(7)
عرض
عندما عادت نور إلى منزلها .. توجهت مباشرة إلى الحمام لتستحم وتجعل المياه الباردة تخفف من سخونة جسدها جراء حرارة الصيف .. وحرارة مشاعرها المتضاربة .. من ثم لجأت لسريرها الناعم هربا من كل مشاكلها .. حاولت أن تطرد كل الأفكار من رأسها .. وأن تنام بذهن خالي من الهموم ..
كانت نور تشعر بإرهاق شديد بعد كل ذلك التوتر الذي عانت منه خلال يومها .. فلم يستعصي النعاس عليها .. وسرعان ما غرقت في نوم عميق يشوبه الكثير من الأحلام الغير مفهومة ..
لقد رأت نفسها وكأنها عروس في حفل من دون عريس .. وكانت بالحلم تبحث عن عريسها بقلق بين ذلك الكم الهائل من المدعوين .. وبين الجموع لمحت سامح يبتسم لها بحب ثم يدير ظهره .. ويختفي .. ظلت تركض ورائه والدموع تغرق عينيها .. كانت تصرخ به :
- أنا هنا يا سامح .. لا تتركيني وحيدة .. لما لا تراني ؟..
إلى أن وقعت على الأرض بيأس .. أحست بيد تطوق خصرها.. وتوقفها على قدميها .. أمعنت النظر في ذلك الشخص لتجد أنه والدها الحبيب .. كم سعدت برؤيته في حلمها واحتضنته بشوق شديد .. ظل والدها يربت عليها بحنان بالغ دون أن يحدثها بشيء .. من ثم أخذها من يدها إلى حجرة منعزلة .. لتجد أن حسام يقف هناك بانتظارها والحزن يرتسم على ملامحه بوضوح .. تقدمت منه بخوف .. ولا تدري كيف اختفى والدها .. ولكنها كانت مشغولة بذلك السر الذي يخفيه حسام عنها .. أخذ يديها بعطف وكأنه يخشى على أناملها الرقيقة أن تتكسر بين يديه .. ثم قال لها :
- نور .. صغيرتي .. لقد أخفيت عنك هذا طويلا وحان الوقت لكي أخبرك بحقيقة مرضك ..
في تلك اللحظة بالذات .. نسيت نور كل شيء .. نسيت العرس الذي يفتقر للعريس .. المدعوين .. ذلك الحبيب الهارب .. وأباها العائد .. كانت لا تسمع إلا وقع نبض قلبها .. أخبرها حسام وهو ينظر بألم إلى عينيها السوداويين الجميلتين .. وكأنه يشفق عليها قسوة هذه الحياة ولكنه نطق أخيرا :
- نور أنت مصابة بـ .......
كانت نور ترى شفتيه تتحركان لكن دون أن تسمع كلمة واحدة .. كان صوت قلبها يتعالى ويطغى على كل صوت سواه .. وكلما تزايد النبض أصبح أقرب إلى لحن ثم إلى أغنية ..
كانت تلك الأغنية صادرة من هاتفها المحمول .. والذي كان سببا باستيقاظها قبل أن يفصح لها حسام عن حقيقة مرضها بالحلم .. زفرت نور بضيق .. لقد كانت تأمل نسيان كل أحداث أمسها ولكن يبدو أن الأحلام .. لم توافقها الرأي .. أخذت الهاتف بكسل .. وأجابت بصوت ناعس وعينين مغمضتين :
- مرحبا .
- نور .. حبيبتي .. كيف حالك اليوم ؟.
- أنا بخير يا رهف لا تقلقي عليّ .
- هل جد شيء منذ الأمس ؟.
- لا .. ولكني قررت تجاهل الأمر مؤقتا ..
كانت نور تجيبها بخمول .. فقالت لها رهف بهدوء :
- نور هل استيقظت أم أنك تهلوسين ؟.
ابتسمت نور .. وأجابتها بصوت خامل :
- لا أنا مستيقظة ما بك ؟. هل حدث شيء ما معك ؟.
- نعم .. لقد علمت أن النتائج قد ظهرت في الكلية .. وفكرت بأن أخبرك حتى تذهبي لتريها .
هنا قفزت نور من على السرير .. وهي تصرخ :
- حقا .. لما لم تتصلي بي قبل هذا الوقت ؟.
- اهدئي أنا لم أعلم سوى الآن ..
- حسنا .. أنا سأذهب لأراها وسأطمئنك فور وصولي .
أغلقت الصديقتان هاتفيهما والهواجس تتسلل إلى قلبيهما .. أسرعت نور في تحضير نفسها .. ثم خرجت مسرعة تسابق الدرج .. وهي تخبر والدتها بأن النتائج قد ظهرت .. شيعتها حياة بدعوات صادقة بالتوفيق .. وبأن يطمئن الله قلبها ..
