كاتب الموضوع :
my faith
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
(8)
صراع
تساءلت نور وهي تحاول السيطرة على ضحكتها :
- هل تمزح يا حسام ؟!.
- وما الذي يدعوني للمزح صغيرتي ؟.
صمتت نور والمرح ينطفئ بداخلها .. بعد أن أدركت مدى جديته وهو يحدثها بصوته العميق والهادئ .. كانت عينيه الصافيتين تخصانها بتلك النظرة الغريبة .. والتي لم تتعودها منه .. لكن على غرابتها كانت نظره لطيفه جدا .. إنها تدرك مدى حب حسام لها .. وتعلم جيدا كيف يراها هو دون الجميع .. جعلها إحساسه الصادق تختبر مشاعر عنيفة لا عهد لها بها من قبل .. جعلها تحس بأنه لم ينظر لأي فتاة من قبل بتلك الطريقة .. وهذا كان كفيلا بتسارع نبض قلبها .. حاولت جاهده أن تهدئ ذلك القلب الهائج دائم التمرد عليها .. فهي تستغرب سبب عصيانه هذه المرة .. طال صمت نور .. ولم تشعر بذلك إلا عندما عاود حسام الحديث :
- صغيرتي .. بماذا تفكرين ؟.
- أنا .. أنا ..
لم تكن تجد كلمات مناسبة لتعبر عما يختلج بداخلها من مشاعر .. اكبر من قدرتها على الاستيعاب .. كيف تستطيع تقبل هذا الإحساس الجديد الذي يشتعل في عيني حسام .. كيف تقوى على تحويل تلك الأخوة .. إلى رباط مقدس يجمعهما مدى الحياة .. لا .. لا .. إنها لن تقدر أبدا أن تتخلى عن علاقة الأخوة المتينة التي تشدهما لبعض .. نظرت لعيني حسام .. ولكنها سرعان ما حولتهما بعيدا .. بعد أن حركت تلك النظرة المميزة بداخلها الكثير من الأحاسيس .. والتي لا تستطيع تفسير معظمها .. ولكن أقواها كان شعور الحياء .. مؤكد أن الحمرة علت وجنتيها .. مما جعل حسام يبتسم بمرح :
- هل تعلمين أنني أحب هذا اللون الذي يزين وجنتيك ؟.
لم تعد وجنتيها فقط من تتزينان بالحمرة .. كانت تعتقد أن ابتسامة حسام ستتحول إلى قهقهة جراء حماقتها وذلك الخجل الذي يلفها .. ولكنها رأت الحزن يسكن بين عينيه فجأة .. وهو يحدثها بصوت خافت يغلفه الأسى :
- أنا لم اعد استطيع الاحتمال أكثر من هذا .
ظلت نور تلوذ بصمتها .. وأردف حسام بنفس تلك النبرة الخافتة وهو يطالع ذلك البحر الهادئ بحزن :
- لن أرضى أبدا .. أن أتخذ دور المشاهد بعد الآن .. كيف استطعت أن أرى صغيرتي تعاني واقف مكتوف اليدين .
حول حسام نظره نحو نور الشاردة متسائلا :
- صغيرتي .. هل تثقين بي ؟.
هزت نور رأسها بالإيجاب بسرعة بالغه دون تفكير منها .. مما جعل حسام يبتسم من جديد وهو يقنعها :
- إن ارتباطنا ضروري جدا .. وخاصة في مثل هذا الوقت .
كانت نور تشعر بالحيرة أمام ذلك الإصرار .. وتلك الأحاسيس الفياضة التي يغمرها بها .. فراحت تستنجد به قائله بحيرة :
- حسام .. ولكن .
- لكن .. ماذا صغيرتي ؟.
