(10)
تقاليد يمنية
كانت الحيرة تلفها .. واضطرابها يزداد .. خصوصا بعد أن سببت أزمة سير .. فيبدو أن سامح قد اقسم ألا يتحرك إلا بها .. كان ينتظرها بعصبيه بالغه .. وهي تقف مشدوهة لرؤيتها اشتعال الغضب في عينيه .. بدأت ترتجف خوفا منه .. فهل تستطيع الصعود معه .. النظر في عينيه .. تلك العينين البنيتين واللتان لطالما عشقت بريقهما الصارخ بحبها .. ولكنها الآن ترى فيهما توهج كرهه لها .. شعرت نور بأنها محاصره ولم تجد مفرا من الصعود معه .. كما أنها لا تملك سببا لرفضها الصعود مع ابن عمها ..
نعم فسامح سيبقى دوما .. ابن عمها .. ومهما تغيرت المسميات .. والمشاعر التي تربط كليهما .. لن تستطيع أبدا تجاهل رابط القرابة بينهما ..
حرك سامح السيارة بسرعة جنونية .. ما أن استقرت نور بجانبه .. مما زاد خوفها منه .. كانت تود أن تأمره بان يخفف السرعة .. ولكنها لم تجرؤ على فعل ذلك .. وظلت تنظر أمامها متصنعه الهدوء وهي تلعب بأناملها بتوتر واضح .. وكأنها طفل صغير مخطئ ينتظر عقاب والديه ..
لم يحدثها هو .. فراحت تختلس النظر إليه .. روعها منظره الذي لم تدقق عليه مسبقا .. لقد كانت آثار الأرق بادية على ملامحه .. وترسم ظلالها تحت عينيه .. كما أنه أصبح أكثر نحافة .. لقد رأته غاضبا من قبل .. ولكن ما تراه اليوم كان اسوأ .. كان يمسك بمقود السيارة بقوه والعروق تبدو نافرة تحت جلد يديه ..
وفجأة التفت إليها مباغتا إياها بسؤاله الغريب والذي لم تستوعبه للوهلة الأولى :
- متى تنوين تركه ؟.
- اترك من ؟.
- حسام .
فغرت نور فاهها دون وعي منها .. ثم عقدت حاجبيها وتساءلت بحده :
- هل جننت يا سامح ؟.
كانت حاجبيه لا يزالان مقعدان فوق عينيه .. وضغط على أسنانه .. ثم أجاباها بحرقه :
- ألا يحق لي ذلك بعد كل ما تفعلينه بي يا نور ؟.
لم تستطع الرد عليه .. فخفضت رأسها وهي تحاول تهدئه ذلك القلب الذي راح يتلوى بين ضلوعها معلنا رفضه لكل قراراتها .. أنها لم ترى سامح بمثل هذا الضعف أبدا .. وهذه المرة الأولى التي يتمسك بها بهذا الشكل .. وإصراره هذا يعذبها .. يجعلها تشعر بالسخط على نفسها .. لأنها تسبب له كل تلك المعاناة ..
حلق الصمت فوق رأسيهما لبرهة .. بعدها شعرت به ينحرف بالسيارة ليوقفها على جانب الطريق .. التفت إليها وبدأت ملامحه ترق بعد أن رأى تلك الدموع التي كانت تتلألأ في عينيها السوداويين :
- لماذا يا نور ؟.. لما قررتِ تعذيبي .. ونسيتِ بأنك تجرحين نفسك بالمقابل ؟.
لقد كان محقا في كل كلمه يقولها .. نعم .. إنها تحس بجرحه يتعمق في صدرها هي .. ولكنها لا تستطيع أن تصارحه بالحقيقة ولا أن تجعله يعاني معها مرضها النادر .. فهي تحبه .. ولطالما أحبته ..
ردت عليه بصوت خافت وكأنها تجيب على أفكارها هي :
- لا استطيع يا سامح .. لا استطيع ..