ما هي إلا لحظات حتى كانت نور بين مجاميع الطلبة الذين يحاولون تفقد علامتهم .. سرعان ما اندست بينهم .. وبدأت تنقب عن اسمها واسم رهف .. لقد نجت الاثنتان بتقييمات متفاوتة بين الامتياز والجيد جدا والجيد وحتى المقبول .. ففي كليتها كان الطلبة يخافون الفشل ولا ينشدون الامتياز إلا نادرا .. فكل هذا يعتمد على أساتذة الكلية وأساليبهم المتعددة ومزاجيتهم في التصحيح ..
كانت نور فرحة كثيرا .. وحين همت بالاتصال برهف وجدت أن هاتفها يرن :
- مرحبا .. يا رهف ألم تستطيعي الانتظار حتى أتصل بك ؟.
- مؤكد لا .. هيا .. أخبريني ؟.
أجابتها نور باستهتار :
- بماذا ؟.
صرخت رهف مازحة :
- نور .. لا تجعليني أغضب منك .
ضحكت نور بفرح وهي تجيبها .. لقد كانت سعادتها كبيرة جدا لدرجة أنها للحظة نسيت كل همومها :
- حسنا .. حسنا .. لقد نجح كلانا وبتقديرات جيدة جدا .
أطلقت رهف تنهيدة حارة .. وردت عليها وهي تشاركها فرحتها :
- آه .. حمدا لله .. مبروك يا نور .
- مبروك يا رهف ..
ضحكت الصديقتان مرة أخرى .. من ثم تبادلا كلمات الوداع .. وأغلقت نور هاتفها متوجهة إلى باب الخروج في الكلية ..
في ذلك الحين رأت سامح يقف في أحدى الأركان .. وكأنه ينتظر أحدهم .. ولكنها أدركت أنها هي المعنية عندما تقدمت منه أكثر ورأته يركز عينيه عليها .. كانت نظرته سببا في برودة يديها .. فكرت أن تتجاهله .. ولكنها عزمت على أن تذهب وتطمئن عليه .. وتدع الأمور تمر ببساطة بينهما .. كان وجهه يعلوه أمارات حزن مكتوم .. مما جعل القلق يتسلل إليها فحدثته بحيرة :
- سامح .. هل ظهرت نتائج امتحاناتك ؟.
- نعم .
- وهل كانت مرضية .
هز رأسه مطمئنا :
- نعم .. لا تقلقي .
ظل يتفحصها مما زاد ارتباكها .. وجعل نبض قلبها يتعالى .. وكأنه يعلن عدم قدرته على مواجهة تلك العينين البنيتين .. سألها هو هذه المرة :
- وكيف كانت نتائجك أنت ؟.
حاولت أن تحدثه ببساطة متجاهلة كل ما تمر به من توتر لأحاسيسها بقربه :
- الحمد لله .. لقد كانت مثلما توقعت تماما .
هز رأسه وهو يحاول انتزاع ابتسامة من شفتيه .. لقد بدأ حزنه هذا يقلقها .. فعادت تسأله :
- سامح .. هل بك شيء ؟.
- هل يمكنني أن أحدثك قليلا ..
- نعم .. بالطبع .
سارت بجانبه .. ليجلسا في ساحة الكلية .. كانت الكلية شبه فارغة .. فكل الطلبة المتواجدين .. متجمهرين أمام لائحة نتائج الامتحانات .. ظل هو صامتا فترة من الزمن وكانت تنظر إليه بتوجس .. وهي تراه يغالب نفسه حتى يبدأ الحديث .. فشرعت هي بالحديث أولا :
- ماذا هناك يا سامح .. لقد بدأت تقلقني ؟.
أبتسم لها مطمئنا ثم أجاب :
- هل يمكنني أن أتحدث معك بصراحة يا نور ؟.
لا تدري لماذا كلمته هذه زادت من توتر أعصابها ولكنها ردت عليه بهدوء :
- تحدث بما تريد .
- هل تحبينه ؟.
نظرت إليه باستغراب شديد متسائلة :
- من ؟!.
- ذلك العريس الذي تقدم لك ؟.
- ومن أخبرك بذلك ؟.
- لقد سمعت حسام يحدث أبي عنه .
- آه .
لم تكن تجد كلاما آخراً تقوله له .. وكانت تحاول منع مشاعرها من الهيجان .. فهي تشعر بجرح عميق في قلبها .. يسهل على أي شخص أن يدميه .. سمعت سامح يسألها بحدة :
- هل ستوافقين عليه ؟.
أخذت نفسا عميقا ثم نظرت له تتصنع الاستخفاف :
- وما الذي يجبرني على الإجابة ؟.
- لقد وافقت على أن نتحدث بصراحة .
ظلت صامته وقد بدأ الحزن يتسلل إلى قلبها .. فتساءل بإلحاح :
- أرجوك .. أجيبيني يا نور .