كانت الأحرف تتساقط في مخيلتها كلما فكرت بجملة تصف ما تشعر به الآن .. عاد حسام يلح عليها متسائلا :
- افهميني يا نور .. أنا لن اسمح أبدا أن يتحكم احد بمستقبلك وبقراراتك .. هل تعتقدين أنك ستخلصين من ظلم الخال نبيل .. أو أن تجاهلك لمرضك سيعمل على شفاءك .
بثت كلماته الحزن المنسي إلى قلبها الصغير .. وعاودها الشرود وهي تنظر إلى ذلك البحر الجميل الذي لا يزال يؤدي رقصته الرومانسية تحت خيوط القمر الفضي المكتمل .. أتاها صوته العميق أكثر دفئاً :
- صغيرتي .. أنت ملاكي الناعم والذي أحب .. وسعادتك هي همي الوحيد ..
لا تعرف نور كيف هزتها تلك الكلمات .. وجعلت رعده غريبة تسري في أوصالها .. حاولت أن تتحدث ولكنه قاطعها محذرا :
- اعلمي أنني لن أرضى بأي رفض غير مبرر .
أخذت نور نفسا عميقا وهي تحاول تهدئه نفسها :
- أنت .. يا حسام .. أنت لا تعلم مكانتك بالنسبة لي .
- بلى صغيرتي أنا اعلم .. لهذا اطلب الارتباط بك .. لأنه سيسمح لك بكسر تلك القيود في حياتك .. وسيتيح لي رعايتك والاهتمام بك .. والأهم من ذلك سيمكنني من السفر بك إلى لندن للاطمئنان على صحتك .
كان حسام يدرك مدى الارتباك الذي تسببه كلماته لها .. فلطالما كان بارعا في قراءه تعابير وجهها ومعرفه كل ما يجول في خاطرها بمجرد رؤيته لتلك العينين السوداويين اللامعتان ببراءتها .. واللتان يعشقهما .. لذلك حدثها مطمئنا :
- لا تقلقي صغيرتي .. فارتباطنا هو مجرد ارتباط شكلي .. وسر سيجمع كلينا فقط .
هنا بدأت مشاعر نور تصفو وتتضح أمامها .. ولم يعد يسيطر عليها سوى شعور واحد دون سواه وهو الغضب :
- ماذا تقصد يا حسام ؟.
وقبل أن يجيبها .. سألته سؤال آخر :
- هل هكذا تراني .. إنسانة أنانية تقوى على تدمير حياة أحب الناس إليها .
أسرع يجيبها مبررا :
- ومن قال انك ستدمرين حياتي .. أنت حياتي يا نور .. صغيرتي .. إن كنت أود تكوين حياة خاصة لكان لدي أطفال يتنططون حولنا الآن .. ولكنك تعلمين بأني قد كرست حياتي للعلم .
- وهل هذا مبرر يجعلني أسلبك احتماليه عيشك حياة طبيعية ... خاليه من التضحيات .
ظلت ملامح الحنق تسيطر على وجهها .. فعاد يخبرها مقنعا :
- صغيرتي .. إن الشيء الوحيد الذي كان سيمنعني من هذا العرض هو رغبتك في الارتباط بإنسان آخر .. ولكن .. ألم تخبريني منذ قليل بأنك لا تودين الارتباط بأي شاب ؟.
أجابته باقتضاب وهي وشعورها بالحنق لا يفارقها :
- بلى .
- إذا ما الذي يمنعك من الارتباط بي ؟..
رفعت حاجبيها وهي تقول باستنكار :
- وهل يحق لي أن احكم عليك أنت بالمعاناة .. لا تجعلني اشعر أن أخوتك لي ذنبا تعاقب عليه يا حسام .
عادت تلك النظرة تشع من عينيه وهو يجيبها .. مما جعل ارتباكها أمام نظراته العميقة والمليئة بالأسرار يعاودها ويخلق مشاعر عنيفة بداخلها :
- ليته كان ذنبا .. وليتك عاقبتني به منذ زمن .. صغيرتي .
