب برفقه حسام الذي كان يحتضن طفله بين ذراعيه .. ويحدثها قائلا بصوته الدافئ المليء بالحنان وابتسامته الساحره تعلو وجهه الاسمر الجذاب :
- يجب ان تاتي دائما وتزوريني .. حتى اطمئن عليك ..
هزت الطفله راسها بحماس الموافقه :
- سأزورك كل يوم عندما اعود من الروضه .
انتبه حسام لنور التي كانت تشاركهم الضحك .. وتقدمت لتاخذ الطفله منه .. وهي تحاول التعرف عليها .. اشار حسام الى صديقه :
- آه يا نور .. هل أتيت .. اعرفك بصديقي محمد وزميل دراستي .
حيت نور محمد بهزه من راسها .. وبتلك الابتسامه اللطيفه التي لا تفارق شفتاها :
- تشرفت بمعرفتك .
أكمل حسام حوار التعارف بان اشار الى نور :
- هذه هي صغيرتي نور .
لم يقم محمد باي رد .. لقد كان ينظر الى نور وعلى وجهه دهشه بالغه .. وشيء من الاعجاب مما اخجلها كثيرا .. وجعلها تحول نظرها نحو الطفله التي بين احضانها .. وما هي الا ثواني حتى قال محمد بحده :
- هل هذه صغيرتك نور ؟..
هز حسام راسه بالايجاب وهو يبتسم .. لصديقه الذي اردف :
- لقد كنت اتخيلها فتاه في الثانيه من عمرها .
كتمت نور ضحكتها .. فهي تدرك مدى محبه حسام لها .. ولم تستبعد وصول صديقه لمثل هذا الاستنتاج .. فاضافت مازحه :
- لقد اقتربت كثيرا من تخمين عمري .. ولكنك حذفت الصفر منه .
اردف محمد بعد ان احس بما سببه لها من خجل :
- انت لا تعلمين كم كان حسام يتحدث عنك .. ولكنه كان دائما يقول ( صغيرتي نور ) .. اعذريني يا انسه نور .
شدد محمد على عبارته لاخيره وهو يرمق حيام بنظره مازحه .. فتدخلت طفلته متسائله :
- هل اسمك نور ؟.
- نعم يا حبيبتي ..
- إن دميتي ايضا اسمها نور .
- وهل هي جميله مثلي ؟.
- لا .. بل انت أجمل .
قالت نور وهي تحتضنها بحب :
- بل أنت هي الاجمل بين كل الفتيات .
شهقت الطفله بفرحه رافعه حاجباها .. وهي تنظر لاباها :
- هل سمعت يا ابي ؟.
اخذها حسام وقبلها قبل ان ينزلها على الارض :
- وهل ما زلت على وعدك لي ايتها الجميله ؟.
ابتسمت الطفله بمرح وهي تلوح بيدها مودعه :
- بالطبع ..
أردف محمد :
- الى اللقاء يا حسام .. لقد كانت مصادفه لطيفه .. جعلتنا نتعرف بها على صغيرتينا ..
التفت حسام لنور والخاله نظره قائلا :
- ما رايكما بخطيبتي ؟.
ضحكت نور :
- ليتك تكون جادا وتعلن خطبتك على اي فتاه تعيسه الحظ .. فأنت لم تعد صغيرا ايه العجوز .
أجابت الخاله نظره مدافعه عنه :
- تعيسه الحظ .. يجب ان تحمد ربها ليلا ونهارا من سيقع اختياره عليها ..
ثم اردفت وهي تنظر لهما بحب صادق :
- انشاء الله يأتي اليوم الذي أراكما عريسين فيه ..
احمر وجه نور خجلا .. فهي تعلم محبه الخاله نظره لهما .. وكم تتمنى ارتباطهما ببعض ..
ولكنها قالت محاوله توضيح دعوتها :
- أنا مؤكد ستفرحين بي قبله .