- هل لي أن أعرف أولا بأي صفة تسألني ؟.
- وهل يفرق ذلك ؟.
- نعم .
- إذا قلت أنني أسالك كابن عمك .. وصديقك القديم ؟.
أطلقت نور تنهيدة أخرى .. محاولة إبعاد هذا الضيق الذي يتملكها .. وأجابته بصوت خافت وهي تنظر إلى الأسفل :
- أنا حقا لا أعرف إن كنت سأوافق أم سأرفض .. فأنا لا أجد سببا يجعلني أقوم بأحد الخيارين .
هنا تغيرت نبرة سامح .. وأصبحت أكثر شجنا .. وتحمل الكثير من الصبابة في طياتها :
- وإذا قلت بأنني أسألك كحبيب .. لا يقوى على رؤيتك تضيعين من بين يديه ؟.
رفعت نور نظرها إليه والدهشة تعلو ملامحها البريئة .. وكانت تحوم بعينيها على قسمات وجهه الأبيض الوسيم .. محاولة أن ترى ثغرة تكشف بها كذبة .. ولكن محاولاتها باءت بالفشل .. فعينيه توحيان بمدى صدقه .. خفضت نور عينيها مرة أخرى .. وهي تحاول ابتلاع تلك الغصة التي تخنقها .. ولا تدري كيف استطاعت كلماته أن تجعل الدمع ينبثق من عينيها .. فأجابته بصوت مهزوز :
- لماذا تقول هذا الكلام .. ألا يكفي ما حدث بالأمس .. ألم يرضي غرورك بعد .
- أنا لا أريد إرضاء غروري يا نور .. أنت تعلمين أنني أحبك .. وأنني لطالما فعلت .
واجهته بعينيها الدامعتين :
- وبعد .
- ماذا تقصدين ؟.
- ماذا سيحدث بعد كل هذا الحب .. سنعود وندمره من جديد .
- لا .. لن يحدث ذلك .. وأنا أعدك .
كانت نور تشعر بأن ما تمر به الآن مجرد حلم .. هل من المعقول أن يعود إليها سامح .. كيف تستطيع إقناع نفسها بهذا .. ولكنها لا تجد في نفسها أي إحساس بالفرح .. هل لا تزال مجروحة منه لهذه الدرجة أم أن هنالك شيء آخر يسلبها فرحتها به .. لم يستطع سامح الصبر على صمتها .. فعاد يقول لها مطمئنا :
- أرجوك أن تصدقيني يا نور .. أنا حقا احبك .. ولطالما عانيت من بعدك عني .
عادت نور لتواجهه بعينيها السوداويين الجميلتين .. فراح يحدثها وهو يتأملهما بشغف :
- تزوجيني يا نور .
اتسعت عينيها .. ورمشت بهما غير مصدقة لتنثر تلك الدموع التي تبللهما .. في تلك اللحظة .. تذكرت شيئا .. شيئا حاولت جاهدة أن تطرده من تفكيرها .. شيئا جعل عبراتها تنساب بغزارة أكثر .. وهي تنظر إلى ذلك الحبيب الذي تدرك أنها لن تحصل عليه يوما .. فلقد تذكرت ذلك المرض مجهول الهوية :
- لا أستطيع .
عقدت الدهشة لسانه .. ولكنه سرعان ما تساءل بقلق يشوبه بعض الغضب :
- لماذا يا نور ؟.
وقفت نور وكأنها تعلن انتهاء حديثهما .. ولكنه أمسك بيدها ليوقفها .. اشتبكت تلك الإسواره التي أهداها إياها بين أنامله .. فعاد يتساءل وهو ينظر إليها :
- أولست تحبينني أنت أيضا .
عضت نور على شفتها السفلى وهي تحاول منع نشيجها .. ثم نزعت يدها برفق من قبضته .. وراحت تخلع اسوارته بيد مرتجفة .. ثم أعادتها إليه :
- إنساني يا سامح .. ألم تنصحني أنت بذلك ؟.
- ولكني لم أستطع ..
أجابته بتوسل .. والدموع ترثي حالها :
- أفهمني أرجوك .. أنا لم أعد أصلح لك .
- أهذه طريقتك الجديدة في رفضي ؟.
عادت نور تعض شفتها ثم أدارت ظهرها له وحاولت الرحيل حتى لا تعذب نفسها أكثر .. وتعذبه معها .. كان سامح يقف كالمذهول وهو يشعر بتلك الإسواره التي تستقر بين أنامله .. وكأنه لم يكن يتوقع رد فعل كهذا منها .. ثم أستيقظ من شروده فجأة وناداها باسمها .. فتوقفت فور سماعها لصوته .. تقدم منها اعتقادا منه بأنها استجابت لندائه .. ولكنه ما أن أقترب .. حتى رآها تسقط مغشيا عليها .. استطاع هو التقاطها قبل أن ترتطم بالأرض .. وحاول أن يوقظها وهو يربت على خدها بقلق ويحتضنها بذراعه الأخرى :
- نور .. ما بك يا نور ؟.
