كاتب الموضوع :
my faith
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
(14)
أميرتي النائمة
أين ذهب ؟.. ظل السؤال يتردد بداخلها دون إجابة شافيه .. بدأت تحصي دقات قلبها عوضا عن الثواني .. وبخطوات قلقة تترنح تحت سطوة مخاوفها راحت تذرع أرض الصالة ذهابا وإيابا .. هل من الممكن أن يكون ذهب للمشفى .. ولكن ماذا إن أصابه مكروه وهو بتلك الحالة .. مؤكد أنه ليس على ما يرام .. حتى أنه نسي هاتفه المحمول في البيت .. أخذتها الهواجس إلى احتمالات أكثر قسوة .. وتخيلت حياتها دون حسام .. جعلها ذلك توشك على البكاء وشعرت بغصة في بطنها .. ثم قررت أخيرا أن تخرج بحثا عنه .. دون أدنى فكرة لديها عن مكان تواجده ..
في تلك اللحظة سمعت مفتاحا يدار في قفل الباب .. ركزت عينيها بوجل وشوق نحو ذلك الجسد الطويل الذي تتوقع رؤيته .. وما أن ظهر حسام عبر الباب المفتوح .. حتى اندفعت نحوه كالمجنونة تحتضنه بكل ما تملك من قوة .. ولتخفي نشيجها في حنايا صدره العريض :
- حسام .. أين كنت ؟.. لقد خفت عليك كثيرا .
شعر حسام بالذنب أمام لوعتها .. وراح يضمها إليه برفق ويربت على رأسها ليخفف عنها :
- أنا آسف صغيرتي .. لم أكن أود أن أزعجك .. فلقد بدى عليك الإرهاق .
رفعت إليه نور عينيها الدامعتين وهي لا تزال تطوقه بيديها :
- أين ذهبت في هذا الصباح المبكر ؟.
- لقد خرجت لكي اجري قليلا .. أنت تعلمين كم اكره المرض .
لقد أنستها فرحة رؤيته الاطمئنان على حاله .. وسرعان ما رفعت إحدى يديها لتتحسس جبينه ثم خده .. ذلك الدفء الطبيعي في بشرته أثلج صدرها .. بينما التقط حسام يدها القريبة من خده .. ومال برأسه قليلا كي يقبل باطن يدها وهو لا يزال يطوقها بذراعه الأخرى .. متى ستتعود لمسه شفتيه الدافئتين دون كل هذا الاضطراب الذي يغشاها .. وتلك النبضات التي تصم آذانها ..
نظر إليها وابتسامه مرحه تتخلل شفتيه .. لابد أن تلك الحمرة التي تغزو وجنتيها قد راقته .. وضع كفها على صدره :
- يبدو أنني قد سببت لك الكثير من القلق .
شعرت بسعادة بالغه من تلك الخفقات الثائرة تحت أناملها الملامسة لصدره .. واطمأنت بأن هنالك من يشارك قلبها بعض جنونه .. سيطر عليها الخجل وعادت تحتضن حسام لتخفي وجهها المحمر خجلا :
- بل كدت أموت خوفا عليك .. لا تكرر ذلك مره أخرى .
ابتعدت عنه فجأة بشيء من الخجل .. وقد رأت بعض القطرات تبلل قميصه الرياضي :
- لقد بللتك بالدموع .
ضحك حسام وهو يبعدها عنه بلطف :
- بل أنا من بللك بالعرق .. يجب علي الاستحمام فورا قبل أن اطرد من البيت .
شاركته نور الضحك .. ولكنها خافت عليه من أن يأخذ حمام في هذا الجو البارد .. خصوصا أن صوته لم يريحها وآثار المرض تتخلله بوضوح .. لكن حسام عنيد كعادته ..