حاولت طرد حيائها .. وراحت تؤنبه :
- هل هذا وقت للمزاح ؟
ضحك حسام ورد عليها بسؤال آخر :
- وهل أنا بشع لهذه الدرجة ؟.
عبارته تلك جعلتها تضحك رغما عنها :
- يالك من شاب لحوح .. إن أي فتاة لن تقوى على رفض مطالبك .. ما أن تستخدم هذا الأسلوب .
تساءل بخبث هذه المرة .. والمرح يغزو وجهه الأسمر الجذاب :
- هل اعتبر هذا ردا بالموافقة ؟.
ابتسمت نور بحياء ووجنتاها تتوهجان من تلك الحمرة التي غزتهما فجأة .. كم تستغرب هذا الشعور الذي يجتاحها .. عندما تتخيل نفسها زوجه لحسام .. فهي لا تجد مبررا له .. وخاصة بعد أن أدركت شكليه هذا الارتباط .. وقف حسام فجأة وفتح لها باب السيارة مشيرا لها بالركوب .. تساءلت باستغراب :
- إلى أين ؟.
أجابها وفرحه العاشق عند لقاءه بمعشوقته .. ترن في صوته الدافئ :
- إلى والدتك .. حتى أطلبك رسميا منها .
ركبت نور بجانبه وهي تشعر بأن ما تمر به غير حقيقي .. وكأنها مجرد مزحه من قبل حسام للتخفيف عنها بعد كل ما عانته في يومها القاسي هذا .. ولكنها تدرك في قراره نفسها أن حسام على استعداد للقيام بأي شيء في سبيلها هي .. اختلست النظر إليه .. ثم غمرها شعور بالمرارة .. لطالما سببت له الكثير من المشاكل في إشراكه بكل تفاصيل حياتها .. ولكنها حقا ترفض التخلي عنه .. وكانت دوما تخشى اليوم الذي سيرتبط فيه وسيحتم عليها التخفيف من حدة تلك العلاقة الأخوية التي تربطهما .. والتي قد لا تستسيغها زوجته .. وها هي الآن تقدم على خطوه .. تسلب بها حياته الخاصة كليا .. أهكذا ترد لحسام كل ما قدمه لها من اهتمام ومشاعر صادقه ..
لم يطل تفكيرها .. فلقد أصبحا الآن في بيتها .. دخلت هي مباشرة إلى حجرتها .. وهي ترهف السمع لما يدور في الحجرة المجاورة لها .. والتي يجلس فيها حسام برفقه والدتها والخال نبيل .. بالطبع لم تستطع سماع الكثير .. إلا صوت الخال نبيل والذي يزعج أذانها .. كانت تشعر بقلق غريب .. وكأنه قلق عروس تخاف رفض أهلها لحبيب العمر .. بعد فترة سمعت حسام يودعهما على الباب .. وفهمت من توديع الخال نبيل المبالغ به لحسام بأنه سيبارك هذه الزيجة .. فحسام وإن كان لا يوازي ذلك العريس من الناحية المادية .. إلا إنه يندرج في قائمة الخال نبيل للعريس المناسب لها ..
ما هي إلا ثواني حتى جاءت والدتها حياة والفرحة ترقص في عينيها احتضنتها بحب بالغ وبفرحه صادقه .. وهي تبارك لها وتقبلها في كل أنحاء وجهها :
- مبروك .. مبروك يا حبيبتي .. إني حقا سعيدة لهذا الارتباط المبارك .
كادت نور تفلت دمعتها .. من تلك المشاعر الطيبة التي تشع من والدتها .. وبعد أن قالت لها بحنان :
- الآن استطيع الاطمئنان عليك .. بعد أن ارتبطت بالنسخة المصغرة لأباك حسام .