كان القلق يتملكه وحمد الله أن سيارة حسام كانت بحوزته .. حملها بين ذراعيه .. ثم أجلسها بالمقعد الذي بجانبه .. وربط حزام الأمان حولها .. وأتجه بأقصى سرعته نحو عيادة حسام .. كان الخوف يستبد به مع كل دقيقه تمر .. فنور لا تزال مغمى عليها .. وكأنها تغض في نوم عميق .. في العيادة وقفت الخالة نظرة فزعه .. عندما رأت سامح يحمل نور بين ذراعيه ويصرخ بها :
- أنقذيني يا خالة .. نادي حسام بسرعة .. فلقد أغمي على نور .
خرج حسام من حجرته على إثر ذلك الصراخ .. وروعه منظر نور بين ذراعي أخيه .. ولكنه سرعان ما استعاد هدوءه وأخذها من سامح برفق .. ثم وضعها على السرير .. بينما راحت الخالة نظرة تعتذر من والدة ذلك الطفل المريض وتخرجها من الحجرة لتنتظر الطبيب حسام حتى يفرغ .. بدأ حسام يرخي من حجاب نور الملفوف حول رأسها .. وراح يتفقد نبضها ويقوم ببعض الإجراءات الأولية للتأكد من سلامتها .. في الوقت الذي كان سامح يحوم مثل الطائر الجريح .. وهو يراها مغمضة العينين :
- ما الذي يحدث لها ؟.
ظل حسام صامتا .. فعاد سامح يلح عليه بالسؤال وبقلق واضح :
- لما لا تجيبني ؟.
- إهداء يا سامح .. ربما هو مجرد هبوط في السكر .. سبب لها الإغماء .
كان سامح يتابع حركات أخيه التي تحاول إيقاظ نور .. وكان يدرك أنها كانت لتستيقظ بشكل أسرع من هذا لو كان مجرد إغماء .. فتساءل بقلق أشد :
- إذا لماذا لا تستيقظ ؟.
- سوف تستيقظ عندما تستطيع ذلك .
كان سامح يشعر في قراره نفسه أن حسام يخفي عنه شيئا فبرودة المتعمد هذا لم يخدعه .. وكان يدرك وهو يرى حاجبيه المعقدين .. أنه يعاني من خوفه عليها .. مرت دقائق أخرى .. وبعدها فتحت نور عينيها بهدوء .. نظرت باستغراب وهي ترى حسام أمامها .. والذي كان يبتسم لها بحنان بالغ تلك الابتسامة الجذابة .. والتي لم تستطع إلا الرد عليها بأخرى وهنه ..
لفها بذراعه ورفعها حتى يساعدها على الجلوس .. تقدم سامح منهما بسرعة واحتضن وجهها الملائكي بين يديه وهو ينظر إليها بملء عينيه :
- هل أنت بخير يا نور ؟.
أحست ببعض الضيق من جرأته ولمسته لها .. وشعرت بالكثير من الخجل .. فأمسكت بيديه وأبعدتهما عنها ..اضطربت ملامحه قليلا .. عندما ذكرته حركتها بذلك الموقف الذي سبق إغمائها .. وأحس من نظرتها تأكيدا على رفضها لعرضه .. ولكنه ظل واقفا أمامها بحيرة فهو لم يتعود أبدا مثل تلك المعاملة منها .. قالت وهي تنظر إليه ببساطة محاولة إخفاء ما تعانيه من وجيعة .. وكانت تشعر بأنها تحكم على قلبها بالعذاب لقسوتها عليه .. ولكنها تدرك أنها مجبرة على هذه القسوة :
- لا تقلق يا سامح .. وليس هنالك داعي لوجودك هنا .. فحسام سيحرص على إيصالي إلى البيت .
نظر سامح لأخاه الذي أوماء له بعينيه مطمئنا .. فعاد وحول نظرة نحو نور التي كان وجهها هادئ القسمات .. فودعها مستسلما :
- حسنا .. انتبهي لنفسك يا نور .
هزت رأسها بالإيجاب .. ومع خروجه بدأت عزيمتها بالانهيار .. وظلت تتطلع للباب بعينين دامعتين .. كانت تشعر بالألم يطبق عليها الخناق .. يعتصر قلبها .. لم تشعر من قبل بمثل هذه الوجيعة حتى يوم فراقهما الأول .. كان هنالك شيء مختلف هذه المرة .. شيء أكبر منهما الاثنين .. قرار اتخذته رغما عنها .. لا تدري لماذا تذكرت حلم الأمس .. كم هو مشابه لما يمر بها اليوم من أحداث حزينة .. شعرت بأنامل حسام الدافئة تمسح الدموع من عينيها .. أتاها صوته العميق المليء بالحنان :
- هل أنت بخير .. صغيرتي ؟.