على الغداء لم تتناول نور الكثير من طعامها كانت تستمتع برؤيته يمضغ اللقيمات ببطء .. وببعض الشهية .. وراحت تحدثه بشتى المواضيع بحماستها المعهودة .. شعور غريب بالسعادة يتسلل بداخلها .. كانت مجرد رؤيته معافى أمامها تبعث السرور إلى قلبها المتعلق به :
- ألم تصلك رسائل من والدتك يا نور ؟.
- بلى .
قالتها بفرحه واضحة ثم أردفت بشيء من الاستغراب :
- لقد شعرت بقوه رسالتها هذه المرة .
- كيف ذلك .
- لقد حدثتني عن الكثير من الأشياء .. ولكنني قرأت من بين السطور بأنها أصبحت لا تأبه كثيرا للخال نبيل .. حتى صرت اشعر وكأنها لم تعد مهتمة بارتباطهما .
- هذا شيء متوقع .
عقدت نور حاجبيها بحيرة من تلك النبرة الواثقة في حديثه :
- وما هو المتوقع ؟.
- إن والدتك يا نور لم تحتج يوما لهذا الارتباط .. لكنها اعتبرته تضحية في سبيلك أنتِ .
- أنا .
- نعم صغيرتي .. أنت تعرفين كلام الناس عن بيت لا يوجد فيه رجل .. والدتك لن تهتم بذلك .. لكن سمعتك أنت أكثر أهميه بالنسبة لها .. وأنا اعتقد أن هذا الدافع الرئيسي لارتباطها بالخال نبيل .
حمل حديثه الكثير من المنطقية .. وشعرت بمعاناة والدتها من أجلها .. أردف حسام :
- لهذا هي الآن تشعر ببعض القوه .. خصوصا بعد أن اطمأنت عليكِ .
ابتسمت نور لذلك الوجه الأسمر الجذاب والذي راح يرمقها بنظرته اللطيفة والتي تجعل قلبها ينكمش خجلا :
- كيف تستطيع أن تكون هكذا ؟.
ضحك حسام على عبارتها الغريبة وعلق مازحا :
- أن أكون هكذا ؟.
- أقصد .. بهذا القدر من الحنان .. فأنت تشعر بكل من حولك .
- ربما لدي قدرات خاصة .
ابتسمت له بمرح .. كانت تلك طريقه حسام للهرب من خجله .. وبدأت هي تشاكسه :
- بل مؤكد .. مثل قراءتك لأفكاري .
- هذه ليست ضمن القدرات .
- ولما ؟.
نظر إليها حسام بتلك الطريقة الخاطفة للأنفاس .. وراح يداعب خدها بأنامله :
- أنت بريئة جدا صغيرتي .. لذلك أفكارك وانفعالاتك لا تخفى عني .
كم هو مريح تواجده معها .. فمنذ ساعات مضت كانت لا ترى مستقبلها بدونه .. وكأنه ينتهي باختفاء حسام .. وهي الآن تشعر بإحساس قوي يسيطر عليها .. وكأنها تملك سعادة أعوام قادمة .. رفعت نور إليه عينين خجولتين ثم حدثته ببساطه بما يختلج في صدرها :
- شكرا لك يا حسام .
- على ماذا صغيرتي ؟.
عادت تخفض عينيها لترفعهما من جديد :
- على هذا الحساس الجميل الذي لطالما منحتني إياه .
- لست أنا من يمنحك إياه .
هنا ابتسمت له بحب .. وهي ترى جوابا عميقا يشع في عينيه .. لا تقدر على قراءته :
- من إذا ؟.
شعرت بأنه يود الإفصاح عن ذلك السر الذي يختزنه في قلبه .. لكنه عاد يبتسم بمرح :
- سيأتي يوم وتعرفين بنفسك .
كانت تسمع حركاته السريعة في حجره النوم وهي تنهي تنظيف أواني الطعام .. وعندما دخلت عليه وجدته يتأهب للخروج :
- إلى أين ؟.