رن هاتف نور لينقذها من ذلك الموقف الحساس المليء بالمشاعر .. اختطفت حياة الهاتف بعد أن علمت بهويه المتصل .. وفتحته ثم أطلقت زغرودة عاليه .. قبل أن تلقي السلام .. انفجرت رهف ضاحكه من تلك الفعلة ثم تساءلت بفرحه :
- ما هو سبب تلك الزغرودة يا خاله حياة ؟.
- وكيف عرفت بأنني لست نور ؟.
- لأن نور لا تعرف كيف تزغرد .
أجابتها الخالة حياة بمرح :
- كما أن العروس لا تزغرد لنفسها .
كادت رهف أن تشارك والدته نور فرحتها .. ولكنها سرعان ما تساءلت بحيرة :
- هل وافقت نور على ذلك العريس ؟.
- لا يا حبيبتي بل هو عريس آخر .. وأفضل بكثير .
تساءلت رهف بحماسة :
- من ؟.
- أنه حسام .
- حسام ابن العم صلاح ؟.
- نعم هو بعينه .
كانت نور تبتسم لتلك الفرحة التي تتخلل صوت والدتها .. ثم أخذت الهاتف منها بعد أن ودعت رهف .. وغادرت الحجرة لتعد العشاء وتسكت ذلك الصخب الصادر من زوجها الجائع :
- مرحبا يا رهف .
أطلقت رهف زغرد أخرى ملئ صوتها .. ما أن سمعت صوت نور على الهاتف .. فتساءلت نور بمرح :
- هل أصبتي بالعدوى من والدتي يا رهف .
- حبيبتي ألف مبروك .. لقد أسعدني هذا الخبر كثيرا .. ربي يبارك في أيامكما معا يا نور .
انطفأت الفرحة بداخل نور وتساءلت حزن :
- ألم تستغربي هذا الخبر يا رهف ؟.
كانت مشاعر نور تصل رهف دون أن تراها .. فالحب الذي يجمعها لا يستطيع حجب إحساسهما القوي ببعضهما .. فراحت تجيب بثقة :
- لا .. لم استغرب .. وأحببت كثيرا هذا الخبر .. والذي كنت ارجوا حدوثه منذ زمن .
- وسامح ؟.
لا تدري كيف تجرأت وأطلقت بعض ما يشغل تفكيرها .. إنها لا تستطيع أن تخفي عن رهف شيئا .. ولكن هنالك أشياء بالمقابل لن تقوى على البوح بها لمخلوق .. كإصابتها بذلك المرض النادر .. و ارتباطها الشكلي بحسام .. ردت رهف بصوت هادئ .. محاولة التخفيف من حيرة نور :
- نور .. لا تجعلي حبك القديم والمراهق .. يعمي عينيك عن حب حسام الحقيقي والصادق لك .
تنهدت نور .. لابد انه ما من شخص سيستطيع فهم ما تعانيه .. أغلقت الهاتف بعد أن عاودت رهف مباركتها .. وودعتها بحماس لكي تنقل ذلك الخبر السعيد لأسرتها ..
لجأت نور لسريرها الصغير .. واحتضنت وسادتها .. كانت تدرك أن النوم سيخاصمها هذه الليلة فما مرت به من أحداث مؤكد كفيله بذلك ..
أفلتت لتلك العبرة الحارة التي خنقتها طويلا .. ثم مسحتها بسرعة وهي تصف نفسها بالحمقاء .. لماذا تبكي هل هي دموع فرحه .. فرحه ارتباطها بهذا الإنسان المتميز .. حسام .. كم هي محظوظة بوجوده في حياتها .. وكم هو قادر على تأجيج مشاعر الحب بداخلها يوما بعد يوم .. في تلك اللحظة شعرت باحتدام ذلك الصراع بداخلها .. صراع نشب في قلبها الصغير .. قلب سجين مشاعرها المضطربة .. مشاعر ألم وقهر على ذلك الحبيب المرفوض .. بسبب ظروف اكبر منها .. ومشاعر جديدة لم تعد تستطيع تسميتها اتجاه حسام .. ذلك الأخ الحنون .. الذي لطالما ساندها .. عاودتها المرارة وهي تشعر بمدى فداحة القرار الذي اتخذته هذا اليوم .. إن كانت قد قرر أن توئد قلبها بداخلها .. ما ذنب حسام في أن تحكم عليه بنفس المصير ..