أغمضت نور عينيها وجاهدت لكي تستطيع السيطرة على دموعها المنسابة بحرقة على خديها الناعمين .. كانت تحتاج لكل ما تملكه من قوة تحمل .. كانت مصرة على أن تجعل حسام يفصح لها عن سره .. فهي تدرك أن ما أصابها اليوم لم يكن مجرد إغماء .. نظرت إليه بعد أن أخذت نفسا عميقا حاولت معه تهدئة نفسها وإعادة صوتها إلى نبرته الطبيعية .. ثم نظرت له ملئ عينيها .. وبتحدي واضح :
- متى سيحين الوقت لتخبرني .. يا حسام ؟.
ارتبكت قليلا .. بعد أن كانت اللوعة والقلق يسيطران عليه .. ولكنه أجابها بهدوء كالمعتاد :
- أخبرك بماذا صغيرتي ؟.
- أنا لست صغيرة يا حسام .. ويمكنني تحمل الأمر .
وقبل أن يهم بإقناعها .. قاطعته قائلة بإصرار أشد .. بعد أن سكن الدمع على رموشها الندية :
- أرجوك .. لا تكذب علي مجدد .. لأني لن أسمح لك بذلك .
أخذ حسام نفسا عميقا .. ثم جلس بجانبها شارد الدهن .. كان يدرك أن لا مفر من معرفتها للحقيقة .. ولكنه لا يدري كيف يواجهها بذلك .. كم هو صعب عليه أن يرى صغيرته تعاني الحيرة .. ولكن هل يهون عليه أن يجعلها تعاني الصدمة .. مؤكد أنه لن يقوى على ذلك .. راحت نور تستحثه مجددا .. والخوف يتلصص على قلبها :
- يجب أن تخبرني يا حسام .
نظر إليها وحاول أن يحدثها ببساطة :
- لقد كنت أشك بالأعراض التي تعاني منها .. ولكني لم أكن متأكدا من ذلك .. لهذا راسلت أساتذتي في لندن .. وكان ردهم مجرد تأييد لشكوكي .. ولكنهم أيضا لن يستطيعون الجزم بشيء إلا بعد إجراء الفحوصات والاختبارات عليك .
كانت نور تستمع له والدهشة تتملكها .. والخوف يستبد بها .. أنها لا تستطيع شرح تلك الاضطرابات التي أصابتها فجأة مع كل كلمة ينطق بها حسام .. كمن يعلم أن هنالك خطر محدق يتربص به .. عادت تستحثه على الحديث بعد أن صمت ونظر إلى الأرض :
- أكمل .. ألا يوجد لهذا المرض اسم معين ؟.
ضغط حسام على أسنانه وكأنه يحاول كتمان تلك المعلومات التي لابد أن يقولها :
- بلى .. إنه مرض يعرف باسم (( الخُدر )) ..
عقدت نور حاجبيها .. وتغضن وجهها وهي تحاول تحليل ما تسمعه من ابن عمها .. فعاد هو يوضح لها برفق وقد شعر باصفرار وجهها :
- إن لديه اسم شائع وهو (( النوم القهري )) .. إنه مرض نادر جدا .......
لم تعد نور تعي شيئا مما يقوله .. كانت دموعها الصامتة والتي عاودت الانسياب على مجرى خديها .. تحجبان عنها الرؤية .. وأفكارها المحتشدة تمنعانها من سماعه .. صمت حسام بعد أن أدرك ما أصابها من ذهول .. ولكنها انزلقت بجسدها بسلاسة .. من على السرير ووقفت على الأرض ثم اتجهت نحو الباب .. دون أن تنطق ببنت شفه .. شعرت بيده تمسك بذراعها فنظرت إليه وكأنها تستغرب فعلته ..
- صغيرتي .. هل أنت على ما يرام ؟.
مسحت نور دموعها بيدها الحرة .. ووضعت ابتسامة لم تستطع إخفاء الحزن منها .. ثم أجابته بهدوء وكأن الحياة قد توقفت بداخلها :
- أنا في أحسن حال .. حقا .. لا داعي للقلق .
ظل حسام يتشبث بذراعها وملامحه تقطر مرارة .. كانت تشك للحظة أنه يوشك على مشاطرتها الدموع .. رغم كل ما تحسه وتعانيه إلا أنها تحب حسام .. ولا تقوى أبدا على رؤيته في مثل هذه الحالة .. فقالت بصوت خافت وفي نيتها أن تطمئنه :
- هل تعرف .. أنا سعيدة .
ظل حسام يتفحصها بقلق .. فنظرت هي إلى عينيه :
- فلقد كنت على حق عندما .. رفضت عرض سامح للارتباط بي .