- ما هو الذي لا تستطيعينه .. أنا لا أجد سببا مقنعا لهذا الارتباط .. لذلك يكفي يا نور .. لقد نجحت .
رفعت رأسها والدهشة تعلو ملامحها .. إنها لم تعد تفهم ما يرمي إليه .. أردف هو برفق اكبر :
- نور .. أن كنت تودين اختبار مشاعري نحوك .. فها أنا اعترف بأنك نجحت .. أنا أموت في كل لحظه .. ولن أتقبل أبدا فكره هذا الارتباط المزيف .. لذلك يكفي .. يجب أن تنهيا هذه المسرحية التي تقومان بها .
كان كلامه يزيد من عذابها .. ولم تعرف بماذا تجيبه .. كيف تقنعه دون أن تجرحه أكثر من ذلك .. كيف تخبره بأنها لم تعد ملكا له .. فجأة تذكرت كلمات حسام لها .. بان سامح لابد أن يغفر لها يوما .. لذلك نطقت أخيرا بكلمات خافته تقطر حزنا :
- ثق بأنه سيأتي يوم ستتوضح لك كل الأمور .. وبعدها ستكون أنت من يملك الخيار .
شعرت بملامحه تقسو من جديد .. وراح يصرخ بحده وهو يسد أدنيه :
- كفى .. كفى .. أنا لا أود أن اسمع مثل هذا الكلام ..
ثم امسك بكتفيها وهزها وعينيه تلمعان بحزنه المكتوم :
- هيا يا نور .. اتركيه .. اتركيه من اجلي .. فلتنهي هذه التمثيلية الآن .
لم تشعر نور بنفسها إلا وهي تحضن يدها اليسرى والتي يستقر على إصبعها خاتم حسام .. وكأنها تحميه من حبيبها المجنون .. فكانت حركتها تلك سببا في تشنج يدي سامح الممسكة بكتفيها .. كانت عينيه تكاد تخرجان من هول الصدمة .. بعد أن ميز أن نور أضحت الآن زوجه أخاه .. بفعل هذا الخاتم ..
بعد لحظات سقطت يديه من عليها .. وأثار الدهشة لا تزال تسيطر على كل خليه في وجهه الوسيم .. ثم ضرب مقود السيارة بقبضتيه .. فانتفضت نور رعبا .. وهي تغمض عينيها الدامعتين .. أتاها صوته المترنح تحت وطأه دموعه .. وتساءل بصعوبة :
- متى ؟.
توقف قلبها لرؤيته يبكي .. وتمنت لو استطاعت أن تحضنه .. أن تخفف عنه .. أن تنسيه كل ما سببته له من وجيعة .. حاولت أن تسيطر على نفسها كي لا تفلت نشيجها .. وأجابته بصوت مهزوز على ذلك السؤال الذي تدرك مقصده منه :
- لقد تم عقد القران قبل أسابيع .. ونحن على وشك الزواج أيضا في الشهر القادم ؟.
التفت إليها بسرعة خاطفه .. وكأنه سيهم بتكذيب حديثها .. أو هكذا تمنى .. ولكنه أدرك صدقها بعد أن عاود النظر إلى ذلك الخاتم الذي يلمع بين أناملها الرقيقة .. حاول أن يتابع حديثه معها .. ولكن الصدمة ألجمت لسانه .. مؤكد أن والدته فضلت عدم إخباره بذلك .. كما انه لم يعد يتواجد في البيت .. بعد أن أقام مع مجموعه من أصدقائه العزاب ..