-----------------------
في منزل العم صلاح .. جمع حسام والديه حتى يخبرهما بقراره .. حدثهما بصوته الهادئ الرزين :
- لقد أردت أن أخبركما بأمر .
تساءلت الخالة هدى بقلق :
- خير يا حبيبي .
ابتسم لها بود .. ثم وجه حديثه لكليهما :
- لقد نويت أن أتزوج .
- أحقا ما تقول يا حسام .
كانت الأم هي الأسبق أيضا بالرد .. ثم أردفت بحماسة :
- سوف اختار لك أفضل عروس .
- في الحقيقة يا أمي لقد قمت باختيارها بنفسي ... ولقد خطبتها اليوم أيضا بعد إذنكما .
هنا تحدث الأب بما يشبه الغضب :
- كيف تقوم بعمل مثل هذا يا حسام .. ألا يوجد لديك والدين لتستشيرهما ؟.
رد عليه حسام بهدوئه المعتاد .. محاولا التخفيف من حدتهما .. بعد أن أحس بخيبة أملهما :
- اعذرني يا أبي أنا اعلم أن تصرفي غير مبرر .. ولكني على يقين من مباركتكما لفتاتي .
تساءلت الأم :
- ومن تكون ؟.
- إنها نور .. ابنه عمي حسام .
وقفت الأم كمن لدغتها حية .. وهي تصرخ :
- هل جننت يا حسام ؟.
كان حسام يتوقع رد فعل مشابهه من والدته .. لذلك لم يتوتر وظل قلقا من صمت والده الذي لا يستطيع توقع رده .. أجاب والدته بنفس تلك النبرة الهادئة :
- وهل تعد رغبتي بالزواج جنوناً ؟.
- أنت تدرك يا حسام مقصدي .
أغمض حسام عينيه بضيق وهو يحاول تهدئه نفسه .. فهو يدرك أن والدته على رغم رفضها لارتباط ولدها المدلل سامح بنور .. إلا أنها أيضا ترفض ارتباطها بغيره .. عاودت الأم صراخها قائلها :
- كيف تجرأت يا حسام .. كيف تجرأت على طعن أخاك في ظهره ؟.
- لماذا تصرخين يا أمي ؟.. وما هذا الكلام الذي تقولينه ؟.
التفت الثلاثة إلى سامح الذي كان يقف بانتظار إجابة لتساؤلاته .. واجهه حسام بنظرات باردة وقطع الصمت الذي لف الجميع :
- لقد كنت اخبرهم باني أقدمت على خطبه نور .
للحظه شعر حسام أن سامح لم يسمعه .. ولكنه تساءل أخيرا :
- نور من ؟.
- نور ابنه العم حسام رحمه الله .
عقد سامح حاجبيه وهو يمعن بالتفكير وينظر لحسام بنظره اتهام .. ثم قال بحده :
- هل هذا هو سبب رفضها لي ؟.
لم يجب حسام .. فتقدم سامح من أخاه الأكبر والذي وقف لمقابلته :
- منذ متى يا حسام ؟.
لم تكن تفصل بين الأخوين سوى سنتيمترات معدودة .. ولكن حسام ظل محافظا على هدوءه وهو يرد على السؤال بسؤال أخر :
- منذ متى ماذا ؟.
هنا صرخ سامح بحرقه :
- منذ متى وأنت تخدعني مع تلك الخائنة ؟.