تساءلت بحده وهي تعرف الإجابة مسبقا :
- إلى المشفى .
- ومن أذن لك بذلك .. أيها الطبيب حسام .
التفت إليها ضاحكا وهو لا يزال ينهي تحضير نفسه :
- وهل ستحكمين علي بالسجن المؤبد .. أيتها المهندسة نور ؟.
- حسام .. كف عن الاستهتار بصحتك .. المشفى لن يتوقف بدونك .. ويجب أن ترتاح .
- لا استطيع أن اجلس هكذا في البيت دون عمل .
شعرت نور بأن صبرها يكاد أن ينفذ .. لكنها ما تزال مصره على عدم خروجه .. أحضرت هاتفه النقال وناولته إياه :
- فلتتصل أرجوك .. لتعتذر عن الحضور هذا اليوم .
كان الحزن يرتسم بوضوح على ملامحها الجميلة .. وهذا ما جعله يأخذ الهاتف باستسلام ويدق رقما :
- حسنا .. سأطلب من ماري أن تقدم لي أجازه مرضيه .
- لا ..
لم تشعر نور بسرعة إجابتها إلا عندما ضحك حسام عليها :
- هل غيرتي رأيك ؟.
شعرت بالخجل من تسرعها .. وراحت تبرر له :
- لا .. أنا اقصد لا تتصل بماري .. فلتطلب ذلك من الطبيب ديفيد .
رفع حسام إحدى حاجبيه يقيس مدى إدراكها لما تقوله .. ثم حدثها بلطف :
- صغيرتي .. الطبيب ديفيد رجل كبير .. ولا استطيع أن أتعبه معي بينما ماري موجودة .
ردت عليه نور بما يشبه عناد الأطفال :
- وهنالك أيضا زملاء غيرها يستطيعون تقديم الأجازة أليس كذلك ؟.
فكر حسام قليلا ثم بحث عن رقم في هاتفه .. وسمعته يخاطب احد زملائه الذكور .. وابتسامه مرحه تعلو شفتيه ..
--------------------------
إلى متى سأعيش في هذا الظلام .. إنه يأبى مفارقتي .. ويسعى دوما لاختطافي من أسعد اللحظات .. وكأنه شخص غيور لا تعجبه ابتسامتي الدائمة .. حقا إني أحاول .. أحاول جهدي أن أتغلب عليه .. أتجاهله .. أتناسى حقيقة إجباري على التعايش معه .. لكنه يرفض النسيان .. كلما غاب عني عاد ليخنقني بيدٍ من حديد .. غير آبه لمكان أو زمان .. غير مقدر لأي ظرف .. أحساس قاسي بالوحدة يكتنفني مع تسرب خيوطه السوداء حولي .. لكن يبقى شعور قوي بداخلي ليخبرني بأنه سيزول .. مهما طال الانتظار .. ومهما أطبقت علي ظلمته الموحشة .. مؤكد سيتلاشى بعد دقائق معدودة .. ليتركني وحيده أصارع ذاكرتي .. كي استرجع تلك النقطة التي توقفت عندها حياتي .. وأكمل من جديد رحلتي مع هذا الرفيق الذي يرفض الهجران ..
دخل حسام إلى البيت وتملكه أحساس بغيض من هذا الصمت المطبق الذي يلف البيت .. أين هي نور ؟؟.. هكذا تساءل بحيرة .. لقد كان الوقت متأخراً بعض الشيء ومن غير المعقول أن لا تكون في البيت .. أسرع نحو المطبخ بخطى وجله بعد أن لاحظ تلك النار المشتعلة فوق موقد الطبخ .. لبرهة نسي كيفيه التنفس عندما وجدها مرمية على أرضيه المطبخ الباردة .. وبجانبها قدر مقلوب قد افرغ محتوى الزيت الساخن على معصمها ..