غطى وجهه بيديه ليحبس تلك الدموع التي تحاول الإفلات منه .. واخذ نفسا عميقا وهو يمرر أنامله بين خصلات شعره .. لم تعد نور تحتمل هذا الجحيم الذي تعيش فيه .. رؤيتها لهذا الحبيب .. الذي تحرق قلبه بيديها .. وبالرغم من أنها لا تعرف أين هي الآن .. إلا أنها فتحت باب السيارة محاوله الهرب كعادتها .. شعرت في تلك اللحظة بيده تمسك بذراعها ليستوقفها .. ثم بدأ بتحريك السيارة .. دون إن ينطق بكلمه واحده .. أغلقت هي الباب مره أخرى .. وجلست والدموع تنزلق على وجنتيها بصمت .. وبعد لحظات كانت السيارة تقف أمام منزلها .. كانت لا تشعر بقدميها .. وأحست بأنها تجر نفسها بصعوبة .. لم يكن قلبها يقوى على فراقه وهو بتلك الحالة .. ولكنها لم تستطع سوى أن تقول له كلمتين قبل أن تخرج :
- أنا أسفه .
كان عقلها مشتتا .. وأحست بان قلبها يوشك أن يقفز من صدرها لكي يبقى بجانبه .. ولكنها لم تجد سوى كلمه أسفه لتودعه بها .. بالرغم من إحساسها .. بأنها مظلومة مثله ..
استندت بظهرها على باب منزلها بعد أن أغلقته خلفها .. وظلت تغالب دموعها .. لم تكن تود أن تراها والدتها بتلك الحالة .. ظلت صوره سامح تتحرك أمام عينيها فتزيد من وجعها .. بعد برهة أطلت والدتها من أعلى الدرج .. بعد أن سمعت صوت الباب .. صعدت نور مسرعه وهي تخفي دموعها .. فاحتضنتها الأم بقلق :
- لما تأخرت يا نور لقد قلقنا عليك ؟.. ولما هاتفك مغلق ؟.. لقد كاد حسام أن يجن بسببك .
- حسام ؟.
تساءلت بشرود .. فراحت الأم تشرح لها :
- لقد جاء لرؤيتك بعد أن انتهى من عمله .. وكان يود أن يخرج للبحث عنك لولا أننا اتصلنا برهف وطمأنتنا عليك .. هيا ادخلي فهو ينتظر في حجرتك .
تركتها والدتها عند باب الحجرة .. فراحت دموعها تنهمر بغزاره اشد عندما علمت بوجود حسام .. فتحت الباب وهي ترتجف .. كان هو يقف وسط حجرتها .. وما أن رأته .. اندفعت نحوه بسرعة بالغه وانفجرت باكيه في حضنه .. كانت تغطي وجهها في صدره .. لكي تكتم نشيجها المتزايد .. طوقها حسام بذراعيه الدافئتين .. وضمها إليه برفق وهو يربت على رأسها .. والقلق يتخلل كلماته الهادئة :
- ما بك صغيرتي .. هيا اهدئي .. ولتخبريني ما الذي حدث ؟.
لم تستطع الحديث .. فالحزن الذي تشعر به لم يدعها تتغلب على دموعها .. ولم يترك لها مجالها للحديث .. لم يحتمل حسام صمتها .. وبدأت أسئلته تنهال عليها :
- هل حدث لك مكروه ؟.. هل ضايقك احدهم ؟.
كانت نور لا تزال تتشبث به وهي تحرك رأسها يمينا ويسارا فوق صدره .. فأردف حسام بتوتر :
- إذا ما بك .. صغيرتي ؟.
هدأ نشيجها أخيرا .. بعد أن استنزفت كل دموعها .. وعندما غمرها الهدوء .. استطاعت سماع ذلك النبض الهائج والذي يرن في إذنها القريبة من صدر حسام .. انتفضت نور لذلك .. ما الذي تقترفه في حق حسام .. ها هي تعود لتعذبه بهمومها من جديد .. رفعت عينيها إليه لتحدثه بحزن اشد :
- أنا أسوأ إنسانه على هذا الوجود يا حسام .
حضن حسام وجهها ورأت الألم يرتسم على ملامحه :
- لماذا تقولين مثل هذا الكلام .. صغيرتي ؟.
- لأنني كذلك .