اشتعل الغضب في عيني حسام .. بعد أن مس حديث أخاه صغيرته الغالية .. وأجاب مهددا :
- إياك أن تذكرها بسوء مره أخرى يا سامح .
اقترب سامح منه أكثر وهو يتساءل ساخرا وبشكل مستفز :
- وماذا ستفعل ؟.. هل ستضربني ؟.
في تلك اللحظة .. حاول سامح أن يوجه لكمه لكتف أخاه .. ولكن حسام امسك قبضته بقبضه اقوي :
- إن اضطررتني لذالك .
صرخ الأب صلاح محذراٍ كليهما :
- إن كنتما تنويان العراك .. فليكن خارج بيتي .
انتزع سامح قبضته بعصبيه .. ثم خرج والأم في أعقابه .. لم تفلح دموعها ولا توسلاتها له بإبقائه .. وبعد أن خرج وصفع الباب خلفه .. عادت لتصب جام غضبها على حسام قائله :
- اعلم بأنك السبب .. وان حدث لولدي شيء .. لن أسامحك يا حسام .
ضغط حسام على أسنانه بعصبيه .. لقد كان يدرك أن رغبته ستنشب ذلك الصراع في بيته الهادئ .. وبالرغم من يقينه من صحة ما يقوم به .. ورفضه بان يتنازل عن صغيرته الرقيقة .. إلا أن ما يسببه من الم لوالدته يزعجه كثيرا .. نظر حسام لوالده وكأنه يستأذنه .. ثم هم بالخروج .. استوقفه والده :
- إلى أين يا حسام .. أنا لم أعهدك بهذا الضعف .
- سأبات في العيادة .. فيبدوا أنني أصبحت غير مرحب بي في هذا البيت .
تقدم والده منه وأمعن النظر في عيني ابنه الحزين .. ثم أنبه قائلا :
- هذا بيت أباك .. ولن يغلق أبوابه أبدا في واجه أحدكما .
تنهد حسام محاولا التخفيف من ذلك الضيق الذي يتملكه .. ثم تساءل بقلق :
- هل تؤيدني يا أبي في ما قمت به هذا اليوم ؟.
صمت الوالد لبرهة جعلت قلق حسام يشتد .. ثم أجابه أخيرا :
- لما لا نؤجل هذا الحديث للغد .. ولتحضر نور إلى هنا .. فانا مشتاق إليها .
احترم حسام رغبه والده في لقاء نور .. ثم استأذنه كي ينفذ رغبته هو في المبيت بالعيادة ..
------------------
في المساء كانت سيارة حسام تقف أمام بيت نور .. منتظرا إياها بعد أن اعلمها برغبة والده للقائها .. كانت نور تشعر بالتوتر طيلة النهار .. وكانت تحوم في أرجاء البيت دون هدف .. وبفكر شارد .. إلى أن سمعت صوت سيارة حسام .. وخرجت مسرعه كي لا تؤخره .. صعدت بجانبه فابتسم ما أن شعر بارتباكها :
- كيف أنت صغيرتي ؟.
بادلته نور بابتسامتها البريئة التي تنير وجهها الملائكي :
- بخير .. وأنت ؟.
كان حسام يزيد من ارتباكها .. ويجعل نبض قلبها يضطرب .. وهو يتأملها بنظراته الخاصة .. والتي تشعرها بغرابته .. أجابها وهو يحرك السيارة :
- لقد أصبحت الآن على خير ما يرام .
ضحكت نور وتساءلت بجديه :
- ألست خائفا ؟.
- ولما أخاف .. وصغيرتي بجانبي ؟.
عادت تحثه قائله :
- أنا جادة يا حسام .. ألا يوجد شيء يجعلك تشعر بالخوف ؟.
نظر لها والصدق ينطق من عينيه قبل شفتيه :
- أخاف أن أخسرك صغيرتي ؟.