أسرع في التقاطها من الأرض بعد أن أطفأ نار الموقد .. ليلقيها برفق على السرير .. ثم اخرج بعض المراهم من حقيبته ليداوي حروقها .. ثم لفها برباط طبي .. عندما شارف على الانتهاء رأى نور تفتح عينيها بوهن .. وكانت ملامحه المتجهمة .. آخر ما يود أن تراه .. لكن تلك الوجيعة التي تغرس أظافرها بوحشيه في صدره لا تترك له مجالا للابتسام .. كم يشعر بالضعف أمام هذا المرض .. بالعجز عن حماية أحب الناس إليه .. كم تمنى لو استطاع المعاناة بدلا عنها .. فكل ما يبثه في نور من آيات الصبر والقوة لا تصل إليه أبدا .. فهو لا يزال يراها طفلته الرقية والتي يود لو يصونها بداخل قلبه .. وكثيرا ما يشفق عليها من ذلك الحمل الثقيل الذي تتعامل معه وحدها ..
كانت نور تنظر باستغراب لوجهه المتجهم .. غير مدركه ما حدث لها .. لكنها سرعان ما سحبت يدها من بين أنامله كحركة تلقائية بعد أن زال عن جسدها إحساسه بالخدر .. وشعرت بذلك الحريق في معصمها .. استغرقت برهة لفهم الموقف .. ثم أعادت معصمها إلى أنامله بيأس .. أنهى هو معالجتها محاولا أن يفك تعقيدات وجهه .. وأشاحت هي بنظرها كي لا تفلت دموعها .. لم تكن تود أن تزيد ذلك الهم الساكن في عينيه .. فتحدثت بصوتها المهزوز محاوله الابتسام :
- لما تأخرت ؟.
- لقد كنت برفقه ماري .
كان يجيبها بلا مبالاة .. وهو يفرك يديها المتجمدتين بكفيه .. لكنها انتفضت جالسه :
- ولماذا ؟.
- لقد كانت تود التحدث معي .. فتناولنا العشاء سويا .
كادت نور أن تفلت تلك الدموع التي أفلحت في حبسها قبل قليل .. وبدأت تتحدث بعصبيه رغما عنها :
- لقد كنت أحاول أن اعد لك عشاءا مميزا .. وأنت فضلت تناوله مع ماري .. دون حتى أن تخبرني بذلك .
لم يعرف حسام كيف يهدئها .. كما أنها كانت محقه فيما تقوله .. نهضت نور من على السرير وهي تغالب عبراتها :
- ماذا ستظن ماري الآن .
وقف حسام قبالتها وراح يحتضن وجهها :
- لن تظن شيء .. هي تعلم أني اعزها كزميله .
ابتعدت نور خطوه للوراء وهي تصر بحده على كلامها :
- أنا اعلم أن هذا الزواج شكلي يا حسام .. ولكنه ليس كذلك أمام الناس .
كانت تشعر بان النار في معصمها تنسحب تدريجيا لتستقر في قلبها المجروح .. ولم تعد تسمع نفسها .. أدركت من خلال تلك النظرة الكئيبة في عينيه أنها تخطئ في حقه بكلامها القاسي .. فاحتضنت البطانية من فوق السرير متوجهة بها نحو الحجرة المجاورة .. شعرت بيده الدافئة على ذرعها .. وهو يستوقفها بحيرة :
- ماذا تفعلين يا نور ؟.
لم تكن تنظر إليه وهي تجيبه فعينها قد غشتهما طبقه من عبراتها :
- دعني يا حسام أرجوك .
تنهد حسام بضيق ثم أخذ البطانية من بين يديها وقبل أن يخرج من الحجرة .. مسح دمعه وحيده على خدها وقبلها على جبينها بصمت .