عاودت الحديث من خلال دموعها الجديدة :
- لأنني لم اكتفي بتعذيب سامح .. بل أشركتك معي في هذه الدوامة المؤلمة .
أطبق الصمت عليه .. وراحت هي تفرغ محتويات قلبها المجروح :
- لقد رأيته اليوم .. وجدت العذاب يسكن بين عينيه .. ولأول مره بحياتي أره يبكي .. لقد كنت أنا السبب في دموعه يا حسام . أنا السبب في كرهه لي ولك .. لقد بت اكره نفسي على ذلك ..
رفعت رأسها إليه من جديد وتساءلت متوسلة :
- ما ذنبك أنت في كل هذا يا حسام .. ومتى سينتهي هذا العذاب الذي اشعر به .. متى ؟.
أجلسها على السرير بهدوء .. وجلس هو على إحدى ركبتيه إمامها .. طوق أناملها الناعمة بيديه الدافئتين .. وبدأ يحدثها بصوته العميق الهادئ :
- متى ستدركين أنت مدى حبي لك ؟.
راح قلبها ينبض بقوه .. جراء تلك الكلمات التي هزت كيانها .. وتلك النظرة الغريبة والتي لم تعد تفهمها .. كانت تلك المشاعر التي تشع منه أقوى من أن تحتملها .. مما جعلها تشعر بسخط اكبر على نفسها عندما إجابته :
- وهل استحق أنا كل هذا الحب ؟.
راحت تنظر إلى أناملهما المتشابكة بأسى .. وسقطت إحدى دموعها لتستقر على يده .. داعبت أنامله تلك الدموع المتناثرة على خديها .. ثم رفع رأسها لكي ترى عينيه .. تلك العينين اللتان تشاركها كل انفعالاتها .. وترى فيهما تلك الروح الجميلة التي يمتلكها .. كان حبه لها .. والذي لا يقبل التنازل عنه أبدا .. يربكها كثيرا .. مؤكد أنها لم تخطئ في ذلك السؤال .. فهي لا تستحق حب حسام لها .. اخذ هو نفسا عميقا ثم ابتسم لها بود :
- أنت حقا لا تدركين قدرك في قلبي .. يا نور ؟.. ولكن ما يهمني الآن هو أن لا أرى هذه الدموع مره أخرى .
أكمل حديثه هذه المرة بعد أن عاودته سحابه الحزن :
- صغيرتي .. لقد أخبرتك مسبقا .. إن ارتباطنا هذا لن يدوم .. وأنا كفيل بتوضيح كل الأمور لسامح .
لا تدري لماذا انقبض قلبها عند قوله ذلك ولكنها ابتسمت مطمئنه بعد ذلك القلق الذي سببته له .. و قف هو ليجلس بجانبها على السرير .. ضمها إليه برفق وقبلها على رأسها :
- أن هذه الابتسامة هي ما سأظل انشده دوما .. ولا تعاودي قول هذا الكلام عن كرهك لنفسك مره أخرى .
رفعت رأسها إليه محاوله أن تتحدث ولكنه وضع إصبعه على شفتيها :
- الاعتراض غير مسموح .. ويجب أن تنفذي أوامر زوجك .
هزت رأسها بالإيجاب بسرعة .. فوقف هو مودعا إياها بعد أن نظر إلى الساعة وأدرك تأخر الوقت :
- يجب أن اذهب الآن .
أمسكت بذراعه وهي تحاول إبقاءه :
- ألن تتناول العشاء معنا ؟.
- اعذريني .. فأنا أود أن التقي شخص ما ؟.
- حسنا .
كان تواجد حسام في حياتها يشعرها بالأمان .. بالدفء .. داعب وجنتها بأنامله وهو يحدثها قبل أن يخرج :
- ليتك تستطيعين رؤية نفسك بعيوني .. يا صغيرتي الحساسة ؟.