هنا سقطت يد حسام من على ذراعها .. وتاهت كل المفردات من ذاكرته .. لم يجد كلاما يحدثها به .. أحست نور بأنه يعذب نفسه من أجلها .. فودعته مجددا وهي تبتسم بشكل أكثر إقناعا :
- لا تقلق يا حسام .. فهذا مجرد اختبار من الله .
خرجت نور .. لتتركه يعاني الذهول بدلا عنها .. فهي لم تكن يوما ضعيفة الإيمان .. حتى يوم موت والدها كانت حزينة حدا ولكنها قوية أيضا .. في حين توقع الكل انهيارها .. إنه فضل من الله عليها .. إذ يلهمها الصبر عند الأزمات ..
ما إن وصلت إلى البيت .. أطمئنت على شكلها قبل أن تدخل .. وتفقدت خديها المبلولين من آثار الدموع .. وراحت ترسم على شفتيها أوسع وأصدق ابتسامة استطاعت اصطناعها .. كانت والدتها تنتظرها بقلق :
- لما تأخرت يا نور ؟.
- أخذني الحديث مع زميلاتي .
يبدو أن والدتها لم تقتنع بالإجابة وكانت ستهم بطرح سؤال آخر عليها .. ولكن قاطعتها نور وهي تقبلها وتتوجه إلى حجرتها :
- لقد نجحت وحصدت علامات مشرفة .
تبعتها والدتها بعيون قلقة :
- ما بك يا نور ؟. تبدين متعبة يا حبيبتي .
- نعم قليلا .. لذلك لا أجد في نفسي قابلية لتناول الطعام .. وأود أن أنام فقط .
لم تستطع حياة معارضتها .. فلقد كان يبدوا الإرهاق واضحا عليها .. ولابد أنها بحاجة للراحة ..
حمدت نور ربها إذ أن والدتها لم تلح عليها كثيرا في تناول طعام الغداء .. فهي لم تكن لتقوى على احتمال مزيد من الحوار معها .. ولا بد أنها كانت لتنهار وتفضح أمرها .. ألقت بجسدها على السرير .. وظلت تسترجع كل ما مر بها اليوم من أحداث .. وما هي إلا ثواني حتى أنتشلها النوم من أفكارها اليائسة .. بعد أن أحرقت مخدتها بدموعها الساخنة .. لم تشعر بنفسها حتى جاءت والدتها في المساء لتيقظها برفق :
- نور .. نور .. هيا استيقظي يا ابنتي .
كانت تشعر بأنها لا تستطيع التحكم بجسدها .. فلقد كان يتملكها خمول شديد .. وكأنها تود أن تهرب من واقعها بهذا النوم المريح .. عادت والدتها تيقظها :
- هيا يا حبيبتي .. فابن عمك ينتظرك بالخارج .
نهضت نور فزعه :
- من .. سامح ؟.
- لا يا حبيبتي .. إنه حسام .
- آه .
- هيا .. أنهضي كي تتناولي غدائك قبل أن تخرجي معه ..
تساءلت نور بحيرة :
- إلى أين ؟.
- لقد أخبرني أن عمك يود رؤيتك .
نظرت نور إلى الساعة لتجد أنها السابعة مساءً .. تعجبت من نفسها .. فهي لم تتعود أبدا النوم كل هذه المدة بعد الظهر .. أخذت حماما منعشا .. من ثم شرعت في تحضير نفسها .. وتناولت لقمتين بشكل سريع لتحاول تهدئة والدتها فهي تدرك أنها لن تخرج من البيت إذا لم تتناولهما .. وما هي إلا ربع ساعة حتى أصبحت تجلس بجانب حسام في سيارته .. نظر إليها متفحصا .. فابتسمت له بصدق مما بث الاطمئنان إلى قلبه المحب لها .. لم يحدثها بشيء .. وإنما حرك سيارته باتجاه مدينة عدن الكائن بها منزلهم .. كانت تشعر أنه يتصرف على غير العادة لابد أن هنالك أمرا يشغل تفكيره .. أو أنه لا يزال يؤنب نفسه على بوحه لها بحقيقة مرضها .. كانت هي أيضا شاردة الذهن .. ولم تشعر إلا والسيارة تتوقف وينزل منها حسام .. نظرت حولها فوجدت أنه أوقفها في العقبة ذلك الطريق المطل على أحب المناظر إلى قلبها .. نزلت من السيارة تتبعه باستغراب .. وما أن رأت ذلك المنظر الخلاب حتى أسرها بجماله الطبيعي .. أخذت نفسا عميقا وملئت رئتيها بالعبير الصادر من بحرها الصافي .. بأمواجه المتراقصة بهدوء تحت ضوء القمر المكتمل .. كانت أضواء الليل الحالمة تشاركه رقصته الرومانسية .. فتهتز بنعومة على صفحات مياهه الداكنة ..