لم تجد نور سوى وسادتها الحزينة لتشاركها دموعها .. وراحت تفرغ ذلك الإحساس المؤلم على طيات سريرها الخالي المفتقد مثلها لدفئ حسام .. لم تغفل عينيها .. ليس بسبب هذا الحرق في معصمها والذي بدأ يضايقها بشكل مزعج .. إنما هو شعور بالذنب .. لقد بالغت بردت فعلها نحو حسام .. ولم يكن من حقها أن تلومه .. أو تعامله بتلك الطريقة الجارحة ..
أدركت بأنها لن تقدر على تركه ينام مستاءً منها .. كما أنها لن تستطيع النوم هي بعيدا عنه .. فأخذت إحدى الوسائد .. وتسللت نحو الحجرة التي يستلقي فيها بسكون .. على تلك البطانية واضعا يديه خلف رأسه .. لم يكن نائما كما توقعت بل يشرد بنظره إلى السقف .. حتى أنه لم يشعر بدخولها من الوهلة الأولى .. تقدمت منه بحياء :
- لقد أحضرت لك وسادتك .
ابتسم لها حسام مشجعا .. فتقدمت أكثر وجلست بجانبه وهي تخفض رأسها :
- أنا حقا أسفه يا حسام .. لم يكن يحق لي .....
لم يدعها تنهي جملتها .. وجذبها نحوه واضعا رأسها على صدره .. وراح يتحسس شعرها بحنان :
- لا يجب أن تعتذري .. فلقد كنتِ محقه في كل شيء صغيرتي .
لفهما الصمت ولم تعد نور تسمع سوى التناغم المتسارع بين نبضات قلبيهما .. وسرت قشعريرة في أوصالها عندما اخذ حسام يمرر أنامله بلطف فوق كفها ذو المعصم الجروح .. حركات أنامله الدافئة كانت كفيله بتحريك آلاف المشاعر بداخلها :
- كيف تشعرين الآن صغيرتي ؟.
ردت عليه بكلمات تقطر مرارة :
- كلما أحاول تخطيه والتعايش معه .. يعود ليصدمني بواقع مؤلم .. لا أملك معه سوى الإحساس بمدى ضعفي .. وما تعانيه أنت معي .
رغم أنه يحس بوجعها بل أن ألمه من اجلها اكبر مما يمكنها أن تتخيله .. إلا أنه أجابها مازحا بعد لحظه من الشرود :
- أنا لا أعاني شيئا .. فأنت أميرتي النائمة .
زفرت نور بسخرية .. فحديث الناعم لم يفلح بالتخفيف من وجيعتها :
- يالي من أميره بائسة .. لا تجد فارسا يهديها قبله الحياة .
ابتسمت هذه المرة وهي تردف بسخرية اشد :
- بل أن قبلته لن تجدي نفعا في مثل حالتي .
لم يتحمل حسام هذه المرارة التي تقطر منها .. ونهض ليجلسها معه وهو يحتضن وجهها بين كفيه .. حدثها بصوته الهادئ وعينيه تركزان النظر في عينيها السوداويين :
- أنتِ لستِ بحاجه لقبله أحد يا نور .. فقبله الحياة توجد بداخلك .. تنبع من قوة إيمانك .. ومدى توكلك على الله ..
كانت تدرك تلك الكلمات .. ولكنه يخبرها إياها بطريقه تشعرها بالأمان .. بأنها ستكون بخير طالما يداه تطوقان أناملها .. وقبل أن تجيبه تعالى صوت قرقرة خفيفة من بطنها .. ضحك الاثنان وداعب حسام خدها بخجل :
- أنا أسف .. لابد أنك لم تتناولي عشائك حتى الآن .
نهض بها واتجها نحو المطبخ .. وتتطوع كي يعد لها البيض .. كانت نور تنظر إلى طريقته الغريبة في كسر البيض وتحاول أن تغالب ضحكاتها .. بينا واصل هو قليه للبيض والسعادة تتسلل إلى ملامحه وهو يطالع انشراح أساريرها :
- كيف عشت سبع سنوات وحيدا في لندن دون أن تعرف كيفيه كسر البيض .