شعرت نور بان يتعمد دفع قلبها للجنون .. فالتهبت وجنتاها بحمره حياء .. أشاع منظرها الخجل الفرح في ملامحه .. ثم امسك يدها وجرها خلفه قائلا بمرح كي يخرجها من ذلك الجو المربك والذي يدرك هو بأنها لم تتعوده منه :
- هيا .. فلتهربيني الآن .. قبل أن تمسكني والدتك للعشاء .
سارت خلفه باستسلام .. وهي تكتم ضحكتها .. حتى لا تشعر والدتها بهما .. وراحا يتسللان على الدرج .. ودعته بابتسامتها الجميلة .. وعندما عادت إلى حجرتها .. غضت في نوم عميق .. خالي من الهموم ..
----------------------
كانت نور تشعر بان الأيام تشارك من حولها فرحتهم .. وتنقضي بسرعة كي تزف العروسين الشابين لبعضهما .. وعند قدوم الشهر الجديد .. غرقت في سلسله الاحتفالات التي أصر الأهل والأصدقاء على إقامتها للعروسين المحبوبين فأصبح الغناء والرقص لا يهدأ بداخل البيت .. وعلى غير المتوقع استمتعت نور كثيرا بتلك الحفلات وخصوصا حفل الزقره .. كانت تلك الوجوه الباسمة .. والفرحة التي ترقص في عيون كل من حولها تشعرها بالسعادة .. كما أن الخالة هدى حضرت تلك الاحتفالات بعد أن استطاع حسام إقناعها بمساعده العم صلاح .. فبوجودها اكتملت الفرحة في قلب نور ..
أحبت نور عندما غطوها بالقماش الأخضر والمطرز فراحت تطالع الكل وهم يزغردن حولها ويرقصن بفرح .. كانت مستمتعة وهي تراهم من وراء ذلك الحجاب .. فبتلك الوضعية لم تكن تعاني مشاعر الخجل من تركيز الأنظار عليها .. بعد فتره ليست بالقصيره قاموا بزفها إلى الحمام .. لتغتسل .. كانت التقاليد تقتضي بان تدخل جده العروس أو والدتها معها .. لكي تساعدها بالاغتسال بالحناء والهرود .. وغيرها من مساحيق الأشجار الطبيعية .. ولكن نور احمرت خجلا عندما حاولن إقناعها بذلك .. واستطاعت أن تفلت منهم .. بعد ذلك جاء دور صديقاتها في تزيينها .. فجعلوها ترتدي الزي التقليدي لفتيات عدن وما يسمى بالدرع كان عبارة عن قماش حريري خفيف وشفاف .. تتناثر عليه بعض الفصوص اللامعة .. ويفصل بشكل بسيط وواسع كان جمال الدرع يظهر بالألوان المرسومة عليه .. وبقماشه الشفاف .. والذي ترتدي الفتاه تحته ما يشبه التنوره الطويلة وحماله صدر يكونان مطابقان للونه .. ويبقى خصرها النحيف ظاهرا من تحت قماش الشفاف .
كانت رهف تحوم حولها بمرح .. وتحاول مساعده الفتيات بإتمام زينه نور .. فقمن بتبخير شعرها بالعود والبخور .. ثم بتسريحه وذلك بعمل جديلة طويلة تلف بخيوط من زهور الفل العطرة .. فلقد كانت تلك التسريحة تعد من تقاليد حفله الزقره وكانت تسمى بالصفاء بعد ذلك ألبستها رهف الذهب .. وشدت الدرع حول خصرها بحزام من الذهب أيضا .. في الوقت الذي كانت إحدى صديقات نور تضع الأصباغ على وجهها الجميل .. وبعد نصف ساعة تقريبا .. كانت نور تشع بفتنه بريئة .. أكملن الحفل بعد ذلك .. وشاركت نور صديقاتها في الرقص اليمني المسمى بالشرح .. كما رقصت مع والدتها .. ووالدة حسام ..