رأت حسام يجلس على صخرة مستطيلة الشكل .. وأشار لها كي تجلس بجانبه .. لم تمانع ذلك .. فلقد كانت تشعر بسعادة شديدة لوجودها هناك .. أخبرته وهي تجلس بجانبه :
- هل تعرف أنني أعشق هذا المكان ؟.
هز رأسه وابتسامته الجذابة تشرق في ملامحه :
- لهذا أحضرتك .
نظرت له نور بتعجب وشعرت أن حسام يعرف عنها الكثير .. دون أن تكلف نفسها حتى مشقة الحديث .. ابتسمت برضى وهي تتساءل :
- كيف تستطيع معرفة كل شيء يتعلق بي يا حسام ؟.. لابد أن لديك قدرة على قراءة أفكاري .
ضحك بمرح .. بعد أن لاحظ تعدل مزاجها .. وعلو حالتها النفسية .. فأجابها مشاغبا :
- ربما .
حولت نور نظرها نحو ذلك الجمال المتلألئ أمامها .. كان المكان مرتفعا .. وكانت تشعر بأنها تملك الدنيا .. أو على الأقل تملك استقرارها النفسي .. وهي تجلس هنا مغمضة العينين .. تنصت بسكون لهدير البحر وإيقاع أمواجهه .. كان ذلك الجو الشاعري الذي يحيط بها يعمل على تصفيه صدرها من كل ما علق به من هموم .. عندما فتحت عينيها .. وجدت حسام يتأملها بنظرات ملؤها الإعجاب .. خفضت رأسها بخجل شديد .. وتورد خداها بسبب تلك النظرة .. إنها تعرف كيف يراها هو بالذات .. فلطالما رأت نفسها من خلال عينيه كأجمل ما تكون الفتاة .. قطع حسام ذلك الصمت الحيي الذي يلفهما :
- لقد كذبت بشأن رغبة والدي في رؤيتك .. وذلك لكي استطيع الإنفراد بك .
أحست نور ببعض القلق .. وتساءلت وهي تحاول أن تستشف من خلال عينيه ما يخفيه عنها .. ولكن لم يظهر عليه سوى الارتباك :
- خير .. إن شاء الله .
- لقد كنت أود أن أحدثك عن مرضك صغيرتي .
حولت نور نظرها نحو البحر .. وكأنها تستنجد به من هذا الواقع الذي يصر على أن يمسك بتلابيبها .. ظلت تستمع إليه بهدوء وهو يحدثها بصوته العطوف :
- إنه مرض نادر مثلما أخبرتك سابقا .. ويعرف باسم (( الخُدار )) .. يظهر هذا المرض لدى حوالي 1–2 % من أقارب الدرجة الأولى لمرضى الخُدار .. وذلك مقارنة ب 0.2–0.18 من الفئة العامة لأفراد المجتمع .
- ما الذي تود قوله يا حسام .. فأنا لم أفهم شيء ؟.
- ما أريد قوله أنه نادر ومزمن أيضا .. ولم يكتشف علاج له بعد .. ولكن في نفس الوقت .. يستطيع الإنسان التعايش معه .. وهنالك بعض العقاقير المنبهة والتي تساعد على تباعد فترات حدوثه .
صمت حسام قليلا محاولا تفسير ملامح نور المعقدة والتي علتها الكآبة .. ثم عاود الحديث مطمئنا :
- أنا لا أريدك أن تستسلمي صغيرتي ... فنحن قادرون على التعايش معه ... ولكن تظل هنالك مشكلة .
سارعت نور بالسؤال :
- وما هي ؟.
- يجب أن نسافر بك إلى لندن حتى تجرى عليك بعض الاختبارات ليستطيع الأطباء معرفة العلاج الذي يناسبك .
هنا توترت نور وهي تجيبه متوسلة :
- أرجوك يا حسام .. أنا لا استطيع السفر .. فأنا لا أود أن نطلع أحدا على هذا الخبر .. فوالدتي مؤكد ستنهار إن علمت به .
حاول تهدئتها كعادته :
- صغيرتي .. إنه حقا ليس بالسوء الذي تتخيلينه .
عادت نور تشرد بعينيها .. لقد كانت تدرك أن حسام يحاول بث الأمل بداخلها .. فهي ليست صغيرة لتجهل ذلك :
- يكفي أنه مرض لم تسمع به من قبل يا حسام .
حلق الصمت مجددا فوق رأسيهما ليضيف مزيدا من الحزن في قلبيهما .. كان هو أيضا البادئ بالحديث :
- صغيرتي .
استرعت كلمته انتباهها .. وراح هو يحدثها .. وكأنه يصارع الكلمات بداخله ويخرجها بصعوبة :
- لم يكن هذا فقط ما أردت الحديث به معك .