رد حسام على تعليقها .. وهو يشير لها بيده حتى تسير امامه :
- هيا .. هيا وكفاك ثرثره .. ولنذهب الى البيت .
وقبل ان يخرجا من العياده .. التفت حسام للخاله نظره التي كانت لا تزال ترتب المكان :
- ألن تاتي معنا يا خاله ؟.
- لا يا حبيبي .. انا ساجلس قليلا لانهي بعض الاعمال .
- كما تشائين .
في المنزل .. وبعد أن طمئن حسام والدتها بان ضغطها في حاله جيده .. واعطاها بعض التعليمات .. خرجت الام من الحجره لتعد له الشاي .. ولتتركه برفقه نور .. فهي تعلم مدى تعلق ابنتها به .. ومؤكد أن في جعبتها الكثير لتخبره ..
افاقت نور من شرودها .. بسبب ذلك الصوت الدافئ الحنون :
- ما بك صغيرتي ؟.
هزت نور رأسها بعنف وكانها تنفي عن نفسها تهمه :
- لا شيء .
لم يستطع حسام التغلب على تلك الابتسامه الجذابه .. التي تخطف الانظار :
- ولكني لا اصدقك .
وقبل ان تعاود الحديث .. اضاف متسائلا :
- هل رايته ؟.
عاد الصمت يلف نور .. من ثم هزت راسها ببطء علامه على الإيجاب :
- متى ساستطيع ان انساه ؟.
- ولماذا تودين نسيانه .. انه سيظل دائما جزءا من حياتك .. ويجب ان تعود العلاقه بينكما كما كانت دائما .. فانتم في الاخير اخوه ..
- معك حق ..
كان حسام يود ان يضيف شيئا ولكنه سرعان ما عدل عن ذلك .. فهمت نور ان امها قد عادت وبيدها صينيه الشاي .. فوقفت مسرعه لتاخذها منها .. فبدأ حسام يتحدث مع العمه حياة حتى أكمل فنجانه .. واستأذن للخروج .. لم تفلح محاولاتهما في استبقاءه على الغذاء .. فلقد كان حسام خجول جدا .. ولم يتعود دخول البيت كثيرا بعد وفاه عمه .. الا عند الضروره طبعا ..
رافقته نور حتى باب الخروج .. وهناك حدثها والاهتمام ينبض من عينيه :
- هل ستجعلينني اخرج .. وانا ارى الحزن يلمع في عيني صغيرتي .
هزت نور راسها بسرعه .. وهي تضع على شفتيها اجمل ابتسامه .. فهي لم تكن ابدا تميل الى الكابه .. بادلها حسام الابتسام :
- هذا ما اود ان اراه دائما .. لا تقسي كثيرا على نفسك يا نور .. وتذكري انه كان اول شخص يدخل حياتك .. وانت لا تزالين في مقتبل العمر .. ولن تستطيعي فهم الكثير من مشاعرك .. وتاكدي ايضا من انني سأظل بجانبك .. وساحمل همك ما حييت فانت ستبقي اختي الصغيره مهما حدث .
- معك حق .. وانا لم اشك في اخوتك وحبتك لي ابدا .. رغم كل شيء ..
- اكيد معي حق .. فانا لا اخطئ ابدا .
قلبت نور عينيها متصنعه الاستخفاف بحديثه .. بعد ان افلح بتغيير مزاجها .. ثم اضاف وهو يسمع حركه الخاله حياه داخل البيت :
- وداعا الان .. يجب ان اذهب قبل ان تاتي والدتك وتحاول اقناعي من جديد بالبقاء .
ودعت نور ابن عمتها .. وهي تحس وكانها وجدت نفسها الضائعه ..
وجدت تلك الفتاه المرحه التي اعتادت عليها ..
والتي لم يكن يتخلل ايامها سوى المرح ..
انها تحس الان تماما وكانها نسيته ..
ليس بالمعنى الحرفي للكلمه .. ولكن كان الذي كان بينهم لم يكن يوما ..