في تلك الأثناء كان حسام يحتفل أيضا مع أصدقاءه .. كانت التقاليد اليمنية تقتضي من الشاب أن ينصب خيمة خشبية كبيره بجانب بيته ليقيم حفل المقيل والذي يتناولون فيه القات .. ولأن حسام لا يتناوله لم يحبذ أقامه ذلك الحفل .. لكن أصدقاءه أقمن له حفلا آخر وهو الليوه .. فهي شبابيه أكثر من المقيل .. ففيها يوضع مكبري صوت في ركني الحارة .. ويتجمع شبابها وكل أصدقاء العريس .. بحضور فرقه شعبيه .. للغناء اليمني .. ويبدأ الشباب بعمل حلقه كبيره يتشاركن فيها الرقص والمرح طول الليل ..
بعد انتهاء الحفلين .. ذهب حسام لبيت نور .. كي يحضر لرهف فستانها من عند الخياط .. فلقد كان حفل الزفاف بعد الغد .. وعندما فتحت له نور الباب .. ضحك الاثنين على بعضهما .. لم يكن حسام قد رآها من قبل ترتدي الزي التقليدي للنساء .. وهي كذالك .. ظلت تتفحصه .. وهو يقف ممشوق القامة أمامها .. كان يرتدي قميصا اسود اللون مع إزار يسمى بالمعوز .. لقد كان وسيما جدا .. وذلك اللون الأسود الذي يرتديه كان يزيد من جاذبيه بشرته السمراء .. طلت رهف من الحجرة برأسها بعد أن شعرت بصمتهما .. ثم قال بمرح :
- حسام .. حتى أنت ارتديت الزي التقليدي ؟.
جاءت الأم على حديث رهف .. وتقدمت منه لتسلم عليه .. فقبلها على رأسها بأدب :
- فليباركما المولى .. وليحرسكما من كل عين حاسده .
ابتسم العروسين بحياء .. ثم فجأة دخلت رهف إلى الحجرة وجاءت بالكاميرا .. لكي تلتقط لهما صوره .. بعد ذلك نظرت بريبه إلى حسام .. وتساءلت بقلق .. وهي تراه خالي اليدين :
- أين هو فستاني .. الم يجهز بعد ؟.
خبط حسام جبينه بيده برفق وأجابها بحياء :
- لقد نسيته في السيارة .. سأحضره حالا .
ضحكت رهف عليه وقبل أن تعلق مازحه .. أشارت لها نور بعينيها كي تكف .. فهي تدرك مدى خجل حسام .. ظلت نور تنتظره ودخلت رهف والأم إلى الحجرة .. عندما رأته أسفل الدرج .. استوقفته كي تنزل هي لأخذ الفستان .. نزلت بسرعة وعند الدرجة الأخيرة كادت تسقط فتلقاها هو بين ذراعيه .. ابتعدت من حضنه بحياء .. فحدثها مازحا :
- هل تسعين لتشويه عروستي ؟.
زاد احمرار وجنتيها .. فاقترب منها أكثر وهمس في أدنها .. وهو يضع الفستان بين يديها :
- هذا ما كنت أود رؤيته قبل أن اذهب .
ثم اختطف قبله سريعة من خدها وهو يودعها مازحا :
- تصبحين على خير صغيرتي .. ولتحلمي بي .
خرج حسام دون أن ينتظر ردا منها .. وكانت هي تحاول أن تتمالك نفسها .. وتهدئ ذلك الصخب الصادر من قلبها .. صعدت الدرج بفكر شارد .. وكأنها تحت تأثير المخدر .. وعندما دخلت الحجرة اختطفت رهف الفستان منها لتقيسه .. فحمدت الله انشغال رهف عنها .