ظلت نور تنصت له بترقب .. فحدثها ممازحا ومحاولا تخفيف توترهما معا :
- لقد قررت أن أعرض عليك ثلاثة عروض .. وأنتي مضطرة لاختيار أحدهم .
ضحكت نور .. وردت على حديثه المازح :
- ألا أملك حق الاتصال بصديق ؟.
- لا .. فأنا هنا ويمكنك استشارتي .
هزت نور برأسها معلنه موافقتها .. واستعدادها لسماع ما في جعبته :
- أول عرض .. أن توافقي على ذلك العريس الذي تقدم لك .. بعد أن أتأكد من حسن أخلاقه طبعا .
شعرت نور بضيق شديد .. فلقد نسيت تماما مشكلة ذلك العريس .. لذلك سارعت بالرد عليه :
- لا .
_ لماذا ؟.
أجابته بعصبية بعض الشيء :
- لأن أمواله لن تستطيع شرائي أبدا .
- حسنا .. حسنا .. صغيرتي اهدئي أنا لم أكمل بعد كل خياراتك .
أحست نور بأنها بالغت بالانفعال .. فصمتت من جديد في الوقت الذي راح هو يعرض عليها الخيار الثاني محدثا إياها بصوت خافت .. كان الوقت الذي يمر يزيد بداخلها إحساسها بغرابه حسام .. فهو يتصرف على غير عادته .. والمعاناة تظهر جليه في ملامحه .. يبدوا أنه منزعج من شيء ما .. أو لعله مشغول البال .. ولكنها الآن لم تعد تستغرب ذلك .. فمؤكد أنه يحمل همها هي :
- ثاني عرض أن ترتبطي بسامح .
هنا تسارع نبض قلبها .. عند سماعها لاسم حبيبها المجروح .. تذكرت كل تلك الكلمات التي قالتها له .. كم كانت قاسية عليه .. كيف استطاعت ذلك .. كيف تحملت رؤيته ملتاعا من أجلها .. ولكنها مع ذلك ليست نادمة على ما فعلته :
- ما هو الخيار الثالث ؟.
- أنتِ لم تجيبي على الثاني ؟.
- مؤكد لن أوافق ؟.
- وهل يمكنني معرفة السبب ؟
- لأنني لم أعد أصلح للارتباط بأي شاب .
- لما تقولين هذا الكلام صغيرتي .. أنت حلم جميل يتمنى الجميع تحققه .
زفرت نور بسخرية :
- هذا لا يعطيني الحق بتدمير حياة سامح .
- لقد أخبرتك يا نور أنك تستطيعين التعايش مع مرضك .
أجابته بحرقة :
- وما ذنبه هو ليتعايش مع إنسانه مريضة .
ظل حسام صامتا .. كانت تحس بآلامها هي ترتسم على ملامح وجهه الجذاب .. لم تسمح لدموعها بالاستسلام .. كفاها ضعفا .. فالدموع لن تحل أياً من مشاكلها .. عندما طال الصمت بينهما وأحست بتردده وكأنه عاجز عن مواصله الحديث .. استحثته هي :
- وما هو العرض الأخير ؟.
نظر إليها والشغف ينبض من عينيه .. كانت نظرته حارة .. صادقة .. نظرة لم تتعودها منه .. كانت تشعر بأن وراء هذه النظرة الدافئة .. بحر كبير من الأسرار .. ما الذي يخفيه عنها يا ترى .. وهل تستطيع هي تحمل مزيد من المفاجآت في يومها هذا ..
أخذ حسام نفسا عميقا .. وهو يحول نظره إلى البحر ثم عاد يخصها .. بتلك النظرة المميزة .. التي تشعر وكأنه لم يرمق فتاة قبلها بهذه الطريقة .. إحساس جديد يخلقه بداخلها .. لا تستطيع تفسيره .. ولكنه يجعلها تشعر بالارتباك .. والكثير من الخجل .. لم تكن يوما لتشعر بالخجل أمام حسام .. لذلك ابتسمت متعجبة من مشاعرها الغريبة تلك .. وحتى تشجعه على مواصلة حديثه .. كانت تفكر بداخلها .. بمدى روعة حسام .. إنه يشعرها دوما بالأمان .. وأنه لن يتخلى عنها مهما حاصرتها الهموم .. فرغم كل ما عانته اليوم .. يبقى وجوده بجانبها .. أهم شيء في حياتها .. واليد الرحيمة التي تمسكها بحرص حتى لا تقع في هاوية الأحزان .. رد حسام على ابتسامتها بابتسامته الجذابة التي تخطف الأبصار .. ثم نطق أخيرا بما لم تكن تتوقعه أبدا .. وكادت لوهلة أن تشكك في سلامة سمعها :
- تزوجيني .. صغيرتي نور ؟.