رد عليها حسام ببساطه :
- كان الطبخ مهمة زميلي في السكن .. فانا لا أهواه كثيرا .
بدأت تتناول طعامها بشهية .. وهي تختلس النظر نحوه بين الحين والآخر .. فسرعان ما بدأ حسام بالشرود .. لم تكن تلك المرة الأولى .. فهي تشعر ومنذ بضعه أيام بأنه يخفي عليها أمرا .. تحس بأنه يعاني جرحا بداخله .. وهي لم تتعود هذه النظرات الحزينة في عينيه :
- حسام ..
- نعم صغيرتي .
- ألن تخبرني بما يزعجك ؟.
لم يكن يشك بصفاء إحساسها هي الأخرى بمن حولها .. ولكنه ابتسم لها بود :
- لا تشغلي بالك .. إنها مجرد ضغوطات في العمل .
مؤكد أن كذبته لم تنطلي عليها .. ولكنها حدثته بلطف بعد أن غسلت يديها :
- حسنا .. دعنا ننام فأنا اشعر بنعاس شديد .
- فلتصبحي على خير صغيرتي .. أنا لا أشعر بالنعاس بعد .
- فلتصبح على خير .
تركته باستسلام .. وشعرت بأن قلبها يكاد يخلع ليجلس معه ويؤنسه في وحدته .. ليشاركه هذا الهم الذي لا تعرف سببا له .. جافاها النوم .. وظلت مستلقية بيأس على السرير ..
بعد لحظات شعرت بخطوات حسام الهادئة في ظلمه الحجرة .. ثم وجدته يتسلل نحوها .. ليضع رأسه بخفه على صدرها .. ويطوق خصرها بذراعيه .. التهبت خديها من حركته البريئة والمفاجئة .. وتملكها الخجل من سماعه لذلك المجنون الثائر بين الحنايا .. والذي سرعان ما يقرع طبول الحياء مع قرب حسام منها .. وبالرغم من هذا الاضطراب اللذيذ والمتزايد بدخلها .. إلا أنها تحس بشعور عنيف نحو حسام .. وكأنها تود أن تزيل عنه كل تلك الهموم والمشاكل التي يأبى أن يشركها بها .. فراحت تعقد ذراعيها حوله وتتحسس خصلات شعره القصير برقة ..
توقف قلبها عندما شعرت بقطره ساخنة راحت تسيل بكآبة على صدرها .. لكن سرعان ما عاد النبض يدق صدرها بعنف .. مع تلك العبرات الأكثر سخونة .. والتي بدت كأنها تشجع قلبها المجنون في شق صدرها ..
- حسام .. حسام ..
خنقتها العبرات ولم تستطع سوى مناداة اسمه .. بينما حرك رأسه بالنفي فوق صدرها كأنه يجيب عن ذلك السؤال القلق والذي لم تنطق به بعد .. جلس ببطء .. فجلست معه وحاولت التخفيف من حدة إحساسها :
- ما بك يا حسام ؟.. لما لا تود إخباري ؟.
أخذ حسام نفسا بصعوبة ليطلقه وهو يتخلل شعره بأنامل يديه .. محاولا ابتلاع دموع كان يشعر بأنها أقوى منه .. وضغط على أسنانه قبل أن يجيبها بصوته المهزوز :
- أشعر بضيق يطبق على صدري يا نور .
تدافعت دموعها لتسيل بأسى على وجنتيها .. وكأن ما يصفه من ألم هو ما تشعر به الآن .. فراح قلبها يتأوه في أعماقها .. عندها حاول أن ينتزع حسام ابتسامه حنونة من شفتيه .. ومسح دموعها بينما سقطت دمعه كئيبة من عينيه ..