كانت جملته هذي كفيله بزيادة قلقها .. وجعلتها تتذكر مرضها المنسي .. هل يمكن أن يسبب مرضها خسارة حسام وكل أحبتها لها .. هل من الممكن أن يكون هذا مقصده .. وأنه كان يبسط لها حقيقة مرضها ليطمئنها كعادته .. ظلت صامته .. طيلة الطريق .. وهي تحاول أن تتغلب على مشاعر الرهبة التي تتملكها .. كانت تدعو الله أن لا يكون سامح في بيت عمها .. ولم يكن لها سبب مفهوم لتلك الدعوة .. ولكن هكذا كان شعورها ..
عندما دخلت البيت .. كان عمها في استقبالها .. وقال لها معتذرا بعد أن رحب بها :
- إن عمتك هدى تعاني التوعك .. لذلك هي نائمة في حجرتها .
ابتسمت له نور .. وهي تدرك بداخلها .. أنها أصبحت الآن عدوه رسميه للخالة هدى .. رغم المرارة التي تشعر بها .. إلا أنها لا تستطيع لومها على ذلك .. فهي الفتاه الشريرة التي ستفرق بين الأخوين .. بعد أن سألها العم صلاح عن صحتها وكل الأمور الاعتيادية .. نظر لها بجديه :
- هل أنت مرتاحة لارتباطك بحسام يا نور ؟.
كان سؤاله مفاجئا .. كما انه أعاد لها ارتباكها .. وجعل وجنتيها تحمران خجلا .. فابتسم عمها لرؤيتها كذلك .. وتقدم ليجلس بجانبها .. ثم احتضنها بحب :
- يا ابنتي الحبيبة .. هل تدركين يا نور مدى قربك إلى قلبي .. إن حبي لك لا اشعر به حتى اتجاه ولداي .
أثارت تلك اللحظة المشاعر بداخلها .. وامتلأت عينيها بالدموع .. فمسح بإصبعه تلك الدمعة الوحيدة التي افلتتها :
- أنا لا ارجوا من هذه الدنيا سوى الاطمئنان عليك يا حبيبتي .. وأنا لا أنكر أن ارتباطك بولدي حسام يسعدني كثيرا .. ويجعلني أقابل أخي بقلب ملئه بالرضى ..
ذكر والدها جعلها تفلت مزيدا من دموعها .. فضمها إليه بحنان بالغ .. وقبلها على رأسها قائلا :
- لكن يهمني أيضا أن تكوني راضيه .. ومتأكدة من قرارك هذا يا نور .
نظر إليها ممازحا .. وهو يشير لحسام الذي كان ينظر لهما وألم نور يرتسم في ملامحه :
- هل أنت راضيه .. أم تودين أن ابحث لك عن زوج أفضل من هذا الولد الشقي ؟.
ضحكت نور من خلال دموعها .. فعاد العم وقبلها على جبينا :
- فليبارك الله لكما يا ولداي الحبيبان .. ولتغمر السعادة أيامكما القادمة معا .
وقف حسام ليقبل يد والده .. وكذلك فعلت نور .. ثم استأذن الاثنان ..
عند الباب كانت نور تعدل من وضع حجابها وهي تنظر إلى الأرض لتداري دموعها .. لكن حسام رفع رأسها بأنامله .. ومسح تلك القطرات الندية على وجنتيها باليد الأخرى :
- وأنت معي لا يسمح لك أبدا بالبكاء .
ابتسمت نور ثم ردت عليه مشاغبه :
- هل بدأت بسن القوانين منذ الآن ؟.
هز رأسه بالإيجاب .. فتشارك الاثنان الضحك .. في نفس تلك اللحظة سمعا مفتاحا يدور في قفل الباب .. ليظهر أمامها آخر شخص كانت تود مقابلته .. كان ذلك الشخص هو سامح .. يقف قبالتهما .. ويرشقهما بنظره حادة .. كانت نظرته تكشف عن ذلك الغضب الذي يستعر داخل صدره .
|