في تلك الليلة هجر النوم عينيها .. ظلت تفكر بحسام .. وبتلك الأحاسيس الجديدة التي يشعرها بها .. ذلك الاضطراب اللذيذ الذي يدغدغ مشاعرها بلطف كلما اقترب منها .. أو همس في أذنها .. رفعت أناملها لتتحسس خدها .. ثم ابتسمت بحياء وهي تحاول طرد تلك الأفكار من رأسها .. كم هي حمقاء .. لا يمكن أن تدع هذه الأحاسيس الغريبة تسيطر عليها .. فمؤكد أن حسام مثلما هو .. يسعى دوما لإدخال الفرح إلى قلبها .. بكلامه الرقيق وبهالة الحب التي يرسمها حولها ..
استيقظت بكسل بعد أن عانت الأرق في الليلة الماضية .. كان هنالك جو كئيب يعم البيت .. فاليوم آخر يوم لها في بيتها الحبيب .. كانت تحاول تحاشي النظر إلى عيني والدتها .. ولكن عندما جاء حسام بعد أذان العصر لأخذها لصالون التجميل .. وحانت لحظه الوداع .. أحست نور بيد قاسيه تعتصر قلبها .. وخنقتها العبرات .. سلمت على كل المتواجدين في البيت بدموعها الصامتة .. حتى الخال نبيل أحست بأنها ستشتاق إليه .. وحينما احتضنتها والدتها .. كانت تود لو تصرف عمرها كله في صدرها الحنون .. خرجت من البيت بصعوبة .. وظل حسام يرمقها بصمت وهي تجفف دموعها .. لم يكن بحاجه لسؤالها فهو يدرك كل الانفعالات التي تمر بها ..
رغم كل الحزن الذي تحسه .. لكنه كان يوما جميلا .. كانت هي كالملاك الطاهر بذلك الثوب الأبيض الطويل .. وتلك الطرحة التي تغطي وجهها .. لقد رأت جمالها في مرآه عيني حسام .. عندما رفع لها طرحتها وقبلها على جبينها .. من ثم دخلا لقاعه الاحتفال على أنغام هادئة .. شعرت بجو مريح يغمر المكان .. مما زادها هدوء .. وفي منتصف الطريق حلقت عليهما شله من الصديقات وبدأن بزف العروسين بأغاني عدنيه ..
كان الخجل يتملكها .. خصوصا عندما أصرت رهف أن يرقص العريسين قبل مغادرة حسام للقاعة .. وقامت متغطية كليهما بطرحة نور الطويلة .. كانت تدرك مدى حياء حسام .. فراحت تبتسم له وتحدثه مازحه :
- أنت تتعرض لكل أصناف العذاب بجانبي .
ضحك لقولها ورد عليا وهو يقربها منه :
- ولكني لم اشتكي .
قبلها على جبينها قبل أن يغادر القاعة .. أكلمت نور الاحتفال وهي تشعر بسعادة لرؤيتها لفرحه أحبتها .. انقضاء السهرة بسرعة بالغه .. أو هكذا هيئ لنور .. وفي منتصف الليل كانت في بيتها الجديد .. رافقتها والدتها وبعض النسوة من الأهل والأصدقاء .. ثم ودعوهما بعد أن أطمئنوا عليهما .. ظلت نور تقف بقلق في حجره النوم تنتظر حسام الذي رافقهم إلى باب المنزل ..
كانت ترهف السمع إلى ما يدور بجانب الباب من أحاديث .. وتشعر باضطراب في جميع حواسها .. ثم تزايد وقع نبضاتها مع وقع خطوات حسام المقتربة نحوها .. حاولت أن تذكر نفسها بشكليه هذا الارتباط .. وبإخوة حسام المؤكدة لها .. لكن دون جدوى فذلك القلب الهائج يأبى أن يفهم ذلك ..
اقترب منها حسام بهدوء .. وطوقها من الخلف بذراعيه .. احمرت وجنتيها وسرت رعشه خفيفة في بدنها عندما شعرت بدفء جسده وهو يشدها برفق نحوه صدره العريض .. ثم اخذ نفسا عميقا من ذلك العبير المنبعث من خصلات شعرها الأسود .. وهمس في أذنها بصوت يملؤه الشغف :
- احبك .