نظر لها بعينين محمرتين بمزيد من الدموع المحبوسة .. وبدأ يحدثها بصوته الدافئ المليء بالشجن :
- صغيرتي .. مهما حدث .. وحتى إن فرقتنا الأيام .. أو تغيرت تلك الوجوه أمامنا .. اعلمي أن عيناي لا تستطيعان رؤية سواك .. وإحساسي بكِ أكبر من أية مسافات ..
عضت نور شفتها السفلى كي لا تفلت ذلك النشيج المتعالي بداخلها .. بينما كانت نظرته تقتلها .. نظره لم تألفها في عينيه أبدا .. وكأنه يرى حلما أمامه .. وأن تلك الأنامل الساكنة بين أنامله مجرد سراب سرعان ما سيختفي .. أردف قائلا بصعوبة أكثر :
- يجب أن تدركِ بأن قلبي لم يعرف الحب إلا ليحبك أنت .. وحتى إن لم تريني .. تأكدي بأنني وفي مكان ما من هذا العالم املك قلبا يخفق فقط ليساير خفقات قلبك ..
خفضت نور رأسها فأسنده حسام بجبينه .. ودموعهما تحرقها لم تعد تحتمل هذا الغموض الذي يأسرها فيه .. رؤيتها له وهو يعاني ألما تجهله :
- كفى يا حسام .. كفى أرجوك .
حرر أنامله من بين يديها وطوق وجهها .. لترى إصرارا في عينيه :
- نور .. أنا .....
تعالت رنه هاتفه .. فراح يمسح دموعه قبل أن يجيب بصوت حاول جهده أن يكون طبيعيا :
- نعم .... أين .... سأحضر الآن .
وقف على عجله من أمره بمجرد إنهائه لتلك المكالمة التي لم تفهم منها شيئا :
- هل ستخرج ؟.
- نعم .. إنهم يريدون حضوري في المشفى .
أجابها وهو يتحاشى النظر إلى عينيها مما أكد شكوكها .. ولكنها لم تملك سوى اللحاق به حتى استوقفته أمام المخرج .. وقفت على أصابع قدميها وقبلته على خده :
- فلتنتبه لنفسك .
أهداها حسام ابتسامه يشوبها الكثير من الحزن .. ثم طبع قبلته الدافئة على جبينها .. دون أن يردف بشيء .. ظلت تتابعه بعينين قلقتين .. وقلب وجل .. كم تتمنى لو كان باستطاعتها إيقافه .. فهي تخشى عليه من هذه الكآبة المسيطرة عليه .. وهذا الألم الذي يعانيه .. والتي لم تتعودها أبدا في عينيه المرحتين ..
تنفست بصعوبة بالغه وهي تعود إلى حجره النوم .. سماعها لرنه هاتفه المحمول جعلها تنتبه بأنه نسي هاتفه مجددا .. رأت رقما غريبا من لندن يتصل عليه .. فكرت بأنه يتصل من هاتف عمومي كي يطمئن على هاتفه النقال .. ففتحت الخط :
- أين أنت ؟.
كان المتسائل صوت ذكوري جعل قلبها يجفل من الخوف .. وراح النبض يتسارع دون إرادة منها .. أنه يشبه صوت حسام كثيرا .. ولكنها قادرة على التمييز بينهما .. فلطالما سمعت هذا الصوت اللامبالي والذي عاود التساؤل بعد أن طال صمتها :
- حسام .. هل هذا أنت ؟.
أغلقت نور الهاتف بسرعة .. وكأنها تهرب من براثن وحش كاسر .. وشعرت ببروده تتسرب من قلبها لتهز سائر جسدها .. فعلى الرغم من هدوء ذلك الصوت إلا أنه عمل على اضطراب مشاعرها .. نعم .. فهي لم تعد تعرف وصفا دقيقا لما تحسه الآن .. ولكن شخص واحد ظل مسيطرا على تفكيرها .. بل ويستحوذ على جام قلقها .. إنه ذلك الشارد الكئيب حسام ..
|